المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رأي ابن عبدالبر في تراجم البخاري



الحمادي
2007-02-21, 09:23 PM
كثر ثناء أهل العلم على تراجم البخاري في صحيحه؛ وما فيها من الفقه والاستنباط الدقيق
حتى اشتُهِرَ على ألسنة بعضهم (فقه البخاري في تراجمه) كما ذكر الحافظ في مقدمة الفتح
وأفرد بعض أهل العلم مصنفات خاصة عن تراجم البخاري في الصحيح
لا أريد الإطالة بهذه المقدمة، وإنما أحببتُ ذكر فائدة وقفت عليها قبل ثمان سنوات تقريباً؛ وهي تعقيبٌ من الإمام أبي عمر ابن عبدالبر على ترجمة للإمام البخاري في صحيحه
وأسوق من كلام أبي عمر ما يتمُّ به المعنى:



عند كلام الإمام ابن عبدالبر على حديث أبي هريرة -الذي رواه الإمام مالك في الموطأ- أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيل الله؛ والله أعلمُ بمن يُكْلَمُ في سبيله= إلا جاءَ يومَ القيامة وجُرحه يَثْعَب دماً، اللونُ لونُ دمٍ، والريحُ ريحُ مِسْكٍ"


ثم قال ابن عبدالبر:
(وزعمت طائفةٌ بأنَّ في هذا الحديث دليلاً على أنَّ الماءَ إذا تغيَّرت رائحتُه بشيءٍ من النجاسات ولونه لم يتغيَّر= أنَّ الحكمَ للرائحة دون اللون، فزعموا أنَّ الاعتبارَ باللون في ذلك لامعنى له، لأنَّ دمَ الشهيد يوم القيامة يجيءُ ولونه كلون الدماء، ولكن رائحته فَصَلَت بينه وبين سائر الدماء، وكان الحكمُ لها، فاستدلوا في زعمهم بهذا الحديث على أنَّ الماءَ إذا تغيَّر لونه لم يضرَّه.
وهذا لا يُفهم منه معنىً تسكنُ النفس إليه، ولا في الدم معنى الماء فيقاس عليه، ولا يَشتغل بمثل هذا مَنْ له فَهمٌ، وإنما اغترَّتْ هذه الطائفة بأنَّ البخاريَّ ذكرَ هذا الحديثَ في باب الماء، والذي ذكره البخاري لاوجه له يُعرَف، وليس من شأن أهل العلم اللغز به وإشكاله، وإنما شأنهم إيضاحه وبيانه، وبذلك أُخِذَ الميثاق عليهم (لتبيننَّه للناس ولا تَكتمونه) وفي كتاب البخاري أبوابٌ لو لم تكن فيه كان أصحَّ لمعانيه).

التمهيد (19/15، 16)

أبو حماد
2007-02-22, 01:24 AM
حبيبنا الشيخ الحمادي: نقل لطيف يدل على قراءة واعية عميقة وتقييد للشوارد من الفوائد، غير أن لي تعليقاً على كلام الإمام ابن عبدالبر رحمه الله تعالى.

استدلال بعض أهل العلم بهذا الحديث على مسائل بأعيانها - قد لا يوافقون عليها - لكون الإمام البخاري أورده في باب من أبواب الصحيح، لا يتحمل جريرته الإمام، وإنما يُرد على أولئك ويبين خطأهم في فهم الحديث وتوجيهه، وأما الإمام البخاري فظاهر صنيعه في الصحيح في " باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء " أنه يرى الحكم بالنجاسة والطهارة تابعاً للتغير لا دونه، سواءً في كثير المائع أو قليله، ماءً كان أو غيره، خلافاً لمن يرى الحكم بالنجاسة لمجرد الملاقاة دون التغير، وذكره لحديث الدم يوضح بجلاء أن الدم لما تغيرت صفته تغير حكمه من الذم إلى المدح، وكذلك الماء إن تغيرت صفته تغير حكمه.

وهذا مشهور معروف عن الإمام البخاري أنه يرى المائعات جميعاً حكمها حكم الماء في التنجس بالتغير قليلاً كانت أو كثيرة إن لاقتها نجاسة، وممن ذكر ذلك ونسبه إلى الإمام البخاري وجعله من اختيارته شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع من كتبه.

ومما يؤيد أن هذا هو مراد الإمام رحمه الله ما علقه أول الباب عن الزهري قوله: لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم أو ريح أو لون، وأكده أيضاً بالنقل عن حماد في طهارة ريش الميتة وعن الزهري في عظام الميتة وناب الفيل وعن ابن سيرين وإبراهيم في العاج ونحوه، وإنما حكم بطهارة هذه مع أنها بقايا ميتة والميتة نجسة أو منفصلة عن حي حكمها حكم ميتته لكونها باقية على الأصل حياةً وموتاً، فهي لم تتغير بالموت، فلا يتغير حكمها به، وكذلك الماء لا يتغير حكمه طهارةً ونجاسةً ما لم تتغير صفته، ويلحقه في ذلك سائر المائعات الأخرى.

وهذا استنباط دقيق من الإمام البخاري، وربط محكم بين عنوان الترجمة وبين ما سرده في الباب من الآثار والأحاديث المؤكدة لصحة رأيه ومذهب، يبين علو كعبه في الفقه والاستدلال، وليس إلغازاً أو إبهاماً كما ذكر الإمام ابن عبدالبر رحم الله الجميع، وقرائح الأئمة تختلف ومداركهم تتباين، وهذا يبين بوضوح وجلاء فضل علم السلف وتقدمهم في الفهم والاستدلال على من أتى بعدهم في الجملة، وعند كل خير وفضل، وفوق كل ذي علم عليم.

والله تعالى أعلم.

الحمادي
2007-02-22, 01:56 AM
بارك الله فيكم أبا حماد
تعقيبكم في محله

ولستُ مقِراً للإمام ابن عبدالبر على كلامه، ولكني سقتُ كلامَه هذا لبيان رأيٍ غريب مخالف للمألوف
خاصة قوله: (وفي كتاب البخاري أبوابٌ لو لم تكن فيه كان أصحَّ لمعانيه)

ولا يخفى دقة فقه الإمام البخاري، وحيرة الشراح في أحيان كثيرة ليدركوا منزعه من بعض الأحاديث التي يسوقها، ومنها هذا الحديث

وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنَّ إيرادَ البخاري للحديث السابق في (باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء) مما استُشكِل، ثم ساق جملةً من التوجيهات

وذكر -رحمه الله- أنَّ من أهل العلم من يرى ألا علاقة للحديث بهذا الباب، كالإسماعيلي رحمه الله

أبو حماد
2007-02-22, 02:14 AM
العجب ليس هنا يا شيخنا الحبيب، بل هو في توجيه الحافظ ابن حجر لإيراد الإمام البخاري آثاراً في طهارة الريش وناب الفيلة وعاجها وعظام الميتة في الباب المذكور، فقد ذكر في شرحه لأثر حماد بن أبي سليمان أن الريش ليس نجساً ولا ينجس الماء بملاقته، سواءً كان ريش مأكول أو غيره.

وهذا التوجيه أغرب من توجيه الآخرين لحديث الباب، وواضحٌ من سياق الإمام البخاري للآثار والأحاديث أنه يقصد بها إثبات الحكم على الماء والمائعات الأخرى بالتغير فقط وساق لأجله أثر الزهري وحديث أبي هريرة في دم الشهيد، وأمّا ما لم يتغير فإن الأصل بقاؤه على الطهارة واستصحاب حكمها، وساق لأجل هذا الآثار القاضية بطهارة الريش والعظام والعاج لكونها باقية على الأصل وأيضاً ساق حديث ميمونة في طهارة السمن إذا وقع فيه الفأر إذا ألقوا ما حولها.

والله تعالى أعلم.

أبو مالك العوضي
2007-02-22, 04:22 AM
مسألة التنجيس بالتغير مختصة بالماء فقط على التفصيل فيها

أما غير الماء فإنه ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير بالاتفاق

والله أعلم.

أبو حماد
2007-02-22, 04:41 AM
التسوية بين الماء وبين سائر المائعات في حكم النجاسة وأنه لا ينجس إلا بالتغير هو رواية عن الإمام أحمد اختارها ابن تيمية، وهو أيضاً رواية عند المالكية، ومذهب أبي حنيفة، وقول الزهري، واختيار البخاري، والمسألة جرى فيها الخلاف من قديم، ولا أدري يا حبيبنا أبا مالك من أين نقلت الاتفاق على التنجس بمطلق ملاقاة النجاسة!.

أبو مالك العوضي
2007-02-22, 04:57 AM
وقد أشار الكرماني في مقدمة شرحه على البخاري إلى نحو مما ذكر ابن عبد البر، ثم قال:
(( والبخاري رحمه الله وإن كان من أعلم الناس بصحيح الحديث وسقيمه فليس ذلك من علم المعاني وتحقيق الألفاظ بسبيل ))

أبو مالك العوضي
2007-02-22, 05:03 AM
التسوية بين الماء وبين سائر المائعات في حكم النجاسة وأنه لا ينجس إلا بالتغير هو رواية عن الإمام أحمد اختارها ابن تيمية، وهو أيضاً رواية عند المالكية، ومذهب أبي حنيفة، وقول الزهري، واختيار البخاري، والمسألة جرى فيها الخلاف من قديم، ولا أدري يا حبيبنا أبا مالك من أين نقلت الاتفاق على التنجس بمطلق ملاقاة النجاسة!.

وفقك الله وسدد خطاك، الخلاف هو في جواز الانتفاع ببيع ونحوه.
قال ابن رشد الجد في ( البيان والتحصيل 1/ 37 - 38):
(( ظاهر هذه الرواية أن النجاسة اليسيرة لا تفسد الطعام الكثير ولا تنجسه كما لا تفسد الماء الكثير ولا تنجسه، وهذا مما لا يقوله إلا داوود القياسي ومن شذ عن الجمهور وخالف الأصول؛ لأن الله تعالى خلق الماء طهورا فهو يحمل ما غلب عليه من النجاسات، بخلاف ما عداه من الأطعمة والأدم المائعات ....... وهذا ما لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار، وإنما اختلفوا في جوازه للانتفاع به وبيعه )).

