ابو العبدين البصري
2012-07-29, 11:31 PM
الصوم يكون مع أهل البلد جمعاً للكلمة وحرصا على وحدة الصف
قال العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة تحت الحديث :
" الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون " ( 1).
فقه الحديث :
قال الترمذي عقب الحديث: " وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس ".
وقال الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 72) :" فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس، وأن المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية ".
وذكر معنى هذا ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " (3 / 214) ، وقال: " وقيل: فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم ويفطر، دون من لم يعلم، وقيل: إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أنه لا يكون هذا له صوما، كما لم يكن للناس ". وقال أبو الحسن السندي في " حاشيته على ابن ماجه " بعد أن ذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي : " والظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرد فيها، بل الأمر فيها إلى الإمام والجماعة، ويجب على الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة، وعلى هذا، فإذا رأى أحد الهلال، ورد الإمام شهادته ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك ".
قلت: وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث، ويؤيده احتجاج عائشة به على مسروق حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر، فبينت له أنه لا عبرة برأيه وأن عليه اتباع الجماعة فقالت: " النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس ".
قلت: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد - ولو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم والتعبيد وصلاة الجماعة، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض وفيهم من يرى أن مس المرأة والعضو وخروج الدم من نواقض الوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتم في السفر، ومنهم من يقصر، فلم يكن اختلافهم هذا وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد، والاعتداد بها، وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء، ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى، إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه، فروى أبو داود (1 / 307) أن عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربعا، فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها، ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، ثم إن ابن مسعود صلى أربعا! فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟ ! قال: الخلاف شر. وسنده صحيح. وروى أحمد (5 / 155) نحو هذا عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين.
فليتأمل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم، ولا يقتدون ببعض أئمة المساجد، وخاصة في صلاة الوتر في رمضان، بحجة كونهم على خلاف مذهبهم! وبعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك، ممن يصوم ويفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين، معتدا برأيه وعلمه، غير مبال بالخروج عنهم، فليتأمل هؤلاء جميعا فيما ذكرناه من العلم، لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل وغرور، فيكونوا صفا واحدا مع إخوانهم المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ( 2).
ومما يؤكد ما ذكرنا من أن هذه العبادة عبادة جماعية يراعى فيها وحدة الكلمة والصوم مع الناس وإن رآه العبد بعينه ما جاء في إجابة الإمامين الشيخ ابن باز والعلامة العثيمين رحمهما الله تعالى :
س: بماذا يثبت دخول شهر رمضان وخروجه، وما حكم من رأى الهلال وحده عند دخول الشهر أو خروجه؟
ج : يثبت دخول الشهر وخروجه بشاهدي عدل فأكثر، ويثبت دخوله فقط بشاهد واحد؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا » . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر الناس بالصيام بشهادة ابن عمر رضي الله عنهما، وبشهادة أعرابي، ولم يطلب شاهدا آخر عليه الصلاة والسلام.
والحكمة في ذلك والله أعلم الاحتياط للدين في الدخول والخروج، كما نص على ذلك أهل العلم، ومن رأى الهلال وحده في الدخول أو الخروج ولم يعمل بشهادته، فإنه يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، ولا يعمل بشهادة نفسه في أصح أقوال أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون » . والله ولي التوفيق.
( فتاوى ابن باز ) .
السؤال (133) : فضيلة الشيخ، ما حكم من رأى الهلال وحده ولم يصم معه الناس؟
الجواب: من رأى الهلال وحده يجب عليه أن يبلغ به المحكمة الشرعية ويشهد به، ويثبت دخول شهر رمضان بشهادة الواحد إذا ارتضاه القاضي وحكم بشهادته فإن ردت شهادته فقد قال بعض العلماء: إنه يلزمه أن يصوم، لأنه تيقن أنه رأى الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته" وهذا قد رآه .
وقال بعض أهل العلم : لا يلزم أن يصوم، لأن الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس، وموافقته للجماعة خير من انفراده وشذوذه، وفصل آخرون فقالوا : يلزمه الصوم سرا، فيلزمه الصوم، لأنه رأى الهلال، ويكون سراً لئلا يظهر مخالفة الجماعة .
