ابو اسيد اليمني
2012-07-15, 09:08 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2012/07/71.jpg (http://olamaa-yemen.net/main/articles.aspx?selected_article _no=3164)
مراد بن أحمد القدسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فلقد حظي آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمكانة السامية السامقة لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولما عرف عنهم من حسن التزام واستقامة على دين الله تعالى، ولما حباهم الله من شرف النسب المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته إلى الاتصال بالأنبياء من إسماعيل إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليهما السلام، ولما جاء في فضائلهم من النصوص الصريحة الصحيحة التي تحث على زيادة محبتهم وإكرامهم وتوقيرهم ومكانتهم في أمة الإسلام، ومع هذا كله فقد ظهر في أهل البيت من غلا فيهم فرفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله بها، ومن هم من جفا عنهم وقال فيهم بكل قبيح وسفه من القول، ودين الله وسط بين الجافي والغالي.
وبما أننا في صدد الكلام عن الشيعة الإمامية "الرافضة" وعقيدتهم في أهل البيت، فسترى الأمر فيه شيء من الإسهاب في الحديث عنهم، وعن مخازيهم والتي لا تحصى من هذا القبيل؛ علنا أن نقع على الداء ونضع من ثم له الدواء.
فمدار هذا البحث يتركز في الآتي:
1) تعريف آل البيت.
2) فضائل وخصائص أهل البيت في ضوء الكتاب والسنة.
3) عقيدة أهل السنة والجماعة في آل البيت.
4) عقيدة الفرق الضالة -عدا الإمامية- في آل البيت.
5) عقيدة الرافضة الإمامية في آل البيت.
المبحث الأول تعريف آل البيت:
لغة:
الآل في اللغة من الأَوْل وهو الرجوع. آل الرجل: أهل بيته وعياله؛ لأنه إليه مآلهم وإليهم مآله(1).
أما في المعنى الاصطلاحي:
قيل: هم أمته -وهذا الصحيح- وذلك عند الإطلاق كما قال تعالى في حق فرعون: {فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذَابِ} [غافر:45]. وآله هنا: بمعنى أتباعه.
وكما في الصلاة الإبراهيمية: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...» [البخاري: (5/2338) (5996)، مسلم: (1/305) (406) عن كعب بن عجرة].
قال بهذا القول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم(2).
وقيل: المتقون من أمته، ورووا حديثاً: «آل محمد كل مؤمن تقي» [رواه الخلال، والحديث رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس](3).
قال عنه ابن تيمية: "وقد احتج به طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم وهو حديث موضوع"(4).
وقيل: آل بيته، قال ابن تيمية: "والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته، وهذا المنقول عن الشافعي وأحمد، وهو اختيار أبي جعفر وغيرهم"(5).
ومن هم آل بيته:
القول الأول: أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم وبنو عبدالمطلب وبنو هاشم خاصة أو بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، وهذا القول هو اختيار أكثر العلماء(6).
القول الثاني: أنهم ذريته وأزواجه خاصة.
ولا فرق بين القولين:
قال ابن تيمية: "وهكذا أزواجه وعلي وفاطمة والحسن والحسين كلهم من أهل البيت، لكن علياً وفاطمة والحسن والحسين أخص بذلك من أزواجه، ولهذا خصهم بالدعاء(7).
الدليل على دخول أزواجه في آل البيت:
قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33].
في الآية دلالة صريحة على دخول أزواجه في آل البيت بمقتضى السياق الوارد فيهن، ومثله في جعل امرأة إبراهيم من آله فقال تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:73].
كما جعل امرأة لوط من أهله فقال: {..إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ..} [العنكبوت:33].
دليل آخر وهو قوله عليه السلام في التشهد: «اللهم صل على محمد وآل ومحمد» [البخاري: (5/2338) (5996)، مسلم: (1/305) (406) عن كعب بن عجرة].
جاء في رواية أخرى توضيح معنى الآل في حديث أبي حميد: «اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته» [رواه مسلم. (1/306)].