أبو عبدالرحمن بن ناصر
2007-02-22, 10:51 AM
جزاكم الله خيرا شيخنا الحمادي ، وبصراحة كلام ابن عبدالبر أعجبني بارك الله فيكم

عبد الرحمن السديس
2007-02-22, 01:10 PM
مشيخنا الكرام لا شك في إمامة البخاري وسعة علمه ودقة استنباطة و..
لكن أرى أن قول الحافظ ابن عبد البر صحيح، ولو لم يصح المثال المذكور .
تأمل قوله : (والذي ذكره البخاري لاوجه له يُعرَف، وليس من شأن أهل العلم اللغز به وإشكاله، وإنما شأنهم إيضاحه وبيانه، وبذلك أُخِذَ الميثاق عليهم (لتبيننَّه للناس ولا تَكتمونه) وفي كتاب البخاري أبوابٌ لو لم تكن فيه كان أصحَّ لمعانيه).

وصدق ففي البخاري أبواب كثيرة تشبه الألغاز حيرت كثيرا من الشراح، فلم يفهموها أو فهموها على غير مراده، هذا مع حياتهم وعشرتهم للكتاب، فكيف بغيرهم ممن هو دونهم في العلم، ولم يعايش الكتاب مثلهم ؟!
وقل مثل هذا في كتابه الكبير التاريخ الكبير .
ولا شك أن هذا له قسط من تعسير العلم وعدم بيانه.

أمجد الفلسطيني
2007-02-23, 01:27 AM
جزاكم الله خيرا

ممكن أن يعتذر ويجاب عن البخارى رحمه الله بــ :
1_ أن كثيرا من الأبواب المترجمة على أحاديث جامعه واضحة لاإلغاز فيها فنسبة الوضوح فى الأبواب أكثر من نسبة الإلغاز فيها
وينبغى أن نفرق بين التراجم الملغزة وبين التراجم التى تحتاج بعض التدقيق والتدبر لفهمها ولم تصل إلى درجة الإلغاز فالثانى محمود لاشك فى ذلك
2_ أن بعض التراجم توفى البخارى عنها ولم يدخل فيها أحاديث فجاء بعض النساخ وتصرف فى ذلك فوقع بعض الغموض فى وجه الدلالة بين الترجمة وأحاديثها من هذه الناحية
3_ يمكن أن يقال : أن البخارى كان يخاطب أهل عصره _ مع إمامة البخارى فى اللغة وتقعره فيها_ ومعلوم أن مع اختلاف الزمن تختلف لغة المتخاطبين وخاصة لغة أهل العلم فيما بينهم
ولا شك أن لغة ذلك العصر وخاصة تلك المدرسة (الشافعى وأبى عبيد والبخارى وأحمد و...) لغة عالية من الناحية العلمية واللغوية
ولا يخفاكم مدى صعوبة فهم كتب الشافعى كالرسالة والأم ولذلك قلت الشروح عليها
وكان عندنا فى بلادنا بعض الدكاترة فى الفقه والأصول المعتنين بالمذهب الشافعى مكث سنة كاملة من غير مبالغة لفهم كلمة وقعت فى الأم وكان سأل عنها الكثير من أهل العلم
4_ أنه أراد من الناظر فى صحيحه أن يتحصل بعد قراءته لجامعه على ملكة فهم النصوص واسخراج النكت العلمية من الأحاديث والغوص على ذلك واستنباط المعانى البديعة من النصوص التى لا تتأتى إلا بعد كد الذهن وعصره
ومن وسائل تحصيل ذلك معرفة وجه اسنباط العلماء لهذ المعانى من تلك النصوص وكيف استنبطها حتى يسلك مسلكهم فيما بعد
ولا يخفاكم أن قوة الإستنباط من النصوص تميزت به تلك المدرسة مثل الشافعى والبخارى وابن خزيمة
وقد قال أحمد فى حق الشافعى :كان الحديث قفلا علينا حتى فتحه الشافعى أو نحو هذا
ولا شك أن البخارى مثال تطبيقى رائع لهذه المدرسة
ولعلّ البخارى كان وقت تصنيفه للكتاب مستحضرا إظهار قدرة مدرسة أهل الحديث على دقائق الاستنباط والغوص على ذلك ردا على مدرسة أهل الرأى الذين كانوا يعيرون أهل الحديث بخلاف ذلك وقلة الفهم

المقصود بارك الله فيكم أن إلغاز البخارى فى بعض الأبواب ليس من الإلغاز المذموم بل له فوائده التى أرادها البخارى فمن تطلب فهم تراجمه لا يعتبر مضيع لوقته بل سيستفيد من ذلك فوائد منها ماتقدم ومنها ما يعرف بالممارسة
وإلغاز البخارى ليس فقط فى التراجم والفقه بل هو يلغز فى الحديث وعلله والله أعلم

أمجد الفلسطيني
2007-02-23, 01:49 AM
وقد أشار الكرماني في مقدمة شرحه على البخاري إلى نحو مما ذكر ابن عبد البر، ثم قال:
(( والبخاري رحمه الله وإن كان من أعلم الناس بصحيح الحديث وسقيمه فليس ذلك من علم المعاني وتحقيق الألفاظ بسبيل ))

عجيب !!
المشهور عند العلماء وخاصة المعتنين بجامعه عكس ذلك تماما
والكرمانى يتعدى على البخارى كثيرا لعدم فهمه لمراده
وقد رد عليه الحافظ فى الفتح فى مواضع وبين سبب ذلك وهو أنه لم يأخذ هذا العلم من أهله
والله يغفر للجميع ويرحم

أبو حماد
2007-02-23, 02:04 AM
أخي الكريم أبا مالك سدده الله ووفقه:

هذا الذي ذكره الإمام ابن رشد وهم منه، سبقه إليه الإمام ابن عبدالبر في " التمهيد "، فقد ذكر أن المائعات تنجس بمجرد ملاقاة النجاسة، وأن هذا مما لا يعلم فيه خلافاً، إلا قولاً لبعض من شذ من أهل العلم، وذكر قريباً من هذا الإمام النووي في كتابه " المجموع ".

وهذا فيه نظر، فالخلاف معروف مشهور، وهو كما سبق وذكرت لك قول الزهري وأبي حنيفة وأبي ثور ورواية عن مالك ورواية عن أحمد واختاره ابن تيمية وابن القيم وغيرهم، على ما سوف يأتي ذكره.

ومنشأ الخلاف في هذه المسألة هو الحديث المشهور في وقوع الفأرة في السمن، فقد اختلف الرواة في سياقهم لهذا الحديث، على أوجه متعارضة نشأ معها القول بالتفرقة أو الإلحاق، وأصل الحديث في الصحيح وغيره من رواية الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس ررر عن ميمونة رضي الله عنها أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي (ص) فقال: " ألقوها وما حولها وكلوه "، أخرجه مالك وأحمد والبخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وغيرهم، وقد رواه بهذا اللفظ عن الزهري أكثر أصحابه الثقات المتقنين كسفيان بن عيينة ومالك ويونس بن يزيد والأوزاعي وغيرهم، بل ذكر ابن القيم في تهذيب السنن – 5/336 - أن أصحاب الزهري كالمجمعين على ذلك، كلهم ذكروه بلا تفريق بين المائع والجامد.

وخالفهم في ذلك معمر سنداً ومتناً فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ررر قال: قال رسول الله (ص) : " إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه ".

وعامة الحفاظ من أصحاب الزهري على اللفظ الأول، وقد حكم بخطأ اللفظ الثاني وضعفه الحفاظ، كالبخاري والترمذي وأبي حاتم – علل ابن أبي حاتم 2 /12 – والدارقطني في العلل وغيرهم، ونقل البخاري عن سفيان بن عيينة ما يشير إلى تخطئة رواية معمر المذكورة كما سوف يأتي.

ومعمر مع كونه من الحفاظ إلا أن في بعض حديثه عن الزهري ما يستنكر، خاصة ما رواه عنه في البصرة، كما قال الإمام أحمد عنه: " كان يتعاهد كتبه وينظر يعني باليمن، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة "، وقال يعقوب بن شيبة: " سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب، لأن كتبه لم تكن معه "، وقال أبو حاتم الرازي: " ما حدث به معمر بن راشد في البصرة ففيه أغاليط "، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأكثر الرواة الذين رووا هذا الحديث عن معمر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة هم البصريون كعبدالواحد بن زياد وعبدالأعلى بن عبدالأعلى الشامي ".

وفيما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية تأمل وبحث، فإن هذا الحديث وإن كان البصريون رووه عن معمر، إلا أنهم لم ينفردوا بذلك، فقد رواه عنه أيضاً أصحابه باليمن كعبدالرزاق بن همام الصنعاني أخرجه أبو داود في السنن - 3/364 - من طريق الحسن بن علي عنه به، وأخرجه النسائي أيضاً عن عبدالرزاق عن عبدالرحمن بن بوذويه الصنعاني أن معمراً ذكره عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس ررر عن ميمونة عن النبي، بمثل لفظ حديث أبي هريرة ررر ، وأشار إليه الإمام أحمد في مسنده، وأيضاً أخرجه ابن حبان من طريق عبدالله بن محمد الأزدي عن إسحاق بن راهويه عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبدالله عن ابن عباس عن ميمونة بلفظ حديث أبي هريرة ررر الذي رواه معمر.

وهذا كله من الخطأ الذي نبه عليه الحفاظ، فإن المحفوظ هو رواية الزهري كما رواها عنه عامة أصحابه، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وأما رواية إسحاق بن راهويه عن سفيان التي أخرجها ابن حبان فهي مما اُستغرب من حديث إسحاق، قال الإمام الذهبي - سير أعلام النبلاء 11/378 -: " نعم ما علمنا استغربوا من حديث ابن راهويه على سعة علمه سوى حديث واحد، وهو حديثه عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس ررر عن ميمونه رضي الله عنها في الفأر التي وقعت في سمن، فزاد إسحاق في المتن من دون سائر أصحاب سفيان هذه الكلمة: " وإن كان ذائبا فلا تقربوه "، ولعل الخطأ فيه من بعض المتأخرين أو من روايه عن إسحاق" .

وقد ذكر الدكتور عبدالله دمفو في كتابه " مرويات الإمام الزهري المعلة " ص 992 نقلاً عن محقق مسند إسحاق أن هذه الرواية عن سفيان أخرجها إسحاق في مسند ميمونة بدون الزيادة التي أثبتها ابن حبان، وهذا يقضي بصحة كلام الإمام الذهبي.

ومما يؤكد خطأ رواية معمر التي فيها التفصيل هو ما أخرجه البخاري من طريق يونس عن الزهري: سئل عن الدابة تموت في الزيت والسمن، وهو جامد أو غير جامد، الفأرة أو غيرها؟، قال: بلغنا أن رسول الله (ص) أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح، ثم أكل ".