(فقه العبادات) للعلامة العثيمين .
بل ذهب إلى ابعد من ذالك العلامة الألباني رحمه الله تعالى :
حيث قال في تمام المنة : ( ص 297 ) _ ومن اختلاف المطالع _
تحت هذا العنوان ذكر المؤلف ثلاثة مذاهب :
الأول: مذهب الجمهور أنه لا عبرة باختلاف المطالع لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".
متفق عليه وهو مخرج في "إرواء الغليل" 902 من طرق عن أبي هريرة وغيره.
الثاني : أن لكل بلد رؤيتهم ولا يلزمهم رؤية غيرهم ... واحتج لهم بحديث ابن عباس عند مسلم وغيره (3 ).
الثالث : لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها.
واختار المؤلف هذا المذهب الأخير معلقا عليه بقوله: "هذا هو المشاهد ويتفق مع الواقع".
قلت : وهذا كلام عجيب غريب لأنه ان صح أنه مشاهد موافق للواقع فليس فيه أنه موافق للشرع أولا ولأن الجهات - كالمطالع - أمور نسبية ليس لها حدود مادية يمكن للناس أن يتبينوها ويقفوا عندها ثانيا.
وأنا - والله - لا أدري ما الذي حمل المؤلف على اختيار هذا الرأي الشاذ وأن يعرض عن الأخذ بعموم الحديث الصحيح وبخاصة أنه مذهب الجمهور كما ذكره هو نفسه وقد اختاره كثير من العلماء المحققين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المجلد 25 والشوكاني في "نيل الأوطار" وصديق حسن خان في "الروضة الندية" 1 / 224 - 225 وغيره فهو الحق الذي لا يصح سواه ولا يعارضه حديث ابن عباس لأمور ذكرها الشوكاني رحمه الله ولعل الأقوى أن يقال: إن حديث ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده ثم بلغه في أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين أو يروا هلالهم. وبذلك يزول الإشكال ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلا كما قال ابن تيمية في "الفتاوى" 25 / 157 وهذا أمر متيسر اليوم للغاية كما هـ معلوم ولكنه يتطلب شيئا من اهتمام الدول الإسلامية حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى .
وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ولا ينقسم على نفسه فيصوم بعضهم معها وبعضهم مع غيرها ممن تقدمت في صيامها أو تأخرت لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين. والله المستعان .
ومن من رأى الهلال وحده :
وتحت هذا العنوان الجانبي قال : "واتفقت أئمة الفقه على أن من أبصر هلال الصوم وحده - أن يصوم".
فأقول : هذا ليس على إطلاقه بل فيه تفصيل ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له فقال 25 / 114 " إذا رأى هلال الصوم وحده أو هلال الفطر وحده فهل عليه أن يصوم برؤية نفسه أو يفطر برؤية نفسه؟ أم لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس؟ على ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عن أحمد".
ثم ذكرها والذي يهمنا ذكره منها ما وافق الحديث وهو قوله :
والثالث : يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر الأقوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون". رواه الترمذي وقال : حسن غريب .
قال: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال : إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس".
وهذا الحديث مخرج في "الصحيحة" 224 و "الإرواء" 905 من طرق عن أبي هريرة فمن شاء رجع إليها.
ثم قال ابن تيمية : ( 117 ) "لكن من كان في مكان ليس فيه غيره إذا رآه صام فإنه ليس هناك غيره"( 4).
فالشيخ رحمه الله تعالى مع أنه لا يرى اختلاف المطالع لكنه رجح الصوم مع أهل البلد حرصا على جمع الكلمة ووحدة الصف .
وهذا هو الفقه الحقيقي .
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " يؤخذ من فعل عثمان رضي الله عنه وغيره من الخلفاء أن الشيء و إن كان مشروعاً إذا كان يخشى منه الفتنة فإن الأولى تركه بل قد يجب تركه إذا كانت الفتنة كبيرة وهذه مسألة قل من يتفطن لها .
