تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هزيمةٌ دينيةٌ في عُـــقر الدَّار



أبوبثينة الجزائري
2012-05-23, 05:08 PM
هزيمةٌ دينيةٌ في عُـــقر الدَّار


انعقدت بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ندوة بيداغوجية للعلاقة بين العلم والدين، وما موقف الإسلام منها؟ وقد دامت الندوة ثلاثة أيام متتالية 18 / 19/ 20 من هذا الشهر، كان اليوم الأول منها افتتاحية دامت ثلاث ساعات تقريبا.
وكان المحاضرون في هذه الندوة التي عُقد نصف يومها الأول في مدرج عبد الحميد بن باديس، ثم تتابعت المشاركات في ورشات عمل مصغرة إلى النهاية، كان المحاضرون فيها ثلة من رجالات العلم- أقول- لا الدين، كان من أبرزهم:
البروفسور نضال قسوم، الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالشارقة المتخصص بالفيزياء، والدكتور جمال ميموني، الأستاذ بجامعة منتوري بقسنطينة والمتخصص أيضا بالفيزياء، والدكتور صالح نعمان مدير الورشة والأستاذ بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة المتخصص في مقارنة الأديان والإعجاز العلمي للقرآن، والوزير السابق أحمد جبار الأستاذ بجامعة ليل بفرنسا.
ومن غير الجزائريين الدكتور جون ستون من جامعة باريس بفرنسا، والدكتور عبد الحق برينو كيدردوني عالم فيزياء الفلك ومدير وحدة أبحاث فيزياء الفلك بفرنسا أيضا.
وهذا التعريف بالأعضاء المشاركين، قصدت منه بيان أمر مهم، هو أننا نحن الحاضرون، كنا نشاهد شبه مقابلة رياضية حضر فيها فريق واحد، وغاب عنها الفريق الثاني، وهذا لم يكن مانعا من مواصلة اللقاء والمقابلة، بفريق واحد.
والندوة أصلا كانت بين طرفين متنازعين هما: العلم والدين، ودراسة لحقيقة العلاقة بينهما، أهي علاقة صراع، أم فصل، أم إدماج، أم حوار، أم كل ذلك.
وفُصِلَ في القضية ابتداءا وانتهاءا، وصار الفريق يُسجل في مرمى الغير دون هوادة، وصار يقرر لموقفه ويُــــقعِّد، مع غياب كامل للموقف المضاد والفريق المقابل، الذي هو وجهة نظر ورأي أهل الدين، أقصد بهم المشايخ والعلماء أصحاب العمائم- إن صحت اللفظة- الذين جعلوا العلم يسرح في مسارح أذن له بها الدين، وجعلوا حدا له لا يمكن أن يتجاوزه ولا أن يَغِلَ فيه، إلا بموافقة تامة للدين، ذلك أن السيادة للدين لا للعلم.
وتمنيت وأنا أعيش لحظات تلك المباراة غير النزيهة، أن يبعث الله تعالى الإمام الغزالي (ت 505هـ) من قبره، لنسأله نحن الحاضرون هذا السؤال: ما سبب تأليفك لكتاب" المنقذ من الضلال" ؟.
وهو كتاب فيه تكفير صريح للفارابي وتلميذه ابن سينا، واتهام لهما بالزندقة والمروق من الدين.
تُراه هل سيجيب: كُرهًا وبُغضًا لما جاؤوا به من العلم والنظريات العلمية والابتكارات الفلسفية، التي أسَّسَ من خلالها الغرب لأعمالهم ونظرياتهم.
أم أن جوابه سيكون: لأنهم جاوزوا بذلك الحد الذي صرح الدين للعلم بأن يصول ويجول فيه، وفقا للأصل المذكور الذي هو أن النقل- الوحي- سرح العقل في مسارح محددة ومعينة ومضبوطة.
ولا أخال جوابه إلا الثاني لا الأول، ذلك أنه أعْلَمُ بأن مفتاح الأمة في دستورها كان أول كلماتها" اقرأ".
الدكتور جمال ميموني، والذي تشرفت بمعرفته ولقياه، وأحــمَدُ فيه تلك البشاشة والتواضع الجم، تطرق لقضية عقائدية دينية من منظوره العلمي الفيزيائي، وهي قضية انشقاق القمر، وتسلح بكل ما يملك لتفنيد هذه المسألة،كما هي عادة أصحاب المدرسة العقلانية، وزعم أن الأمر لم يقع وأن التبريرات والمزاعم والتحليلات الحديثة في هذه القضية ليست صحيحة، وأن الدكتور زغلول النجار وعمله " غير أخلاقي" حينما كذب على الملايين من المسلمين بل "رمى قنبلة ثم هرب" على حد قوله.
وهنا تملكني العجب والحيرة من زاويتين:
أما عن الأولى: فإن الدكتور جمال كان في مقام تفنيدٍ لأمرٍ قد حُسم القول فيه منذ بدايات الإسلام، وأمرٌ عقائدي لا يجوز التطرق إليه بالشك والإيهام والظنون، أتت به آيات قرآنية صريحة، قال تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر"، ودلت عليه السنة النبوية كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ولو ذهب الدكتور في مشاركته إلى أن العلم الحديث قد رجح قول الإمام القرطبي صاحب التفسير في أن الانشقاق قد يكون في الآخرة أو من أمارات قيام الساعة، لصفق له الكثير وهو بذلك جدير.
أما أن ينفي المسألة جملة واحدة، دون أن يبين الأمر، أو أن يجد تأويلا وتبريرا لما أملته الآية الكريمة فأقول :
