تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العقول المعطلة



مجموعة آل سهيل الدعوية
2013-01-30, 02:52 AM
العُقــــــولُ المُعَطَّــــــ ــلَةُ
بقلم الشاعر
أبي رواحة عبد الله بن عيسى الموري
وفقه الله
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فيسرني أن أقدّم لإخواني المسلمين في كل أصقاع المعمورة , من متصفحي الإنترنت والشبكة العنكبوتية , هذه النصيحةَ الأدبية , أوجِّهها للذين غيَّبوا عقولهم في خِضَم المستجدَّات الدعوية , وعطَّلوها عن الدور الإيجابي فيما يحدث في الساحات الإسلامية .


هذا , وقد بيَّنتُ في هذه النصيحة شيئاً من أهمية استخدام العقول السليمة , أمام تلك التحديات التي تحدثها قِوى الكفر , والتنظير العالمي , وذلك بالرجوع إلى المفاهيم الصحيحة , والرؤى الشرعية الرجيحة , من خلال أصول ديننا الحنيف , ورسالة الإسلام الخالدة ,
وقد صغتُ ذلك في مقال أدبي شرعي , بعنوان :


العقول المعطَّلة
الحمد لله الذي جعل العقل دليلاً على ربوبيته ، وسبيلاً إلى وحدانيته ، والصلاة والسلام على من زكى الله له عقله وحفظ عليه فؤاده فقال : (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 2-4] ، وسلم تسليماً كثيراً ،
أما بعد :
فقد كرَّم الله الجنسَ البشريَّ على سائر المخلوقات فقال تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء : 70] .
فكان من أعظم ما أكرمه الله به أن جعل له عقلاً يميِّز به الصحيحَ من الخطأ ، والنافعَ من الضار ، والخيرَ من الشر ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )[البلد : 10],
قال الشاعر :
وأفضل قَسْم الله للمرء عقله * * * فليس من الأشياء شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله * * * فقد كملت أخلاقه ومآربه
لهذا فقد خاطب الله العقول الدالة على ربوبيته في كتابه العزيز ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) [العنكبوت: 61] وقد ضرب الله لهم الأمثال فقال: )لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )[الحشر : 21]
وقال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت : 43]
قلت: إنما تُضرب الأمثال دائماً لأصحاب العقول لتستبين لهم منارة الطريق الحق وضرب الأمثال وسيلة تربوية، بل إنها وسيلة مجردة من وسائل الإيضاح كما أنها نوع من أنواع التربية التجريبية استخدمها القرآن في كثير من المواقف كما في قوله تعالى: ( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [إبراهيم : 25]
كل ذلك ليستخدمها أصحابها فيما شرعه الله وأراده .
ولما عطَّلت عبَدةُ الطبيعة عقولَهم , ونسبوا ما في الطبيعة إليها صاروا إلى إنكار وجود خالق هذه الطبيعة وموجدها وهو الله عز وجل , بينما جاءت الآيات مصرِّحاتٍ بهذه الحقيقة ,
فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [فصلت : 39]
وقال تعالى: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) [الجاثية : 3 - 5]
وقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )[البقرة : 164] .
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )[غافر : 67]
وكيف يُنكَر هذا أو يُستبعد وقد حكى الله عن الهدهد وهو من العالم البهيمي أنه وحَّد الله واحتج على صحة توحيده بهذا الدليل المذكور في الآفاق، قال الله حاكياً عنه:
(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )[النمل : 25]
يعني المطر والنبات، فاحتج بحدوث هذين الأمرين العجيبين المعلوم حدوثهما مع تكررهما بحسب حاجة الجميع إليهما.
قلت : ومع كل ذلك لم يستفيدوا من عقولهم في التفكر في هذه الآيات الكونية , بخلاف المؤمنين الذين أداموا النظر في مخلوقات الله والتفكر في آياته , (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) واعترفوا به لله قائلين (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [آل عمران : 191-190] .