قال ابن القيم: " واحتجاجه – أي الزهري – بالحديث من غير تفصيل، دليل على أن المحفوظ من رواية الزهري إنما هو الحديث المطلق، الذي لا تفصيل فيه، وأنه مذهبه، فهو رأيه وروايته، ولو كان عنده حديث التفصيل بين الجامد والمائع لأفتى به واحتج به، فحيث أفتى بحديث الإطلاق واحتج به، دل على أن معمراً غلط عليه في الحديث إسناداً ومتناً " تهذيب السنن 5 / 337.

فإن قال قائل: لم لا يكون الزهري نسي الرواية التي فيها التفصيل، وهي محفوظة عنه كما رواها معمر؟، والجواب عن هذا أسوقه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: " فهذه فتيا الزهري في الجامد وغير الجامد، فكيف يكون قد روى في الحديث الفرق بينهما وهو يحتج على استواء حكم النوعين بالحديث ورواه بالمعنى، والزهري أحفظ أهل زمانه، حتى يقال: أنه لا يُعرف له غلط في حديث ولا نسيان، مع أنه لم يكن في زمانه أكثر حديثاً منه، ويُقال أنه حفظ على الأمة تسعين سنة لم يأت بها غيره، وقد كتب عنه سليمان بن عبدالملك كتاباً من حفظه، ثم استعاده منه بعد عام فلم يخطُ منها حرفاً، فلو لم يكن في الحديث إلا نسيان الزهري أو معمر، لكان نسبة النسيان إلى معمر أولى باتفاق أهل العلم بالرجال، مع كثرة الدلائل على نسيان معمر، وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن معمراً كثير الغلط على الزهري " الفتاوى الكبرى 1/ 26 – 27.

وقد ساق الإمام ابن رجب في " شرح العلل " جملة من الأحاديث التي أخطأ فيها معمر على الزهري، وغالبها مما سُمع منه بالبصرة، لأن كتبه لم تكن معه، انظر ص 330 من الكتاب.

وذكر البخاري في صحيحه – حديث رقم 5538 - عن سفيان بن عيينة ما يؤيد صحة الرواية المشهورة عن الزهري، فقال: قيل لسفيان: فإن معمراً يحدثه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ررر ، قال: ما سمعت الزهري يقول إلا: عن عبيدالله عن ابن عباس ررر عن ميمونة رضي الله عنها عن النبي (ص) ، ولقد سمعته منه مراراً.

وخلاصة ما سبق أن المحفوظ هو لفظ الصحيح كما رواه بذلك عامة أصحاب الزهري، وهو ما قضى به أهل المعرفة بالحديث، وما عداه فهو وهم وخطأ.

وعليه فإن هذا الحديث أصل واضح وصريح في تسوية المائعات بالماء، وأنه لا فرق في المائع بين أن يكون جامداً أو سائلاً، قليلاً أو كثيراً، والقاعدة تؤكد أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزّل منزلة العموم في المقال، وعليه فإن استحالة النجاسة في المائع كاستحالتها في الماء، وظهورها فيه كظهورها في الماء، وهما من باب واحد، ولا وجه للفرق بينهم، ولا فرق كذلك بين المائع الذي أصله مائي وبين غيره، وقد حكم بموجب الحديث الزهري كما رواه عنه البخاري في صحيحه – حديث رقم 5539 -.

وهو قول أبي حنيفة – الفروع 1/93 -، بل المشهور في مذهبه أن حكم سائر المائعات حكم الماء في النجاسة وغيره ففي الدر المختار ما نصه: " وحكم سائر المائعات كالماء في الأصح، حتى لو وقع بول في عصير لم يفسد "، وعلق عليه ابن عابدين في حاشيته بقوله: " فكل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء وهو الأصح .. وفيه في موضع آخر: وسائر المائعات كالماء في القلة والكثرة، يعني كل مقدار لو كان ماء تنجس، فإذا كان غيره ينجس "، انتهى كلامه – حاشية ابن عابدين 1/331-332 -، وقال الزيلعي في تبيين الحقائق: " وسائر المائعات كالماء في القلة والكثرة .. وكذا لا فرق بين الماء وغيره من المائعات " – 1/23 -، وذكر في بدائع الصنائع عن الكرخي قوله عن الحنفية:" أن كل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء، وهكذا روى هشام عنهم، وهو أشبه بالفقه " – 1/79-.

وهو اختيار الإمام البخاري – الفتح 9/587 -، ورواية عن الإمام أحمد – ساقها بنصها الإمام ابن قدامة في المغني 1/45، وانظر الفتاوى الكبرى 1/23، الفروع 1/93، فتح الباري 9/587 -، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قول ابن مسعود ررر - اخرجه ابن أبي شيبة في المصنف - وابن عباس ررر من الصحابة وساق عنهم الروايات في ذلك بأسانيدها – انظر تنقيح التحقيق 2/574 -.

وذكر الحافظ ابن حجر أنه قول ابن نافع من المالكية ويُحكى عن مالك – الفتح 9/587 -، وهو قول أبي ثور كما نقله عنه ابن أبي هريرة في شرح مختصر المزني – طبقات الشافعية 2/78 -، ونقله أيضاً المروذي للإمام أحمد كما ذكر ذلك الخلال في جامعه – الفتاوى الكبرى 1/24، طبقات الشافعية 2/78 -.

وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – اختيارات شيخ الإسلام 1/128-130-، وقد طول الكلام عليه في مواضع كثيرة من الفتاوى الكبرى ومجموع الفتاوى 21/491-498، ونقل بعض ذلك مستحسناً له ابن عبدالهادي في تنقيح التحقيق وأتى فيها بأنواع الحجج والبراهين المرجحة لاختياره، واختاره كذلك ابن القيم – إعلام الموقعين 1/393-394 – وكلامه على وجازته إلا أنه نفيس.

وهذه النقول تؤكد بوضوح وهْم الإمام ابن عبدالبر وابن رشد وغيرهم ممن نقلوا الاتفاق على أن المائعات تنجس بمجرد ملاقاتها للنجاسة، ومن الغرائب أن الإمام النووي في " المجموع " نفى وقوع الخلاف في الحكم بنجاسة المائع إذا لاقته النجاسة – المجموع 1/176 -، لكنه في موضع آخر لاحق – المجموع 1/199 – نقل عن أبي حنيفة أن المائع كالماء إذا بلغ الحد الذي يعتبرونه – وانظر طبقات الشافعية 1/79-، وهذا من غرائبه رحمه الله.

ومما يذكره أهل العلم وينبهون عليه أن نقل الاتفاق أو نفي وقوع الخلاف، لا يكفي في إثبات الإجماع، بل يجب تحريره والتدقيق فيه، فكثير من أهل العلم ينقل من حفظه، ومنهم من يُهمل ذكر بعض من تفرد بالقول في المسألة أو خالف جمهور أهل العلم، ويعد مثل ذلك خلافاً شاذاً لا يستحق الذكر، ومنهم من يُلغي خلاف الظاهرية، ومنهم – خاصة من تقدم وكان من أهل المغرب – لا يذكر خلاف الحنابلة وبعض روايات الإمام أحمد في المسألة.

والله تعالى أعلم.

عبد الرحمن السديس
2007-02-23, 01:31 PM
أخي الكريم الشيخ أمجد وفقه الله

بارك الله فيكم على ما ذكرتم وإن كنت أرى أن في بعض ما ذكرتم تكلفا .

ويشكل على بعض ما ذكرتم أنّ مَن قبله من شيوخه وأقرانه وتلاميذه خلت من كتبهم ـ أو كادت ـ من هذه الطريقة التي يسلكها رحمه الله .

وإن صح أو استحسن بعض ما ذكر بالنسبة للجامع الصحيح فما الجواب عن ما في التاريخ الكبير ؟

أما الشافعي رحمه الله فالغرابة ليست من طريقته وإلغازه ... بل من لغته وبينهما فرق كبير .

الحمادي
2007-02-24, 09:22 PM
ما شاء الله
لم يخطر ببالي حصول مثل هذه المدارسة المباركة، المشتملة على جملة من الفوائد


المشايخ الفضلاء
أبو حماد وأبو مالك وأبو عبدالرحمن وأبو عبدالله السديس وأمجد
شكر الله لكم وبارك في جهودكم ونفع بعلمكم

أبو حماد
2007-02-26, 05:20 PM
مادة بحثية جيدة، لها علاقة بتراجم الإمام البخاري، مأخوذة من موقع الألوكة الأم، وهذا رابطها:

http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=484

تراجم أحاديث الأبواب دراسة استقرائية في اللغة واصطلاح المحدثين من خلال صحيح البخاري

د. علي بن عبد الله الزبن

تاريخ الإضافة: 26/02/2007 ميلادي - 8/2/1428 هجري

الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على خاتم المرسلين.

وبعد: لقد اعتنى الأئمة - رحمهم الله - بالجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري - عناية فائقة، وليس هذا بغريب على الجامع الصحيح، الذين هو أصح كتاب بعد كتاب الله ، وهو كلام من أوتى جوامع الكلم بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم.

ومما اعتنى به تراجم أبوابه التي قال عنها العلماء: إن فقه البخاري في تراجمه، بل إن تراجمه - رحمه الله - تعالى درر غاص عليها في بحر علمه، ثم قذف بها في بحر كتابه الصحيح.

ولقد أحببت أن أقوم بدراسة للفظه في صحيح البخاري دراسة استقرائية في اللغة واصطلاح المحدثين - أرجو أن أوفق فيها ويساعدني الأخوة الباحثون وطلبة العلم لأني لم أقف على دراسة سابقة لهذا - واستعرضت في هذه الدراسة ما يلي:

1 - الترجمة في اللغة الاصطلاح:

أولاً - الترجمة في اللغة

أ - أصل الكلمة.

ب - اللغات المحفوظة.

ج - اشتقاق الترجمة ومعناها عند أهل اللغة.

ثانياً: المعنى الاصطلاحي وارتباطه بالمعنى اللغوي:

ثالثا: أركان الترجمة:

المترجم ، المترجم له، المترجم به.

رابعاً: لفظ الترجمة:

أ - ما يكون نصا.

ب - ما يكون استنباطاً.

خامساً: شرط صحة الترجمة.

سادساً - الكتب التي ألفت في تراجم أبواب البخاري.

والله أسأل العصمة من الزلل والخلل والخطأ والخطل.

والله من وراء القصد.،،،

"الترجمة في اللغة والاصطلاح"

أولاً: الترجمة في اللغة:

(أ) اختلف أهل اللغة في أصل هذه اللفظة على قولين:

1 - أنها عربية أصيلة.