بعض الناس يقول سأفعل السنة ولو حصل ما حصل ولو بسفك الدماء !! وهذا غلط عظيم لأن الشريعة مبنية على جلب المصالح وتحصيلها ودرء المفاسد وتقليلها فإذا كان يترتب على ابقاء القرآن كما هو عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعهد ابي بكر وعمر اختلاف المسلمين وتنازعهم في كتاب الله فهذه مفسدة عظيمة ندع الأول ونأخذ بالثاني .
وهذه قاعدة أود منكم يا طلبة العلم أن تكون لكم على بال وألا تهملوها ولا تُغفلوا هذه القاعدة العظيمة فقد ترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة ! ( 5).
_________________
( 1) أخرجه الترمذي (2 / 37 - تحفة) عن إسحاق بن جعفر بن محمد قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي : " هذا حديث غريب حسن ".
قلت : وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وفي عثمان بن محمد وهو ابن المغيرة ابن الأخنس كلام يسير. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". وعبد الله بن جعفر هو ابن عبد الرحمن بن المسور المخرمي المدني وهو ثقة روى له مسلم. وإسحاق بن جعفر بن محمد هو الهاشمي الجعفري، وهو صدوق كما في " التقريب " وقد تابعه أبو سعيد مولى بني هاشم وهو ثقة من رجال البخاري قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي به، دون الجملة الوسطى: " والفطر يوم تفطرون ". أخرجه البيهقي في " سننه " (4 / 252) .
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة، فقال ابن ماجه (1 / 509) : " حدثنا محمد بن عمر المقرىء حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به دون الجملة الأولى.
وهذا سند رجاله كلهم ثقات غير محمد بن عمر المقرىء ولا يعرف كما في" التقريب " وأرى أنه وهم في قوله " محمد بن سيرين " وإنما هو " محمد بن المنكدر " هكذا رواه العباس بن محمد بن هارون وعلي بن سهل قالا: أنبأنا إسحاق بن عيسى الطباع عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة به. أخرجه الدارقطني في " سننه " (257 - 258) . وهكذا رواه محمد بن عبيد وهو ابن حساب ثقة من رجال مسلم عن حماد ابن زيد به. أخرجه أبو داود (1 / 366) : حدثنا محمد بن عبيد به. وهكذا رواه روح بن القاسم وعبد الوارث ومعمر عن محمد بن المنكدر به. أخرجه الدارقطني وأبو علي الهروي في " الأول من الثاني من الفوائد " (ق 20 / 1) عن روح. وأخرجه البيهقي عن عبد الوارث. وأخرجه الهروي عن معمر قرنه مع روح، رواه عنهما يزيد بن زريع، وقد خالفه في روايته عن معمر يحيى بن اليمان فقال: عن معمر عن محمد بن المنكدر عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره دون الجملة الأولى أيضا. أخرجه الترمذي (2 / 71) والدارقطني (258) . وقال الترمذي: " سألت محمدا - يعني البخاري - قلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ قال: نعم، يقول في حديثه سمعت عائشة. قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: كذا قال الترمذي، وهو عندي ضعيف من هذا الوجه، لأن يحيى ابن اليمان ضعيف من قبل حفظه، وفي " التقريب ": " صدوق عابد، يخطىء كثيرا وقد تغير " قلت: ومع ذلك فقد خالفه يزيد بن زريع وهو ثقة ثبت فقال عن معمر عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة، وهذا هو الصواب بلا ريب، أنه من مسند أبي هريرة، ليس من مسند عائشة، وإذا كان كذلك فهو منقطع لأن ابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة كما قال البزار وغيره، وإذا كان كذلك فلم يسمع من عائشة أيضا لأنها ماتت قبل أبي هريرة وبذلك جزم الحافظ في " التهذيب "، فهو منقطع على كل حال. وقد روى حديث عائشة موقوفا عليها، أخرجه البيهقي من طريق أبي حنيفة قال. حدثني علي بن الأقمر عن مسروق قال: " دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت: اسقوا مسروقا سويقا، وأكثروا حلواه، قال: فقلت: إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر، فقالت عائشة: النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس ". قلت: وهذا سند جيد بما قبله.
( 2) السلسلة الصحيحة ( ج1_ ص440) القسم الأول .
( 3) روى الإمام مسلم في صحيحه : " عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ، بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ : مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟
فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: " لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ : أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
(4 ) تمام المنة في التعليق على فقه السنة ( ص397) .
