تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شرائط الإمام الأعظم وأدلتها وبعض المسائل المتعلقة بالإمامة.



أحمد بن حسنين المصري
2012-05-27, 11:28 PM
الحمد لله وحده، وبعد:

اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ تُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطٌ :

الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ قُرَشِيًّا.
الدليل : 1-قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ».
.........2-مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» عَنْ مُعَاوِيَةَ حَيْثُ قَالَ : بَابُ الْأُمَرَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ . حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ فَغَضِبَ ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ ، فَإِيَّاكُمْ وَالْأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا ; فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ». انْتَهَى مِنْ «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» بِلَفْظِهِ.

الثاني : كَوْنُهُ ذَكَرًا.
الدليل : 1- الإجماعُ على ذلك.

.........2- ما رواه البخاريُّ في صحيحِه، وغيرُه مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ : «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».

الثَّالِثُ : كَوْنُهُ حُرًّا. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا.
الدليل : لَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ الْعُلَمَاء.


الرَّابِعُ : مِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، فَلَا تَجُوزُ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ إِجْمَاعًا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَةِ .

الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا ، فَلَا تَجُوزُ إِمَامَةُ الْمَجْنُونِ، وَلَا الْمَعْتُوهِ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ.

السَّادِسُ : أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَلَا تَجُوزُ إِمَامَةُ فَاسِقٍ.
الدليل :اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).


السَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ ، مُجْتَهِدًا يُمْكِنُهُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ اسْتِفْتَاءِ غَيْرِهِ فِي الْحَوَادِثِ .

الثَّامِنُ : أَنْ يَكُونَ سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ غَيْرَ زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الدليل :وَيَدُلُّ لِهَذَيْنَ الشَّرْطَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ( لسابع،الثامن)، أَعْنِي : الْعِلْمَ وَسَلَامَةَ الْجِسْمِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي طَالُوتَ : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ).

التَّاسِعُ : أَنْ يَكُونَ ذَا خِبْرَةٍ وَرَأْيٍ حَصِيفٍ بِأَمْرِ الْحَرْبِ، وَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ، وَسَدِّ الثُّغُورِ، وَحِمَايَةِ بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَرَدْعِ الْأُمَّةِ، وَالِانْتِقَامِ مِنَ الظَّالِمِ، وَالْأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ.

الْعَاشِرُ : أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تَلْحَقُهُ رِقَّةٌ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ ، وَلَا فَزَعَ مِنْ ضَرْبِ الرِّقَابِ وَلَا قَطْعِ الْأَعْضَاءِ.
الدليل : يَدُلُّ ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ. (مستفاد من كتاب أضواء البيان بتصرف)(1/23-28) ط: دار الفكر.

يتبع إن شاء الله ...

أحمد بن حسنين المصري
2012-07-09, 12:04 AM
المسألة الأولى : حكم نصب إمام وخليفة

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قولِهِ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) الْآيَةَ : هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي نَصْبِ إِمَامٍ وَخَلِيفَةٍ ; يُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ ; لِتَجْتَمِعَ بِهِ الْكَلِمَةُ وَتُنَفَّذَ بِهِ أَحْكَامُ الْخَلِيفَةِ ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمَّةِ ، وَلَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْأَصَمِّ ؛ حَيْثُ كَانَ عَنِ الشَّرِيعَةِ أَصَمَّ . إِلَى أَنْ قَالَ : وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).
و قوله تَعَالَى : (يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ). وَقَالَ : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ) أَيْ : يَجْعَلُ مِنْهُمْ خُلَفَاءَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيِ .
وَأَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْدِيمِ الصِّدِّيقِ بَعْدَ اخْتِلَافٍ وَقَعَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فِي التَّعْيِينِ حَتَّى قَالَتِ الْأَنْصَارُ : مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ، فَدَفَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْمُهَاجِرُو نَ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالُوا لَهُمْ : إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَدِينُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَرَوُوا لَهُمُ الْخَبَرَ فِي ذَلِكَ فَرَجَعُوا وَأَطَاعُوا لِقُرَيْشٍ . فَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْإِمَامَةِ غَيْرَ وَاجِبٍ لَا فِي قُرَيْشٍ وَلَا فِي غَيْرِهِمْ ، لَمَا سَاغَتْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ وَالْمُحَاوَرَة ُ عَلَيْهَا . وَلَقَالَ قَائِلٌ : إِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لَا فِي قُرَيْشٍ وَلَا فِي غَيْرِهِمْ . فَمَا لِتَنَازُعِكُمْ وَجْهٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي أَمْرٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، ثُمَّ إِنَّ الصَّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عَهِدَ إِلَى عُمَرَ فِي الْإِمَامَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَحَدٌ : هَذَا أَمْرٌ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْنَا وَلَا عَلَيْكَ . فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا ، وَأَنَّهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ الَّذِي بِهِ قَوَامُ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. انْتَهَى مِنَ الْقُرْطُبِيِّ