2 - أنها معربة وليست عربية أصلاً، وأن أصلها "درغمان" فتصرفوا فيها إلى "ترجمان" ثم لما عربت بعد ذلك دخلها الاشتقاق كغيرها من الألفاظ[1].

ولم يجز الزبيدي بشيء منهما[2].

وأما الحافظ ابن حجر - رحمه الله - فظاهر كلامه ترجيح أنها معربة[3].

(ب) اختلف القائلون بأنها عربية أصلاً على قولين[4]:

1 - أن التاء في فعلها "ترجم" أصلية وعلى هذا فالفعل رباعي على وزن "فَعلَل".

2 - أن التاء في فعلها "ترجم" زائدة ، وعلى هذا فالفعل ثلاثي من "رجم" ووزنها حينئذ وزن المزيد "تَفَعَل"[5].

وممن قال بالأول وأكده الإمام الفيروز ابادي قال: "والفعل يدل على أصالة التاء"[6].

والمراد بقوله هذا أن فتح التاء في لفظه "ترجم" دال على أصالتها وأن الفعل رباعي وزنه "فَعلَل".

وقواه الإمام الحافظ النووي - رحمة الله عليه - قال: "والتاء في هذه اللفظة أصلية ليست بزائدة والكلمة رباعية، وغلطوا الجوهري - رحمه الله - في جعله التاء زائدة وذكره الكلمة في فصل "رجم"[7] وقال أيضاً: "والتاء أصلية وأنكروا على الجوهري كونه جعلها زائدة"[8] قلت: وصرح بهذا العلامة أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي - رحمه الله - قال: "والتاء والميم أصليتان فوزن "ترجم": "فَعْلَل" مثل "دحرج" وجعل الجوهري التاء زائدة وأورده في تركيب "رَجَم" ويوافقه ما في نسخة التهذيب من باب "رجم" أيضاً.

قال اللِّحياني: وهو التَّرجمان والتُّرجمان لكنه ذكر الفعل في الرباعي وله وجه، فإنه يقال لسان مِرْجَمٌ إذا كان فصيحاً قوالاً لكن الأكثر على أصالة التاء"[9].

وممن قال بالثاني وكثرت نسبته إليه الإمام الجوهري - رحمه الله - [10] وتعصب له الإمام الزبيدي فقال: "والترجمان: تفعلان من الرجم، كما يقتضيه سياق الجوهري وغيره، وفي المفردات هو تفعلان من المراجعة بمعنى المسابة، وقد ذكره المصنف[11]. في "ت ر ج م" وكتبه بالحمرة على أنه استدرك به على الجوهري، والصواب ذكره هنا[12]، كما فعله الجوهري وغيره من الأئمة نبهنا عليه آنفا"[13].

قلت: وتنبيهه هو قوله قبل ذلك في مادة "ترجم":

"(والفعل يدل على أصالة التاء)[14] فيه تعريض على الجوهري حيث ذكره في "ر ج م" مع أن أبا حيان قد صرح بأن وزنه تفعلان، ويؤيده قول ابن قتيبة في أدب الكاتب أن الترجمة تفعله من الرجم"[15].
(ب) اللغات المحفوظة في لفظة "ترجمة":

لا خلاف في أن الراء فهيا ساكنة وإنما اختلفوا في الحرفين:
1 - التاء في أولها.
2 - والجيم وهو ثالثها.
وفيهما أربع لغات:

الأولى: أنهم مضمومان فنقول : "تُرجُمة".
الثانية: أنهم مفتوحان فنقول: "تَرجَمة".
الثالث: أن الأول مفتوح والثاني مضموم فنقول : "تَرجُمة"[16]
الرابعة: أن الأول مضموم والثاني مفتوح فنقول: "تُرجَمة"[17]
وقد رجح الإمام الحافظ النووي - رحمه الله - الثالثة منها[18]. وكذلك العلامة محمد مرتضي الزبيدي رحمه الله[19] وأحمد بن محمد المقري الفيومي[20].

(جـ) اشتقاق "الترجمة" ومعناها عند أهل اللغة:

قال الإمام النووي رحمه الله:
يقال منه: ترجم يترجم ترجمة فهو مُتَرجِم وهو التُّرجُمان بضم التاء وفتحها لغتان والجيم مضمومة فيهما[21].
وقال العلامة الجوهري - رحمه الله -:
ومنه التَّرجَمان والجمع التراجم مثل زَعفَران وزَعَافِر وصَحصَحان وصَحَاصِح[22].
المعنى اللغوي:
قال الجوهري رحمه الله: "ويقال قد ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر"[23].
وقال العلامة ابن منظور[24] رحمه الله: "التَّرجمان والتُّرجمان: المفسر، للسان وفي حديث هرقل قال لترجمان الترجمان بالضم: والفتح هو الذي يترجم الكلام أي: ينقله من لغة إلى لغة أخرى أ هـ، وفى صحيح مسلم[25] قال أبو جره كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس قال ابن الصلاح: أنه يبلغ كلام ابن عباس إلى من خفي عليه من الناس إما لزحام منع من سماعه فأسمعهم.
وقال الزبيدي رحمه الله: "المفسر للسان وقد ترجمه وترجم عنه إذا فسر كلامه بلسان آخر"[26].
وقال الإمام النووي - رحمه الله - عليه: "التَّرجَمة بفتح التاء والجيم وهي التعبير عن لغة بلغة أخرى"[27].
قلت ومن هذا نفهم أن معنى الترجمة المشترك عند أهل اللغة هو: التفسير أو التعبير أو النقل.

1 - فهو إما تفسير للسان آخر بلسان معروف.
2 - وإما تعبير عنه به.
3 - وإما نقل منه إليه.


ثانيا: المعنى الاصطلاحي وارتباطه بالمعنى اللغوي.

بعد أن درسنا المعنى اللغوي لهذه اللفظة نتساءل ما اصطلاحات المحدثين على هذه اللفظة.
للمحدثين تعريفات على هذا فهم يطلقون الترجمة على معانٍ منها:

1 - سلسلة إسناد معين يروى به عدد من المتون وقد تكلم العلماء في هذا على نوعين.
(أ) تراجم أصح الأسانيد.
(ب) تراجم أوهى الأسانيد[28].
2 - عنوان الباب الذي تساق فيه الأحاديث[29]
وقال ابن الصلاح: وقد أطلقوا على قولتهم: باب كذا وكذا اسم الترجمة لكونه يعبر عما يذكر بها[30] والذي نحن بدراسته التعريف الثاني.

فما الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي؟
وجه الارتباط بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي:
ولعله بعد ذلك قد اتضح لك أن هناك رابطاً قوياً وظاهراً بين المعنيين؛ وهو أن العنوان الذي يكتبه الإمام ويسوق تحت الأحاديث، لا يخرج عن إحدى ثلاث حالات:
الأولى: أنه لسان المؤلف صاحب الترجمة يفسر لسان المتلفظ بالحديث - صلى الله عليه وسلم.
الثانية: أنه تعبير بلسان المؤلف المترجم عن لسان المتحدث عليه الصلاة والسلام.
الثالثة: أنه نقل من لسان المتحدث - صلى الله عليه وسلم - إلى لسان المؤلف المترجم.
قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح غفر الله له:
"وليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة بلغة أخرى فقد أطلقوا على قولهم باب كذا اسم الترجمة لكونه يعبر عما يذكر بعده"[31].


"أركان الترجمة"

الترجمة - عند أهل الاصطلاح - لا تقوم إلا على ثلاثة أركان لازمة تقتضيها وجوه القسمة العقلية:

(الأول): المترجِم بكسر الجيم ويقال: الترجمان وهو اسم الفاعل وهو الإمام الفقيه الذي يدرك معاني النصوص على أصول صحيحة. كالأئمة المشهورين: البخاري، وأحمد، والترمذي، وأبي داود، وابن حبان.وغيرهم - رضي الله عنهم.

(الثاني): المترجم له بفتح الجيم ويقال: المترجم وهو اسم المفعول وهو النص أو النصوص التي يساق للدلالة على ما تضمنه معنى الترجمة.

