تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عقبات في طريق الالتزام 2- (الرياء) من كلام الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي



أبو زيد الشنقيطي
2008-01-08, 12:57 PM
قال حفظه الله في أحد دروسه في شرح السسن للترمذي –ويبدو أنه بعد انقطاع يسير- في باب بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ أَمَّ قَوْماً وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين ، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين ، أما بعد :
- فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وأياكم الإخلاص في القول والعمل - ، وحري بطلاب العلم وبأهل العلم دائماً أن يتذكروا حق الله-عز وجل- في إخلاص العمل لوجهه ونحن في بداية دروس هذه العطلة الصيفية بل ينبغي في كل حال أن يوصي بعضنا بعضاً بالإخلاص ؛ لأن الله أحب من عباده المخلصين وبارك أقوالهم وأعمالهم ونفعهم بعلومهم في الدنيا والآخرة ، ولله يومٌ ينفع فيه الصادقون صدقهم ، فحري بالمسلم دائماً أن يتذكر حق الله-عز وجل- في إخلاص العمل لوجهه ، وتجديد النية في طلب العلم لوجه الله-عز وجل- فمن أخلص لله على أتم الوجوه وأكملها وفى الله له ، وكانت له ثمرة العلم على أتم الوجوه وأكملها ولا أوفى من ربك ولا أصدق منه قيلاً ، ولا أتم منه عهداً-عز وجل- كما قال وقوله الحق : { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ } ، وقال الله حينما بعث من بني اسرائيل أثني عشر نقيباً قال الله : { قَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ } فالله مع من معه ، ومع من أخلص لوجهه وأراد ما عنده ، وكان أهل العلم-رحمهم الله- يوصي بعضهم بعضاً أن يذكروا طلابهم بالإخلاص لوجه الله ، وما دخلت الدواخل ولا نزعت البركة من العلم بشيء أعظم من الرياء فيه أو قصد غير وجه الله - فنسأل الله بعزته وقدرته أن يستل من قلوبنا إرادة غير وجهه ، وأن يغفر لنا ما سلف وكان ، وأن يبارك لنا فيما بقي من أعمارنا من أزمان- .
وفي مقدمة شرحه لعمدة الأحكام ورد غليه السؤال التالي:
هذا سائل صدر سؤاله بحبه لكم وجميعنا هنا نشاركه في مشاعره ونقول : يعلم الله العلي القدير أننا نحبكم في الله . سؤاله عن الإخلاص كيف يكون في طلب العلم وكيف نقدر عليه ؟
الجواب :
بسم الله ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أمابعد :
-فأشهد الله العظيم رب العرش الكريم على حبكم فيه ، وأسأل الله العظيم أن يجمعنا بهذا الحب في دار كرامته- .
أما ما سألت عنه أخي في الله من الطريق للإخلاص فنحن ذكرنا أن الإخلاص واجب على طالب العلم ولكن يسأل سائل كيف السبيل إلى هذا الإخلاص ؟
هناك أمران مهمان يعينان بإذن الله-عز وجل- على الإخلاص لوجهه :
الأمر الأول : كثرة الدعاء ؛ فإن الإنسان لا ينال الخير إلا بفضل الله- عز وجل - فاسأل الله أن يجعلك مخلصاً وادعو الله في سجودك وفي مواضع الإجابة التي ثبتت بها السُّنة أن يجعلك مخلصاً وأن ينفعك بهذا العلم .
وأما الأمر الثاني : الذي يعين على الإخلاص فهو كثرة ذكر الآخرة فإن الإنسان إذا استشعر أن الله سيسأله عن هذا العلم وأن الله سيحاسبه أخلص لوجه الله-جل جلاله- ، والله ما من كلمة فتعلمت أو تتعلمها إلاَّ وقفت بين يدي الله- عز وجل - يسألك هل تعلمتها لوجهه أو تعلمتها لأحد سواه ، فمن علم أن الله سائله وأن الله محاسبه فإن ذلك يعينه على الإخلاص لوجه الله-جل جلاله- .
كذلك - أيضاً - يذكر مـن الآخرة أهوالها وشدائدها ويعلم أنه لا ينتفع من هذ العلم إلا إذا أراد وجه الله –جل جلاله- ، وأن الله يفزع عنه تلك الأهوال والشدائد إذا أخلص في هذا العلم فيبلغه منازل الصديقين وهم العلماء العاملون بعلمهم هذه من الأمور التي تعين على الإخلاص لوجه الله-جل جلاله- .
كذلك - أيضاً - مما يعين على الإخلاص كثرة قراءة تراجم السلف الصالح فإنها تعين على انكسار القلوب وإرادة وجه الله-جل وعلا- في العبادات والطاعات والقرب .