( 5) شرح أصول في التفسير (ص 99) .
قال العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة تحت الحديث :
" الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون " ( 1).
فقه الحديث :
قال الترمذي عقب الحديث: " وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس ".
وقال الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 72) :" فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس، وأن المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية ".
وذكر معنى هذا ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " (3 / 214) ، وقال: " وقيل: فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم ويفطر، دون من لم يعلم، وقيل: إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أنه لا يكون هذا له صوما، كما لم يكن للناس ". وقال أبو الحسن السندي في " حاشيته على ابن ماجه " بعد أن ذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي : " والظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرد فيها، بل الأمر فيها إلى الإمام والجماعة، ويجب على الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة، وعلى هذا، فإذا رأى أحد الهلال، ورد الإمام شهادته ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك ".
قلت: وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث، ويؤيده احتجاج عائشة به على مسروق حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر، فبينت له أنه لا عبرة برأيه وأن عليه اتباع الجماعة فقالت: " النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس ".
قلت: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد - ولو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم والتعبيد وصلاة الجماعة، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض وفيهم من يرى أن مس المرأة والعضو وخروج الدم من نواقض الوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتم في السفر، ومنهم من يقصر، فلم يكن اختلافهم هذا وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد، والاعتداد بها، وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء، ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى، إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه، فروى أبو داود (1 / 307) أن عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربعا، فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها، ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، ثم إن ابن مسعود صلى أربعا! فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟ ! قال: الخلاف شر. وسنده صحيح. وروى أحمد (5 / 155) نحو هذا عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين.
فليتأمل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم، ولا يقتدون ببعض أئمة المساجد، وخاصة في صلاة الوتر في رمضان، بحجة كونهم على خلاف مذهبهم! وبعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك، ممن يصوم ويفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين، معتدا برأيه وعلمه، غير مبال بالخروج عنهم، فليتأمل هؤلاء جميعا فيما ذكرناه من العلم، لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل وغرور، فيكونوا صفا واحدا مع إخوانهم المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ( 2).
ومما يؤكد ما ذكرنا من أن هذه العبادة عبادة جماعية يراعى فيها وحدة الكلمة والصوم مع الناس وإن رآه العبد بعينه ما جاء في إجابة الإمامين الشيخ ابن باز والعلامة العثيمين رحمهما الله تعالى :
س: بماذا يثبت دخول شهر رمضان وخروجه، وما حكم من رأى الهلال وحده عند دخول الشهر أو خروجه؟
ج : يثبت دخول الشهر وخروجه بشاهدي عدل فأكثر، ويثبت دخوله فقط بشاهد واحد؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا » . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر الناس بالصيام بشهادة ابن عمر رضي الله عنهما، وبشهادة أعرابي، ولم يطلب شاهدا آخر عليه الصلاة والسلام.
والحكمة في ذلك والله أعلم الاحتياط للدين في الدخول والخروج، كما نص على ذلك أهل العلم، ومن رأى الهلال وحده في الدخول أو الخروج ولم يعمل بشهادته، فإنه يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، ولا يعمل بشهادة نفسه في أصح أقوال أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون » . والله ولي التوفيق.
( فتاوى ابن باز ) .
السؤال (133) : فضيلة الشيخ، ما حكم من رأى الهلال وحده ولم يصم معه الناس؟
الجواب: من رأى الهلال وحده يجب عليه أن يبلغ به المحكمة الشرعية ويشهد به، ويثبت دخول شهر رمضان بشهادة الواحد إذا ارتضاه القاضي وحكم بشهادته فإن ردت شهادته فقد قال بعض العلماء: إنه يلزمه أن يصوم، لأنه تيقن أنه رأى الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته" وهذا قد رآه .
وقال بعض أهل العلم : لا يلزم أن يصوم، لأن الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس، وموافقته للجماعة خير من انفراده وشذوذه، وفصل آخرون فقالوا : يلزمه الصوم سرا، فيلزمه الصوم، لأنه رأى الهلال، ويكون سراً لئلا يظهر مخالفة الجماعة .
(فقه العبادات) للعلامة العثيمين .