لأنَّ أَبْسَطَ الْعُقُولِ تُدْرِكُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ الله طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لَهُ , فكان التفكُّر في مخلوقاته سبحانه دالاً على ربوبيته ,
قال الشاعر :
تحضّ على الذِّكر الحميد بفعله * * * وفيها لأرباب العقول بصائرُ
ولما سئل ذلك الأعرابي بم عرفتَ ربك قال : ( البعرة تدل على البعير , والأثر يدل على المسير ، أرض ذات فجاج , وسماء ذات أبراج , وليل داج ، ونجوم تزهر , وبحار تزخر , ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير) ؟! كما في "إيثار الحق على الخلق" لابن الوزير .
قلت : بلى والله , قال أبو العتاهية :
ولله فـي كل تحـريكةٍ * * * وفي كل تسكينةٍ شاهد
وفي كل شيء لـه آيـة * * * تدل على أنـه واحـد
قال الله : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )[الأعراف : 185]
قال أبو نواس وهو الحسن بن هانئ في بيتي التوحيد :
عيونٌّ مـن لُجينٍ شاخصاتٌ * * * بأحداقٍ هي الذهب السبيكُ
على قُضُب الزبرجد شاهداتٌ * * * بـأنَّ الله ليس لـه شريكُ
قلت : فالعقل السليم هو الذي دفع الطُفيل بن عمرو ذلك العربي القرشي, حينما منعته قريش من السماع للنبي صلى الله عليه وسلم , قائلين له : إنا نخشى عليك وعلى قومك مثلما دخل علينا منه فلا تكلمه ولا تسمع منه حتى قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه وفي رواية حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسُفاً – أي قطناً - , فرَقا – أي خوفاً- من أني يبلغني شيء من قوله . قال : فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاما حسنا . فقلت في نفسي : واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته . فمكثت حتى انصرف إلى بيته ثم اتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت معه فقلت : يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا الذي قالوا لي فوالله ما تركوني يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثم قلت إن الله أبى إلا أن يسمعنيه فسمعت قولاً حسناً فاعرض علي أمرك فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم الإسلام وتلا عليه القرآن فقال : لا والله ما سمعت قولاً قط أحسن من هذا ولا أمراً أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق . مختصر تاريخ دمشق (1 / 1544)
قال البيهقي في شعب الإيمان - (4 / 162)
4665 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن عبد الله قال : سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول : كان الناس في الجاهلية يتبعون ما استحسنت عقولهم و طبائعهم فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فردهم إلى الشريعة والإتباع بالعقل الصحيح الذي يستحسن محاسن الشريعة و يستقبح ما يستقبحه .
قلت : وهذا العقل الناضج هو الذي أقعد ابنَ عباس العالم الحبر البحر , صاحبَ العقل النير , والفهم السليم , - على صغر سنِّه - في حلقة الخليفة الراشد عمر , بين يدي شيوخ الصحابة , ليجيب عما عجزوا عنه من أن نزول سورة النصر كانت إيذاناً بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم , حتى قال عمر :( ما أعلم منها إلا ما تقول ) , كما في ترجمته من السير (3/343).
ولا عجب فقد قال عنه عمر نفسه أيضاً : ( ذاك فتى الكهول , له لسانٌ سؤول وقلبٌ عَقول ) أخرجه الطبراني والحاكم , وهو حسن بمجموع طرقه .
قلت : كيف لا ؟! وهو القائل لما كبرت سنُّه وذهب بصرُه :
إنْ يأخـذ اللهُ من عينيَّ نورهما * * * ففي لسـاني وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخَل * * * وفي فمي صارم كالسيف مأثور
ولما كان العقل نعمة ميَّز الله الإنسان وفضَّله به على سائر المخلوقات ,
قال الشاعر :
لولا العقولُ لكانَ أدنى ضيغمٍ * * * أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
فكان الواجب إعماله والحذر من تغييبه وتعطيله ، فإن أناساً عطَّلوا عقولهم فصاروا في عِداد البهائم , وفيهم قال الله ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) [الفرقان : 44] .
لهذا فإنه لما عطَّل أهل الفلسفة والإلحاد عقولهم عطَّلوا عبادة الله وتشريعه , فخلصوا إلى إنكار وجود الله ,حتى صارت لهم مثلاً العبارة السائدة اليوم ( لا إله والحياة مادة ) وذلك هو مذهب الشيوعيين والدهريين والزنادقة والملاحدة الذين يقولون لا شيء إلا المادة , هادمين قاعدة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات : 56].