كذلك - أيضاً - مما يعين على الإخلاص الزهد في الدنيا فإن الإنسان إذا احتقر الدنيا وأهانها جاءته صاغرة ذليلة ولا يجتمع في قلب الإنسان العلم والدنيا فإما علم يراد به وجه الله ، وإما دنيا تأتي على ما هناك فلا يجتمع إرادة الدنيا وإرادة وجه الله-جل جلاله- ، ولذلك قال-تعالى- في الحديث القدسي : (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )) فيخلص الإنسان لوجه الله-جل جلاله- ويعلم أنه إذا ترك الدنيا أقبل على الآخرة فهذه من الأمور التي تعين على الإخلاص في العلم ، وكلما وجدت الإنسان نزيهاً عفيفاً عن الدنيا معرضاً عنها دون غلو وتنطع كلما وجدته أصدق الناس في العلم وأصدقهم في ضبطه وتحصيله ونفع المسلمين ، وكذلك انتفاعه هو بعلمه الذي يحمله - نسأل الله العظيم أن يبلغنا ذلك - ، والله - تعالى - أعلم
وفي شرحه لدروس الترمذي: بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوعِ جاءه السؤال التالي:
في قول النبي- صلى الله عليه وسلم - : (( لأن يهدي الله بك رجل واحداً خير لك من حمر النعم )) هل هذه الهداية هي هداية الكافر إلى الإسلام أم هداية العاصي إلى الطاعة أم كلتا الهدايتين ؟ بماذا يوصى السالك في طريق الهداية ؟
الجواب :
أما بالنسبة لسياق الحديث وسباق الجملة فإنها خاصة بالهداية إلى الإسلام ؛ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال هذه الكلمة لعلي- وأرضاه- يوم خيبر ، ولا شك أنهم نازلون بساحة يهود بخيبر وهم على الكفر يدعوهم إلى الإسلام كما أمر به-عليه الصلاة والسلام- في سياق الحديث نفسه ، فالسياق يقتضي تخصيص بالهداية إلى الإسلام .
وأما بالنسبة لعموم اللفظ فاللفظ يشمل جميع الهداية : (( فالآن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )) أي وربي ؛ لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً في شرائع الإسلام كلها قليلها وكثيرها صغيرها وكبيرها وظاهرها وباطنها سرها وعلانيتها كلها ما هدى عبدا إلى شيء منها إلا جعل الله له في ميزان حسناته مثاقيل الحسنات ، وأوجب له رفعة الدرجات ، فكم من سنة تكلم بها العبد ! مخلصاً لوجه الله-سبحانه وتعالى - هادياً وداعياً إلى الله بها سمعتها أمم وانتفعت بها أمم وكتب الله له مثل أجر من عمل بتلك السنة إلى قيام الساعة ، فُيكتب له أجر من سمع وأجر من عمل بعد سماعه ، وأجر من تعلم ممن سمع منه إلى قيام الساعة ، وهذا فضل العظيم فإن من دعاء إلى هدىً كان له أجره وأجر من عمل به إلى قيام الساعة لا ينقص من أجورهم شيئاً ، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- : (( أن العبد إذا نشر له ديوانه وأقيم له ميزانه جاءت أعمال كالغمامات فيقول يا رب ما هذا ؟ فيقول سنن هديت إليها كان لك كأجر من عمل بها )) فالعاملون بالعلم هم وما عملوا به وما علموه في ميزان حسنات من تعلم منه فهذا فضل عظيم لكل من دعا إلى الله ، ولذلك تهون المشاق والمتاعب ، وتذلل المصاعب في سبيل الدعوة إلى الله وتبليغ الرسالة لله ، وإقامة حجة لله على خلق الله ، فمن حمل هذا النور بين دفتي صدره وهو يرجو رحمة ربه ، وتكلم به والجنة والنار بين عينيه ، ودعا إليه وهو يرجو رحمة الله فيما يقوله وما يدعو إليه فإن الله-سبحانه وتعالى - يكتب له كلماته ، بل يكتب له حروف الكلمات ، وتسطر تلك الكلمات في ديوان عمله يراها أمام عينيه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ولا يمكن أن ينتفع الداعية لدعوته وكلمته ونصيحته وإرشاده ودلالته إلا إذا أراد وجه الله وابتغى ما عند الله فعظمت الآخرة في عينيه وامتلأ بها قلبه فأصبحت أكبر همه ومبلغ علمه وغاية رغبته وسؤله فعندها لا يبالي بأي مشقة ولا يبالي بأي تعب ولا نصب .
