مشاهدة النسخة كاملة : دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
صفاء الدين العراقي
2012-05-14, 10:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعدُ فكنتُ قد أتممتُ- بفضلِ الله- شرحا متوسطاً على متن الورقات فرأيت أن أختصره بكتاب يناسب المبتدئين في هذا الفن يقتصر في الغالب على مسائل المتن والله أسأل أن ينفع به.
( الدرس الأول )
مقدمة
أصول الفقه: قواعدٌ يستخرِجُ بها الفقيهُ الحكمَ الشرعيَّ في المسألةِ.
وفائدته: الوصول إلى الحكم الشرعي وذلك بتطبيق تلك القواعد على النصوص الشرعية.
بمعنى أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هما مصدرا التشريع ومنهما يعرف الحلال والحرام، ولكن ليس كل فرد من أمة الإسلام قادرا على استخراج الحكم الشرعي ومعرفة ما يريده الله منه بنفسه، فلا يتوقع مِن كل شخص كلما عرضت له مسألة يريد حكم الله فيها يفتح القرآن أو صحيح البخاري مثلا ويعرف الحكم بنفسه، ولذا كان هنالك أناس مخصوصون ينعتون بالفقهاء فهم القادرون على النظر في النصوص ومعرفة حكم الله ثم تبيينه للناس ليعملوا به.
والسؤال المهم هو كيف يستخرج الفقيه الحكم الشرعي من النصوص الشرعية؟
والجواب: من خلال مجموعة من القواعد العامة تسمى بأصول الفقه.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( الأمر يدل على الوجوب).
فإذا قال السيد لعبده افعل كذا فهنا قد أمره بفعل شيء فيجب عليه الامتثال فإذا لم يمتثل عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله تعالى: ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ).
فيقول الفقيه :
فتيمموا أمر.... والأمر يدل على الوجوب... إذاً فتيمموا يدل على الوجوب فيكون التيمم واجبا على من لم يجد الماء.
فوجوب التيمم هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الآية القرآنية السابقة بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( النهي يدل على التحريم ).
فإذا قال السيد لعبده لا تفعل كذا فهنا قد نهاه عن فعل شيء ما أي يكون السيد قد حرّم عليه فعل ذلك الشيء فإذا فعل فقد عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
( لا تأتوا النساءَ في أدبارِهنَّ) رواه أحمد وغيره وهو صحيح.
فيقول الفقيه :
لا تأتوا النساء في أدبارهن نهي... والنهي يدل على التحريم... إذاً لا تأتوا النساء في أدبارهن يدل على التحريم فيكون الوطء في الدبر حراما.
فحرمة الوطء في الدبر هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الحديث السابق بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو تعريف أصول الفقه ؟
2- ما هي فائدة علم أصول الفقه ؟
3- اذكر مثالا على إحدى قواعد أصول الفقه ؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-15, 10:37 PM
( الدرس الثاني )
التعريف الإضافي واللقبي
قد مضى معنا في المقدمة بيان تعريف أصول الفقه وبيان فائدته ونريد هنا أن نعرِّف أصول الفقه بطريقة أخرى وهي تعريفه من جهتين:
الجهة الأولى: من حيث مفرداته.
الجهة الثانية: من حيث كونه اسما لهذا العلم.
وذلكَ أن لفظ ( أصول الفقه ) قبل أن يجعل اسما لهذا العلم مركب من كلمتين هما: ( أصول ) و ( الفقه ) ثم أخذ وجُعِلَ اسما لهذا العِلم الذي ندرسه، فتارة ننظر إلى هذا اللفظ من جهة مفرداته، وتارة ننظر إليه كاسم لهذا العلم.
وذلك نظير لفظ صلاح الدين فتارة ننظر إليه على أنه اسم لشخص معين سواء أكان صالحا أو فاسقا،وتارة ننظر إليه من جهة مفرداته وهي صلاح والدين أي قبل أن يصير اسما لذلك الشخص فنعرِّف كل لفظة على حدة.
أولا: التعريف الإضافي وهو تعريف المفردات: وعندنا مفردان: أصول، والفقه.
فالأصول جمع أصل وهو: ما يبنى عليه غيره، أي شي يبنى عليه شيء آخر سواء أكان ذلك الابتناء حسيا أو عقليا.
مثال: جذر الشجرة المستتر في الأرض هذا أصل لأنه ينبني عليه ساق الشجرة.
مثال: أساس البيت وهو ما يحفر نازلا في الأرض ويجعل فوقه البنيان يسمى أصلا لأن الجدران مبنية عليه.
مثال: الدليل أصل لأن الحكم مبني عليه وهذا الابتناء عقلي أي يعرف بالعقل ولا يحس، كقوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) فهذا دليلٌ، ووجوب الصلاة المستفاد من الآية هو الحكم فيكون أقيموا الصلاة أصلاً لوجوب الصلاة.
ثم إن الشيء الذي بني عليه غيره يسمى أصلا وذلك الغير المبني عليه يسمى فرعا.
فالفرع هو: ما بني على غيره سواء أكان الابتناء حسيا أو عقليا.
( فجذر الشجرة أصل- وساقها فرع) ( وأساس البيت أصل- والبنيان فرع) ( والدليل أصل- والحكم فرع ).
وأما الفقه فهو: معرفةُ الأحكامِ الشرعيةِ التي طريقُها الاجتهادُ.
فالأحكام الشرعية كالوجوب والحرمة ، والاجتهاد هو: ما يحتاج لاستنباط وتأمل ولا يكون واضحا لكل الناس.
مثال: الصلاة واجبة، والزنا محرمٌ، هذه أحكام شرعية ولكن تعرف بغير اجتهاد فهي معروفة لعامة الناس بسبب اشتهار تلك المسائل فلا تكاد تخفى على أحد لأنها مسائل قطعية وقع عليها الإجماع فلذا لا تدخل في تعريف الفقه. أما المسائل الظنية التي وقع فيها خلاف بين الفقهاء وتحتاج إلى اجتهاد لتعرف فهي التي تدخل في تعريف الفقه. مثل: النية في الوضوء واجبة، وصلاة الوتر مستحبة، والنية في الليل شرط لصحة صوم رمضان ونحو ذلك من المسائل الخلافية التي يحتاج في معرفتها إلى اجتهاد ونظر.
ثانيا: التعريف اللقبي وهو تعريف أصول الفقه كعلم: أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها،وحال المستفيد.
فأدلة الفقه الإجمالية هي: القواعد العامة التي يستنبط بها الحكم الشرعي كالأمر يدل على الوجوب فهذه القاعدة دليل إجمالي لأنها غير متعلقة بمسألة بخصوصها بل تشمل كل أمر كالأمر بالطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
أما الدليل التفصيلي فمثل قوله تعالى: أقيموا الصلاة فهو دليل تفصيلي لتعلقه بمسألة معينة وهي فعل الصلاة. فالدليل الإجمالي يبحث عنه في الأصول، والدليل التفصيلي يبحث عنه في الفقه لمعرفة دليل المسألة.
فوظيفة الأصولي هي توفير القواعد العامة ( الأدلة الإجمالية ) ووظيفة الفقيه هو أخذ تلك القواعد العامة التي وفرها له الأصولي وتطبيقها على النصوص الشرعية (الأدلة التفصيلية) لاستخراج الحكم الشرعي.
فالأصولي يصنع آلة الاستخراج، والفقيه يعمل بتلك الآلة، نظير ذلك شركة تصنع معدات الحفر التي يستخرج بها النفط، وهنالك شركة ثانية تأخذ تلك المعدات وتباشر بها العمل وتستخرج النفط، فالأصولي يشبه عمله عمل الشركة الأولى، والفقيه يشبه عمله عمل الشركة الثانية.
وقولنا ( وكيفية الاستفادة منها ) أي كيفية الاستفادة من الأدلة عند تعارضها، فالأدلة التفصيلية يحصل التعارض بينها بالنظر للظاهر فقط وهي في الحقيقة لا تعارض بينها بل بعضها يفسر البعض الآخر، فيحتاج الأصولي إلى أن يذكر القواعد المتعلقة بكيفية رفع التعارض بين النصوص، وسيعقد باب مخصوص لتفصيل هذا الأمر
ومعنى قولنا ( وحال المستفيد ) أي صفة المستفيد وهو المجتهد فيذكر في علم الأصول الصفات والشروط التي يجب توفرها في الفقيه الذي يستخرج الأحكام الشرعية من النصوص بنفسه.
وسمي المجتهد بالمستفيد لأنه هو الذي يستفيد الأحكام من النصوص أي يستخرجها منه.
فتلخص أن مباحث علم الأصول تنقسم إلى ثلاثة أجزاء هي:
أولا: الأدلة الإجمالية وهي القواعد العامة التي يستخرج بها الفقيه الحكم.
ثانيا: كيفية الاستفادة من الأدلة وذلك بمعرفة القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
ثالثا: صفات من يستخدم تلك القواعد ليستفيد بها الحكم الشرعي.
فلا يكتفي علم الأصول بإيضاح القواعد بل يوضح معها من يحق له استخدامها على النصوص لاستخراج الأحكام الشرعية كي لا يتوهم أن كل من اطلع على قواعد الأصول صار قادرا على معرفة الأحكام بنفسه حاله كحال الفقيه المجتهد بل يحق له ذلك متى توفرت فيه الصفات اللازمة لذلك.
( تعليقات على النص )
قال إمام الحرمين أبو المعالي عبدُ الملكِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ يوسُفَ الجوينيُّ المولود في جُوَيْن إحدى نواحي مدينة نَيسابور الواقعة في إيران عام 419 هـ، والمتوفى في نيسابور عام 478 هـ رحمه الله:
( بسم الله الرحمن الرحيم ) ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة اقتداء بالقرآن الكريم واتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يبدأ رسائله بالبسملة ( هذه ورقاتٌ تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه ) الفصول جمع فصل ومعناه هنا أنواع من المسائل والمعنى: هذا الذي كتبته ورقات يسيرة تحتوي على التعريف بأنواع من المسائل الكائنة من ضمن علم أصول الفقه ( وذلك ) أي لفظ أصول الفقه ( مؤلف ) أي مركب ( من جزأين مفردين ) والمفرد هنا: ما لا يدل جزئه على جزء معناه، لأن أجزاء كلمة أصول مثلا هي الهمزة والصاد والواو واللام وهي لا تدل على جزء معنى كلمة أصول (أحدهما) أي أحد الجزأين المفردين (الأصول والآخر الفقه ).
( فالأصل: ما يبنى عليه غيره ) مثل جذر الشجرة التي يبنى عليها الساق ( والفرع: ما يبنى على غيره ) فإن قيل لمَ عرف الفرع مع أنه ليس أحد أجزاء لفظ أصول الفقه ؟ والجواب: لأن تعريف الأصل اشتمل على الفرع لأنه هو الغير في قوله : ما يبنى عليه غيره فاحتاج إلى تعريف الفرع، ففهم الفرع ضروري لفهم الأصول.
( والفقه: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد ) أي طريق معرفتها هو الاجتهاد لا القطع، وحينئذ فلا تكون المسائل القطعية كوجوب الصلاة وحرمة الزنا وإباحة الأكل ونحوها داخلة في تعريف الفقه.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما الفرق بين التعريف الإضافي واللقبي لأصول الفقه ؟
2- ما معنى الأصل والفرع ؟
3- ما هو تعريف الفقه ؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-15, 10:37 PM
( الدرس الثالث )
الأحكام الشرعية
قد ذكرنا من قبل أن تعريف الفقه هو: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، ونريد أن نبين هنا هذه الأحكام الشرعية بشيء من التفصيل فنقول: الأحكام الشرعية نوعان:
أولا: أحكام تكليفية.
ثانيا: أحكام وضعية.
ولنبدأ بشرح الأحكام التكليفية وهي خمسة أقسام:
1- الواجب وهو: فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
مثل: الصلاة فإنها فعل من أفعال المكلف وهو البالغ العاقل فإذا فعلها كما أراد الله أثيب على الفعل وإذا تركها عاقبه الله على الترك، وكذا قل في الصيام والزكاة والحج والجهاد ونحوها، ويسمى الواجب بالفرض أيضا.
2- والمندوب وهو: فعل المكلف الذي يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
مثل: التسوك فإنه فعل إذا أتى به المكلف أثيب عليه وإذا تركه لم يعاقب عليه، ومثل السنن القبلية والبعدية للصلاة ومثل صيام يوم الاثنين والخميس تطوعا ونحو ذلك، ويسمى المندوب بالمستحب والسنة والنفل أيضا.
3- المباح وهو: فعل المكلف الذي لا يثاب على فعله وتركه ولا يعاقب على تركه وفعله.
مثل الأكل والشرب لنوع معين من الطعام والنوم وتمشيط الشعر فإن شاء فعلها الإنسان وإن شاء تركها فلو جاء الغداء مثلا وقال زيد: لا أريد أن آكل، فلا يثاب إذا أكل ولا يعاقب إذا ترك، ويسمى المباح بالجائز والحلال أيضا.
