فؤاد بن عبد الله
2012-06-28, 05:17 PM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
النية شرط من شروط الصيام، فلا يصح صوم إلا بنية إجماعا، فرضا كان أو تطوعا، لأن الصوم عبادة محضة، فافتقر إلى نية، كالصلاة. المغني 3/91
والدليل على ذلك حديث عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرء ما نوى ... الحديث" متفق عليه.
والكلام عن النية يقع في ثلاث مواضع:
أحدها: معنى النية.
والثاني: شروط النية.
والثالث: وقت النية.
معنى النية:
قال ابن قدامة: معنى النية القصد، وهو اعتقاد القلب فعل شيء، وعزمه عليه، من غير تردد، فمتى خطر بقلبه من الليل أن غدا من رمضان وأنه صائم فيه، فقد نوى اهـ المغني 3/94
وتحصل النية بأمور، منها:
أولا: أن ينوي الصوم بقلبه، وهو مذهب الجمهور، ولا يشترط النطق بالنية في الصوم. العزيز شرح الوجيز للرافعي 3/183، معونة أولى النهى 3/386
الثاني: الأكل والشرب ليلا بنية الصوم.
كأن تسحر للصوم، أو شرب لدفع العطش نهارا. العزيز للرافعي 3/184، معونة أولى النهى 3/386، المجموع 6/314
الثالث: الامتناع من الأكل، والشرب، والجماع، ونحوها من المفطرات، مخافة الفجر. العزيز للرافعي 3/184
وقت النية:
اختلاف العلماء في وقت عقد النية في صيام رمضان على قولين:
أحدهما: أن ينوي الصيام من الليل، وهو مذهب الجمهور.
قال ابن قدامة: إن كان الصوم فرضا، كصيام رمضان في أدائه، أوقضائه، والنذر، والكفارة، اشترط أن ينويه من الليل، عند إمامنا ومالك والشافعي اهـ المغني 3/91، مواهب الجليل 3/285، المجموع 6/315
وفي أي جزء من الليل نوى، أجزأه، سواء فعل بعد النية ما ينافي الصوم، من الأكل والشرب والجماع، أم لم يفعل، ما لم ينوِ قطع نية الصوم. المغني 3/92
لأن الأكل ليس ضد النية. المجموع 6/316، معونة أولى النهى 3/384
القول الآخر: ذهب أبو حنيفة إلى أن وقت النية يبدأ من ليلة كل يوم، ويمتد إلى قبل زوال ذلك اليوم.
قال الطحاوي: ويحتاج من عليه الصيام أن ينويه من ليلةِ كلِ يوم، أو فيما بعدها من ذلك اليوم، فيما بينه وبين الزوال اهـ مختصر الطحاوي ص 53
قال الجصاص: وإنما قلنا إنه يجوز ترك النية من الليل في صوم شهر رمضان إذا نواه قبل الزوال، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث يوم عاشوراء إلى أهل العوالي فقال: "من أكل فليمسك، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه"
فأمر الآكلين بالإمساك، ومن لم يأكل بابتداء الصيام من بعض النهار، فصار ذلك أصلا قي جواز ترك النية من الليل، في كل صوم مستحق العين، إذ كان صوم عاشوراء مستحق العين للفرض في ذلك الوقت، لما روى ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بصيام يوم عاشوراء أول ما قدم المدينة، ثم نسخ بشهر رمضان" اهـشرح مختصر الطحاوي 2/404
الراجح: أن ينوي الصيام من الليل؛ وأما ما استدل به الحنفية من جواز النية قبل الزوال استدلالا بيوم عاشوراء غير مسلم.
قال النووي: أجابوا عن هذا الحديث ـ أي حديث يوم عاشوراء ـ بأن المراد امساك بقية النهار لا حقيقة الصوم، والدليل على هذا أنهم أكلوا ثم أمروا بالصوم.
وجواب آخر: أن صوم عاشوراء لم يكن واجبا عند الجمهور، وإنما كان سنة متأكدة.