حجة الرافضة في إخراج أزواجه من آل البيت:
الدليل الأول: حديث زيد بن أرقم الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وفيه: «أنه حث على التمسك بكتاب الله ورغب فيه -ثم قال-: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال هم: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم».
وفي رواية: «قيل: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا؛ وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة من بعده» [مسلم: (4/1873) (2408) عن زيد بن أرقم].
والشاهد في الرواية الثانية للرافضة.
ويجاب عن ذلك:
1- أن الرواية الأولى أثبتت أن نساءه هم من آل البيت، وهي الموافقة للقرآن والأحاديث الصحيحة.
2- يحتمل أنه أراد بآل البيت الذين حرموا الصدقة دون من يدخل فيهم، والأول أرجح وأقوى(8).
والدليل الآخر حديث الكساء:
حيث أدخل الرسول صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وهو في الكساء ودعا لهم وقال: «هؤلاء أهل بيتي وقرأ الآية: {..إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]» [الترمذي: (5/351) (3205) ].
يجاب عنه:
1- أن الحديث يحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق أهل الكساء بحكم هذه الآية وجعلهم أهل بيته كما ألحق المدينة بمكة في حكم الحرمية وعليه: فأهل الكساء جعلوا من أهل بيته بدعائه أو بتأويله الآية على محاملها.
2- أن الحديث لا يقتضي حصر آل البيت في أولئك؛ لما جاء في الرواية الأخرى: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق» [أحمد: (4/107) (17029) عن واثلة بن الأسقع] وهذا غايته أن قرابته أحق بهذه التسمية، وليس فيه إخراج الأزواج من الآل.
3- أن قصر أهل البيت على المذكورين في الحديث يقتضي مخالفة وجود التعارض بينه وبين الآية، والجمع أولى من الترجيح.
4- أن سؤال أم سلمة أن يجعلها مع أهل الكساء فقال لها: «أنت على مكانك، وأنت على خير» [الترمذي: (5/351) (3205) ].
غايته: أنه ليس فيه ما يمنع من دخولها في الآل؛ لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم(9)، والله أعلم.
المبحث الثاني: فضائل وخصائص أهل البيت في ضوء الكتاب والسنة:
1) عند آية المباهلة قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]، فلما سمع "المسيح" رجل من النصارى ذكر الأبناء غضب فأخذ بيد ابنه فقال: هات لهذا كفواً، فغضب الرسول غضباً شديداً ثم دعا الحسن والحسين وعلياً وفاطمة رضي الله عنهم، فأقام الحسن عن يمينه والحسين عن يساره وعلياً وفاطمة إلى صدره وقال: هؤلاء أبناؤنا ونساؤنا وأنفسنا فأتنا لهم بأكفاء، فوثب أخوه العاقب فقال: إني أذكرك الله أن تلاعن هذا الرجل فوالله لئن كان كاذباً مالك في ملاعنته خير، ولئن كان صادقاً لا يحول الحول ومنكم نافح صرفه أو صرف قال الراوي: فصالحوه كل الصلح ورجع".
فرواية جمع الرسول لعلي وفاطمة والحسن والحسين أخرجه مسلم والترمذي والحاكم.
والشاهد في الحديث قوله عليه السلام: «هؤلاء أبناؤنا ونساؤنا وأنفسنا، فأتنا لهم بأكفاء».
وهذا دلالة على فضلهم ومنقبة لهم.
2) قوله تعالى: {..إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33].
امتن الله على آل البيت وأثنى عليهم إذا التزموا تلك الأوامر والنواهي الواردة في الآيات أن الله سيذهب عنهم الرجس، ويجعلهم ممن تزكوا نفوسهم وتطهر.
3) أخرج مسلم عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال عليه بالصلاة والسلام: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفاني من بني هاشم».
4) أخرج مسلم من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: «خطب الرسول صلى الله عليه وسلم وحث على التمسك بكتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».
5) أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «إن أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا بما تخلفونني فيهما» [صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2978، 2980)].
بين ما معنى: "وعترتي أهل بيتي" بأنها بما في رواية زيد بن أرقم.
قال ابن تيمية:" والذي رواه مسلم أنه بغدير خم قال: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال: وعترتي أهل بيتي أذكركم الله ثلاثاً ». وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: «وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».
وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة وقال: إنها ليست من الحديث"(10).
وقال في موضع آخر: "فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفه وضعفه غير واحد من أهل العلم وقال: لا يصح، وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة، قالوا: ونحن نقول بذلك كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره"(11).
ثم قال: "لكن أهل البيت لم يتفقوا -ولله الحمد- على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرؤون المنزهون عن التدنس بشيء منه"(12).
6) أخرج أحمد في المسند والطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في السنن والآجري في الشريعة عن المسور رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نسب منقطع يوم القيامة إلا نسبي، وكل صهر منقطع إلا صهري» [وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4564)].
ولهذا أقدم عمر بن الخطاب -بعد سماعه للحديث- للزواج من أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه. وفي رواية: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» [رواه الحاكم والبيهقي في السنن].
خصائص آل البيت:
1- تحريم أكل الصدقة عليهم عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» [رواه مسلم وأحمد وأبو داوود والنسائي].
2- إعطاؤهم خمس الغنيمة وخمس الفيء: قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال:41]، وقال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَللهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الحشر:7].
فإذا حرموا نصيبهم هذا أعطوا من الصدقة.
3- فضل النسب وطهارة الحسب: روى مسلم عن واثلة بن الأسقع قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفاني من بني هاشم».
4- تخصيصهم بالصلاة عليهم كما في الصلاة الإبراهيمية.
5- وصية الرسول عليه الصلاة والسلام بهم قبل وفاته.
3- ما ورد من المناقب والفضائل الخاصة ببعض أهل البيت.
قد ثبتت لكثير من أفراد آل البيت مناقب كثيرة حفظتها السنة، ففضائل علي أكثر من أن تذكر، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وفاطمة سيدة نساء العالمين، وخديجة خير النساء، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وحمزة سيد الشهداء يوم القيامة... إلخ.
المبحث الثالث: عقيدة أهل السنة والجماعة في آل البيت:
1) أقوالهم في الثناء على آل البيت: إنما نروي عن الصحابة ما قالوا في أهل البيت؛ لأن عقيدتنا تتبع ذلك.
روى الشيخان عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي".
وروى البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "ارقبوا محمداً في أهل بيته".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس رضي الله عنه: "والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب".
قال الإمام الصابوني: "وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين".
وقال ابن كثير:" ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً، ولاسيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي الله عنهم أجمعين"(13).
قال الإمام الطحاوي: "ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق"(14).
قال ابن تيمية: "أهل السنة يتولون جميع المؤمنين ويتكلمون بعلم وعدل ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء، ويتبرؤون من طريقة الروافض والنواصب جميعاً، ويتولون السابقين الأولين كلهم، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم، ولا يرضون بما فعله المختار ونحوه من الكذابين، ولا ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين"(15).
2) ونهى أهل السنة عن الغلو المفرط في آل البيت:
روى اللالكائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لا ينبغي الصلاة من أحد على أحد إلا على النبي"(16).
قال ابن تيمية: "إن للعلماء في جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً مذهبين:
الأول: عدم الجواز وهو مذهب مالك والشافعي وطائفة من الحنابلة، واستدلوا بقول ابن عباس المذكور أعلاه.
الثاني: أنه لا بأس به وهو مذهب أحمد وأكثر أصحابه، واستدلوا بما ورد عن علي أنه قال لعمر بن الخطاب: "صلى الله عليك".
ثم قال: "ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه: هذا هو البدعة"(17).