والنصوص التي ترد تحت التراجم لا تخرج عن ثلاثة أنواع:
1 - الآيات القرآنية الكريمة.
2 - الأحاديث النبوية الشريفة.
3 - الآثار عن الصحابة أو التباعين - رضي الله عنهم أجمعين - ثم لننظر في هذه الأنواع الثلاثة:
هل الإمام البخاري - رحمه الله - تعالى يوردها كلها تحت ترجمة واحدة على أنها مُترجم لها أو مترجم بها؟
والذي لا خلاف فيه أن الأحاديث الصحيحة المسندة لا تخرج عن قول واحد وهو أنها: من المترجم له.
وأما ماعدا ذلك من الآيات والأحاديث المعلقة، وكذلك الآثار فطريقة البخاري فيها محل نظر.
1 - فابن المُنير - رحمه الله - جعلها من المترجم له حيث قال: "باب في الاغتباط في العلم والحكمة".
"وجه مطابقة قول عمر للترجمة..." [32]
2 - وابن جماعة - رحمه الله - جعلها كذلك من المترجم له..
قال: في "باب رفع العلم" مناسبة قول ربيعة للترجمة[33]. فجعل الأثر يدل على الترجمة وليس مها.
3 - وقال الكرماني قوله: في كتاب العلم باب الاغتباط في العلم الحكمة وقوله: قال عمر: ليس هو من تمام الترجمة؛ إذ لم يذكر بعده شيئاً يكون متعلقاً به إلا أن يقال: الاغتباط في الحكمة على القضاء لا يكون إلا قبل كون الغابط قاضياً"[34].
4 - وقال العيني: "كتاب العلم" "باب رفع العلم وظهور الجهل" فإن قلت:
"ما وجه مناسبة قول ربيعة هذا للتبويب[35]؟" فهذا مصير منهم إلى أن الآثار مترجم لها والله أعلم.
وفصل الحافظ ابن حجر - رحمة الله تعالى عليه - فقال:
"ينبغي أن يقال جميع ما يورد فيه إما أن يكون مما ترجم به أو مما ترجم له، فالمقصود من هذا التصنيف بالذات هو الأحاديث المسندة وهي التي ترجم لها.
والمذكور بالعرض والتبع: الآثار الموقوفة، والأحاديث المعلقة ، نعم والآيات الكريمة، فجميع ذلك مترجم به. إلا أنها إذا اعتبرت بعضها مع بعض واعتبرت أيضاً بالنسبة إلى الحديث يكون بعضها مع بعض، منها مفسِّر ومنها مفسَّر، فيكون بعضها كالمترجم له باعتبار.
ولكن المقصود بالذات هو الأصل فافهم هذا ، فإنه مخلص حسن يندفع به اعتراض عما أورده المؤلف من هذا القبيل والله الموفق[36].
قلت: وبهذا نعرف أموراً:
الأول: أن الأحاديث الصحيحة المسندة هي المقصود الأصلي من الجامع الصحيح للإمام البخاري - رحمه الله.
الثاني: أنها لهذا مترجم لها بلا خلاف.
الثالث: أن الآيات الكريمة والأحاديث المعلقة والآثار الموقوفة مذكورة في الجامع الصحيح على سبيل العرض والتبع.
الرابع: أنها لهذا مترجم بها في الأصل[37]
الخامس: أنها لا تخرج عن هذا الأصل إلا إذا اعتبرت بعضها مع بعض، واعتبرت بالنسبة للحديث الصحيح المسند، فإنها تكون بهذا الاعتبار، منها ما هو مترجم به من وجه ومترجم له من وجه آخر.
ولعل هذه النتائج الخمس واضحة جليلة إلا الخامس فإنه لا يتضح إلا بالمثال وهو: قول البخاري - رحمه الله - عليه:
باب: من قال: إن الإيمان هو العمل لقول الله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال عدد من أهل العلم في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَْ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: عن قول لا إله إلا الله، وقال: { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}.
حدثنا أحمد بن يونس وموسى بن إسماعيل قالا حدثنا إبراهيم ابن سعد حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور".
قال الحافظ رحمه الله: مطابقة الآيات والحديث لما ترجم له بالاستدلال بالمجموع على المجموع لأن كل واحد منها دال بمفرده على بعض الدعوى[38].
فهذا مثال للترجمة التي ورد تحتها حديث مسند.
وأما مثال الترجمة التي لم يرد تحتها حديث مسند وهي من هذا النوع ما رواه البخاري في صحيحه قال:
باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} فبدأ بالعلم وأن العلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا العلم. من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقا يطلب به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وقال جل ذكره: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }، وقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ}، و {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، وقال:{ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((من يرد الله به خيرا يفقهه)). وإنما العلم بالتعلم. وقال أبو ذر: لو وضعتم الصمصامة على هذه – وأشار إلى قفاه - ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تجيزوا على لأنفذتها، وقال ابن عباس: كونوا ربانيين حكماء فقهاء ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره[39].
قلت: وهذه الآيات والأحاديث المعلقة والآثار كلها مترجم لها وهي في الأمر نفسه مترجم بها وأيضاً بعضها مع بعض مترجم له مترجم به هذا من وجه وهذا من وجه.

وعلى كل حال فإن المتمعن في الجامع الصحيح للبخاري - رحمه الله - يعرف أن هذه المسألة مسألة نسبية لا يمكن الحكم فيها بحكم عام ومطلق على جميع التراجم فيه، فإن لكل ترجمة حالاً خاصة بها، ولكن المراد أنها لا يمكن أن تخرج عما فصلناه بحال والله أعلم.

وختاماً فهذه مقالة طيبة حول الآثار وما كان في حكمها في تراجم الجامع الصحيح للإمام البخاري ، فقد قال الحافظ - رحمه الله - إنه: "عرف من عادته أنه يستعمل الآثار في التراجم لتوضيحها وتكميلها وتعيين أحد الاحتمالات في حديث الباب"[40].

"المترجم به"

الثالث: الترجمة وهي:

العنوان الذي يضعه المترجم للدلالة على معنى قائم بما تحته من نصل أو أكثر . ولفظ الترجمة نوعان:
1 - ما يكون نصاً وهو إما آية أو حديث على شرطه، أو حديث ليس على شرطه، أو أثر صحابي.
2 - ما يكون استنباطاً: وهو ما ليس من قبيل النوع الأول بل من كلام الإمام البخاري رحمه الله.
النوع الأول الآية:
باب قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}[41].
2 - حديث على شرطه:
عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"[42].
3 - حديث ليس على شرطه:
أخرج ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعًا "فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه"[43].
وترجم بقوله "باب فضل القرآن على سائل الكلام" كتاب فضائل القرآن 9/66[44]
4 - أثر صحابي:
فسر ابن عباس قوله تعالى {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} قال دعاؤكم إيمانكم. ترجم البخاري "باب دعاؤكم إيمانكم"[45]


"شرط صحة الترجمة"

ولا شك أن أركان الترجمة الثلاثة قد تكون قائمة في حقيقة الأمر، ولكنها لا تصح بحال حتى تستوفي شرطاً واحداً وهو ما يسميه أهل الاصطلاح:
المناسبة وهي: العلاقة المعنوية التي تربط بين الترجمة والمترجم له. وبعد البحث والتأمل والاستقراء يمكن أن نقول إنها تنقسم إلى جهتين وكل جهة تشمل نوعين:
الجهة الأولى:
جهة إدراكها وهي نوعان أيضاً:
الأول: الخفية وهي: التي تحتاج إلى قوة علمية ودقة فكرية وتوقد ذهني حاضر.
ويعز على الأكثرين ملكها، وهي مما امتلأ به صحيح البخاري - رحمه الله - وتميز به عن غيره من سائر المصنفات الحديثية[46] ولهذا اتهمه بعضهم لما عزَّ عليهم إدراك كثير من مناسبات تراجمه للأحاديث[47].
ومثال ذلك: ما جاء في الجامع الصحيح: قال البخاري رحمه الله: باب: "ما جاء في التطوع مثنى مثنى".
وذكر تحته حديث جابر بن عبد الله الأنصاري في الإستخارة وفيه جاء: ((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة... الحديث))[48].
ومراده بهذا الرد على أبي حنيفة وصاحبيه - رحمهم الله - القائلين بأن التطوع في النهار يكون أربعا موصولة[49].
ولا شك أن مناسبة الحديث للترجمة مناسبة دقيقة وخفية يعز على أكثر فحول الرجال إدراكها وإستحضارها. ولهذا ترك الحافظ - رحمه الله - الكلام على الحديث في موضعه الذي هو الظاهر الجلي كما هي عادته فإنه لا يفصل الكلام على حديث من الأحاديث إلا في موضعه الظاهر لطالب العلم.
قال - رحمه الله - :[50] وسيأتي الكلام عليه في الدعوات[51].
مثال آخر: وهو ما جاء في الجامع الصحيح قال البخاري - رضي الله عنه - : باب: "اثنان فما فوقهما جماعة".
حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إذ حضرت الصلاة فأذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما"[52].
قلت: ومناسبة الحديث للترجمة مناسبة خفية بل إنها تكاد لا تظهر إلا بعد قوة تدبر وتأمل لأن ما في الترجمة ليس في المترجم. ولهذا عاب بعضهم البخاري في وضعه هذا الحديث تحت هذه الترجمة وظنوا أنه لا يدل عليها.
قال الحافظ - رحمه الله - : والجواب أن ذلك مأخوذ بالاستنباط من لازم الأمر بالإمامة لأنه لو استوت صلاتهما معا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة كأن يقول: أذنا وأقيما وصليا[53].
الثاني: الجلية وهي الظاهرة التي لا تحتاج إلى كثير تدبر وتأمل وإنما هي الظاهر المنقدح في الذهن مباشرة وهو أيضاً موجودة في صحيح البخاري - رحمه الله.
مثال ذلك: ما جاء في الجامع الصحيح قال البخاري - رحمه الله - : باب "تفاضل أهل الإيمان في الأعمال".
وذكر تحته حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحياء أو الحياة - شك مالك - فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية))[54].
قال العيني - رحمه الله -: مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة وهي أن المذكور فيه هو أن القليل جداً من الإيمان يخرج صاحبه من النار والتفاوت في شيء فيه القلة والكثرة ظاهر وهو عين التفاضل[55].
قلت: ولهذا قال الحافظ رحمه الله: ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهر[56]
والمقصود: مطابقة الترجمة للمترجم من النصوص وهي نوعان:
الأول : المطابقة الكلية وهي: التي تكون الترجمة فيها مطابقة للمترجم مطابقة تامة من كل وجه فكل ما دل المترجم عليه فهو وارد في الترجمة.
مثال ذلك: ما جاء في الصحيح قال البخاري - رحمه الله - :
باب: "من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وعن حسين المعلم قال حدثنا قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[57].
فأنت ترى أن هذا الحديث مطابقة مطابقة تامة للترجمة بل إن الترجمة ألفاظ مختصرة من نص الحديث وهذا واضح بحمد الله.
ومثال آخر: وهو ما جاء في الصحيح قال البخاري رحمه الله:
باب: "الإيجاز في الصلاة وإكمالها".
حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا عبد العزيز عن أنس قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجز الصلاة ويكملها"[58].
وهذا الحديث هو الآخر مطابق للترجمة مطابقة كلية فإن كل ما دل عليه الحديث من المعاني قائم في الترجمة والله المستعان.
الثاني: المطابقة الجزئية وهي التي تكون الترجمة فيها مطابقة للمترجم مطابقة ناقصة فليس كل ما دل عليه المترجم وارداً في الترجمة بل إن الترجمة دالة على جزء من المترجم فقط.
مثال ذلك: ما جاء في الصحيح قال البخاري رحمه الله:
باب: "من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان":
حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار))[59].
قال العيني رحمه الله: مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة لأن الحديث مشتمل على ثلاثة أشياء وفيما مضى بوبه على جزء منه وههنا بوب على جزء آخر."[60].
قلت : ولا شك أن الترجمة ليس فيها كل ما في الحديث بل فيها جزء لما فيه، كما قال العيني فوجه المطابقة هنا وجه جزئي والله أعلم.

فصارت المناسب حينئذ أربعة أنواع:
1 - المناسبة الخفية.
2 - المناسبة الجلية.
3 - المناسبة المطابقة مطابقة كلية "تامة".
4 - المناسبة المطابقة مطابقة جزئية "ناقصة".

ولا يمكن أن توصف ترجمة من التراجم إلا بوصفين فقط ولابد منهما واحد من وصفي جهة الإدراك، وآخر من وصفي جهة المطابقة فقط والله أعلم.