4- المحرم وهو: فعل المكلف الذي يعاقب على فعله ويثاب على تركه.
مثل: الزنا وشرب الخمر وعقوق الوالدين ويلاحظ أن المحرم عكس الواجب فالواجب يثاب على فعله ويعاقب على تركه، والمحرم يعاقب على فعله ويثاب على تركه، ويسمى المحرم بالحرام والمحظور والمعصية.
5- المكروه وهو: فعل المكلف الذي يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
مثل: الاستنجاء باليد اليمنى فإذا فعله الشخص لم يعاقب عليه، وإذا تركه أثيب عليه، ويلاحظ أن المكروه عكس المندوب فإذا كان المندوب يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فالمكروه يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
أما الحكم الوضعي فهو خمسة أقسام أيضا:
1- السبب: وصف يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.
مثال: دخول الوقت سبب وجوب الصلاة فإذا دخل وقت الظهر وجبت صلاة الظهر وإذا دخل وقت العصر وجبت صلاة العصر وهكذا فدخول الوقت شيء يلزم من وجوده وجود الوجوب، ومن عدمه عدم الوجوب.
مثال: الجنابة سبب وجوب الغسل؛ لأنه يلزم من الجنابة وجود الغسل ويلزم من عدم الجنابة عدم الغسل، وذلك بالنظر لنفس الجنابة لأنه إذا وجد سبب آخر يجب الغسل كالنفاس.
2- الشرط: وصف يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
مثال: الطهارة شرط لصحة الصلاة، فالطهارة يلزم من عدمها عدم صحة الصلاة ولكن لا يلزم من وجودها وجود الصحة لأنه قد يصلي وهو متطهر ولكنه قد ضيع شرطا آخر كأن لم يستقبل القبلة فلا تصح صلاته.
مثال: وجود الشاهدين شرط لصحة عقد النكاح، فإذا فقد الشاهدان لم يصح العقد، وإذا وجد الشاهدان فقد يصح إذا استكمل العقد كل ما يطلب فيه وقد لا يصح كما إذا النكاح بلا ولي يزوج المرأة.
3- المانع: وصف يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم.
مثال: الحيض مانع من صحة الصيام، فيلزم من وجود الحيض عدم صحة الصيام، ولا يلزم من عدم الحيض صحة الصوم دائما فقد يصح وقد لا يصح كما لو كان الصائم مجنونا.
مثال: الأبوة مانعة من وجوب القصاص، فمن قتل ابنه لا يقتل فيلزم من وجودها عدم وجوب القصاص، ولكن لا يلزم من عدم الأبوة وجود القصاص دائما فقد يجب القصاص وقد لا يجب كما إذا كان القاتل صبيا أو مجنونا.
فظهر أن السبب فيه تلازم في الوجود والعدم، والشرط فيه تلازم في الوجود فقط، والمانع فيه تلازم في العدم فقط.
4- الصحيح: ما يُعتدُّ بهِ.
مثال: الصلاة إذا استجمعت الشروط والأركان وانعدمت عنها المبطلات يقال إنها صحيحة أي معتدٌ بها أي يسقط بها الطلب وتبرأ بها الذمة، فإن العبد يتوجه عليه طلب من قبل الشرع بـ ( أقيموا الصلاة ) ولا يسقط عنه هذا الطلب وتبرأ ذمته إلا إذا أتى بالصلاة كما يريدها الله سبحانه.
مثال: البيع إذا استجمع ما يطلب فيه فحينئذ يقال عليه إنه بيع معتد به أي تترتب الآثار عليه وهو أن ينتقل الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري بشكل شرعي.
5- الباطل: ما لا يُعتدُّ به.
مثال: الصلاة بغير وضوء يقال عليها إنها باطلة أي غير مسقط للطلب ولا تبرأ به الذمة فلا يعتد بها.
مثال: بيع الخنزير باطل أي غير نافذ وغير معتد به فلا تترتب عليه حلية الثمن.
( تعليقات على النص )
( والأحكام سبعة ) الأحكام عشرة لكنه اقتصر على اثنين من الأحكام الوضعية اختصارا وتسهيلا على المبتدئ.
(الواجب، والمندوب، والمباح، والمحظور، والمكروه ) المحظور هو المحرم ( والصحيح والباطل ) ويسمى الباطل بالفاسد أيضا ( فالواجب ما يثاب على فعله ) مثل الصلوات الخمس ( والمندوب ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه ) مثل السنن الرواتب ( والمباح: ما لا يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه ) مثل النوم ( والمحظور: ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله ) مثل الزنا ( والمكروه ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله ) مثل الاستنجاء باليمنى ( والصحيح: ما يتعلق به النفوذ ويعتد به ) ما هنا تفسر بعبادة أو عقد، والتعلق معناه الارتباط أي يصح أن يوصف به فيقال: بيع نافذ ومعتد به، وحج معتد به، فالعبادة توصف بالاعتداد فقط، والعقد يوصف بهما معا، وكلاهما بمعنى واحد وهو ترتب الأثر عليه فالعبادة معتد بها أي يسقط الطلب وتبرأ بها الذمة والعقد معتد به ونافذ أي يترتب الأثر عليه فإذا كان بيعا مثلا يترتب عليه حل الانتفاع بالمبيع والثمن، وإذا كان نكاحا ترتب عليه حل التمتع بين الزوجين وإذا كان النفوذ والاعتداد بمعنى واحد فيمكن أن يختصر التعريف بالاقتصار على لفظ الاعتداد ( والباطل: ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به ) مثل الصلاة بلا وضوء وبيع الخنزير.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي الأحكام التكليفية ؟
2- ما هي الأحكام الوضعية ؟
3- اذكر مثالا مِن عندك لكل حكم من الأحكام الشرعية العشرة ؟
( التمارين )
استخرج الحكم الشرعي وبيّن نوعه في النصوص الآتية:
1- قال الله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ).
2- قال الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ).
3- قال الله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ).
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) متفق عليه.
5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يُقادُ الوالدُ بولدِهِ ) رواه الترمذي وغيره وهو صحيح.
.............................. .............................. .............................. .....................
1- تفيد الآية حرمة السرقة وهو حكم تكليفي لأن الله رتب العقوبة على فعلها وهذا من علامات معرفة الحرمة، وفيها حكم تكليفي آخر وهو وجوب القطع المستفاد من الأمر ( فاقطعوا )، وفيها حكم وضعي وهو أن السرقة سبب وجوب القطع.
2- تفيد الآية حرمة الزنا وهو حكم تكليفي لأن الله رتب العقوبة على فعله وهذا من علامات معرفة الحرمة، وفيها حكم تكليفي آخر وهو وجوب الجلد المستفاد من الأمر ( فاجلدوا )، وفيها حكم وضعي وهو أن الزنا سبب وجوب الجلد.
3- تفيد الآية وجوب الصلاة عند دلوك الشمس والوجوب مستفاد من الأمر ( أقم الصلاة ) وهذا حكم تكليفي، وتفيد أن دلوك الشمس سبب وجوب صلاة الظهر وهو حكم وضعي ومعنى دلوك الشمس زوال الشمس عن وسط السماء عند الظهيرة.
4- يفيد الحديث وجوب الوضوء للصلاة لأن الحديث قد رتب عدم القبول والصحة إذا صلى محدثا وهذا من علامات الوجوب وهذا حكم تكليفي، ويفيد أن الوضوء شرط لصحة الصلاة وهو حكم وضعي لأن نفي القبول والصحة عند فقد شيء دليل على اشتراطه.
5- يفيد الحديث حرمة قتل الوالد بالولد وهو حكم تكليفي، ويفيد أن الأبوة مانعة من القتل وهو حكم وضعي.
صفاء الدين العراقي
2012-05-15, 10:38 PM
( الدرس الرابع )
مصطلحات مهمة
أولا: أقسام الإدراك.
الإدراك هو: وصول النفس إلى المعنى.
مثال: فهمك لمعنى النخلة إدراك، وتعقلك لأي معنى سواء أكان لمفرد كزيد أو لجملة كـ قام زيد هو الإدراك.
والإدراك ينقسم إلى أربعة أقسام هي:
1- اليقين وهو: إدراك الشيء إدراكا جازما.
2- الظن وهو: إدراك الشيء إدراكا راجحا.
3- الشك وهو: إدراك الشيء إدراكا متساويا.
4- الوهم وهو: إدراك الشيء إدراكا مرجوحا.
مثال اليقين: إدراكك لمضمون لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ومثال الظن: أغلب قضايا الفقه يدركها الفقيه على وجه الظن الغالب نحو صلاة الوتر مستحبة.
ومثال الوهم: صلاة الوتر واجبة فالشخص إذا غلب على ظنه أن صلاة الوتر مستحبة فهذا يعني أنه يجعل وجوبها مرجوحا فيكون الإدراك المتعلق بها وهما، فالوهم دائما يكون هو الطرف الثاني للظن.
ومثال الشك: إذا استوى الأمران عند المجتهد ولم يرجح أحد الأمرين فإنه يتوقف في المسألة ويقول الله أعلم.
ثانيا: في تعريف العلم والفرق بينه وبين الجهل.
العلم: معرفة الشيء على ما هو به في الواقع.
مثال: إذا عرفت وأدركت أن الله واحد إدراكا جازما فهذا هو العلم.
وقلنا ( على ما هو به في الواقع ) أي أن تدرك الشيء على حقيقته التي هو عليها في الواقع والعالم الخارجي.
أما إذا كنت تجزم داخل عقلك بقضية ولكنها ليست في الحقيقة مطابقة للواقع فهذا يسمى بالجهل المركب، مثل أن يعتقد النصراني ويجزم أن الله ثلاثة، فهذا ليس علما لأنه مخالف للواقع بل هو جهل.
والجهل نوعان:
1- جهل مركب وهو الذي شرحناه وهو: أن يتصور الشيء على خلاف ما هو به في الواقع.
2- الجهل البسيط وهو: عدم المعرفة بالشيء. مثل أن تسأل عن شيء فتقول لا أعرف الله أعلم.
مثال: الصلاة فرضت في ليلة الإسراء فإذا قيل متى فرضت الصلاة ؟ فإن قلتَ: فرضت في ليلة الإسراء فهذا علم لأنه مطابق للواقع، وإنْ قلت: لا أعرف فهذا جهل بسيط، وإن قلت: فرضت بعد معركة بدر فهذا جهل مركب.
والجهل المركب أقبح من الجهل البسيط وصاحبه لا يطلب العلم لأنه يظن أن ما عنده هو العلم.
ويسمى مَن كان كذلك بالجاهل المركب لأنه جمع جهلين: الأول كونه لا يدري، الثاني كونه لا يدري أنه لا يدري.
ثالثا: في تقسيم العلم إلى الضروري والنظري.
العلم كما قلنا هو: معرفة الشيء على ما هو به في الواقع. وهو ينقسم إلى قسمين: ضروري، ونظري.
فالعلم الضروري هو: ما لا يقع عن نظر واستدلال، والنظر هو التفكر بالعقل، والاستدلال هو: طلب الدليل.
فالمعنى هو أن العلم الضروري هو: الذي يقع في النفس من غير حاجة إلى فكر وتأمل وبحث عن دليل.
وذلك كالعلم الحاصل بإحدى الحواس الخمس وهي السمع و البصر والشم والذوق واللمس.
مثال: السماء فوقنا فهذه قضية ضرورية بديهية لا تحتاج إلى فكر لأنك تراها وتحسها ببصرك.
مثال: النار حارقة فهذه قضية ضرورية لأنك تشعر بها من خلال اللمس.
مثال: أن تعلم بأن هارون الرشيد هو أحد خلفاء بني العباس فهذه قضية تصدق بها في نفسك بشكل قاطع من غير دليل لأنه قد تناقلت الأخبار التي لا تحتمل الكذب من كل مكان حتى وصلت لسمعك.
ومثل العلم بالحواس الخمس العلم الوجداني وهو علمك بنفسك كعلمك بأنك جائع أو شبعان أو حزين أو فرحان أو متألم فهذه العلوم حاصلة في نفسك من غير حاجة إلى برهان لأنك تشعر بها وتجدها في نفسك حاضرة.
أما العلم النظري فهو: العلم الموقوف على النظر والاستدلال.
مثال: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كيف يستدل على نبوته؟
الجواب: بواسطة الدليل وهو القرآن الكريم المعجِز للخلق جميعا فلم ولن يستطيعوا أن يأتوا بمثله أبدا.
والدليل تعريفه هو: المرشد إلى المطلوب، أي الشيء الذي يحصل به الإرشاد ويوصل إلى المطلوب.
وهذا الدليل هنا هو القرآن الكريم وقد أرشد إلى المطلوب وهو نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
والنظر تعريفه هو: الفكر في حال المنظور فيه، والمقصود بالمنظور فيه هو المجهول أي الشيء المجهول لديك.