آثار من آل البيت في ذم الغلو فيهم -رحمهم الله تعالى ورضي الله عنهم-:
روى ابن أبي عاصم واللالكائي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "يهلك في رجلان مفرط في حبي ومفرط في بغضي".
وروى اللالكائي عنه أنه قال: "اللهم العن كل مبغض لنا وكل محب لنا غال".
وروى اللالكائي عن علي بن الحسين (زين العابدين) أنه قال: "يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام فوالله ما زال حبكم بنا حتى صار شيناً".
وروى اللالكائي عن علي بن الحسين أنه قال: "من زعم منا أهل البيت أو غيره، أن طاعته مفترضة على العباد فقد كذب علينا ونحن منهم براء فاحذر ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أولى الأمر من بعده".
وروى اللالكائي عن محمد بن علي بن الحسين أنه أتي بدابة: "يريد أن يركبها فلم يقدر فرفعناه حتى ركبها فقال: "اللهم أخز قوماً يزعمون ويقولون أني أذهب في ليلة على الكوفة وأرجع من ليلتي".
وروى اللالكائي عن علي أنه قال: "إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ثم يتلو هذه الآية: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68] وهذا النبي -يعني محمداً- والذين اتبعوه فلا تغيروا فإنما ولى محمد من أطاع الله وعادى محمد من عصى الله وإن قربت قرابته".
وروى اللالكائي: عن الحسن بن الحسن أنه قال لرجل يغلو فيهم: "ويحك أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا ولو كان الله نافعاً أحداً بقرابة من رسوله الله بغير طاعة لنفع بذلك أباه وأمه قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضى منكم"(18).
البحث الرابع: عقيدة الفرق الضالة -عدا الإمامية- في آل البيت:
أولاً: الخوارج: " النواصب".
جاء في القاموس المحيط في تعريف النواصب: "وناصبه الشر أظهره له.. والنواصب والناصبية وأهل النصب المتدينون ببغض علي رضي الله عنه لأنهم نصبوا له أي عادوه"(19).
وجاء في لسان العرب: ناصبه الشر والحرب والعداوة مناصبة أظهره له ونصبه وكل من الانتصاب.. والنواصب هم قوم يتدينون ببغض علي رضي الله عنه.
قال ابن تيمية: "الخوارج الذين يكفرون علياً والنواصب الذين يفسقونه -يقولون إنه كان ظالماً طالباً للدنيا وإنه طلب الخلافة وقاتل عليها بالسيف وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه" (21).
وقال أيضاً: "نقلاً عن النواصب:" زعموا أن الحسين كان خارجياً وأنه كان يجوز قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان» [رواه مسلم].
وهذه العقيدة غاية في الضلال لما جاء في النصوص المتضافرة في حب آل البيت وتوقيرهم ويخشى الكفر على أمثال هؤلاء وخاصة فيما ورد في حق علي لما جاء في فضلة من النصوص وكأنهم بفعلهم هذا يكذبون الله ورسوله وهذا غاية الكفر والانحراف.
روى الحاكم عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: "من أحب علياً فقد أحبني ومن أبغض عليناً فقد أبغضني" [صححه الألباني في صحيح الجامع].
أما طعنهم في حق الحسين بن علي وأنه كان خارجياً:
قال ابن تيمية: "عن الحسين قتل مظلوماً شهيداً، وإن الذين قتلوه كانوا ظالمين معتدين وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بقتال المفارق للجماعة لم تتناوله، فإنه رضي الله عنه لم يفرق الجماعة، ولم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده أو على ثغره، أو على يزيد داخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة، ولو كان طالباً ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك فكيف لا تجب إجابة الحسين على ذلك.. ولو كان الطالب لهذه الأمور من هو دون الحسين لم يجز حبسه ولا إمساكه فضلاً عن أسره وقتله.
وأخيراً: قال الذهبي: "كان النصب مذهباً لأهل دمشق في وقت كما كان الرفض مذهباً لهم في وقت وهو في دولة بني عبيد ثم عدم ولله الحمد النصب وبقي الرفض خفيفاً خاملاً.