الكتب التي ألفت في تراجم البخاري

لقد أعتنى الأئمة - رحمهم الله تعالى - بالجامع الصحيح للإمام البخار ي عناية فاقت أي كتاب - خلا كتاب الله تعالى - وليس هذا بغريب على الجامع الصحيح، وهو الذي جمع كلام من أوتي جوامع الكلم - صلى الله عليه وسلم - صحة - وإننا حين ننظر إلى الكتب التي ألفت في صحيح البخاري نجد أن العلماء تنوعت هممهم في شرحه وإيضاح مقاصده ونكاته الفقهية والبلاغية والنحوية، واعتنوا برجاله وأسانيده وثلاثياته ورباعياته، وألفوا في مستخرجاته وأطرافه ومختصراته، فقد وصل الأمر إلى أن يعتنوا بفن قراءة الصحيح.

بل شملت العناية كل جزء من الصحيح[61] حتى تراجم الأبواب فإنها قد حظيت بنصيب من التصنيف والتأليف فمن ذلك.

1 - المتواري على تراجم البخاري لابن المُنير، المتوفى سنة ثلاث وثمانين وستمائة.

2 - ترجمان التراجم لابن رشيد المتوفى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة.

3 - تراجم البخاري لابن جماعة.

4 - فك أغراض البخاري في الجمع بين الحديث والترجمة لمحمد بن منصور ابن حمامه السجلماسي[62].

5 - شرح تراجم صحيح البخاري[63] لولي الله الدهولي المتوفى سنة ست وسبعين ومائة وألف.

6 - الأبواب والتراجم للبخاري[64] للشيخ محمد زكريا بن حييى الكاندهلوى.

هؤلاء بعض الأئمة الذين وقفت عليهم:

ابن المنير
وممن وقفنا على كتبهم حية ناطقة بسعة علمهم وإدراكهم الإمام العلامة أحمد بن محمد بن منصور بن مختار القاضي ناصر الدين أبو العباس بن المنير الجذامي، ولد سنة عشرين وستمائة[65].
كان عالماً فاضلاً له اليد الطولي في الأدب وفنونه، وله مصنفات مفيدة استعمل في قضاء الإسكندرية[66]، وولي خطابة جامعها مرتين ودرس فيها.
قال عنه الإمام الشيخ عزَّ الدين بن عبد السلام: ديار مصر تفخر برجلين في طرفيها ابن المنير بالإسكندرية وابن دقيق العيد بقوص[67].
له عدة تصانيف منها كتابه "المتوارى على تراجم البخاري"[68]
وقد اختلف الناسبون لهذا الكتاب وخلطوا بين مؤلفه وبين أخيه على بن محمد زين الدين أبي الحسن.
(أ) فممن نسبه إلى ناصر الدين، أحمد بن محمد.
1 - الإمام ابن رشيد في كتابه "ملء العيبة" قال: ولم يعرض له الإمام أبو العباس ابن المنير[69]،[70]. وقال في موضع آخر: استدركنا على الإمام ناصر الدين تراجم عديدة أغفلها"[71].
قلت: وناصر الدين لقب أحمد بن محمد، وأبو العباس كنيته.
2 - قال الإمام ابن حجر: وقد جمع الإمام العلامة ناصر الدين أحمد ابن المنير أربعمائة ترجمة وتكلم عليها ولخصها القاضي بدر الدين ابن جماعة"[72].
3 - وفي مقدمة المتواري قال فيه: "قال الإمام الفقيه الأجل ناصر الدين أبو العباس أحمد بن محمد"[73].
4 - ذكر صاحب تاريخ التراث العربي أن في مكتبة بايزيد "تركيا" مخطوطا للمتواري ونسبه إلى أبي العباس أحمد بن محمد بن منصور بن المنير كتب في القرن الثامن"[74].
5 - ذكر صاحب فوات الوفيات أن له مؤلفاً على تراجم البخاري وكذلك صاحب الديباج المذهب ومؤلف حسن المحاضرة[75].
6 - ذكر صاحب نيل الابتهاج أن ناصر الدين قد تكلم على أربعمائة ترجمة مشكلة[76].
(ب) والذين نسبوه إلى على بن محمد الملقب بزين الدين.
1 - صاحب كشف الظنون قال وشرح الإمام ناصر الدين على بن محمد الإسكندراني... وله أيضاً كلام على التراجم سماه "المتوارى على تراجم البخاري" [77].
2 - صاحب معجم المؤلفين نسبه إليه، وكذلك مؤلف هدية العارفين[78].
والذي يظهر أن منشأ الخلاف أن كلا الاثنين له مؤلف على البخاري فمن هنا نشأ الخلط بينهما.
والذي يظهر لي أن الكتاب لأحمد بن محمد للأدلة الماضية، والذين أثبتوا الكتاب لعلي بن محمد لا يناهض إثباتهم الأدلة الأخرى.
أما صاحب كشف الظنون فإنه خلط بين لقبه واسمه فإن ناصر الدين لقب لأحمد بن محمد، وعلى بن محمد لقبه زين الدين.
أما كلام صاحب هدية العارفين ومعجم المؤلفين فإنه لا يناهض كلام معاصري المؤلف من أمثال ابن رشيد وابن حجر ثم مخطوطات الكتاب التي تثبت أنه لناصر الدين أبي العباس أحمد بن محمد... والله أعلم.
وله مؤلفات منها:
1- الانتصاف من الكشاف[79].
2- تفسير حديث الإسراء[80].
وقد توفى - رحمه الله - بالثغر في ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وستمائة[81] - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته.

ابن رشيد


وممن كتب في التراجم استقلالا فخر فاس وحافظها ومسندها محب الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن إدريس بن سعيد بن مسعود ويعرف بابن رشيد[82] في كتابه ترجمان التراجم ولد في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وستمائة[83] في سبته ودرس الفقه على المذاهب الأربعة، وكان له تحقق بعلم الحديث وضبط أسانيده، وميز رجاله، ومعرفة انقطاعه واتصاله، وهو ثقة عدل عند أهل هذا الشأن، له اهتمام بالحديث وتآليفه. فألف في التراجم كتابه "ترجمان التراجم في إبداء وجه مناسبات تراجم البخاري لما تحتها مما ترجمت عليه" [84].
وهو كتاب نفيس في هذا الموضوع قال عنه ابن حجر: "وصل فيه إلى كتاب الصيام ولو تم لكان في غاية الإفادة وإنه لكثير الفائدة مع نقصه[85]، وقال عنه الكناني "أطال فيه النفس في إبداء المناسبات لتراجم صحيح البخاري" [86].


ولم أقف عليه مخطوطا: ولكني وقفت على ترجمة أوردها بنصها في كتابه" ملء العيبة" وهي تدل على عمق ودقة فهم في استخراج حكمه البخاري حيث قال: "الحمد لله المنعم المفضل، الوهاب المجزل مربي في مطالعتي ما قدر من صحيح الإمام الناصح أبي عبد الله البخاري - رضي الله عنه - ، وإطلاعي على غوامض مأخذه على ما قسم لي، قوله - رضي الله عنه - : باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي وسترته ثم أورد فيه حديث سهل - رضي الله عنه - : قال كان بين مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الجدار ممر الشاه وهو معنى ما ترجم له، ثم أتبعه حديث سلمة قال: ((كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاه تجوزها)). فنظرت ما سبب إدخال هذا الحديث في هذا الباب، فظهر لي، والحمد لله، ما أضمره فيه، وذلك أنه قد قدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على المنبر، وأعاده أيضاً بعد. فلما قدم هذا واحتاج هنا أن يبين مقدار ما يكون بين المصلى وسترته، أتى بالحديث الأول نصاً في مقصده ثم أتبعه هذا الثاني مستنبطاً من معينه ذلك المعنى وشاهداً له عليه، لأنه لما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على المنبر كما قدم، وأثبت هنا ابن المنير بينه وبين الجدار يعني القبلة ما لا تكاد الشاة تجوزه، أنتج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بينه وبين قدر ممر الشاه أو بنحو ذلك، فثبت أن المصلى يكون بينه وبين الجدار قدر ممر الشاه بهذا الحديث أيضاً كما ثبت بالأول هو نص في معنى الترجمة، فانتظم الدليل التام بين الترجمة والحديث فيما ظاهره الانصداع، واتفق ما قدر من لا علم عنده بالمعاني أنه متنافر والحمد لله.
فإن قيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - نزل عن المنبر فسجد على الأرض في أصل المنبر وذلك أكثر من قدر ممر الشاه قلنا: قد حصل أكثر أجزاء الصلاة على المنبر وبينه وبين الجدار ذلك المقدار الذي تضمنته الترجمة المسوق لها الحديث الأول المسوق على الحديث الثاني أو قريب منه، وإنما نزل - صلى الله عليه وسلم - لأن درجة المنبر ضاقت عن السجود والله الموفق.
فلما تحققت أنها الدرة التي غاص عليها الإمام أبو عبد الله - رحمه الله - في بحر علمه، ثم قذف بها في بحر كتابه إلى أن يظفر بها من ذخرها له استخرجتها وجلوتها على من أثق بصحة تميزه وسلامه نظره، فأجلها وأحلها منزلتها من الاستحسان، وأعدها من فرائد الفوائد، لما جبل عليه من الاتصاف بالإنصاف. فسألني بعض الأصحاب المجتهدين زاده الله حرصا على طلب العلم النافع أن أقيد له ذلك الذي ظهر فيها فأجبت سؤاله والله المرشد، قاله ابن رشيد أرشده الله. انتهى الجواب[87].

وله أيضاً "إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح"[88] و"السنن الأبين والمورد الأعين في المحاكمة بين الإمامين في المسند المعنعن"[89].
وكتاب "ملء العيبة بما جمع في طول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة"[90] وهو المشهور برحله ابن رشيد، وهو من أشهر المؤلفات في الرحلات التي كان يقوم بها العلماء أنذاك. وقد أودع فيه كثيرا من الحكم والنكات الفقهية والحديثية وغيرها وذكر فيه جزءاً من التراجم وسماعات العلماء" وغير ذلك من المؤلفات.
أثنى عليه العلماء في فضله وعلمه، قال عنه ابن الخطيب في تاريخ غرناطة: "كان فريد دهره عدالة وجلالة وحفظا وأدبا وهديا عالي الإسناد صحيح النقل تام العناية بصناعة الحديث قيما عليها بصيراً بها محققا فيها ذاكراً للرجال فقيهاً"[91].
وقال عنه ابن خلدون: "كبير مشيخة المغرب وشيخ المحدثين الرحالة وسيد أهل المغرب"[92].
توفي بفاس في الثالث والعشرين بشهر محرم من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته[93].