مجموعة آل سهيل الدعوية
2013-01-30, 02:54 AM
ولما عَطلتْ النفاةُ والمعطلةُ عقولَهم عطَّلوا خالقهم من أسمائه وأخلوه من صفاته ، فقالوا : سميع بلا سمع وبصير بلا بصر لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه ، حتى ذكر صاحب المقالات السنية في كشف ضلالات الفرقة الحبشية (1 / 207) القصة التي دارت بين شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصمه أمام الحاكم، ولما تبين للحاكم ضلال هؤلاء العلماء الذين يقولون كما يقول أحباش اليوم بأن الله ليس في مكان قال الحاكم: "هؤلاء قوم أضاعوا ربهم".
ثم ذكر شيخ الإسلام أن أهل السنة والجماعة ليسوا معطِّلة ولا مجسِّمة.
وقال: "الحقيقة أن المجسِّم يعبد صنَما والمعطِّل (أمثال الحبشي) يعبد عدَّماً".
ثم قال الشيخ الألباني "إننا لو قلنا لأفصح رجل باللغة العربية: صف لنا المعدوم الذي لا وجود له، لما استطاع أن يصفه بأكثر مما يصف هؤلاء معبودهم وربهم!"
فالمعدوم هو الذي ليس داخل العالم ولا خارجه، فهل الله كذلك؟ حاشَ لله، كان الله ولا شيء معه".أ هـ المراد
وعلى العكس منهم المشبهةُ الذين جعلوا صفات الخالق كصفات المخلوقين , فصاروا إلى ضلال مبين , حين قالوا ( له سمع كسمعنا وبصر كبصرنا ويد كأيدينا) إعمالاً لآرائهم المضلِّلة , وعقولهم المعطَّلة , في مصادمة النصوص الشرعية , فردَّ الله قول الطائفتين فقال: (..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير) [الشورى:11].
في حين أننا نجد أناساً قد أغرقوا في إعمال عقولهم واستحسان زبالة أذهانهم في معارضة الأدلة ومضاهاة الشرع , كما حصل هذا من الفلاسفة وأرباب الكلام , ومع أن العقل السليم لا يخالف النص الصحيح الصريح - فيما ذكره شيخ الإسلام - , إلا أن هؤلاء أتكأوا على نظرتهم العقلية ومفاهيمهم الفكرية, دون العمل بمدلولات الشريعة , فزلَّت أقدامُهم وندموا على ما قضوه من أيامهم في زمنهم الغابر , متابعةً لفلسفات العقول , وزبالات الأذهان .
قال العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله : وقد كان من المعلوم أن مذهب الفلاسفة من أخبث المذاهب، وأنهم من أضل الناس، وأبعدهم عن سلوك الصراط المستقيم، وإتباع سبيل المؤمنين، وإنما غالب علومهم النظر في العقليات، وأما ما كان عليه الرسل وأتباعهم فهم لا يعرفونه، ولذلك كانوا يعارضون ما بلغهم من النقليات بما عندهم من العقليات بآرائهم الفاسدة، وأوهامهم الكاسدة، فليسوا في الحقيقة من أهل الإسلام وعلومهم في شيء , وقد ذهب طوائف من المتكلمين وغيرهم من أهل الإسلام إلى ما وضعوه من العقليات، واستحسنوا ذلك، فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ...الخ من كتابه : (إقامة الحجة والدليل وإيضاح المحجة والسبيل) ( 1/48 )
قلت : حتى قال فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي صنفه :
[ أقسام ] اللذات :
نهايةُ إقـدامِ العقـولِ عِقـالُ * * * وغـايةُ سعْـي العـالمين ضـلالُ
وأرواحُنا في وحشةٍ من جُسومنا * * * وحاصلُ دنيـانـا أذىً ووبـالُ
ولم نستفد من بحثنا طـولَ عمْرنـا * * * سوى أنْ جمعنـا فيه : قيل وقالوا
لقد تأمَّلت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلا ًورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات : "الرحمن على العرش استوى" , "إليه يصعد الكلم الطيب" , وأقرأ في النفي : "ليس كمثله شيء" , "ولا يحيطون به علما" , ثم قال : ومن جرَّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي .
(أ هـ بتصرف من شرح العقيدة الطحاوية) (1 / 208)
وكان أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ يقول : يَا أَصْحَابَنَا لَا تَشْتَغِلُوا بِالْكَلَامِ ، فَلَوْ عَرَفْتُ أَنَّ الْكَلَامَ يَبْلُغُ بِي إِلَى مَا بَلَغَ مَا اشْتَغَلْتُ بِهِ . وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ : لَقَدْ خُضْتُ الْبَحْرَ الْخِضَمَّ ، وَخَلَّيْتُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ ، وَدَخَلْتُ فِي الَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ ، وَالْآنَ فَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِابْنِ الْجُوَيْنِيِّ ، وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي , أو قَالَ : عَلَى عَقِيدَةِ عَجَائِزِ نَيْسَابُورَ .كما في (شرح العقيدة الطحاوية) (1 / 483)
قلت : ومن شؤم هذا المنهج الذميم أن من أغرق فيه ولو على سبيل الرد على أتباعه أنه ربما لا يسلم منه , ولا يتخلص من آثاره حتى قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد – يعني الغزالي - بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم، فما استطاع . كما في ترجمته من سير أعلام النبلاء .
قلت : وذلك أن الإمام الشافعي رضي الله عنه تكلم على أهل الكلام ومن قلدهم فقال رحمه الله: (حكمي فيهم أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في القبائل والعشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام والعقل فإنهم أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء وأعطوا فهوماً وما أعطوا علوماً أعطوا سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. ومن كان عليماً بذلك ظفر له من الفرقة المستثناة كيف كان حذقهم وفضلهم وعلمهم ,وان من لم يقتصر على ما جاء عن الله ورسوله لم يزدد من الله إلا بعداً , فنسأل الله العظيم أن يهدينا صراطه المستقيم) .كما نقله سليمان بن عبد الله بن محمد عبد الوهاب في (التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق) (1/ 112)


قلت : هذا وإن لهذه النماذج العقيمة والمفاهيم السقيمة والمعايير الذميمة أتباعاً يظهرون في كل جيل ، وأنصاراً يبرزون في كل عقب ، وإن اختلفت مشاربهم وتعددت مساربهم وتغايرت هيئاتهم وطقوسهم إلا أن النتيجة تبقى واحدة , وهي مصادمة الشرع بالآراء الفاسدة , والمفاهيم الكاسدة .
* فهذا عبد الله القصيمي كان آية في الفهم والذكاء والرد على المخالفين فأوغل في الرد على اليهود والنصارى وأرباب الفلسفة بما آتاه الله من قوة الحجة والحافظية , فما زال كذلك حتى داخله الغرور والعجْب فكان يقول :
إذا مشيتُ رأيتُ الناس في أثَري * * *وإنْ وقفتُ فما في الناس من يجري
فكان ذلك سبباً في انتكاسته وانحرافه عن دين الإسلام ، بل بلغت به الحال إلى أنْ يؤلِّف كتباً يطعن بها في الإسلام , ويرد بها عليه , مثل كتابه الأغلال ، أي أن الإسلام قيود وأغلال ، نسأل الله العافية .
هذا , وإنه مما يؤسَفُ له أن يسمى هذا الصنف في عصرنا الحاضر بالمفكِّرين الإسلاميين ، في حين أن فكْرهم مناهض للإسلام ومناقض للعمل بنصوصه الشرعية ، لأن من كليات هذا الدين وأصوله الثابتة الإيمانَ بالغيبيات , وقد امتدح الله أهل الإيمان في أول سورة البقرة بهذه الصفة فقال عنهم (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) [البقرة : 3] .
غير أننا نجد أن هؤلاء المفكرين قد سطَّروا ما يخالف عقيدة المؤمنين بالغيبيات .

قلت : أراد أن ينسب إلى مذهب السلف القول في الصفات الإلهية بالتفويض المطلق , فنسب إليهم منهج المفوِّضة , وليس هو بمعتقد أهل السنة , وإنما معتقدهم أنهم يثبتون صفات الله عز وجل , على الوجه اللائق به سبحانه , جمعاً بين النصوص , ويفوِّضون العلم بكيفية تلك الصفات .
* وهذا حسن الترابي الذي يقول عن الحديث الذي أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً ) هذا كلام رسول الله في أمر طبي آخذ فيه بقول الطبيب الكافر ولا آخذ بقول رسول الله ولا أجد في ذلك حرَجاً البتة)كما في كتابه .