يتبع إن شاء الله..
مراد بن أحمد القدسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فلقد حظي آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمكانة السامية السامقة لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولما عرف عنهم من حسن التزام واستقامة على دين الله تعالى، ولما حباهم الله من شرف النسب المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته إلى الاتصال بالأنبياء من إسماعيل إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليهما السلام، ولما جاء في فضائلهم من النصوص الصريحة الصحيحة التي تحث على زيادة محبتهم وإكرامهم وتوقيرهم ومكانتهم في أمة الإسلام، ومع هذا كله فقد ظهر في أهل البيت من غلا فيهم فرفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله بها، ومن هم من جفا عنهم وقال فيهم بكل قبيح وسفه من القول، ودين الله وسط بين الجافي والغالي.
وبما أننا في صدد الكلام عن الشيعة الإمامية "الرافضة" وعقيدتهم في أهل البيت، فسترى الأمر فيه شيء من الإسهاب في الحديث عنهم، وعن مخازيهم والتي لا تحصى من هذا القبيل؛ علنا أن نقع على الداء ونضع من ثم له الدواء.
فمدار هذا البحث يتركز في الآتي:
1) تعريف آل البيت.
2) فضائل وخصائص أهل البيت في ضوء الكتاب والسنة.
3) عقيدة أهل السنة والجماعة في آل البيت.
4) عقيدة الفرق الضالة -عدا الإمامية- في آل البيت.
5) عقيدة الرافضة الإمامية في آل البيت.
المبحث الأول تعريف آل البيت:
لغة:
الآل في اللغة من الأَوْل وهو الرجوع. آل الرجل: أهل بيته وعياله؛ لأنه إليه مآلهم وإليهم مآله(1).
أما في المعنى الاصطلاحي:
قيل: هم أمته -وهذا الصحيح- وذلك عند الإطلاق كما قال تعالى في حق فرعون: {فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذَابِ} [غافر:45]. وآله هنا: بمعنى أتباعه.
وكما في الصلاة الإبراهيمية: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...» [البخاري: (5/2338) (5996)، مسلم: (1/305) (406) عن كعب بن عجرة].
قال بهذا القول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم(2).
وقيل: المتقون من أمته، ورووا حديثاً: «آل محمد كل مؤمن تقي» [رواه الخلال، والحديث رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس](3).
قال عنه ابن تيمية: "وقد احتج به طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم وهو حديث موضوع"(4).
وقيل: آل بيته، قال ابن تيمية: "والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته، وهذا المنقول عن الشافعي وأحمد، وهو اختيار أبي جعفر وغيرهم"(5).
ومن هم آل بيته:
القول الأول: أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم وبنو عبدالمطلب وبنو هاشم خاصة أو بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، وهذا القول هو اختيار أكثر العلماء(6).
القول الثاني: أنهم ذريته وأزواجه خاصة.
ولا فرق بين القولين:
قال ابن تيمية: "وهكذا أزواجه وعلي وفاطمة والحسن والحسين كلهم من أهل البيت، لكن علياً وفاطمة والحسن والحسين أخص بذلك من أزواجه، ولهذا خصهم بالدعاء(7).
الدليل على دخول أزواجه في آل البيت:
قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33].
في الآية دلالة صريحة على دخول أزواجه في آل البيت بمقتضى السياق الوارد فيهن، ومثله في جعل امرأة إبراهيم من آله فقال تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:73].
كما جعل امرأة لوط من أهله فقال: {..إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ..} [العنكبوت:33].
دليل آخر وهو قوله عليه السلام في التشهد: «اللهم صل على محمد وآل ومحمد» [البخاري: (5/2338) (5996)، مسلم: (1/305) (406) عن كعب بن عجرة].
جاء في رواية أخرى توضيح معنى الآل في حديث أبي حميد: «اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته» [رواه مسلم. (1/306)].