وجواب ثالث: أنه ليس فيه أنه يجزيهم ولا يقضونه، بل لعلهم قضوه، وقد جاء في سنن أبي داود في هذا الحديث فأتموا بقية اليوم واقضوه اهـ باختصار يسير، شرح صحيح مسلم 8/13ـ14، وانظر المجموع 6/319
وقال ابن قدامة: أما صوم يوم عاشوراء فلم يثبت وجوبه، فإن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" متفق عليه
فلو كان واجبا لم يبح فطره، فإنما سمى الإمساك صياما تجوزا، بدليل قوله: "ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه" ولم يفرق بين المفطر بالأكل وغيره اهـ المغني 3/92
شروط النية:
أولا: أن تكون النية كل ليلة لليوم الذي يليه، وهو الراجح.
قال النووي: مذهبنا أن كل يوم يفتقر إلى نية، سواء نية صوم رمضان، والقضاء، والكفارة، والنذر، والتطوع، وبه قال أبو حنيفة، وإسحاق بن راهويه، وداود، وابن المنذر، والجمهور اهـ المجموع 6/319ـ320، وانظر المغني 3/93
استدل الجمهور بما رواه يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" أخرجه أبو داود برقم (2454) وقال: رواه الليث، وإسحاق بن حازم أيضا جميعا عن عبد الله بن أبي بكر، مثله، وأوقفه على حفصة: معمر، والزبيدي، وابن عيينة، ويونس الأيلي، كلهم عن الزهري اهـ
وأخرجه النسائي من طريق يحيى بن أيوب عن عبدالله بن أبي بكر برقم (2331و2332و2333) وأخرجه من طريق ابن جريج عن ابن شهاب به، برقم (2334)
وأخرجه عن يونس، ومعمر، وابن عيينة، عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة موقوفا، برقم (2336ـ2340)
وأخرجه مرسلا وموقوفا عن الزهري عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما قالتا: "لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر" برقم (2341)
وأخرجه عن ابن عمر موقوفا أنه قال: "لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر" برقم (2344)
وقال النسائي بعد أن ساق الخلاف في إسناده: الصواب عندنا موقوف، ولم يصح رفعه والله أعلم، لأن يحيى بن أيوب ليس بذاك القوي، وحديث ابن جريج عن الزهري غير محفوظ، والله أعلم اهـ السنن الكبرى 2/117ـ118
وأخرجه الترمذي وقال: حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه؛ وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصح.
وهكذا أيضا روي هذا الحديث عن الزهري موقوفا، ولا نعلم أحدا رفعه إلا يحيى بن أيوب اهـ رقم (730)
وذكر الدارقطني الخلاف في رفعه ووقفه، ومال إلى وقفه. السنن 2/172
قلت: والراجح أنه موقوف على حفصه رضي الله عنها، كما ذكر النسائي، والترمذي.
وأما قول البيهقي: قد اختلف على الزهري في إسناده وفي رفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده، ورفعه، وهو من الثقات الأثبات اهـ السنن الكبرى 4/202
فإن الراوي عن عبد الله بن أبي بكر هو يحيى بن أيوب، فالحديث مداره عليه.
القول الآخر: أن ينوي الصيام من أول ليلة من رمضان للشهر كله، وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد.
قال الإمام مالك: من بيت الصيام أول ليلة من رمضان أجزأه ذلك عن سائر الشهر اهـ التمهيد لابن عبدالبر 10/35
قال الرعيني: الصوم الذي يجب تتابعه، يكفي فيه نية واحدة، في أول ليلة من بعد الغروب، والصوم الذي يجب تتابعه هو رمضان في حق الصحيح، وكفارة القتل، والظهار، والفطر في رمضان، والصوم المنذور، فتكفي في ذلك نية واحدة في أول ليلة منه على المشهور. مواهب الجليل 3/287
وقد استحب غير واحد من المالكية تجديد النية لكل يوم من رمضان. المصدر السابق
قلت: يشترط من قال بجواز الاكتفاء بنية واحدة للصوم المتتابع استمرار التتابع، فلو انقطع تتابع الصوم بعذر أو غيره، كالسفر أو الفطر عمدا ونحوهما، فلا بد من تجديد النية. مواهب الجليل 3/287ـ288، المبدع 3/19
الراجح: القول الأول، وهو أن ينوي الصيام لكل يوم من الليل، وذلك لما يلي:
أولا: أن هذا القول هو الموافق لظاهر الآثار.