بل ذهب إلى ابعد من ذالك العلامة الألباني رحمه الله تعالى :
حيث قال في تمام المنة : ( ص 297 ) _ ومن اختلاف المطالع _
تحت هذا العنوان ذكر المؤلف ثلاثة مذاهب :
الأول: مذهب الجمهور أنه لا عبرة باختلاف المطالع لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".
متفق عليه وهو مخرج في "إرواء الغليل" 902 من طرق عن أبي هريرة وغيره.
الثاني : أن لكل بلد رؤيتهم ولا يلزمهم رؤية غيرهم ... واحتج لهم بحديث ابن عباس عند مسلم وغيره (3 ).
الثالث : لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها.
واختار المؤلف هذا المذهب الأخير معلقا عليه بقوله: "هذا هو المشاهد ويتفق مع الواقع".
قلت : وهذا كلام عجيب غريب لأنه ان صح أنه مشاهد موافق للواقع فليس فيه أنه موافق للشرع أولا ولأن الجهات - كالمطالع - أمور نسبية ليس لها حدود مادية يمكن للناس أن يتبينوها ويقفوا عندها ثانيا.
وأنا - والله - لا أدري ما الذي حمل المؤلف على اختيار هذا الرأي الشاذ وأن يعرض عن الأخذ بعموم الحديث الصحيح وبخاصة أنه مذهب الجمهور كما ذكره هو نفسه وقد اختاره كثير من العلماء المحققين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المجلد 25 والشوكاني في "نيل الأوطار" وصديق حسن خان في "الروضة الندية" 1 / 224 - 225 وغيره فهو الحق الذي لا يصح سواه ولا يعارضه حديث ابن عباس لأمور ذكرها الشوكاني رحمه الله ولعل الأقوى أن يقال: إن حديث ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده ثم بلغه في أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين أو يروا هلالهم. وبذلك يزول الإشكال ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلا كما قال ابن تيمية في "الفتاوى" 25 / 157 وهذا أمر متيسر اليوم للغاية كما هـ معلوم ولكنه يتطلب شيئا من اهتمام الدول الإسلامية حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى .
وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ولا ينقسم على نفسه فيصوم بعضهم معها وبعضهم مع غيرها ممن تقدمت في صيامها أو تأخرت لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين. والله المستعان .
ومن من رأى الهلال وحده :
وتحت هذا العنوان الجانبي قال : "واتفقت أئمة الفقه على أن من أبصر هلال الصوم وحده - أن يصوم".
فأقول : هذا ليس على إطلاقه بل فيه تفصيل ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له فقال 25 / 114 " إذا رأى هلال الصوم وحده أو هلال الفطر وحده فهل عليه أن يصوم برؤية نفسه أو يفطر برؤية نفسه؟ أم لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس؟ على ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عن أحمد".
ثم ذكرها والذي يهمنا ذكره منها ما وافق الحديث وهو قوله :
والثالث : يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر الأقوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون". رواه الترمذي وقال : حسن غريب .
قال: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال : إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس".
وهذا الحديث مخرج في "الصحيحة" 224 و "الإرواء" 905 من طرق عن أبي هريرة فمن شاء رجع إليها.
ثم قال ابن تيمية : ( 117 ) "لكن من كان في مكان ليس فيه غيره إذا رآه صام فإنه ليس هناك غيره"( 4).
فالشيخ رحمه الله تعالى مع أنه لا يرى اختلاف المطالع لكنه رجح الصوم مع أهل البلد حرصا على جمع الكلمة ووحدة الصف .
وهذا هو الفقه الحقيقي .
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " يؤخذ من فعل عثمان رضي الله عنه وغيره من الخلفاء أن الشيء و إن كان مشروعاً إذا كان يخشى منه الفتنة فإن الأولى تركه بل قد يجب تركه إذا كانت الفتنة كبيرة وهذه مسألة قل من يتفطن لها .
بعض الناس يقول سأفعل السنة ولو حصل ما حصل ولو بسفك الدماء !! وهذا غلط عظيم لأن الشريعة مبنية على جلب المصالح وتحصيلها ودرء المفاسد وتقليلها فإذا كان يترتب على ابقاء القرآن كما هو عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعهد ابي بكر وعمر اختلاف المسلمين وتنازعهم في كتاب الله فهذه مفسدة عظيمة ندع الأول ونأخذ بالثاني .