مثل أن تتفكر في حال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هل هو نبي وتطلب الدليل على نبوته من جهة أنه جاء بالمعجزة وهي القرآن الكريم. وبالتأمل نجد أن النظر وهو ( الفكر في حال المنظور فيه) والاستدلال وهو ( طلب الدليل ) بمعنى واحد فتفكرك في حال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هل هو نبي هو بمعنى طلب الدليل على نبوته، ويكون الجمع بينهما سابقا في قولنا ( نظر واستدلال ) للتوكيد فيمكن الاكتفاء بأحدهما.
( تعليقات على النص )
من هنا بدأ المصنف بالحديث عن المقدمة المنطقية وهي مقدمة تتعلق بالتعريف ببعض المصطلحات التي تنفع في علم الأصول ( والفقه أخص من العلم ) أي أقل شمولا منه؛ لأن العلم يشمل الفقه وغير الفقه كالنحو والتفسير فكل فقه علم وليس كل علم فقها ( والعلم معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع ) المعرفة هي الإدراك، والمعلوم المراد به الشيء الذي يمكن أن يعلم ( معرفة المعلوم ) هذا احتراز عن الجهل البسيط فهو عدم المعرفة ( على ما هو به في الواقع ) قيد احترز به عن الجهل المركب، فإنه إدراك الشيء على خلاف ما هو به في الواقع ( والجهل: تصور الشيء على خلاف ما هو به في الواقع ) كمن يتصور أن الله سبحانه لا يرى يوم القيامة.
( والعلم الضروري ما لا يقع عن نظر واستدلال) مثل العلم الحاصل بالحواس الخمس مثل معرفة أن السماء فوقنا والأرض تحتنا والنار حارة والماء يروي ونحو ذلك ( وأما العلم المكتسب فهو الموقوف على النظر والاستدلال ) كمعرفة أن العالم حادث فيحتاج إلى دليل ومثل العلم بأن صلاة الوتر مندوبة فيحتاج إلى دليل وهكذا سائر مسائل الفقه ( والنظر هو: الفكر في حال المنظور فيه ) الفكر هو التفكر أي الحركة التي يقوم بها الذهن، والمنظور فيه هو: المجهول الذي يطلب العلم به، وحال المنظور فيه هو: ما يراد إثباته له أو نفيه، مثال إذا فكرت وحركت ذهنك في مسألة النائم الممكن مقعدته هل ينتقض وضوئه أو لا ينتقض؟ فهذا هو النظر.
( والاستدلال: طلب الدليل ) أي طلب الدليل على المسألة، ومؤدى النظر والاستدلال واحد وحينئذ يكون المصنف قد جمع بينهما للتوكيد ( والدليل المرشد إلى المطلوب ) أي ما يحصل به الإرشاد إلى المطلوب كالآية والحديث اللذين تستدل بهما على مسألة معينة فكل منهما يرشدك إلى المطلوب ( والظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر ) مثل تجويز أن النية ركن في الصلاة فهو الأمر الأظهر والأمر الثاني المقابل وهو كونه النية ليست ركنا يسمى وهما، والمصنف لم يعرف الوهم فكأنه اكتفى بتعريف الظن لأن الوهم هو الطرف المقابل للظن (والشك تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر) أي لا فضل لأحد الأمرين على الآخر في القوة فكلاهما سواء ( وأصول الفقه: طرقه على سبيل الإجمال ) الطرق جمع طريق وهو السبيل الموصل إلى المقصود والمراد به هنا هو الأدلة، والضمير في طرقه عائد على الفقه والمعنى أصول الفقه هي أدلة الفقه على سبيل الإجمال أي أدلة الفقه الإجمالية مثل الأمر يدل على الوجوب، والنهي يدل على التحريم، وأما الأدلة التفصيلية مثل أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا ونحوها فيبحث عنها في الفقه وتذكر في الأصول كأمثلة للقواعد العامة. وقوله ( وكيفية الاستدلال بها ) أي وكيفية الاستدلال بطرق الفقه على الحكم عند التعارض بين الأدلة ويكون ذلك بمعرفة القواعد الرافعة للتعارض كما سيبيّن، ثم إن المصنف لم يذكر حال المستفيد في التعريف، وكأنه اكتفى بكيفية الاستدلال لأنها تجر إلى صفة المستدل فهو اقتصر على كيفية الاستدلال بها لأنه يلزم منها بيان حال المستفيد.
والخلاصة هي أن قوله ( طرقه على سبيل الإجمال) = أدلة الفقه الإجمالية، وقوله ( وكيفية الاستدلال بها ) = وكيفية الاستفادة منها، ويلزم من قوله ( وكيفية الاستدلال بها ) بيان حال المستدل فهذه الثلاثة مجتمعة هي علم أصول الفقه ( وأبواب أصول الفقه: أقسام الكلام، والأمر، والنهي، والعام، والخاص، والمجمل، والمبين، والظاهر والمؤول، والأفعال، والناسخ والمنسوخ، والإجماع، والقياس، والحظر والإباحة، وترتيب الأدلة، وصفة المفتي والمستفتي، وأحكام المجتهدين ) هذا بيان للمباحث التي سيتم شرحها فهو فهرسة للورقات ولن نعرِّف هذه المصطلحات الآن لأنه سيأتي بيانها مفصلا.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي أقسام الإدراك ؟
2- ما الفرق بين الجهل البسيط والمركب ؟
3- ما الفرق بين العلم النظري والعلم الضروري ؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-15, 10:39 PM
( الدرس الخامس )
باب أقسام الكلام
يتعرض الأصوليون لمباحث لغوية لأن لها تعلقا بهذا العلم فإن النصوص الشرعية هي كلام وعبارات بلغة العرب فاحتاجوا لذكر بعض تلك المباحث كي يستفاد منها في فهم النصوص فإذا علم هذا فنقول:
اللفظ: صوت مشتمل على بعض الأحرف.
والصوت هو: ما يسمع، والأحرف هي: حروف الهجاء المبدوءة بالهمزة والمنتهية بالياء.
فإذا نطقتَ بكلمة ( زيد ) فهذا صوت لأنه مسموع بالأذن وهو لفظ أيضا لأنه مشتمل على بعض الأحرف وهي الزاي والياء والدال، والصوت أعم من اللفظ لأن صوت الطبل وحركة المروحة ووقع القدم على الأرض كلها أصوات وليست ألفاظا لخلوها من الأحرف.
ثم اللفظ ينقسم إلى قسمين: لفظ مستعمل وهو: ما دل على معنى مثل زيد.
ولفظ مهمل وهو: ما لا يدل على معنى مثل ديز.
واللفظ المستعمل إما أن يكون مفردا، وإما أن يكون مركبا.
والمفرد هو: ما لا يدل جزئه على جزء معناه، كزيد.
والمركب هو: ما يدل جزئه على جزء معناه، كبيت زيد.
واللفظ المستعمل المفرد يسمى كلمة وهي ثلاثة أقسام:
1- الاسم وهو: ما يدل على معنى في نفسه ولم يقترن بزمن مثل زيد.
2- الفعل وهو: ما يدل على معنى في نفسه واقترن بزمن مثل ضربَ.
3- الحرف وهو: ما لا يدل على معنى في نفسه بل في غيره مثل في.
والمركب ينقسم إلى قسمين :
مركب مفيد وهو: ما يحسن السكوت عليه مثل جاءَ زيدٌ ويسمى كلاما.
ومركب غير مفيد وهو: ما لا يحسن السكوت عليه مثل غلام زيد.
والكلام لا يتركب من أقل من كلمتين أبدا، فإذا رأيتَ لفظا مفردا قد دل على معنى يحسن السكوت عليه فاحمله على التركيب التقديري وهو أن تكون هنالك كلمة مقدرة لم تلفظ ولكنها ملحوظة في الكلام والمقدر في النحو كالملفوظ مثل: قمْ فمعناه قمْ أنت فيكون مركبا في التقدير وإن كان في الظاهر أنه متكون من كلمة واحدة هي قم.
والصور الممكنة لتركيب الكلام ست لأن الكلمة ثلاثة أقسام ( اسم وفعل وحرف ) فلو ضممنا بعضها إلى بعض فسينتج ست صور هي:
1- اسمان مثل زيد قائم.
2- فعلان مثل ضرب يضرب.
3- حرفان مثل في لم.
4- اسم وفعل مثل قام زيدٌ.
5- اسم وحرف مثل زيد في.
6- فعل وحرف مثل ما قام.
وكلها لا تدل على معنى يحسن السكوت عليه إلا الصورة الأولى والصورة الرابعة فقط.
فأقل ما يتركب منه الكلام هو اسمان أو فعل واسم.
وهنا إشكالان على حصر صور تألف الكلام بالاسمين والفعل مع الاسم هما:
أولا: بحرف النداء مع المنادى تقول يا زيدُ فيفهم معنى تام وهو أنك تنادي على شخص اسمه زيد فيكون الكلام قد تألف من حرف واسم مع أنكم رفضتم قبول هذه الصورة فما الجواب؟
ثانيا: قد تسأل شخصا قائلا: هل قام زيد فيقول لك ( ما قامَ ) فيدل على معنى مفيد وهو نفي القيام عنه وعليه يكون ( ما قام ) كلاما مفيدا مع أنكم رفضتم قبول هذه الصورة أعنى الفعل والحرف فما الجواب؟
والجواب عن الإشكال الأول هو: أن حرف ( يا ) قد ناب مناب الجملة أي حل محلها وهي أنادي فحذف الفعل مع فاعله ( أنادي ) وأقيم مقامه ( يا ) فحينئذ لا تكون ( يا زيدُ ) قد دلت على معنى مفيد لوحدها بل لأنها اشتملت على المقدر وهو أنادي وهي ترجع إلى الصورة الرابعة أعني تركب الكلام من فعل واسم.
والجواب عن الإشكال الثاني هو: أن هنالك كلمة مستترة أي مخفية تقدر في الكلام وهي ( ما قام هو ) الذي يعود على زيد فتكون ما قام مركبة من قام مع هو أي تركب الكلام من اسم وفعل وهي الصورة الرابعة.
فسبب الإشكال هو عدم ملاحظة المقدر والنظر إلى الملفوظ فقط وهو غير سليم ولو لم ننظر إلى المقدر للزم أن ينشأ الكلام بالمفرد مثل قم وذلك لا يصح لأن الكلام هو المركب فكيف صار مركبا بلا تركيب.
وللزم أيضا أن نعد الحرف لوحده كلاما وهو باطل مثل أن تُسأل هل قام زيد فتقول: كلا، فكلا أفادت معنى يحسن السكوت عليه لأنها دلت على مقدر وتقدير الكلام هو كلا ما قام زيد. فافهم.
( تعليقات على النص )
( فأما أقسام الكلام ) هذا شروع في الباب الأول من أبواب أصول الفقه وهو أقسام الكلام مِن حيثُ ما يتركب منه الكلام ( فأقل ما يتركب منه الكلام اسمان ) مثل زيد قائم ( أو اسم وفعل ) مثل قام زيد ( أو اسم وحرف ) مثل يا زيدُ وهذا ضعيف، والمعتمد أن هذه الصورة ترجع إلى اسم وفعل لأن يا نائبة عن الفعل مع فاعله والتقدير أدعو زيدا أو أنادي زيدا ( أو فعل وحرف ) مثل ما قامَ، وهذا ضعيف لأنه مبني على عدم عدِّ الضمير المستتر في قام كلمة، والمعتمد أنه يعد في الكلام فترجع هذه الصورة إلى اسم وفعل، ولو لم نعد الضمير المستتر كلمة للزم أن قم كلام بدون الضمير المستتر فيكون الكلام قد يأتي غير مركب بل يتألف من فعل فقط وهذا مردود، فهذا هو التقسيم الأول للكلام وهو تقسيمه من حيث ما يتركب منه.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو الكلام ؟
2- ما أقل ما يتركب منه الكلام ؟
3- مثل بمثال مِن عندك للمركب التقديري ؟
رضا الحملاوي
2012-05-15, 11:34 PM
جزاكم الله خيراً
المَاسَّةُ قُرطبة
2012-05-16, 01:19 AM
تسجيل متــــــــابعة بورك فيكم تابعوا فنحن معكم بإذن الله.
صفاء الدين العراقي
2012-05-16, 07:04 PM
جزاكم الله خيراً
وجزاكم الله خيرا.
صفاء الدين العراقي
2012-05-16, 07:05 PM
تسجيل متــــــــابعة بورك فيكم تابعوا فنحن معكم بإذن الله.
جزاكم الله خيرا.
صفاء الدين العراقي
2012-05-16, 07:06 PM
( الدرس السادس )
تقسيم الكلام إلى: خبر وإنشاء- وحقيقة ومجاز
إذا علمت ما معنى الكلام فلنبدأ بتقسيمه أقساما متعددة باعتبارات مختلفة فنقول:
ينقسم الكلام باعتبار مدلوله إلى: خبر وإنشاء.
1- الخبر وهو: ما يحتمل الصدق والكذبَ.