ثانيا: أن هذه الأيام عبادات مستقلة، ويتخللها ما ينافيها.
ثالثا: أنه لا يفسد بعضها بفساد بعض.
قال ابن قدامة: وتعتبر النية لكل يوم، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وعن أحمد أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم جميعه، وهو مذهب مالك وإسحاق، لأنه زمن يصلح جنسه لنية الصوم، فجاز، كما لو نوى كل يوم في ليلته.
ولنا أنه صوم واجب، فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته، كالقضاء، ولأن هذه الأيام عبادات لا يفسد بعضها بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها، فأشبهت القضاء، وبهذا فارقت اليوم الأول اهـ المغني 3/93ـ94
ثانيا: تعيين النية.
وهو أن يعتقد أنه يصوم غدا من رمضان، لأنه صوم واجب فوجب تعيين النية كالقضاء، وهذا مذهب الجمهور.
فلو نوى صوما مطلقا، أو تطوعا في رمضان، لم تجزئه هذه النية، ووجب عليه القضاء. المغني 3/94ـ95، العزيز للرافعي 3/183
ثالثا: أن تكون النية جازمة.
وهو أن يعقد النية على الصيام من غير شك أو تردد.
فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد إن كان من رمضان وإن لم يكن من رمضان فأنا مفطر، فلا تصح هذه النية، ولا تجزئه عن صيام رمضان، لأنه لم يجزم بالنية. وهو مذهب الجمهور. المجموع 6/310، مواهب الجليل 3/285ـ286، معونة أولى النهى 3/385
وهذا بخلاف إن قال ليلة الثلاثين من رمضان: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، وإلا فأنا مفطر، فبان من رمضان، فإنه يجزئه في الأصح.
لأن الأصل بقاء رمضان وهو استصحاب للأصل، و لا يضر التردد بعد حصول الظن بالشهادة. معونة أولى النهى 3/385، المغني 3/94، المجموع 6/310ـ311، مواهب الجليل 3/286
ولو عقب النية بقوله: إن شاء بقلبه أو بلسانه، فإن قصد التبرك أو وقوع الصوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة الله تعالى، لم يضر.
وإن قصد تعليقه والشك، لم يصح صومه. المجموع 6/315، معونة أولى النهى 3/385ـ386
رابعا: استمرار وجود النية.
فلو نوى الصائمُ الفطرَ في نهار رمضان فقط انقطعت نيته، وفسد صومه، وعليه القضاء، وعليه تجديد النية، سواء أفطر ام لم يفطر، وسواء كان فطره بعذر كمرض أو سفر، أو بدون عذر.
قال الفتوحي: مقتضى الدليل اعتبار حقيقة النية مستدامة في جميع العبادة، لكن اكتفى بالدوام الحكمي؛ لدفع المشقة، ولا مشقة في ترك نية الفطر والقطع.
فإذا قطع نية الصوم بنية الإفطار كان كمن لم يأت بها ابتداء. معونة أولى النهي ٣٨٧/٣
خامسا: استشعار النية ولو في جزء يسير من النهار لمن جن أو أغمي عليه.
فلا يصح الصوم ممن جن أو أغمي عليه جميع النهار، لأن الصوم الشرعي هو الإمساك مع النية، لقول عليه الصلاة والسلام : "يدع طعامه وشرابه من أجلي" فإضاف ترك الطعام والشراب إليه، والمجنون والمغمى عليه لا يضاف الإمساك إلى واحد منهما، فلم يجزئه، ولأن النية أحد ركني الصوم، فلم تجزئ وحدها، كمن أمسك عن المفطرات بلا نية. المغني 3/98، معونة أولى النهى 3/386
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
قاله وكتبه راجي عفو ربه
فؤاد بن عبد الله الحاتم
الرياض 8/8/1433هـ
النية شرط من شروط الصيام، فلا يصح صوم إلا بنية إجماعا، فرضا كان أو تطوعا، لأن الصوم عبادة محضة، فافتقر إلى نية، كالصلاة. المغني 3/91
والدليل على ذلك حديث عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرء ما نوى ... الحديث" متفق عليه.