قلت : ولا عجب فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي مسعود البدري مرفوعاً : ( إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ) .
* يقول عن الحديث : الذي أخرجه البخاري ومسلم من طريق عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: (أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِى إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ - قَالَ - فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ أَىْ رَبِّ ثُمَّ مَهْ قَالَ ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ فَالآنَ فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ » وهذا لفظ مسلم

مجموعة آل سهيل الدعوية
2013-01-30, 02:55 AM
وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه برقم ( 1854) من حديث أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ ». قَالُوا أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ « لاَ مَا صَلَّوْا ».
قلتُ : فما دامت الشعائر قائمة كالصلاة في المساجد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله لم يجز الخروج على أولئك الولاة ولو كانوا ظلمةً جائرين .
_فإن قالوا : إن حكام بعض البلدان الإسلامية قد صاروا كفارا , وفي الحديث ( إلا أن تروا كفراً بواحاً ) , فلم تمنعوننا من الخروج عليهم , وقد رأينا منهم الكفر البواح ؟!!
قلنا : فهل توفَّرت لكم القوة الذاتية من العتاد والعدة , والقوة المعنوية من التسلح بالعقيدة والتفقه في دين الله ؟!, ثم هل تحققت لكم المصلحة من ذلك الخروج ؟!.
- فإن قالوا : لقد أخذوا أموالنا وانتهبوا خيرات بلادنا واستأثروا بها لأنفسهم , قلنا : أخرج البخاري من طريق زَيْد بْن وَهْبٍ قال سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: قَالَ: لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ ).
وأخرج مسلم من طريق عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ « اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ».
وأخرج البخاري من حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: ( بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ) .
- فإن قالوا : لقد ظلمنا حكامُنا واستخفّوا بنا , وصاروا كالشياطين في تعاملهم معنا , فإلى متى نصبر على هذه الحال ؟!!
قلنا : لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بما أمره الله به وأمر الأنبياءَ من قبله بالصبر في حق من وجد ظلماً له وأثرة عليه لما جاء في صحيح مسلم من حديث حذيفة , وفيه : (قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ كَيْفَ قَالَ « يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاي وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ».
قلت : وقد حكم مصر قبل مبارك أعظم مجرم على وجه الأرض وهو فرعون فما دعا موسى قومه للخروج عليه وإنما دعاهم للصبر ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )[الأعراف : 128]
قال الإمام البخاري حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: (أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
وقال الآجري في الشريعة - (1 / 36)
قال رحمه الله : أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد البحتري الجبائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا عمرو بن يزيد صاحب الطعام ، قال : سمعت الحسن أيام يزيد بن المهلب يقول : - وأتاه رهط - فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ، ويغلقوا عليهم أبوابهم ، ثم قال : والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله عز وجل ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون الى السيف فيوكَلون إليه ، ووالله ما جاؤوا بيوم خير قط ، ثم تلا : وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون .
قلت : ومما يزيد الطين بِلةً والأمر علةً , ما يخرجه أئمة تلك الدعوات ومنظِّروها من فتاوى مخالفة لأدلة الشرع ومفاهيم الرسالة , مثل تجويزهم يوم الغضب الصليبي اليهودي ، والعمليات الانتحارية , وما يسمونه بالمظاهرات السلمية , فيقال لهم أما يكفيكم تضليلاً للأمة ، وتعطيلا لعقولهم وتغييباً لها عن طاولة الشرع ؟!
فيا علماء السوء أين عقولكم * * * وأين الحديث المسنَد المتخير ؟!