2- الإنشاء وهو: ما لا يحتمل الصدق والكذبَ.
فإذا قلتَ قامَ زيدٌ فهذا الكلام يسمى خبرا لأنه يحتمل الصدق والكذب لأنك إما أن تكون صادقا فيما قلته ويكون زيد قد قام فعلا، أو تكون كاذبا ويكون زيد لم يقم في الواقع.
وإذا قلتَ لشخص قمْ فهذا كلام مركب من فعل وفاعل مستتر تقديره أنت و يسمى إنشاءً وهو لا يحتمل الصدق والكذب لأنه طلب، وهو ليس فيه صدق أو كذب؛ فلا يصح أن يقال لك: صدقت أو كذبت لأنك لم تخبر عن حدوث شيء بل أنت تنشأ أمرا وطلبا لشيء تريده فلا معنى للصدق والكذب، بل إما أن تطاع ويقوم الشخص الذي تخاطبه أو تعصى ولا يقوم من مكانه.
والإنشاء ينقسم إلى قسمين: طلبي وغير طلبي.
فالإنشاء الطلبي هو: الذي يدل على طلب شيء.
والإنشاء غير الطلبي هو: الذي لا يدل على طلب شيء.
فالإنشاء الطلبي يشمل: ( الأمر- النهي- الاستفهام- التمني- النداء- العرْض ).
فالأمر فيه طلب الفعل مثل قم، والنهي فيه طلب الترك أي ترك الفعل مثل لا تقمْ، والاستفهام فيه طلب الفهم والعلم مثل هل جاء زيدٌ ؟ والتمني فيه طلب شيء تتمناه نفسك مثل ليت زيداً يعود من سفره، والنداء فيه طلب توجه المخاطَب على المتكلم مثل يا زيدُ احذر الطريق فأنت تطلب منه أن يتوجه إليك وينتبه إلى ما تقوله.
والعَرْضُ هو: الطلب برفق ولين وأشهر أدواته ألا مثل قولك لصديقك: ألا تتفضل في بيتنا، فهو طلب برفق ولين وليس أمرا باستعلاء وإيجاب.
والإنشاء غير الطلبي مثل: ( القسم- صيغ العقود)، فالقسم أنت لا تطلب فيه شيئا مثل قولك: واللهِ كان كذا.
وصيغ العقود أنت تنشأ فيها أمرا ولا تطلب شيئا مثل قولك بعتُ أو اشتريتُ أو قبلتُ الزواج من فلانة فكلها ألفاظ تنشأ فيها عقدا من العقود الشرعية. فهذه قسمة من أقسام الكلام.
وينقسم قسمة أخرى من حيث استعمال الكلام في معناه الموضوع له أو عدم استعماله فيه إلى:
1- الحقيقة هي: اللفظ المستعمل في المعنى الذي اصطلح عليه من الجماعة المخاطِبة.
2- المجاز هو: اللفظ المستعمل في غير المعنى الذي اصطلح من الجماعة المخاطِبة.
مثال: كلمة أسد وضعتها العرب على الحيوان المفترس المعروف أي جعلوا هذه اللفظة دالة على هذا الحيوان بحيث متى ذكروا كلمة الأسد فهم يعنون به الحيوان المعروف، فلفظ أسد استعمل في المعنى الذي قصدته العرب من هذا الوضع فيكون حقيقة فهم اصطلحوا واتفقوا على جعل هذه اللفظة دالة على هذا الحيوان.
أما إذا استعملنا كلمة الأسد في الإنسان الشجاع لوجود المشابهة بينهما فهذا يسمى مجازا لأنه لفظ استعمل في غير المعنى الذي وضعته العرب ولكن نقل هذا اللفظ أعني الأسد إلى الرجل الشجاع لوجود العلاقة بينهما.
وبتعبير آخر أوضح إن الحقيقة هي: اللفظ المستعمل في المعنى الأصلي للكلمة، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير المعنى الأصلي للكلمة.
ولكن قد يقال كيف نعرف أن هذا هو المعنى الأصلي للكلمة فيكون استعمالها فيه حقيقة أو هو ليس المعنى الأصلي للكلمة فيكون مجازا؟ والجواب: من خلال التبادر وعدم الاحتياج إلى القرينة.
مثال: إذا قلتَ رأيتُ اليومَ أسداً فلن يفهم السامع من كلامك ولن يتبادر إلى ذهنه إلا الحيوان المفترس المعروف ولن يفهم أنك رأيت رجلا شجاعا فيكون استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس حقيقة واستعماله في الرجل الشجاع مجاز، وإذا قلت رأيت اليوم أسدا يحمل بندقيته سيفهم السامع أنك تقصد الرجل الشجاع بدليل القرينة وهي يحمل بندقيته فمثل هذا لا يكون للأسد.
فعلم أن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة لتفهم بينما المجاز لا يفهم إلا بقرينة.
وقولنا في التعريف: ( في المعنى الذي اصطلح عليه ) الاصطلاح هو اتفاق طائفة على استعمال لفظ ما في معنى معين، وقولنا ( من الجماعة المخاطِبة ) أي أن الاصطلاح قد وضع من قبل الجماعة المتخاطِبة بذلك المصطلح. مثال: العرب جماعة من الناس تخاطبوا بألفاظ معينة واستعملوها في معان معينة، فاستعملوا لفظ الماء في السائل المعروف ولفظ الأسد في الحيوان المفترس المعروف والشمس في ذلك الكوكب الذي يخرج في النهار وهكذا فهذه الألفاظ تخاطبوا بها واصطلحوا على أن لها معنى معيناً وحينئذ إذا استعملت تلك الألفاظ في تلك المعاني فحقيقة وإذا استعملت في غير تلك المعاني فتكون مجازا كاستعمال الأسد في الرجل الشجاع والثعلب في الشخص الماكر. والخلاصة هي: أن الحقيقة لفظ مستعمل في معنى مصطلح عليه من قبل جماعة معينة من الناس، وأن المجاز لفظ مستعمل في غير المعنى المصطلح عليه من قبل تلك الجماعة المعينة من الناس.
( تعليقات على النص )
(والكلام ينقسم إلى: أمر ونهي وخبر واستخبار ) أي استفهام، وهذه القسمة هناك ما هو أدق منها وهي أن الكلام ينقسم إلى: ( طلب، وخبر، واستخبار ) والطلب يشمل الأمر والنهي، وهنالك قسمة أدق منهما وهي أن نرجع هذه الثلاثة أعني الأمر والنهي والاستخبار إلى قسم واحد وهو الإنشاء فيكون الكلام ينقسم إلى:( إنشاء وخبر ) ثم الإنشاء ينقسم إلى أمر ونهي واستفهام وغيرها ( وينقسم أيضا إلى تمن وعرض وقسم ) أي وينقسم الكلام إلى تمن وعرض وقسم، وهذه أيضا قسمة غير دقيقة، والأدق هو أن الكلام ينقسم إلى إنشاء وخبر، والإنشاء ينقسم إلى قسمين طلبي وغير طلبي والإنشاء الطلبي يشمل ( الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض ) وأضفنا النداء، والإنشاء غير الطلبي مثل القسم وأضفنا إليها صيغ العقود فهذا هو التقسيم الدقيق.
والملاحظ أن المصنف قال ( وينقسم أيضا ) ففَصَل هذه القسمة عن التي قبلها مع أنهما قسمة واحدة وسبب ذلك أن بعض العلماء قد قال: إن الكلام باعتبار مدلوله ينقسم إلى أربعة أقسام فقط وهي ( أمر ونهي وخبر واستخبار) وبعض العلماء قد قال: هو ينقسم باعتبار المدلول إلى أكثر من أربعة أقسام بل هي سبعة وهي : ( أمر ونهي وخبر واستخبار وتمن وعرض وقسم ) ولذا قال المؤلف ( وينقسم أيضا ) ليشير إلى القولين.
وقد عرفت أن الذي استقر عليه علماء البلاغة هو تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء والإنشاء طلبي وغير طلبي، والطلبي يشمل الأمر مثل قم والنهي مثل لا تقم والاستفهام مثل هل قام زيد والتمني مثل ليت زيدا يقوم والنداء مثل يا زيد والعرض مثل ألا تقوم من مكانك، وغير الطلبي مثل القسم نحو والله قد كان كذا، وصيغ العقود مثل بعتك واشتريت ( ومن وجه آخر ) أي ومن حيثية أخرى واعتبار آخر وهو تقسيم الكلام باعتبار استعماله في مدلوله الأصلي أو عدم استعماله فيه ( ينقسم إلى حقيقة ومجاز ) وقد عرفتَ معناهما.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم إلى ماذا ينقسم الكلام بحسب مدلوله ؟
2- إلى ماذا ينقسم الكلام بحسب استعماله في مدلوله الأصلي أو عدم استعماله فيه؟
3- مثل بمثال من عندكَ للقسمة الأولى والقسمة الثانية من أقسام الكلام ؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-16, 07:08 PM
( الدرس السابع )
أقسام الحقيقة
تنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام بحسب اختلاف الجهة التي وضعت ذلك الاصطلاح:
أولا: الحقيقة اللغوية: وذلك بأن يكون الواضع لتلك الألفاظ هم أهل اللغة أي العرب الأوائل مثل كلمة ماء وسماء ورجل وأسد وشمس وثعلب ونحو ذلك، فهذه الألفاظ إذا استعملها العرب في معانيها الأصلية كانت حقيقة لغوية، وإذا استعملوها في غير معانيها الأصلية لوجود علاقة كانت مجازا لغويا.
مثل الأسد بمعنى الحيوان المفترس حقيقة لغوية، وبمعنى الرجل الشجاع مجاز لغوي.
ثانيا: الحقيقة الشرعية: وذلك بأن يستعمل الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ألفاظ العرب في معان خاصة فيكون الوضع شرعيا وتكون الحقيقة شرعية كالصلاة والصيام والزكاة والحج والوضوء ونحو ذلك.
فالصلاة مثلا في لغة العرب بمعنى الدعاء، ولكن الشرع نقلها إلى معنى العبادة المعروفة المبتدئة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، فحينما يقول الله سبحانه وتعالى أقيموا الصلاة فهو لا يقصد الدعاء بل العبادة المعروفة،والزكا ة بمعنى النماء في لغة العرب ولكن الشرع نقلها إلى الصدقة المعروفة الواجبة على الغني ولهذا حينما يقول الله سبحانه وتعالى آتوا الزكاة فهو يقصد الصدقة المعروفة.
فإذا علم هذا فانظر إلى الفرق بين المعنى الواحد بحسب الاصطلاح وخذ ( الصلاة ) مثلا:
أ- في اصطلاح الشرع بمعنى العبادة المعروفة حقيقة شرعية، وهذا المعنى عند اللغوي مجاز لأنه يقصد بالصلاة الدعاء.
ب- إذا استعملها الشرع بمعنى الدعاء تكون مجازا شرعيا لأن أصلها عنده للعبادة المعروفة، وهذا المعنى عند اللغوي حقيقة.
جـ- إذا استعمل اللغوي الصلاة بمعنى العبادة المعروفة فتكون مجازا لغويا لأن أصلها عنده للدعاء.
وكذا قل في الزكاة هي للصدقة المعروفة في اصطلاح الشرع حقيقة شرعية وبمعنى النماء مجاز شرعي، وعند اللغوي بالعكس بمعنى النماء حقيقة لغوية، وبمعنى الصدقة المعروفة مجاز لغوي وعليه فقس.
وكذلك حملة الشرع وهم الفقهاء إذا استعملوا الصلاة والزكاة والصوم والحج والوضوء ونحوها فهم لا يقصدون إلا المعاني الشرعية فيكون استعمالها بهذه المعاني حقيقة شرعية، وإذا تكلموا بهذه المعاني وأرادوا معانيها اللغوية فيكون مجازا شرعيا لأنهم حملة الشرع ويعبرون عن الشرع.
ثالثا: الحقيقة العرفية: وذلك بأن يستعمل أهل العرف الألفاظ في معان مخصوصة عندهم فتكون حقيقة عرفية.
مثل الغائط فهو في أصل اللغة بمعنى المكان المنخفض من الأرض، ثم استعمله الناس بمعنى الخارج من الدبر وحينئذ فمتى ذكر الناس الغائط فهم لا يقصدون به المكان المنخفض بل الخارج من الدبر فيكون استعماله بهذا المعنى حقيقة عرفية عندهم، وإذا استعمل أهل العرف الغائط بمعنى المكان المنخفض فيكون مجازا عرفيا عندهم. وإن كان في اللغة بالعكس فبمعنى المكان المنخفض حقيقة وبمعنى الخارج من الدبر مجاز.
ثم العرف ينقسم إلى قسمين: عرف عام وعرف خاص.
فالعرف العام هو: ما استعمله عامة الناس ولا ينسب لطائفة معينة منهم مثل استعمال الغائط في الخارج من الدبر.