والكلام عن النية يقع في ثلاث مواضع:
أحدها: معنى النية.
والثاني: شروط النية.
والثالث: وقت النية.
معنى النية:
قال ابن قدامة: معنى النية القصد، وهو اعتقاد القلب فعل شيء، وعزمه عليه، من غير تردد، فمتى خطر بقلبه من الليل أن غدا من رمضان وأنه صائم فيه، فقد نوى اهـ المغني 3/94
وتحصل النية بأمور، منها:
أولا: أن ينوي الصوم بقلبه، وهو مذهب الجمهور، ولا يشترط النطق بالنية في الصوم. العزيز شرح الوجيز للرافعي 3/183، معونة أولى النهى 3/386
الثاني: الأكل والشرب ليلا بنية الصوم.
كأن تسحر للصوم، أو شرب لدفع العطش نهارا. العزيز للرافعي 3/184، معونة أولى النهى 3/386، المجموع 6/314
الثالث: الامتناع من الأكل، والشرب، والجماع، ونحوها من المفطرات، مخافة الفجر. العزيز للرافعي 3/184
وقت النية:
اختلاف العلماء في وقت عقد النية في صيام رمضان على قولين:
أحدهما: أن ينوي الصيام من الليل، وهو مذهب الجمهور.
قال ابن قدامة: إن كان الصوم فرضا، كصيام رمضان في أدائه، أوقضائه، والنذر، والكفارة، اشترط أن ينويه من الليل، عند إمامنا ومالك والشافعي اهـ المغني 3/91، مواهب الجليل 3/285، المجموع 6/315
وفي أي جزء من الليل نوى، أجزأه، سواء فعل بعد النية ما ينافي الصوم، من الأكل والشرب والجماع، أم لم يفعل، ما لم ينوِ قطع نية الصوم. المغني 3/92
لأن الأكل ليس ضد النية. المجموع 6/316، معونة أولى النهى 3/384
القول الآخر: ذهب أبو حنيفة إلى أن وقت النية يبدأ من ليلة كل يوم، ويمتد إلى قبل زوال ذلك اليوم.
قال الطحاوي: ويحتاج من عليه الصيام أن ينويه من ليلةِ كلِ يوم، أو فيما بعدها من ذلك اليوم، فيما بينه وبين الزوال اهـ مختصر الطحاوي ص 53
قال الجصاص: وإنما قلنا إنه يجوز ترك النية من الليل في صوم شهر رمضان إذا نواه قبل الزوال، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث يوم عاشوراء إلى أهل العوالي فقال: "من أكل فليمسك، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه"
فأمر الآكلين بالإمساك، ومن لم يأكل بابتداء الصيام من بعض النهار، فصار ذلك أصلا قي جواز ترك النية من الليل، في كل صوم مستحق العين، إذ كان صوم عاشوراء مستحق العين للفرض في ذلك الوقت، لما روى ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بصيام يوم عاشوراء أول ما قدم المدينة، ثم نسخ بشهر رمضان" اهـشرح مختصر الطحاوي 2/404
الراجح: أن ينوي الصيام من الليل؛ وأما ما استدل به الحنفية من جواز النية قبل الزوال استدلالا بيوم عاشوراء غير مسلم.
قال النووي: أجابوا عن هذا الحديث ـ أي حديث يوم عاشوراء ـ بأن المراد امساك بقية النهار لا حقيقة الصوم، والدليل على هذا أنهم أكلوا ثم أمروا بالصوم.
وجواب آخر: أن صوم عاشوراء لم يكن واجبا عند الجمهور، وإنما كان سنة متأكدة.