ابن جماعة
قرن من الزمان ينقص قليلاً عاشها الإمام القاضي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة فقد عاش أربعة وتسعين عاماً قضاها في العلم والتعليم والقضاء الحسبة والخطابة تنقل بين مصر والشام وفلسطين واستقر به المقام في مصر حيث أتاه اليقين.
فقد ولد في حماة من أرض الشام سنة تسع وثلاثين وستمائة، وتعلم بها، ثم انتقل كغيره إلى أقطار المسلمين للعلم والتعليم ثم باشر التدريس والقضاء مدة طويلة حيث عمر طويلاً - رحمه الله - تعالى[94].
وكان له اليد الطولى في كثير من العلوم في التفسير ولحديث والفقه والعقيدة والنحو والتاريخ والفلك[95].
قال عنه السبكي[96]: حاكم لاقليمين: مصر وشاما...
محدث فقيه ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه.
وقال عنه الذهبي[97]: كان قوي المشاركة في الحديث عارفاً بالفقه وأصوله ذكياً فطناً مناظراً متفنناً حصيفاً تام الشكل وافر العقل حسن الهدي.. وكان صاحب معارف يضرب في كل فن بسهم وله وقع في النفوس وجلالة في الصدور.
توفي - رحمه الله - في مصر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة بعد حياة مليئة بالجهاد والتعليم والقضاء إذ استمر يدرس في بيته بعد أن تقدم به السن وكف بصره حتى الرمق الأخير - رحمه الله - تعالى[98].
ألف رسالة صغيرة في تراجم البخاري لأحاديث أبوابه استعرض فيها التراجم التي لا يظهر فيها للناظر علاقة بالترجمة وبين المناسبة، ولماذا أورد البخاري هذا الحديث في هذا الباب[99].


ولي الله الدهلوي
الشيخ أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين العمري الدهلوي الشهير بولي الله الدهلوي.
ولد يوم الأربعاء لأربع عشرة خلون من شوال سنة أربع عشرة ومائة وألف للهجرة.
درس على يد والده، وكان أبوه من مشايخ دهلى وأعيانهم، ورحل إلى الحرمين وأخذ عن أبي الطاهر محمد بن إبراهيم الكردي، وله منه إجازة عامة.
له اطلاع في علوم التفسير والحديث والفقه واللغة العربية وغيرها فدرس وألف فيها ومن كتبه "الزهراوين في تفسير سورة البقرة، وآل عمران"، "الفوز الكبير في أصول التفسير"، و"المصفى في شرح الموطأ"، "النوادر من أحاديث سيد الأوائل والأواخر وغيرها"[100].
أما كتابه شرح تراجم الأبواب للبخاري، فقال عنه عبد الحي الحسني: "أتى فيه بتحقيقات عجيبة وتدقيقات غريبة[101] وقال عنه أبو الحسن الندوي[102] وغير ذلك من المؤلفات وقد كان على يديه - رحمه الله - إحياء علوم السنة في الهند بعد اندراسها[103].
توفي في دهلى سنة ست وسبعين ومائة وألف رحمه الله[104]

الأبواب والتراجم لصحيح البخاري.

تأليف الشيخ: محمد بن زكريا بن يحيى الكاندهلوي.. وقد اهتم بطبعة ونشره نصر الدين المولوي ناظم المكتبة اليحوية، وقد رأيت منه ثلاثة أجزاء جعل الجزء الأول منه كدراسة لأساليب البخاري في تراجمه، وابتداء من الجزء الثاني في إيضاح مقاصد البخاري في تراجمه، وكذلك الجزء الثالث، ووصل إلى كتاب الأذان "باب استئذان المرأة زوجها"[105].
ـــــــــــــــ ــــــــــ
[1] تاج العروس 8/211.
[2] تاج العروس 8/211.
[3] فتح الباري 1 / 34.
[4] إنما اختلف هؤلاء دون من قال بأنها معربة لأن من قال بأنها معربة هي عنده أصلية كلها ووزنها رباعي (فعلل).قال الزبيدي: "قلت: إذا كان معربا فموضع ذكره هنا – يعني في الرباعي (ترجم) – لأنه حينئذ لا يشتق من رجم فتأمل".
تاج العروس 8/211.
[5] تاج العروس 8/211.
[6] القاموس المحيط 4/84.
[7] تهذيب الأسماء واللغات ق2/ جـ1/ 41.
[8] شرح صحيح مسلم 12/104.
[9] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي 1/81.
[10] الصحاح 5/1928 فقد ذكره تحت مادة (رجم).
[11] يعني الفيروز أبادي فإن تاج العروس شرح للقاموس .
[12] يعني في مدة (رجم).
[13] تاج العروس 8/305.
[14] هذا من متن القاموس وما بعده شرح الزبيدي في التاج.
[15] تاج العروس 8/211.
[16] هذه اللغات الثلاث وردت في تاج العروس 8/211، والمصباح المنير 1/81.
[17] لم أجد من ذكر هذه اللغة سوى الحافظ ابن حجر غفر الله له في فتح الباري 1/34 قال: "ولم يصرحوا بالرابعة وهي: ضم أوله وفتح الجيم".
[18] شرح مسلم 12/104
[19] تاج العروس 8/211.
[20] المصباح المنير 1/81.
[21] تهذيب الأسماء واللغات ق2/ جـ1/ 41.
[22] الصحاح 5/1928، ولسان العرب 12/229.
[23] الصحاح 5/1928.
[24]لسان العرب 12/229.
[25] صحيح مسلم 152.
[26]تاج العروس 8/211.
[27] تهذيب الأسماء واللغات : ق2/ جـ1/ 41، وشرح مسلم 1/186 مع يسير عن التهذيب.
[28] فتح المعين 1 – 16 – 21 نكت الحافظ على ابن الصلاح والوافي 1/247، 266، 495 وما بعدها.
[29] توضيح الأفكار 1 : 40.
[30] حياته صحيح مسلم 152.
[31] حياته صحيح مسلم 152.
[32] المتوارى.
[33] مناسبات تراجم البخاري 35.
[34] الكواكب 2/41.
[35] عمدة القاري 2/81.
[36] هدي الساري مقدمة فتح الباري ص19.
[37] انظر على سبيل المثال فتح الباري 1/137 باب (42) حديث (57).
[38] فتح الباري 1/77.
[39] البخاري مع الفتح 1/159 – 160، ومثال آخر 1/109 – 110 باب (36).
[40] الفتح 2/125 باب وجوب صلاة الجماعة حديث (644).
[41] كتاب الطلاق، البخاري مع الفتح 9/345.
[42] كتاب الفتن، البخاري مع الفتح 13/26.
[43] الكامل 5 : 1705.
[44] كتاب فضائل القرآن البخاري مع الفتح 9/66.
[45] كتاب الإيمان، البخاري مع الفتح 1/49
[46] نبه على هذا الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، انظر لفتح 1/8، 148، وأشار إليه ابن المنير في المتوازي.
[47] انظر المصدر السابق.
[48] صحيح البخاري مع فتح الباري 3/48 (1162).
[49] أفاده الحافظ في الفتح عند شرحه للحديث 3/49 ، 50.
[50] الفتح 3/49.
[51] الفتح 11/183 (6382)، باب الدعاء عند الاستخارة.
[52] صحيح البخاري مع فتح الباري 2/142 و 658.
[53] الفتح 2/142.
[54] انظر صحيح البخاري مع الفتح 1/72.
[55] عمدة القاري 1/168 ، 169.
[56] فتح الباري 1/73.
[57] انظر صحيح البخاري مع الفتح 1/56 ، 57.
[58] انظر صحيح البخاري مع الفتح 2/201 (706).
[59] انظر صحيح البخاري مع الفتح 1/72 (21).
[60] عمدة القاري 1/167.
[61] راجع كشف الظنون فقد ذكر ما يزيد على ثمانين مصنفاً 1/544، ومفتاح السنة 38 وما بعدها، وتاريخ التراث العربي وقد ذكر ما يزيد على سبعين مؤلفا وأماكن وجودها 1 / 229.
[62] مقدمة فتح الباري 14.
[63] لامع الدارري 1/287، وتاريخ التراث العربي 1/250، وقد طبع في دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد سنة 1323، الأبواب والتراجم للبخاري 1/ج.
[64] الأبواب والتراجم للبخاري طبع في مطبعة ندوة العلماء سنة 1394هـ.
[65] الوافي بالوفيات 8/128، فوات الوفيات 1/149، المشتبه 2/617.
[66] معجم المؤلفين 2/161.
[67] الوافي بالوفيات 8/128.
[68] طبع بمكتبة المعلا بالكويت سنة 1407هـ.
[69] كذا بأصل المخطوط وقد عدله المحقق إلى أبي الحسن، وعملنا بأصل المخطوط.
[70] ملء العيبة 3/368 – 369.
[71] ملء العيبة 3/368 – 369.
[72] مقدمة الفتح 14.
[73] المتواري.
[74] تاريخ التراث العربي 1/249.
[75] فوات الوفيات 1/149، الديباج المذهب 1/25، حسن المحاضرة 1/316.
[76] نيل الابتهاج 203.
[77] كشف الظنون 1/546.
[78] معجم المؤلفين 7/234، هدية العارفين 1/714.
[79] درة الحجال 1/10.
[80] الوافي بالوفيات 8/129.
[81] فوات الوفيات 1/148.
[82] الدرر الكامنة 4/230، البدر الطالع 2/234.
[83] البدر الطالع 2/234، ذيل تذكرة الحفاظ.
[84] درة الحجال 2/97، فهرس الفهارس 1/332.
[85] مقدمة فتح الباري 1/14.
[86] فهرس الفهارس 1/332.
[87] ملء العيبة 3/369.
[88] طبع بالدار التونسية للنشر بتحقيق الدكتور الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة.
[89] طبع بالدار التونسية للنشر بتحقيق الدكتور الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة.
[90] اطلعت على الجزء الثالث والخامس بتحقيق الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة وحقق جزءاً منه رسالة دكتوراه في جامعة عين شمس، كلية الآداب، قسم التاريخ، مقدمة من نجاح صلاح الدين العابسي بإشراف الدكتور حسن حبشي عام 1395هـ.
[91] بغية الوعاة 85.
[92] فهرس الفهارس 1/332.
[93] درة الحجال 2/99.
[94] الوافي بالوفيات.
[95] طبقات الشافعية 9/39.
[96] الدرر الكامن 39/367.
[97] طبقات الشافعية 9/139، الوافي بالوفيات: 2/18.
[98] الدرر الكامنة 3/367.
[99] طبعت في الدار السلفية بالهند عام 1404هـ.
[100] الأعلام 1/144، فهرس الفهارس 1/125، أيضاًح المكنون 1/65، 161.
[101] نزهة الخواطر 6/408.
[102] وقال عنه أبو الحسن الندوي: (رسالة وجيزة المعنى غزيرة المعاني، تكاد تكون كلها أصولا كلية ونكتا حكمية ولب اللباب في فهم التراجم والأبواب).
[103] فهرس الفهارس 1/125.
[104] معجم المؤلفين 3/169.
[105] طبع في مطبعة ندوة العلماء لكنهو (الهند) 1394هـ ط/ الثانية.