- ألا ترون أن في صنيعكم هذا ما يزيد في الفتن ويدعو إلى سفك الدماء ؟! وفي حديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري (لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)
- ألا ترون أن في صنيعكم هذا ما يشجع على إتاحة الفرصة لفِرَق النهب وعصابات الفساد ، فيختل بذلك الأمن , ويضمحل الاستقرار ؟! ،
- كذلك ألا تنظرون إلى ما آلت إليه الأمور من الفتن والكوارث والتي لا تكاد تنتهي , وقد تحققت فينا بسببكم مرادات قادات الغرب ، فانظروا في ذلك جيداً وتأمَّلوه , فإن النظر في عواقب الأمور تلقيح للعقول . أم أنكم قد فقدتم عقولكم حتى صارت خالية من الحكمة فإن العقول إذا فقدت قوتها من الحِكَم , فقد ماتتْ موتَ الأجساد عند فقْد الطعام , وما ذاك إلا أن أيدي العقول تمسك بأعنة الأنفس عن الوقوع في الشهوات والهوى , فإذا انحلَّتْ عُرى تلك الأيدي حلَّتْ الفواقر .
قلتُ: وما ذا خلَّف الخروجُ على الحكام والانقلابُ على الرؤساء , إلا الفتن والكوارث , من إراقة الدماء , وسلْب الأموال , واختلال الأمن , والتعدي على الحرُمات ؟!! , وما يحصل في مصر وتونس هذه الأيام خير شاهد على ذلك , فهل يريدون الحال نفسها في البحرين واليمن , وأخيراً في الكويت , وسائر البلدان المسلمة ؟!! ,
قال الشاعر :
سقطتْ طيور الرَّوع فوق رؤوسهم * * * فتركْن أطيـارَ العقول تحـومُ
وسأختم بهذا الحديث الذي كان سببا في كتابة هذا المقال , وذاك لأنه يعتبر موعظةً بليغةً لكل هذه الأصناف التي تقدَّم الحديث عنها , فقد قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ قَالُوا أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ إِنَّا لَنَقْتُلُ كُلَّ عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَالُوا وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ يَحْسِبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ).
قَالَ عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ أَبُو مُوسَى : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجًا إِنْ أَدْرَكَتْنِي وَإِيَّاكُمْ إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا لَمْ نُصِبْ مِنْهَا دَمًا وَلَا مَالًا ) . أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن المبارك في مسانيدهم ,وابن ماجه في سننه برقم 9395
وفيه : حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته )من طرق لا تخلو طريق من ضعف إلا أن الحديث لا ينزل عن مرتبة الحسن , وقد صححه المحدث الألباني رحمه الله .
قلت : فهذا الحديث يعتبر علَماً من أعلام النبوة , ذلك أن الذين قد شاركوا في هذه المسيرات الغوغائية , والمظاهرات الخارجية أنها قد نزعت منهم عقولهم , وهم مع ذلك يظنون أنهم على شيء وليسوا على شيء , فهل من معتبر ؟! . ألا وإن من أحسن ذوي العقول عقلاً , من أحسن تقدير أمر معاشه ومعاده ، تقديراً لا يفسد عليه واحداً منها نفادُ الآخر ، فإن أعياه ذلك رفض الأدنى وآثر عليه العظيم .
فهؤلاء هم الذين يُعضُّ على صحبتهم بالنواجذ ,
قال الشاعر :
ومـا بقيت من اللـذات إلا * * * محـادثة الرجـال ذوى العقول
وختاماً أقول : لقد جنَّب الله أهل العلم والسنة ذلك الخلطَ والتخبُطات , وصرَف عن بلد التوحيد والسنة تلك الفتنَ والمخططات ، فلا يسعنى إلا أن أقول : لمن كان قد تشرَّف بالانضمام إلى تلك الكتائب الباقية على أمْر سلفها الأول ،
متمثلاً قول الشاعر :
إذا كنت ذا عقل صحيح فلا يكن * * * عشيرك إلا كل من كان ذا عقل
فذو الجهل إن عاشرته أو صحبته * * * يضلك عن عقل ويقويك بالجهل
اللهم يا من فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده؛ وجعل ما امتن به من ذلك على خلقه كفاءً لتأدية حقه؛ لا تجعل للهوى على عقولنا سبيلا، ولا للباطل على أعمالنا دليلاً.
وارزقني حُسْنَ القولِ وصلاحَ العمل .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين .


كان الفراغ من تدوين هذا المقال
في صبيحة يوم الجمعة ( 10/6/1432هـ بجدة .
بقلم الشاعر: أبي رواحة عبد الله بن عيسى الموري " وفقه الله"
نشر/مجموعة آل سهيل الدعوية
تحت إشراف /سهيل بن عمر بن عبد الله بن سهيل الشريف.