قال الشيخ الأمين الشنقيطي : مِنَ الْوَاضِحِ الْمَعْلُومِ مِنْ ضَرُورَةِ الدِّينِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ نَصْبُ إِمَامٍ تَجْتَمِعُ بِهِ الْكَلِمَةُ ، وَتُنَفَّذُ بِهِ أَحْكَامُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ الْمُعْتَزِلِيّ ِ ، الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ ، وَكَضِرَارٍ وَهِشَامٍ الْفُوَطِيِّ وَنَحْوِهِمْ .
وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى بِطَرِيقِ الشَّرْعِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَة ُ وَأَشْبَاهُهَا وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِعْمَالِ السَّيْفِ عِنْدَ الْإِبَاءِ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ . (1/22) ( أضواء البيان ) ط دار الفكر

أحمد بن حسنين المصري
2012-07-15, 10:18 PM
المسألة الثانية : متى تَنْعَقِدُ لَهُ الإمامة ؟
قال محمد الأمين الشنقيطي في ( أضواء البيان )(1/23) :
فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَةَ تَنْعَقِدُ لَهُ بِأَحَدِ أُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : مَا لَوْ نَصَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ فُلَانًا هُوَ الْإِمَامُ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ لَهُ بِذَلِكَ .
الثَّانِي : هُوَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى بَيْعَتِهِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَعْهَدَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ الَّذِي قَبْلَهُ ، كَمَا وَقَعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
الرَّابِعُ : أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى النَّاسِ بِسَيْفِهِ ، وَيَنْزِعَ الْخِلَافَةَ بِالْقُوَّةِ حَتَّى يَسْتَتِبَّ لَهُ الْأَمْرُ ، وَتَدِينَ لَهُ النَّاسُ لِمَا فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ، وَإِرَاقَةِ دِمَائِهِمْ . انتهى بتصرف شديد

أحمد بن حسنين المصري
2012-07-22, 11:42 PM
المسألة الثالثة : إِذَا طَرَأَ عَلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِسْقٌ ، أَوْ دَعْوَةٌ إِلَى بِدْعَةٍ . هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَزْلِهِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ أَوْ لَا ؟

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِذَا صَارَ فَاسِقًا ، أَوْ دَاعِيًا إِلَى بِدْعَةٍ جَازَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ لِخَلْعِهِ . وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِيَامُ عَلَيْهِ لِخَلْعِهِ إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ كُفْرًا بَوَاحًا عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ .
فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا » عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، قَالَ : «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ» .
وَفِي «صَحِيحٍ مُسْلِمٍ» مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُم ْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُ مْ ، وَتَلْعَنُونَهُ مْ وَيَلْعَنُونَكُ مْ» قَالُوا : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : «لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ ، لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ ، إِلَّا مِنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» .
وَفِي «صَحِيحٍ مُسْلِمٍ» أَيْضًا : مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مِنْ رِضِيَ وَتَابَعَ» . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ : «لَا مَا صَلَّوْا» .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا » مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ .
فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ مُرْتَكِبًا لِمَا لَا يَجُوزُ ، إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ الْكُفْرَ الصَّرِيحَ الَّذِي قَامَ الْبُرْهَانُ الشَّرْعِيُّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كُفْرٌ بَوَاحٌ ؛ أَيْ : ظَاهِرٌ بَادٍ لَا لَبْسَ فِيهِ .
وَقَدْ دَعَا الْمَأْمُونُ وَالْمُعْتَصِمُ وَالْوَاثِقُ إِلَى بِدْعَةِ الْقَوْلِ : بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، وَعَاقَبُوا الْعُلَمَاءَ مِنْ أَجْلِهَا بِالْقَتْلِ ، وَالضَّرْبِ ، وَالْحَبْسِ ، وَأَنْوَاعِ الْإِهَانَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَدَامَ الْأَمْرُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى وَلِيَ الْمُتَوَكِّلُ الْخِلَافَةَ ، فَأَبْطَلَ الْمِحْنَةَ ، وَأَمَرَ بِإِظْهَارِ السُّنَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِإِمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي لَا لَبْسَ فِيهَا ، وَلَا مَطْعَنَ كَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ، وَأَبُو دَاوُدَ .
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي السَّرِيَّةِ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ أَمِيرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا فِي النَّارِ : «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا ; إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» وَفِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ : (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ). ( أضواء البيان ) (1/30)

أحمد بن حسنين المصري
2012-07-23, 12:22 AM
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ ؟

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَهُ ذَلِكَ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لَهُ عَزْلَ نَفْسِهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ . قَدَّمَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا فَمَنْ ذَا يُؤَخِّرُكَ ، رَضِيَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاكَ ؟
قَالَ : فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لَأَنْكَرَتِ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَلَقَالَتْ لَهُ : لَيْسَ لَكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ تَقَلَّدَ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لَهُ التَّخَلِّي عَنْهَا .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ كَانَ عَزْلُهُ لِنَفْسِهِ لِمُوجَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ كَإِخْمَادِ فِتْنَةٍ كَانَتْ سَتَشْتَعِلُ لَوْ لَمْ يَعْزِلْ نَفْسَهُ ، أَوْ لِعِلْمِهِ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَةِ ، فَلَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ عَزْلِ نَفْسِهِ . وَلِذَا أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِعَزْلِ نَفْسِهِ وَتَسْلِيمِهِ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، بَعْدَ أَنْ بَايَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ ; حَقْنًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِهِ جَدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ : «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . ( أضواء البيان ) (1/ 32)