وهذه قاعدة أود منكم يا طلبة العلم أن تكون لكم على بال وألا تهملوها ولا تُغفلوا هذه القاعدة العظيمة فقد ترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة ! ( 5).
_________________
( 1) أخرجه الترمذي (2 / 37 - تحفة) عن إسحاق بن جعفر بن محمد قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي : " هذا حديث غريب حسن ".
قلت : وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وفي عثمان بن محمد وهو ابن المغيرة ابن الأخنس كلام يسير. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". وعبد الله بن جعفر هو ابن عبد الرحمن بن المسور المخرمي المدني وهو ثقة روى له مسلم. وإسحاق بن جعفر بن محمد هو الهاشمي الجعفري، وهو صدوق كما في " التقريب " وقد تابعه أبو سعيد مولى بني هاشم وهو ثقة من رجال البخاري قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي به، دون الجملة الوسطى: " والفطر يوم تفطرون ". أخرجه البيهقي في " سننه " (4 / 252) .
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة، فقال ابن ماجه (1 / 509) : " حدثنا محمد بن عمر المقرىء حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به دون الجملة الأولى.
وهذا سند رجاله كلهم ثقات غير محمد بن عمر المقرىء ولا يعرف كما في" التقريب " وأرى أنه وهم في قوله " محمد بن سيرين " وإنما هو " محمد بن المنكدر " هكذا رواه العباس بن محمد بن هارون وعلي بن سهل قالا: أنبأنا إسحاق بن عيسى الطباع عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة به. أخرجه الدارقطني في " سننه " (257 - 258) . وهكذا رواه محمد بن عبيد وهو ابن حساب ثقة من رجال مسلم عن حماد ابن زيد به. أخرجه أبو داود (1 / 366) : حدثنا محمد بن عبيد به. وهكذا رواه روح بن القاسم وعبد الوارث ومعمر عن محمد بن المنكدر به. أخرجه الدارقطني وأبو علي الهروي في " الأول من الثاني من الفوائد " (ق 20 / 1) عن روح. وأخرجه البيهقي عن عبد الوارث. وأخرجه الهروي عن معمر قرنه مع روح، رواه عنهما يزيد بن زريع، وقد خالفه في روايته عن معمر يحيى بن اليمان فقال: عن معمر عن محمد بن المنكدر عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره دون الجملة الأولى أيضا. أخرجه الترمذي (2 / 71) والدارقطني (258) . وقال الترمذي: " سألت محمدا - يعني البخاري - قلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ قال: نعم، يقول في حديثه سمعت عائشة. قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: كذا قال الترمذي، وهو عندي ضعيف من هذا الوجه، لأن يحيى ابن اليمان ضعيف من قبل حفظه، وفي " التقريب ": " صدوق عابد، يخطىء كثيرا وقد تغير " قلت: ومع ذلك فقد خالفه يزيد بن زريع وهو ثقة ثبت فقال عن معمر عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة، وهذا هو الصواب بلا ريب، أنه من مسند أبي هريرة، ليس من مسند عائشة، وإذا كان كذلك فهو منقطع لأن ابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة كما قال البزار وغيره، وإذا كان كذلك فلم يسمع من عائشة أيضا لأنها ماتت قبل أبي هريرة وبذلك جزم الحافظ في " التهذيب "، فهو منقطع على كل حال. وقد روى حديث عائشة موقوفا عليها، أخرجه البيهقي من طريق أبي حنيفة قال. حدثني علي بن الأقمر عن مسروق قال: " دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت: اسقوا مسروقا سويقا، وأكثروا حلواه، قال: فقلت: إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر، فقالت عائشة: النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس ". قلت: وهذا سند جيد بما قبله.
( 2) السلسلة الصحيحة ( ج1_ ص440) القسم الأول .
( 3) روى الإمام مسلم في صحيحه : " عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ، بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ : مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟
فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: " لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ : أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
(4 ) تمام المنة في التعليق على فقه السنة ( ص397) .
( 5) شرح أصول في التفسير (ص 99) .