والعرف الخاص هو: اصطلاح طائفة معينة من الناس مثل اصطلاح النحاة والصرفيين والأصوليين ونحوهم فلكل علم اصطلاحاته الخاصة به فاستعمال تلك الألفاظ في معانيها الخاصة تعتبر حقيقة عرفية خاصة واستعمالها في معانيها اللغوية الأصلية يعتبر مجازا عرفيا خاصا.
مثال: الواجب في اللغة هو الساقط يقال وجبت الذبيحة أي سقطت على الأرض، وعند الأصوليين: فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه، فيكون بهذا المعنى حقيقة عرفية لأهل الأصول ومجازا لأهل اللغة.
وهنا تنبيهات نختم بها الدرس:
أولا: كل مجاز لا بد له من حقيقة، وليس كل حقيقة لا بد أن يكون لها مجاز.
فأكثر الألفاظ إنما استعملت في حقائقها ومتى استعمل لفظ في معنى مجازي لا بد أن يكون له حقيقة نقل منها كاستعمال الأسد للرجل الشجاع فهذا معنى مجازي، وأصله الحقيقي هو الحيوان المفترس.
والإنسان والفرس بمعناهما المعروف حقيقة ولم يعرف أنهما استعملا في معنى مجازي.
ثانيا: قد علم مما ذكرنا أن المجاز إنما هو أمر نسبي إضافي فاللفظ قد يكون حقيقة بالنسبة لوضع اللغة وقد يكون مجازا بالنسبة للوضع الشرعي أو العرفي أو يكون حقيقة بالنسبة للوضع الشرعي أو العرفي ويكون مجازا بالنسبة للوضع اللغوي.
ثالثا: لا يعني وجود الحقيقة الشرعية أن كل الألفاظ في القرآن أو السنة إنما هي مجاز بالنسبة للغة بل بعض قليل من النصوص خص بمعنى جديد كالصلاة والصوم ولكن باقي الألفاظ إنما هي باقية على مدلولاتها اللغوية.
فمثلا الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين... كل لفظة من هذه الآيات إنما تعرف مِن اللغة ولم يضع لها الشرع معاني خاصة فليس الحمد والإله والرب والعالمين وغيرها يراد بها غير ما عرفته العرب بخلاف أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فإن الصلاة والزكاة لم تعرف العرب معانيهما الشرعية وإنما فسرها الشرع.
( تعليقات على النص )
(فالحقيقة: ما بقي في الاستعمال على موضوعه ) المراد بموضوعه هو مدلوله ومعناه اللغوي الأصلي مثل استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس المعروف هذا هو التعريف الأول للحقيقة، ثم ذكر تعريفا ثانيا لبعض العلماء (وقيل ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطِبة ) أي من قبل الجماعة المتخاطِبة بهذا المصطلح لأنهم إن كانوا أهل اللغة فتكون الحقيقة لغوية، وإن كانوا أهل الشرع فالحقيقة شرعية، وإن كانوا أهل العرف فالحقيقة عرفية.
والفرق بين التعريفين لا يشمل غير الحقيقة اللغوية، فتكون الحقيقة الشرعية كالصلاة بمعنى العبادة المعروفة والحقيقة العرفية كالواجب فيما يثاب على فعله ويعاقب على تركه مجازا، بينما يشمل التعريف الثاني الحقائق الثلاث: اللغوية والشرعية والعرفية، بسبب نصه على ذلك بعبارة ( فيما اصطلح عليه من المخاطبة ).
والظاهر أن صاحب التعريف الأول ينكر الحقيقة الشرعية والعرفية ويعتبرهما مجازا لغويا ليس غير، بينما صاحب التعريف الثاني يعترف بالحقيقة الشرعية والعرفية ويجعل معنى الحقيقة شيئا إضافيا فيكون اللفظ الواحد حقيقة باصطلاح ومجازا باصطلاح آخر والتعريف الثاني هو المعتمد إذْ أنَّ إنكار الحقائق الشرعية والعرفية ضعيف.
ثم بدأ بتعريف المجاز فقال ( ما تجور به عن موضوعه ) أي لفظ تجور به عن موضوعه اللغوي الأصلي، والتجوز هو التعدي والنقل أي نقل اللفظ من موضوعه الأصلي إلى معنى آخر كاستعمال الأسد بمعنى الرجل الشجاع.
ثم اعلم أن المجاز له تعريفان أيضا بحسب الاختلاف في تعريف الحقيقة، فعلى التعريف الأول للحقيقة يكون تعريف المجاز هو ( ما تجوز به عن موضوعه ) وهو الذي اقتصر عليه المؤلف، وأما على التعريف الثاني للحقيقة يكون المجاز: ما استعمل في غير ما اصطلح عليه من المخاطِبة، ولعل المصنف اقتصر على تعريف واحد اختصارا.
( والحقيقة إما لغوية وإما شرعية وإما عرفية ) هذا التقسيم باعتبار الواضع مثال الحقيقة اللغوية الأسد في الحيوان المفترس المعروف، والحقيقة الشرعية: الصلاة بمعنى العبادة المعروفة والحقيقة العرفية الغائط في الخارج من الدبر.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي أقسام الحقيقة ؟
2- ما هو تعريف المجاز المختار ؟
3- مثِّل بمثال مِن عندك لكل قسم من أقسام الحقيقة؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-16, 07:10 PM
( الدرس الثامن )
أقسام المجاز
المجاز هو: اللفظ المستعمل في غير المعنى الذي اصطلح عليه من قبل الجماعة المخاطِبة.
وينقسم المجاز إلى: مجاز لغوي، ومجاز عقلي.
فالمجاز اللغوي هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له.
والمجاز العقلي هو: إسناد الكلمة إلى غير من هي له.
مثال: إذا استعملتَ الأسد في الرجل الشجاع فهذا مجاز لغوي لأنك استعملت لفظ الأسد في غير معناه الأصلي تقول رأيت أسد يحمل بندقيته، تقصدُ رجلا شجاعا.
مثال: بنى الأمير المدينة، فهذا مجاز واقع في الإسناد لأنك أسندت البناء إلى غير من هو له أي غير المتصف به حقيقة، لأن البناء هو حمل الجص والطابوق ومباشرة العمل والأمير لم يفعل شيئا من ذلك وإنما هو أمر ببناء المدينة فلأنه سبب في وقوع البناء أسند الفعل ( بنى ) له والأصل الحقيقي هو: بنى العمال المدينة بأمر الأمير.
والفرق بين المجاز اللغوي والمجاز العقلي هو أن اللغوي واقع في نفس الكلمة بينما العقلي واقع في الإسناد ولم يقع في الكلمة نفسها، فحينما قلت رأيت أسدا يحمل بندقيته فكلمة أسد هنا مجاز، وحينما قلتَ: بنى الأمير المدينة فالأمر مختلف، فهنا عندنا ثلاث كلمات:( بنى والأمير والمدينة ) ولم يقع في أي منها مجاز لأنك تقصد بالبناء معناه الحقيقي وهو رفع البنيان وتقصد بالأمير معناه الحقيقي وهو أمير المدينة وتقصد بالمدينة معناها الحقيقي وهو ما يقابل القرية فلا تستطيع أن تشخص كلمة وتقول إن المجاز وقع فيها وإنما وقع المجاز في الإسناد وهو إسناد ونسبة البناء إلى الأمير ولهذا يسمى المجاز العقلي بالمجاز في الإسناد.
ثم المجاز اللغوي ينقسم إلى: استعارة، ومجاز مرسل.
فالاستعارة: مجاز علاقته التشبيه. والمجاز المرسل: مجاز ليس علاقته التشبيه.
مثال: إذا قلتَ: رأيت أسداً يحمل بندقيته فهذه استعارة لأن العلاقة بين الحيوان المفترس وبين الرجل الشجاع هي الشجاعة في كل منهما والأصل الحقيقي للمثال هو: رأيت رجلا شجاعا يحمل بندقيته كأنه أسدٌ.
مثال: إذا قلتَ: زيدٌ لهُ يَدٌ عليّ، فهذا مجاز لأنك تقصد باليد النعمة فزيد قد صنع لكَ معروفاً فاستعملت اليد وحقيقتها العضو المعروف في معنى مجازي وهو النعمة والعلاقة بين العضو والنعمة ليس التشبيه بل السببية لأن اليد سبب للنعمة فالعادة أن من يريد أن يعطي شيئا يستعمل يده فهذا يسمى مجازا مرسلا والعلاقة هي السببية.
مثال آخر: قال تعالى " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " والغائط - كما ذكرنا- أصله في اللغة المكان المنخفض ثم استعمل مجازا للخارج من الدبر وصار حقيقة عرفية، فإذا نظرنا إلى الأصل اللغوي نجد أن استعمال الغائط في الخارج من الدبر مجاز وللمكان المنخفض حقيقة ونجد أن العلاقة بين المكان المنخفض وبين الخارج من الدبر هو المجاورة لأنه كان مَن يريد قضاء حاجته يخرج إلى أرض منخفضة كي يستتر فيها عن أعين الناس ليقضي حاجته فلأن من يريد الحاجة يجاور الأرض المنخفضة أطلق الغائط على نفس الخارج النجِس لعلاقة المجاورة.
والمجاز المرسل نوعان: 1- مجاز مرسل له علاقة، 2- مجاز مرسل ليس له علاقة.
فالذي له علاقة قد ذكرنا مثاله كعلاقة السببية في قولك: زيدٌ له يدٌ عليّ، وعلاقة المجاورة في الغائط.
والذي ليس له علاقة نوعان:
أ- مجاز بالحذف. ب- مجاز بالزيادة.
مثال: قال تعالى " واسأل القرية " أي واسأل أهل القرية، وذلك لأن أبناء يعقوب عليه السلام قالوا لأبيهم إن ابنك قد سرق ولكي تتأكد اسأل القرية، ومعنى القرية في اللغة هي البيوت المجتمعة من المبنية من طين ونحوه ولا يمكن أن يسأل القرية لأنها جماد لا يعقل والمعنى اسأل أهل القرية، فهذا مجاز بالحذف لتقدير كلمة أهل.
مثال: قال تعالى : " ليس كمثله شيء " والمعنى في الآية كما قال كثير من أهل العلم هو أن الله ليس مثله شيء فلا يشبهه شيء من المخلوقات سبحانه والكاف في قوله تعالى " كمثله " معناها في اللغة هو المثل تقول زيد كالقمر أي مثل القمر، فعليه يكون معنى الآية ليس مثل مثله شيء وهذا يعني أن لله سبحانه مثيلا وهذا المثيل ليس مثله شيء تعالى الله عن ذلك فتكون الكاف زائدة والمعنى ليس مثله شيء وهذا مجاز بالزيادة أي بزيادة الكاف هنا.
فإن قيل فكيف يكون في كلام الله ما هو زائد ؟
قلنا: لا تتوهم أن معنى الزيادة أنها لا فائدة لها فلا نقصد هذا إطلاقا بل نقصد أن أصل المعنى يتأدى من دون تلك الزيادة ولكن جيء بالكاف لأجل إفادة التوكيد، وهذا أسلوب معروف في لغة العرب، وحينئذ تكون تلك الكاف للتوكيد أي توكيد أن الله ليس شيْ مثله فكأن الله تعالى قال إنه ليس مثله شيء.
وهنا نصل إلى قاعدة مهمة وهي: إذا دار اللفظ في النصوص الشرعية بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فاحمله على المعنى الشرعي فالصلاة والصيام والزكاة حينما ترد في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يراد معانيها الشرعية. مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور. رواه مسلم.
فالمعنى لا تصح العبادة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم إلا بتطهر، وليس معناه أنه لا يصح الدعاء إلا بتطهر.
( تعليقات على النص )
( والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان، أو نقل، أو استعارة ) نقول: إن المجاز قسمان مجاز لغوي ومجاز عقلي، والمجاز اللغوي قسمان مجاز مرسل واستعارة، فمجاز الزيادة والنقصان والنقل ترجع إلى المجاز المرسل، والمجاز بالاستعارة يرجع إلى الاستعارة فافهم.
( فالمجاز بالزيادة مثل قوله تعالى: ليس كمثله شيء ) لأن معنى الكاف هو مِثل فيكون معنى الآية ليس مثل مثله شيء وهذا يقتضي أن لله مثلا وهو لا يصح قطعا، فلذا حملت الكاف على أنها زائدة لغرض التوكيد أي توكيد أن الله ليس مثله شيء.
( والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى : واسأل القرية ) لأن القرية هي بيوت وهي جماد لا يعقل فلا معنى لتوجيه السؤال إليها بل المراد واسأل أهل القرية فتكون أهل محذوفة ولكنها مرادة في الآية.