أحمد بن حسنين المصري
2012-07-30, 12:40 AM
الْمَسْأَلَةُ الخامسة : هَلْ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى عَقْدِ الْإِمَامَةِ ؟


قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَا يَجِبُ ; لِأَنَّ إِيجَابَ الْإِشْهَادِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مِنَ النَّقْلِ . وَهَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْهُ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ ; لِئَلَّا يَدَّعِيَ مُدَّعٍ أَنَّ الْإِمَامَةَ عُقِدَتْ لَهُ سِرًّا ، فَيُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى الشِّقَاقِ وَالْفِتْنَةِ .
وَالَّذِينَ قَالُوا بِوُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَى عَقْدِ الْإِمَامَةِ ، قَالُوا : يَكْفِي شَاهِدَانِ خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ فِي اشْتِرَاطِهِ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ وَعَاقِدًا وَمَعْقُودًا لَهُ ، مُسْتَنْبِطًا ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ عُمَرَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ فَوَقَعَ الْأَمْرُ عَلَى عَاقِدٍ ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمَعْقُودٍ لَهُ ، وَهُوَ عُثْمَانُ وَبَقِيَ الْأَرْبَعَةُ الْآخَرُونَ شُهُودًا ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . (1/32)

أحمد بن حسنين المصري
2012-07-30, 02:07 AM
الْمَسْأَلَةُ السادسة : هَلْ يَجُوزُ نَصْبُ خَلِيفَتَيْنِ كِلَاهُمَا مُسْتَقِلٌّ دُونَ الْآخَرِ ؟

فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : قَوْلُ الْكَرَّامِيَّة ِ بِجَوَازِ ذَلِكَ مُطْلَقًا مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ كَانَا إِمَامَيْنِ وَاجِبَي الطَّاعَةِ كِلَاهُمَا عَلَى مَنْ مَعَهُ ، وَبِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقْوَمَ بِمَا لَدَيْهِ وَأَضْبَطَ لِمَا يَلِيهِ . وَبِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَعْثُ نَبِيَّيْنِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ ، وَلَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ النُّبُوَّةِ كَانَتِ الْإِمَامَةُ أَوْلَى .

الْقَوْلُ الثَّانِي : قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ، بَلْ يَجِبُ كَوْنُهُ وَاحِدًا ، وَأَنْ لَا يَتَوَلَّى عَلَى قُطْرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ إِلَّا أُمَرَاؤُهُ الْمُوَلَّوْنَ مِنْ قَبَلِهِ ، مُحْتَجِّينَ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» .
وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا : مِنْ حَدِيثِ عَرْفَجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ : «فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» .
وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ» ثُمَّ قَالَ : سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَعَاهُ قَلْبِي .
وَأَبْطَلُوا احْتِجَاجَ الْكَرَّامِيَّة ِ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَيَّامَ نِزَاعِهِ مَعَ عَلِيٍّ لَمْ يَدَّعِ الْإِمَامَةَ لِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا ادَّعَى وِلَايَةَ الشَّامِ بِتَوْلِيَةِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ : إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فِي عَصْرِهِمَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَا كُلٌّ مِنْهُمَا . وَأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَقَوْمَ بِمَا لَدَيْهِ ، وَأَضْبَطَ لِمَا يَلِيهِ ، وَبِجَوَازِ بَعْثِ نَبِيَّيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، يَرُدُّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» ; وَلِأَنَّ نَصْبَ خَلِيفَتَيْنِ يُؤَدِّي إِلَى الشِّقَاقِ وَحُدُوثِ الْفِتَنِ .

الْقَوْلُ الثَّالِثُ : التَّفْصِيلُ ، فَيُمْنَعُ نَصْبُ إِمَامَيْنِ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ وَالْبِلَادِ الْمُتَقَارِبَة ِ ، وَيَجُوزُ فِي الْأَقْطَارِ الْمُتَنَائِيَة ِ كَالْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَا نَصُّهُ : لَكِنْ إِنْ تَبَاعَدَتِ الْأَقْطَارُ وَتَبَايَنَتْ كَالْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ ، جَازَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي كَلَامِهِ : نَصْبُ خَلِيفَتَيْنِ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِجَوَازِ ذَلِكَ : الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَالْقُرْطُبِيّ ُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ .
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : قُلْتُ : وَهَذَا يُشْبِهُ حَالَ الْخُلَفَاءِ ؛ بَنِي الْعَبَّاسِ بِالْعِرَاقِ ، وَالْفَاطِمِيِّ ينَ بِمِصْرَ ، وَالْأُمَوِيِّي نَ بِالْمَغْرِبِ . (1/30) (أضواء البيان)

أحمد بن حسنين المصري
2012-07-30, 02:08 AM
انتهى المراد بفضل الله.

والسلام