حجة الرافضة في إخراج أزواجه من آل البيت:
الدليل الأول: حديث زيد بن أرقم الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وفيه: «أنه حث على التمسك بكتاب الله ورغب فيه -ثم قال-: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال هم: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم».
وفي رواية: «قيل: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا؛ وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة من بعده» [مسلم: (4/1873) (2408) عن زيد بن أرقم].
والشاهد في الرواية الثانية للرافضة.
ويجاب عن ذلك:
1- أن الرواية الأولى أثبتت أن نساءه هم من آل البيت، وهي الموافقة للقرآن والأحاديث الصحيحة.
2- يحتمل أنه أراد بآل البيت الذين حرموا الصدقة دون من يدخل فيهم، والأول أرجح وأقوى(8).
والدليل الآخر حديث الكساء:
حيث أدخل الرسول صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وهو في الكساء ودعا لهم وقال: «هؤلاء أهل بيتي وقرأ الآية: {..إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]» [الترمذي: (5/351) (3205) ].
يجاب عنه:
1- أن الحديث يحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق أهل الكساء بحكم هذه الآية وجعلهم أهل بيته كما ألحق المدينة بمكة في حكم الحرمية وعليه: فأهل الكساء جعلوا من أهل بيته بدعائه أو بتأويله الآية على محاملها.
2- أن الحديث لا يقتضي حصر آل البيت في أولئك؛ لما جاء في الرواية الأخرى: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق» [أحمد: (4/107) (17029) عن واثلة بن الأسقع] وهذا غايته أن قرابته أحق بهذه التسمية، وليس فيه إخراج الأزواج من الآل.
3- أن قصر أهل البيت على المذكورين في الحديث يقتضي مخالفة وجود التعارض بينه وبين الآية، والجمع أولى من الترجيح.
4- أن سؤال أم سلمة أن يجعلها مع أهل الكساء فقال لها: «أنت على مكانك، وأنت على خير» [الترمذي: (5/351) (3205) ].
غايته: أنه ليس فيه ما يمنع من دخولها في الآل؛ لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم(9)، والله أعلم.
المبحث الثاني: فضائل وخصائص أهل البيت في ضوء الكتاب والسنة:
1) عند آية المباهلة قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]، فلما سمع "المسيح" رجل من النصارى ذكر الأبناء غضب فأخذ بيد ابنه فقال: هات لهذا كفواً، فغضب الرسول غضباً شديداً ثم دعا الحسن والحسين وعلياً وفاطمة رضي الله عنهم، فأقام الحسن عن يمينه والحسين عن يساره وعلياً وفاطمة إلى صدره وقال: هؤلاء أبناؤنا ونساؤنا وأنفسنا فأتنا لهم بأكفاء، فوثب أخوه العاقب فقال: إني أذكرك الله أن تلاعن هذا الرجل فوالله لئن كان كاذباً مالك في ملاعنته خير، ولئن كان صادقاً لا يحول الحول ومنكم نافح صرفه أو صرف قال الراوي: فصالحوه كل الصلح ورجع".
فرواية جمع الرسول لعلي وفاطمة والحسن والحسين أخرجه مسلم والترمذي والحاكم.
والشاهد في الحديث قوله عليه السلام: «هؤلاء أبناؤنا ونساؤنا وأنفسنا، فأتنا لهم بأكفاء».
وهذا دلالة على فضلهم ومنقبة لهم.
2) قوله تعالى: {..إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33].
امتن الله على آل البيت وأثنى عليهم إذا التزموا تلك الأوامر والنواهي الواردة في الآيات أن الله سيذهب عنهم الرجس، ويجعلهم ممن تزكوا نفوسهم وتطهر.
3) أخرج مسلم عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال عليه بالصلاة والسلام: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفاني من بني هاشم».
4) أخرج مسلم من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: «خطب الرسول صلى الله عليه وسلم وحث على التمسك بكتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».
5) أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «إن أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا بما تخلفونني فيهما» [صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2978، 2980)].