( والمجاز بالنقل مثل الغائط فيما يخرج من الإنسان ) الذي ظهر لي أن النقل معناه هنا هو النقل من المعنى الأصلي إلى معنى آخر لعلاقة غير مشابهة، لأن المشابهة داخلة في الاستعارة، فيكون معنى النقل هو المجاز المرسل ذو العلاقة لأننا ذكرنا من قبل أن المجاز المرسل إما أن تكون له علاقة كالسببية والمجاورة أو ليس له علاقة كالمجاز بالزيادة والحذف، والذي دعانا إلى تفسير النقل بهذا هو مثال المصنف لأنه مثل بالغائط وهو مذكور في علم البلاغة من أمثلة المجاز المرسل لعلاقة المجاورة، ولأننا إذا فسرنا النقل بمعناه العام وهو نقل اللفظ من معناه الأصلي إلى معنى آخر فسيشمل الاستعارة بل يشمل كل أقسام المجاز لأن كل مجاز فيه نقل فلا معنى لجعل النقل من أقسام المجاز حينئذ.
فإن قيل: ولكنكم ذكرتم من قبل أن الغائط حقيقة عرفية فكيف جعلتموه هنا مجازا؟
قلنا: لا إشكال في ذلك لأن جعله حقيقة بالنظر إلى العرف العام وجعله مجازا بالنظر إلى اللغة، وكنا قد ذكرنا من قبل أن الشيء الواحد قد يكون حقيقة بالنظر إلى الشرع أو العرف ويكون مجازا بالنظر إلى اللغة كالصلاة بمعنى العبادة المعروفة فهي حقيقة في الشرع، مجاز في اللغة.
( والمجاز بالاستعارة كقوله تعالى:جدارا يريد أن ينقض ) الاستعارة هي: مجاز علاقته المشابهة مثل: رأيت أسدا يحمل بندقيته والأصل رأيت رجلا شجاعا يحمل بندقيته كأنه أسد، ومثل قوله تعالى: جدارا يريد أن ينقض والجدار جماد لا إرادة له، ولكن شبه قرب ميل الجدار إلى السقوط بإرادة السقوط التي هي من صفات الأحياء والأصل جدارا يميل إلى السقوط كأنه يريد أن ينقض أي يسقط.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي أنواع المجاز ؟
2- ما الفرق بين الاستعارة والمجاز المرسل ؟
3- مثل بمثال مِن عندك للاستعارة والمجاز المرسل ؟
( التمارين )
بيّن نوعَ المجاز في النصوص التالية:
1- قال تعالى ( وأشربوا في قلوبهم العجل ).
2- قال تعالى ( ما منعك ألا تسجد إذْ أمرتُك ).
3- قال تعالى عن فرعون ( يُذَبِّحُ أبنائهم ويستحْيِي نسائهم إنه كان من المفسدين ).
4- قال تعالى ( ويُنَزِّل لكم من السماء رزقا ).
5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل وهل يسب الرجل والديه؟ قال نعم يسب أبا الرجل، فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) متفق عليه.
.............................. .............................. .............................. .....................
1- ليس المقصود أنهم شربوا العجل بل هو على حذف مضاف أي شربوا حب العجل أي خالط حب العجل قلوبهم فهو مجاز مرسل بالنقصان.
2- المعنى ما منعك أن تسجد إذْ أمرتك، فتكون لا زائدة جيء بها للتوكيد فهو مجاز مرسل بالزيادة.
3- ليس فرعون هو من كان يمسك أبنائهم ويذبحهم بيديه بل هو كان الآمر بذلك فهو كقولنا بنى الأمير المدينة، فتكون الآية من قبيل المجاز العقلي.
4- المراد ينزل لكم من السماء ماء وهو سينبت به لكم الزرع والنبات الذي هو رزقكم، فهو مجاز مرسل علاقته السببية لأن الماء سبب الرزق.
5- هنا يوجد مجاز لأن قوله صلى الله عليه وسلم ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) معناه الحقيقي أن يشتم الولد والديه، ولكنه أراد به التسبب في شتم والديه فهو مجاز مرسل علاقته السببية.
صفاء الدين العراقي
2012-05-17, 08:43 PM
( الدرس التاسع )
باب الأمر
الأمر هو : القول الدال على طلب الفعل ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
مثال: قال الله تعالى ( وأقيموا الصلاة ) فأقيموا أمر؛ لأنه قول ولفظ دال على طلب فعل وهو إقامة الصلاة ، وقد وقع الأمر لمن هو دون الآمر في الرتبة لأن الله سبحانه هنا هو من أمر عبادة وهم دونه في المنزلة، وكان هذا الأمر على سبيل الوجوب والجزم بحيث يثاب من فعله ويعاقب من تركه.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
( القول ) القول هو: اللفظ الدال على معنى، فيخرج اللفظ المهمل لأنه غير دال على معنى، وبهذا نستفيد أن الأمر هو من الألفاظ، فيوصف به اللفظ فيقال هذا اللفظ أمر.
( الدال على طلب الفعل ) يخرج الحرام والمكروه لأنه ليس فيهما طلب فعل بل طلب ترك، ويخرج المباح أيضا لأنه ليس فيه طلب أصلا بل فيه تخيير، ويبقى الواجب والمندوب.
( ممن هو دونه ) أي ممن هو دون الآمر فأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها هذه الصفة فالله أعلى من خلقه والرسول أعلى رتبة من المرسل إليهم، وكذلك يشمل أمر الأب لأولاده والسيد لعبيده والرئيس والملك لرعيته.
وهذا القيد يخرج القول الدال على طلب الفعل ممن يساوي الطالب أو من هو أعلى منه منزلة.
مثال: زيد وعمرو صديقان فقال زيد لعمرو ناولني المفتاح من عندك، فهذا ليس أمرا بل التماسا لأنه صدر ممن يساويه فليس لزيد على عمرو مزية حتى يأمره.
مثال: قال زيد اللهم اغفر لي، فاغفر قول دال على طلب الفعل لكن صدر ممن هو دون المطلوب منه لأن الله سبحانه فوق عباده فلا يسمى اغفر لي أمرا بل يسمى دعاءً، فعلم أن عبارة ممن هو دونه تخرج الالتماس والدعاء.
قولنا ( على سبيل الوجوب ) سبيل بمعنى صفة أي على صفة الوجوب والتحتم لا على سبيل الندب، فلا يصدق الأمر إلا على ما يدل على الوجوب نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيخرج المندوب.
واللفظ الذي يطلب به الفعل ممن هو دونه على سبيل الوجوب هو صيغة ( افعل ) وما شابهها مثل استفعل وتفعل مثل اكتبْ واستخرِجْ وتقدَّمْ ، ومثلها المضارع المقرون بلام الأمر مثل: لِيُنفقْ ذو سعَةٍ مِن سَعَتِه.
وقد يستفاد الوجوب من غير صيغة افعل مثل أن يعرف الوجوب من لفظ كتب وفرض كقوله تعالى: ( كتب عليكم الصيام )، وكقول الصحابي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
ثم إنَّ افعلْ وما شابهها تدل على الوجوب حقيقة وعلى غيره من المعاني مجازا فهذه قاعدة ( افعل للوجوب حقيقة ) ويعبرون عنها بالأمر يدل على الوجوب، فإذا جاء في الكلام صيغة أمر فهنا ثلاث حالات:
1- أن يكون هنالك قرينة ودليل يدل على الوجوب مثل أقم الصلوات الخمس وإلا ذهبت للنار.
فعبارة وإلا ذهبت للنار تدل على أن المراد بأقم الصلوات هو الوجوب لأنه لا يتوعد بالنار على ترك المستحب.
2- أن يكون هنالك قرينة ودليل يدل على عدم الوجوب مثل صل سنة الفجر إن أحببت، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء ) رواه البخاري. فقوله لمن شاء دل على أن الأمر بسنة المغرب القبلية للندب وليس للوجوب لأنه لا يقال في الفرائض لمن شاء كما هو معلوم.
3- أن لا يكون هنالك قرينة تدل على الوجوب، ولا قرينة تدل على عدم الوجوب فحينئذ نحمله على الوجوب، ولهذا يقول العلماء: ( الأمر المطلق يدل على الوجوب ) وعليه فمتى رأيت نصا شرعيا من كتاب أو سنة فيه أمر فاحمله على الوجوب إلا لقرينة تصرفه لغير الوجوب كقوله تعالى: ( يا أيها الذين إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم... ) الآية فاغسلوا أمر يدل على الوجوب ولا قرينة تصرفه لغيره فيكون الوضوء واجبا وكقوله تعالى ( وأشهِدوا إذا تبايعتم ) وأشهدوا أمر فظاهره الوجوب ولكن دلّ دليل على عدم الوجوب وهو أنه صلى الله عليه وسلم باع ولم يشهد رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح فصرف الأمر بالإشهاد إلى الندب.
ثم قد يخرج الأمر من معناه الحقيقي إلى معان مجازية يعينها الدليل والقرينة ومنها:
أولا: الندب كما في الأمر بالإشهاد في البيع كما ذكرناه قبل قليل.
ثانيا: الإباحة أي يكون المراد بصيغة افعل هو التخيير فلا ثواب ولا عقاب، كقوله تعالى: ولا تقربوا الصيد وأنت حرم، فيدل على حرمة الصيد أثناء الإحرام ثم قال تعالى فإذا حللتم فاصطادوا فقوله تعالى فاصطادوا أمر ولكن لا يراد به الوجوب فلا يقال لمن أكمل حجه اذهب وخذ رمحا واصطاد وإنما المعنى أنه قد أبيح لكم الصيد بدليل أنه ورد الأمر بالصيد بعد النهي عنه فيكون الأمر رافعا لذلك النهي فيعود الصيد مباحا كما كان قبل الإحرام.
ثالثا: التهديد أي لا يطلب منه إيجاد الفعل بل يهدده بالعقاب إن فعل، كقوله تعالى: تمتعوا فإن مصيركم إلى النار. فتمتعوا أمر ولكن يراد به التهديد من التمتع بالمحرمات مع نسيان الآخرة بدليل قوله فإن مصيركم إلى النار.
رابعا: للتسوية بين أمرين كقوله: فاصبروا أو لا تصبروا أي سواء صبرتم أولا فليس المراد الأمر بالصبر على النار.
خامسا: التكوين أي الإيجاد مثل قوله تعالى كونوا قردة خاسئين فهنا لم يأمر الله سبحانه الذين اصطادوا يوم السبت من بني إسرائيل بأن يجعلوا أنفسهم قردة بل هنا كونوا بمعنى تحولوا إلى قرود لأن الله سبحانه إذا أراد شيئا قال له كن كذا فيكون كما أراده الله، ولهذا يقول العلماء إن الأمر هنا تكويني وليس تشريعيا.
( تعليقات على النص )
( والأمر استدعاء ) أي طلب ( الفعل بالقول ) هو اللفظ الدال على معنى ( ممن هو دونه ) أي ممن هو دون الآمِر فالمطلوب منه الفعل أدنى من الآمر ( على سبيل الوجوب ) أي على صفة الجزم فيخرج المندوب.
( والصيغة ) أي اللفظ الموضوع في اللغة ( الدالة عليه ) أي على الأمر هي ( افعل ) أي فعل الأمر سواء على صيغة افعل أو استفعِل أو تفعّل مثل اكتب واستخرجْ وتقدّم.
( وهي ) أي افعل ( عند الإطلاق والتجرد عن القرينة ) التجرد عن القرينة هو تفسير للإطلاق ( تحمل عليه ) أي على الوجوب فهو المعنى الحقيقي للأمر ( إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة) مثال دليل الندب بيعه صلى الله عليه وسلم بدون إشهاد فهو دليل دل على أن المراد بقوله تعالى ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) الندب وليس الوجوب، ومثال دليل الإباحة كون الأمر قد ورد بعد حظر مثل قوله تعالى : (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن ) فهنا الأمر بالإتيان بعد الطهر للإباحة، فعلم أن الأمر قد يخرج من الوجوب إلى الندب أو الإباحة، ولا يخرج لغيرهما من أقسام الحكم التكليفي فلا يأتي الأمر للتحريم أو الكراهة.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو تعريف الأمر ؟
2- ما هو المعنى الذي تدل عليه صيغة افعل عند الإطلاق ؟
3- ما هي المعاني المجازية التي يخرج إليها الأمر ؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-17, 08:44 PM
( الدرس العاشر )
الأمر لا يقتضي تكرارا ولا فورا
هنا نبين مسألتين:
الأولى: الأمر المطلق لا يدل على التكرار.
ولتوضيح ذلك نقول:
الأمر له ثلاث أحوال:
1- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على التكرار أي أن الفعل لا يطلب لمرة واحدة بل يتكرر ويجب على المكلف أن يأتي به في كل مرة مثل الصلوات الخمس فهي متكررة كل يوم فكلما طلع الفجر الصادق وجبت صلاة الصبح وكلما زالت الشمس عن وسط السماء وجبت صلاة الظهر وهكذا فهذا أمره واضح وهو وجوب التكرار.
2- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على عدم التكرار أي أن الفعل يجب لمرة واحدة فقط ولا يتكرر وجوبه مثل الحج فهذا يجب أن يفعل مرة واحدة في العمر كله لمن استطاع فهذا أمره واضح أيضا وهو عدم وجوب التكرار.