هذا تشكيك في عقائد المسلمين، وترسيخ لمبدأ سيادة العلم على الدين، وأن نكسة أوروبا في إبعاد الكنيسة والتي ورَّث لها هذا المجون واللاأخلاقية في الحضارة الغربية، ليس عنا ببعيد ... أم أنكم لهذا تسعون وعنه تنافحون؟!!! أربأ بك عن هذا المقام يا دكتور.
أما عن الزاوية الثانية للعجب والحيرة فهي:
أليس الإنصاف العلمي والأمانة يقضيان بأن تحاور الدكتور زغلول النجار وجها لوجه، إما بدعوته في هذه الندوة، أو أحد من يؤيد ويتبنى أفكاره وينافح عنها.
أليس من المجاوزة في العبارة، أن يُــــتَّهم رجلٌ كالدكتور زغلول النجار باللاأخلاقية في العمل، والكذب والتدليس على المسلمين، ورمي القنابل عليهم ... ترى كيف نسمى أمريكا إذا ؟!!!
وإني لأشهد للرجل- النجار- بالأخلاق الرفيعة والتمكن من العلم الذي يمارسه طوال حياته، وشهد له بذلك رجالات الفن من الغربيين وغيرهم، وقد كنت أحد المتتبعين لمحاضراته العلمية في ماليزيا.
ثم تتابعت مداخلة الدكتور بنقض كل ما جاء به الدكتور زغلول النجار، وخَتَمَهَا بالقول: كنت أجد في الصفحة الواحدة من كتابه عشرات الأخطاء... حقا إنه أمر عجيب.
ثم توافق الرأي مع الدكتور نضال قسوم في كل ما مضى وقال الدكتور نضال: كأنك كنت تفكر بعقلي.
وتوافقا أيضا على أن أمر الإعجاز العلمي في القرآن ليس له أي قيمة وصحة علمية، وأنه ضربٌ من اللاأخلاقية مع القرآن، وأن الناس اتخذوا هذا المضمار للتبارز وإبداء زينة الإسلام، وأنهم يسيؤون من حيث إرادتهم للخير.
أقول، هذا النفي المطلق للإعجاز العلمي في ذاته حيدة عن المنهج العلمي، فالدعوة لترشيد هذا الأمر وتهذيبه والوقوف عند حدوده أمر مقبول بل محمود، لما نراه من تطفل بعضهم على هذا العلم والفن الجليل، الذي قد يسيء صاحبه فيه للإسلام والمسلمين كما أشار الدكتور نضال قسوم، أما الدعوة لنفيه مطلقا فهذا ما لا يُسلَّمُ لكم فيه.
ويكون من لازم القول لو سلمتم لنا بواقعة واحدة من الإعجاز العلمي في القرآن، والذي أثبت بعضها حتى الغربيون، أن لا يُـــنفى مطلقا بل يُرشَّد.
والعجيب أن الدكتور نضال في مداخلته حول التطور، سارع للقرآن الكريم يستدل منه ويستنبط الآيات القرآنية التي تدل على صدق ما يدَّعيه من أن الإسلام كان سبَّاقا لقضية التطور بمنظورها الشرعي قبل أن يتطرق لها داروين في نظريته الإلحادية المشهورة ... حقا الإنصاف عزيز.
الدكتور جون ستون والذي أعلن صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام دين كسائر الديانات الأخرى، مع بقائه على عقيدته الكاثوليكية، أكد في مداخلته على أن الحوار بين المنهج الديني و المنهج العلمي في التفكير هو الوسيلة الوحيدة الباقية لعلاج حالة "الشكيزوفرينيا" أي: فصام الشخصية التي تعتري الكثير من الناس المتدينين الذين يتعاملون مع نتائج العلوم الحديثة بحيرة.
أقول، هذه الدعوة ملغاة بالأساس حينما تعقد مثل هذه الندوات والمؤتمرات من جانب واحد، و يُحكَّرُ فيها على أصحاب المنهج الديني أكانوا موافقين أم مخالفين.
كما أن أصحاب هذا المنهج الديني لم يؤسسوا يوما من الأيام لمنهج استبعاد واستهجان العلم الحديث، بقدر ما دعوا في مداخلاتهم و حواراتهم إلى احترام سلطة الدين إذا تعارض الأول بالثاني، والتعارض حاصل لا يمكن ستره أو إخفاؤه.
وبالجملة فإن الخطاب الأحادي الجانب كان واضحا فاضحا حينما قرر كل من الدكاترة : جون ستون، وعبد الحق برينو وأحمد جبار المغادرة، وتعللوا بوقت الطائرة، فودَّعُونا صباحا في اليوم الثالث بعدما سمعنا منهم بكل احترام، ولم يسمعوا منا بكل تواضع، وكما كان متوقعا فقد غادرونا مودعين بعد أن سجلنا في حقهم اللاأمانة العلمية واللاإنصاف.
إذ المفترض أن تختم الندوة بحضورهم كما افتتحت بحضورهم، وإلا فليكسر القلم في الندوات والمؤتمرات، إن جعلوا منا أبواقا يرمون فينا ما شاؤوا ثم للمطار المسير.
وكل ما مضى لا ينفي الفوائد العلمية التي ظفرنا بها، والجلسات الماتعة التي كانت بين بعض الباحثين، والصلات المعرفية التي خلقها وبناها في نفوس كل الباحثين، ولا يبقى في القلب إلا ذلك الحزن الذي لخصته في استفسار هو:
أين هم رجالات الدين من مثل هذه المواقف والحوادث ليحافظوا للجزائر هويتها الدينية، وهل هم الذين ابتعدوا وتنحوا جانبا رميا للمنشفة في الحلبة ؟ أم أن الهزيمة النفسية بلغت بهم مبلغا عظيما، ولحقتهم حتى إلى عقر الدار ممثلة في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية وبقية المعاهد والجامعات التي تمثّْل الدين وأهله ؟؟


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.