وإذا أراد الله أن يتمم عليه النعمة صرف عنه الدنيا كلها بمدحها وثنائها وما يكون فيها من زينتها حتى يخلص لله في آخرته فيكون من عباده المصطفين الأخيار كما قال- سبحانه وتعالى - : { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } فخير ما يوصى به الداعية إلى الله ، وخير من يوصى به من يتكلم في سبيل الدعوة إلى الله ودلالة الخلق الله على الله أن يريد وجه الله- سبحانه وتعالى - وأن يتذكر وأن يجعل نصب عينيه ذلك الموقف الذي يقف فيه بين يدي ربه فيقول الله له : (( - عبدي - ألم تكن جاهلاً فعلمت ؟ فيقول : بلى - يا رب - فيقول : ألم تكن وضيعاً فرفعتك ألم تكن كذا وكذا ..؟ فيقول : بلى - يا رب - فيقول الله : ماذا عملت لي ؟ )) فإذا استشعر هذا الموقف توجه إلى الله بقلبه وقالبه وأراد الله بقوله وعمله فعظمت أقواله وأعماله وانتفع الناس من علمه وبارك الله في دعوته وخرجت الكلمات القليلة فثقل الله-عز وجل - أجورها بالإخلاص فكم من عمل قليل عظمته النية ! وكم من كلام يسير بارك الله فيه بالنية ! .
فأهم ما يوصى به إنسان الإخلاص ، والإخلاص ينبغي أن يكون مع طالب العلم ، ومع الداعية ، ومع العالم ، ومع كل مسلم في كل لحظة وفي كل وقت ، وكان بعض طلاب العلم يقول لبعض أقرانه الذين يطلبون معه العلم يقول : وددت أني أذكر بالإخلاص في كل لحظة والله لا أسام ولا أمل " لا أمل ؛ لأنه حق الله الذي يقوم عليه الدين كله فالدعوة لا تمحق بركاتها بشيء مثل انصراف عن الإخلاص والغفلة عن الإخلاص ، فيذكر العبد ربه بقلبه بالإخلاص فيملأ قلبه بالله- سبحانه وتعالى - وهو يستشعر أن الله- سبحانه وتعالى - سيعظم جزاءه ، ولذلك كان أئمة السلف ودواوين العلم يطيبون هذا العلم ويطيب علمهم بالإخلاص فما وضع الله البركة في أقوالهم وأعمالهم وعلومهم وتعليمهم للناس وكتبهم إلا بالإخلاص ، وما كانوا كذلك إلا حينما انصرفوا عن الخلق للخالق وأرادوا ما عند الله وفضلوه وعظموه على ما سواه .
فهذا عطاء بن أبي رباح كان من الموالي وكان-رحمه الله- بحالة في منظره ، فقد كان-رحمه الله- أشل وكانت صورته ليست كغيره في جمال المنظر والحال ؛ ولكنه كان إماماً في العلم والعمل ، وكان يملأ قلوب الناس بعلمه وصلاحه وورعه ، وذكر بن خلكان-رحمه الله- أنه كان يصيح الصائح في الحج لا يفتي الناس في المسائل إلا عطاء بن أبي رباح من علمه وتقواه ! دخل إلى بيت الله الحرام ودخل معه سليمان بن عبد الملك وهو خليفة المسلمين فقال : - يا عطاء - سلني حاجتك ؟ - وهو إمام زمانه وعالم أوانه - ، فوقف أمام خليفة المسلمين فقال له : - سلني حاجتك - ؟ فقال : - يا أمير المؤمنين - إني لأستحي أن اسأل أحداً في بيت الله-سبحانه وتعالى - ! استحي من الله أن اسأل أحداً في بيت الله ، فلما خرج من المسجد قال : - يا عطاء - سلني حاجتك قال : - يا أمير المؤمنين - أن يغفر لي ربي ذنبي ! فقال : - يا عطاء - ليس ذلك إلي إنما سألتك أن تسألني حاجتك من الدنيا قال : - يا أمير المؤمنين - إني لم أسأل الدنيا من يملكها أفأسألها من لا يملكها ! ما سألت الدنيا من يملكها- سبحانه وتعالى - ولا سألت ربي أن يعطيني الدنيا أفأسألها من لا يملكها ! -فرحمهم الله برحمته الواسعة وأنار قبورهم بأنواره الساطعة- لما أخلصوا لربهم وأرادوا وجه ، فالعلم يطيب والدعوة إلى الله تطيب ، ولا يعذب الإنسان ولا يفتن بشيء ، كالإخلاص يعذب من أجله ويفتن من أجله حتى يصبح ذلك دليلاً على صدقه وإرادته لله-جل جلاله- تخرج من بيتك ، وإذا بك تستولي عليك الخطرات والوساوس من المدح والثناء ، ولربما زكاك الناس ومدحوك ، ولربما دخل عليك الداخل حتى في أبسط الأشياء وأقلها في نظر الإنسان ، قد يُفتن بها عن سبيل الإخلاص في دعوته ، فالله الله الإخلاص الذي عليه صلاح الدين والدنيا والآخرة وصلاح الأقوال والأعمال .
نسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يرزقنا الإخلاص لوجهه وابتغاء ما عنده

عبدالله ابوحسام
2008-10-19, 06:25 PM
شكرا لك ... بارك الله فيك ...

شجرة الدرّ
2010-12-13, 07:45 AM
وكان بعض طلاب العلم يقول لبعض أقرانه الذين يطلبون معه العلم يقول : وددت أني أذكر بالإخلاص في كل لحظة والله لا أسام ولا أمل " لا أمل ؛ لأنه حق الله الذي يقوم عليه الدين كله


نقلٌ موفق ..

أحسن الله إليكم ..

أبو معاذ حسين
2010-12-13, 10:13 AM
أحسن الله إليكم