3- أن يكون الأمر مطلقا لم يأت معه ما يدل على التكرار أو عدم التكرار بأن يقول له افعل كذا بدون تقييد بتكرار أو عدمه فحينئذ يحمل على ماذا؟
الجواب: يحمل على عدم التكرار أي يكفي أن تقوم بالفعل مرة واحدة لتبرأ ذمتك.
الثانية: الأمر المطلق لا يدل على الفورية.
ولتوضيح ذلك نقول:
الأمر له ثلاث أحوال:
1- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على الفورية مثل صل الآن، فهذا يدل على أنه يجب على المخاطب أن يقوم ويصل الآن بلا تأخير، فالآن هنا دليل بين لنا أن الأمر يراد به الفورية ومن هذا القبيل الأمر بالتوبة من الذنوب فإنها واجبة على الفور بالإجماع.
2- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على التراخي أي عدم الفورية مثل صل غدا فهذا يدل على أنه المطلوب هو التأخير إلى الغد .
3- أن يكون الأمر مطلقا لم يقترن به ما يدل على الفور أو التراخي مثل صلِّ فحينئذ على ماذا يحمل؟
الجواب: لا يحمل على الفورية بل يحمل على أنه يجوز أن يفعل في أي وقت سواء فعل مباشرة أو أخر إلى فترة طويلة ومن هذا القبيل الأمر بالحج والعمرة فهو واجب ليس على الفور بل يجوز أن يفعل في أي وقت قبل أن يموت، قال تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فهنا الأمر أتموا لم يقيد بما يدل على الفور فيكون موسعا في مدته على طول العمر.
( تعليقات على النص )
( ولا يقتضي ) أي لا يوجب ولا يستلزم الأمر ( التكرار ) بل يحصل الامتثال بفعل المأمور مرة واحدة ( على الصحيح ) من أقوال أهل العلم، والقول الآخر هو أنه يقتضي التكرار وهو ضعيف، ( إلا إذا دل الدليل على قصد التكرار) كالصلوات الخمس فإنها تدل على التكرار كل يوم وليلة في أوقاتها المعلومة، ومثل الأمر المعلق على شرط كقوله تعالى ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) فكلما وجدت الجنابة وجب التطهر.
( ولا يقتضي الفور ) أيضا على ما اختاره المصنف وقال بعض العلماء إنه يدل على الفور، ولم يقل المصنف هنا إلا إذا دل الدليل على الفور ولعله تركه اختصارا، فإذا دل دليل على الفور فإنه يحمل عليه كالأمر بالتوبة فإنها تطلب على الفور بدليل قوله تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) وقد انعقد الإجماع على ذلك.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم هل يدل الأمر المطلق على التكرار ؟
2- هل يدل الأمر المطلق على الفور ؟
3- متى يمكن أن يدل الأمر على التكرار ؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-17, 08:46 PM
( الدرس الحادي عشر )
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
هذه من قواعد علم الأصول المشهورة وفي بيانها أقول:
قد عرفنا أن الواجب هو فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه فلا مفر للعبد من فعله، وقد يتوقف الفعل الواجب على فعل شيء آخر فلا يمكن القيام بالواجب إلا إذا قمنا بذلك الفعل معه فحينئذ يقول العلماء:
( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) أي ما دام أن الواجب قد توقف على فعل شيء فذلك الشيء يصير واجبا أيضا لأنه مقدمة لفعل الواجب.
مثال: الحج واجب ولا يمكن فعله للبعيد عن مكة من غير راحلة ووسيلة للنقل فيصير توفير هذه الوسيلة واجب لأن الحج توقف عليها فلا يتم إلا بها فتصير واجبة.
وهذا الذي يتوقف فعل الواجب عليه قسمان:
أولا: قد دلّ نص خاص على وجوبه فحينئذ تكون هذه القاعدة تفيد التأكيد على الوجوب.
مثال: الصلاة لا تصح بدون الوضوء فصار فعلها متوقفا على الوضوء، والوضوء جاءت أدلة تأمر به فيصير مأمورا به بتلك الأدلة، وبالقاعدة أيضا لأنه ما دام توقفت الصلاة عليه فيصير واجبا.
ثانيا: ما لم يدل دليل خاص على وجوبه فحينئذ تكون القاعدة هي الدالة على وجوبه.
مثال: الأمر بالوضوء يتوقف على شراء الماء إن لم يكن عندك ماء وكان عندك مال لأنه لا يتم الوضوء إلا بالماء فيجب تحصيله، وهنا لم يأت دليل خاص يقول اشتروا الماء للوضوء، ولكن دلت القاعدة على الوجوب.
ثم ينبغي التفريق بين أن يتوقف وجود الواجب على شيء فيصير واجبا، وبين أن يتوقف الوجوب على شيء فلا يجب وبيانه كالتالي:
التوقف نوعان:
1- توقف وجوب الواجب على شيء فهذا ليس بواجب على المكلف، كملك النصاب فهو سبب لوجوب الزكاة فلا يكلف من لا يملك النصاب بالسعي لتحصيله كي تجب عليه الزكاة.
2- توقف وجود الواجب عليه في الخارج سواء أكان سببا أو شرطا فهذا واجب على المكلف.
كالأمر بالصلاة أمر بها وبما لا تصح إلا بها كالطهارة واستقبال القبلة وستر العورة.
وتسمى هذه القاعدة بمقدمة الواجب أيضا.
والفرق هو أن الزكاة غير واجبة إلا إذا وجد المال فلا يقال للمكلف اذهب واستدع الوجوب بأن يقال له أنت لا تجب عليك الزكاة الآن لأنك فقير ولكن اذهب واجمع المال كي تجب عليك الزكاة.
أما الصلاة فهي واجبة وهو مكلف بها ويؤمر لتحصليها بفعل أشياء قبلها، فالوجوب غير مستقر في الحالة الأولى بخلاف الثانية فالوجوب مستقر والخطاب توجه على العبد فلا بد من أن يمتثل.
قاعدة: إذا فعل الشخص الواجب بشروطه وأركانه فقد أجزأه ذلك الفعل أي برأت ذمته وسقط الطلب عنه ووقع فعله صحيحا.
مثال: شخص صلى كما أمره الله سبحانه فهنا تكون الصلاة صحيحة ويسقط الطلب عنه وتبرأ ذمته فلا يقال له ارجع وأعد الصلاة.
فإذا لم يفعل كما أراده الله فلا يسقط عنه الطلب كأن يصلي بلا وضوء أو غير مستقبل القبلة.
( تعليقات على النص )
( والأمر بإيجاد الفعل ) كالأمر بإيجاد الصلاة في قوله تعالى: وأقيموا الصلاة ( أمر به ) أي أمر بذلك الفعل كالصلاة ( وبما لا يتم الفعل إلا به ) أي ويؤمر أيضا بالشيء الذي لا يتم ولا يحصل الفعل الأول إلا به ( كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة المؤدية إليها ) أي الموصلة إلى صحتها.
( وإذا فُعلَ ) أي المأمور ( خرج عن العهدة ) بأن يسقط الطلب فتبرأ ذمته، ففعل المأمور يقتضي الصحة فمن صلى مثلا مستجمعا في صلاته ما يطلب فيها فقد أدى ما عليه وسقط عنه الطلب.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما معنى مقدمة الواجب ؟
2- ما الفرق بين ما لا يتم الواجب إلا به، وبين ما لا يتم الوجوب إلا به ؟
3- مثل بمثال من عندك لقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-20, 08:12 PM
( الدرس الثاني عشر )
من يدخل في الأمر والنهي ومَن لا يدخل
هنا مسألة مَن المخاطب بهذه الأوامر والنواهي فإذا قال الله تعالى (وأقيموا الصلاة ) وقال ( ولا تقربوا الزنى ) فهنا من يخاطب بهذا الكلام هل كل إنسان كيفما كان أو هنالك فئة معينة هل التي يتوجه عليها الخطاب؟
الجواب: كل مسلم وكل مسلمة يشملهم الخطاب وطلب الفعل أو طلب الترك، ويستثنى من يلي:
1- المجنون، فهو غير مكلف أي هو غير داخل في أقيموا الصلاة ونحوها.
2- الصبي، فهو غير مكلف أيضا سواء أكان مميزا يفهم الكلام ويعقل أو كان غير مميز فلا يخاطب إلا إذا بلغ، ولكن هنالك أوامر تتوجه إلى ولي الصبي بأن يأمره بالصلاة لسبع ويضربه إذا بلغ عشر سنين ويأمره كذلك بالطهارة والصوم، وينهاه عن الزنا وشرب الخمر واللواط ونحوها، ولكن لا يجري عليه القلم ولا يحتسب عليه الإثم إلا إذا بلغ، والخطاب بالأصل توجه إلى وليه كي ينشئه نشأة صالحة.
3- الساهي أي الناسي فمن نسي الصلاة حتى خرج وقتها فإنه لا يأثم لأنه حال سهوه لم يكن مخاطبا فإذا انتبه وتذكر توجه الخطاب عليه ولزمه قضاء الصلاة بعد خروج وقتها، ومثل الناسي النائم.
أما الكافر فهل يتوجه عليه الخطاب ؟
الجواب: نعم فهو يؤمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والوضوء ونحوها ولكنها لا تصح منه إلا إذا أسلم.
فإن قيل: ولكن الفقهاء يذكرون مِن شروط وجوب الصلاة والزكاة والصوم وغيرها الإسلام ويقولون إن الكافر لا تجب عليه الصلاة ونحوها فكيف تقولون إنه مخاطب بها؟
قلنا: لا تعارض لأن الكافر لا يطالب في الدنيا بالصلاة ونحوها وإذا فعلها في حال كفره فإنه لا تصح منه لأنه لم يأت بشرط صحتها وهو الإسلام، ولكنه في الآخرة يعاقب عليها أي يعاقب على الكفر وعدم الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ويعاقب أيضا على ترك الصلاة والزكاة والصوم وعلى شرب الخمر والزنا والربا وغيرها من التكاليف، فظهر أن لا يطالب بفعلها حال كفره، ولكنه يعاقب عليه في الآخرة.
الأمر بالشيء والنهي عن ضده
هنا قاعدتان مهمتان:
أولاهما: الأمر بشيء هو نهي عن جميع أضداده في المعنى.
كالأمر بفعل الصلاة بقوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) يستلزم حرمة جميع الأضداد التي تنافي فعل الصلاة كالانشغال بالأكل والشرب واللعب والجماع ونحوها.
مثال آخر: الأمر بالثبات في لقاء العدو قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) يستلزم النهي عن ضده وهو الفرار من المعركة.
ثانيهما: النهي عن شيء أمر بواحد من أضداده في المعنى.
كالنهي عن فعل الزنا بقوله تعالى ( لا تقربوا الزنا ) يستلزم وجوب فعل أي ضد من أضداده كالزواج أو التسري بالإماء أو الصبر.
مثال آخر: النهي عن السرقة في قوله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) يستلزم وجوب فعل أي ضد للسرقة كالعمل والكسب الشريف، أو التعفف، أو طلب الدَين ونحو ذلك.
ومن هنا قال العلماء: إن إيجاب الشيء يقتضي حرمة جميع الأضداد المنافية له، وإن تحريم الشيء يقتضي وجوب فعل أي ضد من أضداده.
( تعليقات على النص )
(والكفار مخاطبون بفروع الشرائع) أي الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين كالصلاة والصوم والطهارة ونحوها على الصحيح من أقوال أهل العلم، أما أحكام الاعتقاد وتسمى أصول الشرائع فهم مكلفون بها بالإجماع ولذا قال: ( وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام) أي هم مخاطبون بالفروع وبالذي يصحح تلك الفروع وهو الإسلام فلو صلى الكافر حال كفره فلا عبرة بصلاته، ولما كان في المسألة خلاف استدل على ما ذكره ( لقوله تعالى: ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين ) هذا خطاب من المؤمنين للكفار يوم القيامة فيقولون لهم: ما أدخلكم سقر وهي أسفل طبقات النار وأشدها عذابا، فيقول الكفار: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين أي لم نكن نزكي، وكنا نكذب بيوم الدين، فحاسبهم على الفروع وهي الصلاة والزكاة مثلما حاسبهم على الأصول كالتكذيب بيوم الدين.
ثم قال ( والأمر بالشيء نهي عن ضده ) من جهة المعنى والاستلزام لأن قم يستلزم أن لا تقعد أو تنام والأفضل أن يقول أضداده لأن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده.
( والنهي عن الشيء أمر بضده ) أي أمر بواحد من أضداده في المعنى لأن لا تقم يستلزم أن تبقى جالسا أو تنام.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم مَن هم الذين لا يدخلون في الأمر والنهي ؟
2- ما معنى أن الأمر بالشيء نهي عن أضداده ؟
3- ما معنى أن النهي عن الشيء أمر بواحد مِن أضداده ؟
رضا الحملاوي
2012-05-20, 08:31 PM
جزاكم الله خيراً على ما تقدمون
صفاء الدين العراقي
2012-05-22, 06:48 PM
جزاكم الله خيراً على ما تقدمون
وجزاكم الله خيرا ونفع بكم.