الحمادي
2007-02-27, 02:31 PM
نفع الله بكم أخي الغالي أبا حماد

ثمة رسالةٌ علمية قدمت في جامعة أم القرى، وطبعت بالمركز العلمي التابع للجامعة= عن فقه البخاري من خلال تراجمه في الجامع الصحيح
ودُرِست فيها بعضُ أبواب الصحيح، كـ (فقه الصيام) فيما أذكر
ولم أقتنها بعدُ

أبو عبدالرحمن الطائي
2007-04-11, 08:43 PM
4_ أنه أراد من الناظر فى صحيحه أن يتحصل بعد قراءته لجامعه على ملكة فهم النصوص واسخراج النكت العلمية من الأحاديث والغوص على ذلك واستنباط المعانى البديعة من النصوص التى لا تتأتى إلا بعد كد الذهن وعصره
ومن وسائل تحصيل ذلك معرفة وجه اسنباط العلماء لهذ المعانى من تلك النصوص وكيف استنبطها حتى يسلك مسلكهم فيما بعد

جزاك الله خيراً أخانا أمجد على هذه النكتة اللطيفة، فالبخاري في طريقة تصنيفه يربي طلبة العلم على الذكاء، وينمي فيهم ملكة الاستنباط، لذا كانت طريقته طريقة الأذكياء كما كان يقول العلامة المعلمي رحمه الله في توجيهه كلامَ البخاري الذي رده الخطيب في ((موضحه)) في أكثر من موضع.
وكم من عائب ترجمة البخاري لأبواب كتبه بسبب عدم فهمه!؟ والعلم مواهب. وقد صدق من قال:
إذا محاسني اللاتي أدل بها .........كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر

الحمادي
2007-04-13, 09:31 PM
بارك الله فيك أبا عبدالرحمن
ورحم الله هؤلاء الأئمة الأعلام
وعلى دقة فقه الإمام البخاري وجلالته= فليس كلُّ من تعقَّبه يكون مخطئاً الفهم

ابن المنير
2007-04-14, 02:28 AM
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=2176&page=2

تنبيه

للأسف لم أقرأ موضوعكم إلى ساعتي
وجزاكم الله خيرا

ابن المنير
2007-04-14, 03:45 AM
http://majles.alukah.net/uploader/1467_bb.jpg
إرشاد الساري، ط بولاق، 1/3 .

الحمادي
2007-04-14, 04:24 PM
بارك الله فيك أخي الحبيب وشوشة


الثناء على الإمام أبي عبدالله البخاري وعلو شأنه في العلم ودقته في تراجمه= كثير جداً
فرحمه الله وأعلى منزلته

وقد صنف جمع من أهل العلم -كما ذكرت في أول مشاركة- في تراجم البخاري
كابن المنير وابن رشيد وغيرهما

ابن المنير
2007-04-14, 08:04 PM
شكرا لك ... بارك الله فيك ...

(وقد صنف جمع من أهل العلم -كما ذكرت في أول مشاركة- في تراجم البخاري
كابن المنير وابن رشيد وغيرهما)

قلت:
أنظر: «بيان مناسبات تراجم صحيح البخاري بين الزين ابن المنير وابن رُشيد السبتي» دراسة للدكتور محمد رستم، بمجلة الأحمدية، العدد الثامن، ص87-152.

عبد الرحمن السديس
2007-04-15, 04:34 PM
وكم من عائب ترجمة البخاري لأبواب كتبه بسبب عدم فهمه!؟ والعلم مواهب. وقد صدق من قال:
إذا محاسني اللاتي أدل بها .........كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر
عدم فهم الشراح ـ كما عبرتَ ـ وحيرتهم في معاني بعضها، واعتراض بعضهم عليه، ثم اعتراض الآخر على اعترض الأول = كلها أدلة على صحة كلام ابن عبد البر رحمه الله .
وقد تقدم: إن عبقرية البخاي وذكائه و.... = شيء .
وتسهيل العلم وبيانه = شيء آخر.

المقرئ
2007-04-15, 04:57 PM
فائدة
أحكام القرآن لابن العربي ج3/ص440
ولذلك لما لم يجد البخاري إمام الحديث والفقه في الباب خبراً صحيحاً يعول عليه قال باب إذا تغير وصف الماء وأدخل الحديث الصحيح ما من أحد يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك فأخبر أن الدم بحاله وعليه رائحة المسك ولم تخرجه الرائحة عن صفة الدموية
ونقلها عنه القرطبي كعادته رحمه الله

أبو جبير
2007-04-16, 05:20 PM
جزاكم الله خيرا ،،
هنا فائدة عن تراجم الإمام البخاري للعلامة أبو الحسن السندي رحمه الله تعالى.
قال رحمه الله في مقدمة (حاشيته على البخاري) (ص 5):
(اعلم أن تراجم الصحيح على قسمين:
* قسم يذكره لأجل الإستدلال بحديث الباب عليه.
* وقسم يذكره ليجعل كالشرح لحديث الباب ويبين به مجمل حديث الباب مثلا ليكون حديث الباب مطلقا قد علم تقييده بأحاديث أخر فيأتي بالترجمة مقيدة لا ليستدل عليها بالحديث المطلق، بل ليبين أن مجمل الحديث هو المقيد فصارت الترجمة كالشرح للحديث.
والشراح جعلوا الأحاديث كلها دلائل لما في الترجمة فأشكل عليهم الأمر في مواضع. ولو جعلوا بعض التراجم كالشرح خلصوا عن الإشكال في مواضع, وأيضا كثيرا ما يذكر بعد الترجمة آثارا لأدنى خاصية بالباب ، وكثير من الشراح يرونها دلائل للترجمة فيأتون بتكلفات باردة لتصحيح الإستدلال بها على الترجمة، فإن عجزوا عن وجه الإستدلال عدوه اعتراضا على صاحب الصحيح والإعتراض في الحقيقة متوجه عليهم حيث لم يفهموا المقصود.
وأيضا كثيرا ما يكون لظاهر الحديث (1) معنى فيحملون الترجمة عليه، والحديث لايوافقه فيعدون ذلك إيرادا على صاحب الصحيح مع أنه قصد معنى يوافقه الحديث قطعا وقد يكون معنى الترجمة ما فهموا لكن تطبيق الحديث به يحتاج إلى فضل تدقيق فكثيرا ما يغفلون عنه ويعدونه اعتراضا، وأنت إذا حفظت وراعيت ما ذكرنا لك يسهل عليك مواضع عديدة مما صعبت عليهم وسيجيء لك في هذا التعليق اللطيف حل مواضع يحتاج إلى فضل دقة إما في فهم معنى الترجمة أو تطبيق الحديث بها إن شاء الله تعالى يظهر لك ذلك إن ؤاجعت هذا التعليق بعد مراجعة الشروح وكنت من أهل التمييز والله تعالى أعلم.) اهـ
وفال رحمه الله تعليقا على هذا الباب (1/54):
((قوله: باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء) يريد أن مدار الأمر التغير ولذلك أمروا بإلقائها وما حولها واستعمال الباقي.(2)
وعد المسك مقابلا للدم في حديث الشهيد فعند التغير يظهر تغير الأحكام وعند عدمه لا يظهر بل ينبغي ابقاء الأحكام الثابتة. إذ عند عدم التغير هو ذلك الشيء فيبقى حكمه وعند التغير يمكن أن يعتبر شيئا آخر فيكون له حكم آخر والله تعالى أعلم) اهـ سندي
---------------
(1): في الأصل (الترجمة)
(2): يعني في حديث ميمونة، (سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: خذوها وما حولها واطرحوه وكلوا سمنكم.)

أبو عبدالرحمن الطائي
2007-04-17, 03:53 AM
عدم فهم الشراح ـ كما عبرتَ ـ وحيرتهم في معاني بعضها، واعتراض بعضهم عليه، ثم اعتراض الآخر على اعترض الأول
هذا يتلائم ويتوائم مع كثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، بل في كلام أئمة العلم ، وأكثر من ذلك : أننا نرى اختلاف علماء المذهب الواحد يختلفون في توجيه كلام إمام المذهب
واعتراض بعضهم عليه، ثم اعتراض الآخر على اعترض الأول فكان ماذا !!؟ علماً أنني لم أدعِ أن تبويبه لذاته من عبقريته فحسب، بل كان ذلك لمقصد منه رحمه الله ، وهو تمرين طلبة العلم على الاستنباط وتدبر النصوص، هذا وجه من وجوه تفسير غوامض أبواب الصحيح، وإلا فمن الوجوه الأخرى أن البخاري يشير في الباب لما لا يذكره ضمنه من الأحاديث لأنها ليست على شرطه، وقد ذكرالكرماني : بأن عادته أن يضيف إلى الترجمة ما له بها أدنى ملابسة استطراداً (الفتح : 2/458) .
والله أعلم واحكم.

عبد الرحمن السديس
2007-04-17, 01:27 PM
فكان ماذا !!؟ .
كان ما ذكره ابن عبد البر حقا .

الحمادي
2007-04-19, 10:26 PM
بارك الله فيكم

ابن رجب
2007-05-18, 04:34 PM
الامام البخاري رجل دقيق في احكامه . وصحيح البخاري دين على الامة لم يوف بعد.

الحمادي
2007-07-14, 07:41 PM
الامام البخاري رجل دقيق في احكامه . وصحيح البخاري دين على الامة لم يوف بعد.



وفقكم الله أخي ابن رجب
الذي يبدو لي أنَّ حاجةَ صحيح الإمام مسلم إلى الخدمة أشدُّ بكثير

ابن رجب
2007-07-14, 10:19 PM
نعم صحيح مسلم لم يخدم الخدمة المطلوبة ولو خدم نصف الخدمة التي خدم بها صحيح البخاري اظنها كافية .

لكن السؤال لم صحيح خدم هذه الخدمة التي لم يخدم غيرها من الكتب الا كتاب الله ومع ذلك لازال بحاجة للخدمة ؟؟؟