وجواب ثالث: أنه ليس فيه أنه يجزيهم ولا يقضونه، بل لعلهم قضوه، وقد جاء في سنن أبي داود في هذا الحديث فأتموا بقية اليوم واقضوه اهـ باختصار يسير، شرح صحيح مسلم 8/13ـ14، وانظر المجموع 6/319
وقال ابن قدامة: أما صوم يوم عاشوراء فلم يثبت وجوبه، فإن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" متفق عليه
فلو كان واجبا لم يبح فطره، فإنما سمى الإمساك صياما تجوزا، بدليل قوله: "ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه" ولم يفرق بين المفطر بالأكل وغيره اهـ المغني 3/92
شروط النية:
أولا: أن تكون النية كل ليلة لليوم الذي يليه، وهو الراجح.
قال النووي: مذهبنا أن كل يوم يفتقر إلى نية، سواء نية صوم رمضان، والقضاء، والكفارة، والنذر، والتطوع، وبه قال أبو حنيفة، وإسحاق بن راهويه، وداود، وابن المنذر، والجمهور اهـ المجموع 6/319ـ320، وانظر المغني 3/93
استدل الجمهور بما رواه يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" أخرجه أبو داود برقم (2454) وقال: رواه الليث، وإسحاق بن حازم أيضا جميعا عن عبد الله بن أبي بكر، مثله، وأوقفه على حفصة: معمر، والزبيدي، وابن عيينة، ويونس الأيلي، كلهم عن الزهري اهـ
وأخرجه النسائي من طريق يحيى بن أيوب عن عبدالله بن أبي بكر برقم (2331و2332و2333) وأخرجه من طريق ابن جريج عن ابن شهاب به، برقم (2334)
وأخرجه عن يونس، ومعمر، وابن عيينة، عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة موقوفا، برقم (2336ـ2340)
وأخرجه مرسلا وموقوفا عن الزهري عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما قالتا: "لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر" برقم (2341)
وأخرجه عن ابن عمر موقوفا أنه قال: "لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر" برقم (2344)
وقال النسائي بعد أن ساق الخلاف في إسناده: الصواب عندنا موقوف، ولم يصح رفعه والله أعلم، لأن يحيى بن أيوب ليس بذاك القوي، وحديث ابن جريج عن الزهري غير محفوظ، والله أعلم اهـ السنن الكبرى 2/117ـ118
وأخرجه الترمذي وقال: حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه؛ وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصح.
وهكذا أيضا روي هذا الحديث عن الزهري موقوفا، ولا نعلم أحدا رفعه إلا يحيى بن أيوب اهـ رقم (730)
وذكر الدارقطني الخلاف في رفعه ووقفه، ومال إلى وقفه. السنن 2/172
قلت: والراجح أنه موقوف على حفصه رضي الله عنها، كما ذكر النسائي، والترمذي.
وأما قول البيهقي: قد اختلف على الزهري في إسناده وفي رفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده، ورفعه، وهو من الثقات الأثبات اهـ السنن الكبرى 4/202
فإن الراوي عن عبد الله بن أبي بكر هو يحيى بن أيوب، فالحديث مداره عليه.
القول الآخر: أن ينوي الصيام من أول ليلة من رمضان للشهر كله، وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد.
قال الإمام مالك: من بيت الصيام أول ليلة من رمضان أجزأه ذلك عن سائر الشهر اهـ التمهيد لابن عبدالبر 10/35
قال الرعيني: الصوم الذي يجب تتابعه، يكفي فيه نية واحدة، في أول ليلة من بعد الغروب، والصوم الذي يجب تتابعه هو رمضان في حق الصحيح، وكفارة القتل، والظهار، والفطر في رمضان، والصوم المنذور، فتكفي في ذلك نية واحدة في أول ليلة منه على المشهور. مواهب الجليل 3/287
وقد استحب غير واحد من المالكية تجديد النية لكل يوم من رمضان. المصدر السابق
قلت: يشترط من قال بجواز الاكتفاء بنية واحدة للصوم المتتابع استمرار التتابع، فلو انقطع تتابع الصوم بعذر أو غيره، كالسفر أو الفطر عمدا ونحوهما، فلا بد من تجديد النية. مواهب الجليل 3/287ـ288، المبدع 3/19
الراجح: القول الأول، وهو أن ينوي الصيام لكل يوم من الليل، وذلك لما يلي:
أولا: أن هذا القول هو الموافق لظاهر الآثار.