بين ما معنى: "وعترتي أهل بيتي" بأنها بما في رواية زيد بن أرقم.
قال ابن تيمية:" والذي رواه مسلم أنه بغدير خم قال: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال: وعترتي أهل بيتي أذكركم الله ثلاثاً ». وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: «وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».
وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة وقال: إنها ليست من الحديث"(10).
وقال في موضع آخر: "فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفه وضعفه غير واحد من أهل العلم وقال: لا يصح، وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة، قالوا: ونحن نقول بذلك كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره"(11).
ثم قال: "لكن أهل البيت لم يتفقوا -ولله الحمد- على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرؤون المنزهون عن التدنس بشيء منه"(12).
6) أخرج أحمد في المسند والطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في السنن والآجري في الشريعة عن المسور رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نسب منقطع يوم القيامة إلا نسبي، وكل صهر منقطع إلا صهري» [وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4564)].
ولهذا أقدم عمر بن الخطاب -بعد سماعه للحديث- للزواج من أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه. وفي رواية: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» [رواه الحاكم والبيهقي في السنن].
خصائص آل البيت:
1- تحريم أكل الصدقة عليهم عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» [رواه مسلم وأحمد وأبو داوود والنسائي].
2- إعطاؤهم خمس الغنيمة وخمس الفيء: قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال:41]، وقال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَللهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الحشر:7].
فإذا حرموا نصيبهم هذا أعطوا من الصدقة.
3- فضل النسب وطهارة الحسب: روى مسلم عن واثلة بن الأسقع قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفاني من بني هاشم».
4- تخصيصهم بالصلاة عليهم كما في الصلاة الإبراهيمية.
5- وصية الرسول عليه الصلاة والسلام بهم قبل وفاته.
3- ما ورد من المناقب والفضائل الخاصة ببعض أهل البيت.
قد ثبتت لكثير من أفراد آل البيت مناقب كثيرة حفظتها السنة، ففضائل علي أكثر من أن تذكر، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وفاطمة سيدة نساء العالمين، وخديجة خير النساء، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وحمزة سيد الشهداء يوم القيامة... إلخ.
المبحث الثالث: عقيدة أهل السنة والجماعة في آل البيت:
1) أقوالهم في الثناء على آل البيت: إنما نروي عن الصحابة ما قالوا في أهل البيت؛ لأن عقيدتنا تتبع ذلك.
روى الشيخان عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي".
وروى البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "ارقبوا محمداً في أهل بيته".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس رضي الله عنه: "والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب".
قال الإمام الصابوني: "وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين".
وقال ابن كثير:" ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً، ولاسيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي الله عنهم أجمعين"(13).
قال الإمام الطحاوي: "ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق"(14).
قال ابن تيمية: "أهل السنة يتولون جميع المؤمنين ويتكلمون بعلم وعدل ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء، ويتبرؤون من طريقة الروافض والنواصب جميعاً، ويتولون السابقين الأولين كلهم، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم، ولا يرضون بما فعله المختار ونحوه من الكذابين، ولا ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين"(15).
2) ونهى أهل السنة عن الغلو المفرط في آل البيت:
روى اللالكائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لا ينبغي الصلاة من أحد على أحد إلا على النبي"(16).
قال ابن تيمية: "إن للعلماء في جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً مذهبين:
الأول: عدم الجواز وهو مذهب مالك والشافعي وطائفة من الحنابلة، واستدلوا بقول ابن عباس المذكور أعلاه.
الثاني: أنه لا بأس به وهو مذهب أحمد وأكثر أصحابه، واستدلوا بما ورد عن علي أنه قال لعمر بن الخطاب: "صلى الله عليك".
ثم قال: "ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه: هذا هو البدعة"(17).
آثار من آل البيت في ذم الغلو فيهم -رحمهم الله تعالى ورضي الله عنهم-:
روى ابن أبي عاصم واللالكائي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "يهلك في رجلان مفرط في حبي ومفرط في بغضي".