ثانيا: أن هذه الأيام عبادات مستقلة، ويتخللها ما ينافيها.
ثالثا: أنه لا يفسد بعضها بفساد بعض.
قال ابن قدامة: وتعتبر النية لكل يوم، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وعن أحمد أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم جميعه، وهو مذهب مالك وإسحاق، لأنه زمن يصلح جنسه لنية الصوم، فجاز، كما لو نوى كل يوم في ليلته.
ولنا أنه صوم واجب، فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته، كالقضاء، ولأن هذه الأيام عبادات لا يفسد بعضها بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها، فأشبهت القضاء، وبهذا فارقت اليوم الأول اهـ المغني 3/93ـ94
ثانيا: تعيين النية.
وهو أن يعتقد أنه يصوم غدا من رمضان، لأنه صوم واجب فوجب تعيين النية كالقضاء، وهذا مذهب الجمهور.
فلو نوى صوما مطلقا، أو تطوعا في رمضان، لم تجزئه هذه النية، ووجب عليه القضاء. المغني 3/94ـ95، العزيز للرافعي 3/183
ثالثا: أن تكون النية جازمة.
وهو أن يعقد النية على الصيام من غير شك أو تردد.
فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد إن كان من رمضان وإن لم يكن من رمضان فأنا مفطر، فلا تصح هذه النية، ولا تجزئه عن صيام رمضان، لأنه لم يجزم بالنية. وهو مذهب الجمهور. المجموع 6/310، مواهب الجليل 3/285ـ286، معونة أولى النهى 3/385
وهذا بخلاف إن قال ليلة الثلاثين من رمضان: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، وإلا فأنا مفطر، فبان من رمضان، فإنه يجزئه في الأصح.
لأن الأصل بقاء رمضان وهو استصحاب للأصل، و لا يضر التردد بعد حصول الظن بالشهادة. معونة أولى النهى 3/385، المغني 3/94، المجموع 6/310ـ311، مواهب الجليل 3/286
ولو عقب النية بقوله: إن شاء بقلبه أو بلسانه، فإن قصد التبرك أو وقوع الصوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة الله تعالى، لم يضر.
وإن قصد تعليقه والشك، لم يصح صومه. المجموع 6/315، معونة أولى النهى 3/385ـ386
رابعا: استمرار وجود النية.
فلو نوى الصائمُ الفطرَ في نهار رمضان فقط انقطعت نيته، وفسد صومه، وعليه القضاء، وعليه تجديد النية، سواء أفطر ام لم يفطر، وسواء كان فطره بعذر كمرض أو سفر، أو بدون عذر.
قال الفتوحي: مقتضى الدليل اعتبار حقيقة النية مستدامة في جميع العبادة، لكن اكتفى بالدوام الحكمي؛ لدفع المشقة، ولا مشقة في ترك نية الفطر والقطع.
فإذا قطع نية الصوم بنية الإفطار كان كمن لم يأت بها ابتداء. معونة أولى النهي ٣٨٧/٣
خامسا: استشعار النية ولو في جزء يسير من النهار لمن جن أو أغمي عليه.
فلا يصح الصوم ممن جن أو أغمي عليه جميع النهار، لأن الصوم الشرعي هو الإمساك مع النية، لقول عليه الصلاة والسلام : "يدع طعامه وشرابه من أجلي" فإضاف ترك الطعام والشراب إليه، والمجنون والمغمى عليه لا يضاف الإمساك إلى واحد منهما، فلم يجزئه، ولأن النية أحد ركني الصوم، فلم تجزئ وحدها، كمن أمسك عن المفطرات بلا نية. المغني 3/98، معونة أولى النهى 3/386
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
قاله وكتبه راجي عفو ربه
فؤاد بن عبد الله الحاتم
الرياض 8/8/1433هـ