وروى اللالكائي عنه أنه قال: "اللهم العن كل مبغض لنا وكل محب لنا غال".
وروى اللالكائي عن علي بن الحسين (زين العابدين) أنه قال: "يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام فوالله ما زال حبكم بنا حتى صار شيناً".
وروى اللالكائي عن علي بن الحسين أنه قال: "من زعم منا أهل البيت أو غيره، أن طاعته مفترضة على العباد فقد كذب علينا ونحن منهم براء فاحذر ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أولى الأمر من بعده".
وروى اللالكائي عن محمد بن علي بن الحسين أنه أتي بدابة: "يريد أن يركبها فلم يقدر فرفعناه حتى ركبها فقال: "اللهم أخز قوماً يزعمون ويقولون أني أذهب في ليلة على الكوفة وأرجع من ليلتي".
وروى اللالكائي عن علي أنه قال: "إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ثم يتلو هذه الآية: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68] وهذا النبي -يعني محمداً- والذين اتبعوه فلا تغيروا فإنما ولى محمد من أطاع الله وعادى محمد من عصى الله وإن قربت قرابته".
وروى اللالكائي: عن الحسن بن الحسن أنه قال لرجل يغلو فيهم: "ويحك أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا ولو كان الله نافعاً أحداً بقرابة من رسوله الله بغير طاعة لنفع بذلك أباه وأمه قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضى منكم"(18).
البحث الرابع: عقيدة الفرق الضالة -عدا الإمامية- في آل البيت:
أولاً: الخوارج: " النواصب".
جاء في القاموس المحيط في تعريف النواصب: "وناصبه الشر أظهره له.. والنواصب والناصبية وأهل النصب المتدينون ببغض علي رضي الله عنه لأنهم نصبوا له أي عادوه"(19).
وجاء في لسان العرب: ناصبه الشر والحرب والعداوة مناصبة أظهره له ونصبه وكل من الانتصاب.. والنواصب هم قوم يتدينون ببغض علي رضي الله عنه.
قال ابن تيمية: "الخوارج الذين يكفرون علياً والنواصب الذين يفسقونه -يقولون إنه كان ظالماً طالباً للدنيا وإنه طلب الخلافة وقاتل عليها بالسيف وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه" (21).
وقال أيضاً: "نقلاً عن النواصب:" زعموا أن الحسين كان خارجياً وأنه كان يجوز قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان» [رواه مسلم].
وهذه العقيدة غاية في الضلال لما جاء في النصوص المتضافرة في حب آل البيت وتوقيرهم ويخشى الكفر على أمثال هؤلاء وخاصة فيما ورد في حق علي لما جاء في فضلة من النصوص وكأنهم بفعلهم هذا يكذبون الله ورسوله وهذا غاية الكفر والانحراف.
روى الحاكم عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: "من أحب علياً فقد أحبني ومن أبغض عليناً فقد أبغضني" [صححه الألباني في صحيح الجامع].
أما طعنهم في حق الحسين بن علي وأنه كان خارجياً:
قال ابن تيمية: "عن الحسين قتل مظلوماً شهيداً، وإن الذين قتلوه كانوا ظالمين معتدين وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بقتال المفارق للجماعة لم تتناوله، فإنه رضي الله عنه لم يفرق الجماعة، ولم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده أو على ثغره، أو على يزيد داخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة، ولو كان طالباً ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك فكيف لا تجب إجابة الحسين على ذلك.. ولو كان الطالب لهذه الأمور من هو دون الحسين لم يجز حبسه ولا إمساكه فضلاً عن أسره وقتله.
وأخيراً: قال الذهبي: "كان النصب مذهباً لأهل دمشق في وقت كما كان الرفض مذهباً لهم في وقت وهو في دولة بني عبيد ثم عدم ولله الحمد النصب وبقي الرفض خفيفاً خاملاً.
يتبع إن شاء الله..