صفاء الدين العراقي
2012-05-22, 06:50 PM
( الدرس الثالث عشر )
باب النهي
النهي: القول الدال على طلب الترك ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
مثال: قال الله تعالى ( ولا تقربوا الزنى ) فهذا قول دال على طلب الترك أي ترك الزنى وقد صدر من الأعلى وهو الرب جلا وعلا إلى من هو دونه وهم خلقه وكان طلب الترك على سبيل الإلزام والوجوب لأن من خالف وزنى يكون قد أثم وعرّض نفسه للعقاب.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
قولنا ( القول ) هو لفظ دال على معنى وهذا يخرج اللفظ المهمل.
قولنا ( دال على طلب الترك ) يخرج الواجب والمندوب لأن المطلوب فيهما هو الفعل لا الترك، ويخرج المباح أيضا لأنه ليس فيه طلب ويدخل الحرام والمكروه.
قولنا ( ممن هو دونه ) أي ممن هو دون الناهي فيخرج الالتماس والدعاء، مثال الالتماس قول الصديق لصديقه لا تذهب وتتركني، ومثال الدعاء ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
قولنا ( على سبيل الوجوب ) أي طلب الترك على سبيل الوجوب أي الجزم والتحتم بأن لا يجوز معه الفعل مثل النهي عن الزنا، ويخرج بذلك المكروه فإنه يجوز للعبد أن يفعله.
واللفظ الموضوع لطلب الترك ممن هو دونه على سبيل الجزم هو ( لا تفعلْ ) مثل لا تسرقْ ولا تستخرجْ ولا تتقدمْ.
وقد يستفاد النهي من غير صيغة لا تفعل مثل أن يعرف النهي من لفظ التحريم أو النهي كقوله تعالى: ( حرمت عليكم أمهاتكم )، وكقول الصحابي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا.
وهنا عدة مسائل هي:
الأولى: هل يدل النهي المطلق على التحريم؟
الجواب: نعم وبيانه كالتالي:
إن للنهي ثلاث حالات:
1- أن يكون مقيدا بما يدل على التحريم مثل: لا تزن وإلا جلدتك فهذا النهي مقيد بما يدل على التحريم فأمره واضح وهو أنه يحمل على التحريم.
2- أن يكون مقيدا بما يدل على عدم التحريم مثل لا تفعل كذا إن شئت، فهذا يدل على عدم التحريم.
3- أن يكون مطلقا أي غير مقيد بما يدل على التحريم أو عدم التحريم فيحمل على ماذا؟
الجواب: على التحريم مثل قوله تعالى: ( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم ) أي يحرم ذلك.
وقد يخرج النهي من معنى التحريم إلى معاني أخرى مجازية وحينئذ لا بد من قرينة ودليل تعين ذلك المعنى المجازي وتدل عليه ومن هذه المعاني الكراهة: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا يشربَنَّ أحدُكم قائما. رواه مسلم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب الماء قائما كما في البخاري وغيره فيحمل النهي على الكراهة.
المسألة الثانية: هل يدل النهي على التكرار أي إذا نهي عن شيء فهل يطلب من الشخص عدم الفعل دائما ؟
الجواب: نعم يدل على التكرار لأنه متى ما فعل مرة واحدة فقد عصى ووقع في المنهي عنه مثل قوله تعالى: ( ولا تقربوا الزنى ) فلو تركه العبد اليوم ثم فعله غدا فقد وقع في النهي واستحق العقوبة، بخلاف الأمر فهو لا يدل على التكرار.
المسألة الثالثة: هل يدل النهي على الفور أي إذا نهي عن شيء فهل يطلب من الشخص الامتثال فورا ؟
الجواب: نعم فقوله تعالى ( ولا تقربوا الزنى) أي يجب أن تنتهوا عن الزنى فورا بخلاف الأمر فلا يدل على الفور.
المسألة الرابعة ما حكم المنهي عنه من حيث الصحة أو البطلان؟
والجواب على هذا السؤال هو أن القاعدة في هذا المبحث هي: ( النهي يقتضي الفساد ).
ومعنى الفساد في العبادات هو عدم الإجزاء وعدم سقوط الطلب فتبقى ذمته مشغولة، ومعنى الفساد في المعاملات عدم ترتب آثارها عليها.
مثال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين : يوم الأضحى ويوم الفطر ) رواه مسلم، فمن صام يوم العيدين فلا يصح صومه، فلو كانَ قد نذر شخص أن يصوم يوما لله فصام يوم العيد فلا يجزئه وعليه أن يصوم يوما آخر.
مثال: قال تعالى: ( ولا تنكحوا ما نكحَ آباؤكم مِن النساء ) فمن تزوج زوجة أبيه فنكاحه باطل ولا يترتب عليه حليه الاستمتاع.
( تعليقات على النص )
( والنهي استدعاءُ التركِ ) بخلاف الأمر فهو استدعاء الفعل ( بالقولِ مِمنْ هو دونَهُ ) أي ممن هو دون الناهي ( على سبيلِ الوجوبِ ) أي الجزم والإلزام بحيث لا يجوز له الفعل وهذا مخرج للنهي على سبيل الكراهة لأن المعنى الحقيقي للنهي يقتضي التحريم، وحيث كان النهي للكراهة أو لغيره من المعاني فهو مجاز ولذا يحتاج إلى قرينة، ثم إنه ولم يقل هنا والصيغة الدالة عليه لا تفعل ولعله تركه للعلم به من مقايسته للأمر.
( ويدلُ ) أي النهي ( على فسادِ المنهيِّ عنهُ ) أي بطلانه بحيث لا يعتد به عبادة كان أو معاملة.
( وتردُ صيغةُ الأمرِ ) أي افعل ( والمرادُ بهِ الإباحةُ ) كقوله فأتوهن من حيث أمركم الله ( أو التهديدُ ) أي التخويف من الفعل مثل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ( أو التسويةُ ) مثل اصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم ( أو التكوينُ ) مثل كونوا قردة خاسئين.
فإن قيل: إن المصنف قال في مبحث الأمر (وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة ) فذكر هنالك أن الأمر يخرج إلى الندب والإباحة لدليل، وهنا ذكر معاني أخر وأعاد معها الإباحة فما الفرق بين ما ذكره أولاً وبين ما ذكره هنا؟
قلنا في مبحث الأمر ذكر أن صيغة افعل للوجوب ولا تخرج عنه إلا لدليل، وما ذكره من الندب والإباحة إنما كان لغرض التمثيل لا الحصر، وأما هنا فالمقصود بيان المعاني المجازية التي يخرج الأمر إليها فلا تكرار.
ولكن بقي عليه أن يذكر الندب هنا لأنه من المعاني المجازية التي يكثر خروج الأمر إليها وكأنه اكتفى بذكره من قبل بقوله إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب.
( الأسئلة )
1- ما هو النهي ؟
2- على ماذا يحمل النهي المطلق ؟
3- هل يقتضي النهي الفساد ؟
( التمارين )
بيّن دلالة صيغة الأمر والنهي في النصوص التالية:
1- قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ).
2- قال الله تعالى ( اعملوا ما شئتم إنه بما تعلمون بصير ).
3- قال الله تعالى ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ).
4- قال الله تعالى على لسان عباده ( لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ).
5- قال الله تعالى عن بعض بني إسرائيل ( فقال الله لهم موتوا ثم أحياهم ).
.............................. .............................. .............................. .....................
1- قوله تعالى ( اتقوا الله ) أمر، ومطلق الأمر للوجوب، فتكون تقوى الله واجبة.
2- قوله تعالى ( اعملوا ما شئتم ) أمر، والمراد به هنا هو التهديد، ولذا قال بعده إنه بما تعملون بصير.
3- قوله تعالى ( لا تتبعوا ) نهي، ومطلق النهي للتحريم، فيكون إتباع خطوات الشيطان حراما.
4- قوله تعالى ( لا تؤاخذنا ) نهي، والمراد به هنا هو الدعاء لأنه متوجه من العبد إلى الرب.
5- قوله تعالى ( موتوا ) أمر، والمراد به هنا التكوين لا التكليف بأن يميتوا أنفسهم.
صفاء الدين العراقي
2012-05-27, 12:19 AM
( الدرس الرابع عشر )
باب العام والخاص
العام: اللفظُ المستغرِقُ لما يصلِحُ لهُ من غيرِ حصْرٍ.
مثال: أَكرِْمْ الرجالَ، فالرجال لفظ عام لأنه يستغرق أي يشمل جميع الرجال من غير حصر بعدد معين، فلهذا يجب على المخاطَب أن يكرم جميع الرجال لا يستثني منهم أحدا.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف: قولنا ( اللفظ) هو: صوت مشتمل على بعض الأحرف، ويفهم منه أن العموم يوصف به الألفاظ فيقال: لفظ عام وكلام عام، فالعام هو لفظ يدل على شمول جميع الأفراد.
قولنا ( المستغرق ) الاستغراق معناه: التناول لما وضع له اللفظ دفعة واحدة، ومعنى دفعة واحدة هو مرة واحدة أي هو يدل على شمول كل الأفراد ليس بشكل تناوبي وهذا يخرج النكرة، وتوضيحه كالآتي:
إذا قلنا: أكرم الرجال، فالمعنى أكرم جميعهم لا أن تكرم بعضا وتترك بعضا آخر فهذا يدل على الاستغراق فيكون لفظ الرجال عاما، وإذا قلنا أكرم رجلا، فهذا لا يدل على الاستغراق بل يدل على واحد غير معين أي أكرم رجلا واحدا ولك أن تختار زيدا أو عمرا أو بكرا أو عليا وهكذا وهذا هو معنى البدل والتناوب أي اختر هذا أو هذا أو هذا، لا أن تختارهم معا دفعة واحدة، فالعام دال على الشمول والنكرة دالة على الشيوع أي على واحد غير معين يمكن أن يصدق على هذا أو ذاك.
قولنا ( لما يصلح له ) أي للمعنى الذي وضع له في اللغة فالرجال عام يشمل جميع ما وضع له اللفظ وهو البالغ العاقل ولا يشمل غير ما وضع له اللفظ كالنساء والأشجار، فلا تتوهم من عبارة المستغرق أنه يستغرق كل المعاني ويدل على جميع أفرادها.
قولنا ( من غير حصر ) يخرج أسماء الأعداد ، فلو قلنا أكرم عشرة رجال ، فهذا ليس بعام لأنه وإن كان هنا كثرة ولكنها محصورة بعدد معين، والعام هو غير الذي يدل على الكثرة بلا حصر.
ولو أردنا أن نجمع الصفات الأساسية التي تكوّن العام لوجدناها هي:
1- اللفظ، فلا يكون العام عاما إلا إذا وجد لفظ منطوق به.
2- أن يكون هذا اللفظ دالا على شمول جميع أفراد معناه، فمثلا الرجال هذا لفظ شامل لكل رجل بلا استثناء.
3- أن يكون مع دلالته على الشمول لا حصر فيه، فلو قلنا أكرم مليار رجل، فهذا ليس بلفظ عام فإنه وإن شمل لفظ المليار لكل أفراده من 1 إلى المليار فإنه لا يعد عاما لأنه لا يشمل المليار + 1 ففيه حصر لفظي فلا يكون عاما.
( تعليقات على النص )
( وأمَّا العامُّ ) أي الذي هو أحد الأقسام الذي تقدم ذكرها في عد أبواب أصول الفقه ( فهو: ما عمّ ) ما هذه تفسر بلفظ، أي لفظ عمّ، وعمّ أي استغرق والاستغراق هو الشمول والتناول دفعة واحدة وهذا يخرج كل لفظ لا استغراق فيه مثل زيد فإنه دال على واحد معين ومثل رجل فإنه دال على واحد غير معين ومثل رجلين فإنه لا استغراق فيه بل يدل على اثنين فقط ومثل رجال فإنه أيضا لا دلالة فيه على استغراق كل الرجال بل هو دال على مجموعة منهم من غير شمول كل الأفراد، ولكن يبقى عليه أسماء العدد مثل مائة وألف فإنها تدل على استغراق وشمول أفرادها ولهذا قال ( شيئينِ فصاعداً ) أي هو يصدق على فردين فأكثر من غير تقييد بعدد فقوله صاعدا أي آخذا العدد في الصعود من غير أن يتوقف عند رقم معين مثل مائة أو ألف أو مليار فعبارة فصاعدا = بلا حصر، فهو يدل على شيئين من غير حصر فإن الرجال يدل على رجلين فصاعدا.
والحاصل أن العام هو: لفظ يستغرق شيئين فصاعدا أي من غير حصر، وبهذا يكون التعريف جامعا مانعا.
( مِن قولِه ) أي أن لفظ العام مأخوذ من قول القائل من العرب الفصحاء ( عممتُ زيدًا وعمراً بالعطاءِ ) أي شملته بهما (وعممتُ جميعَ الناسِ بالعطاءِ ) أي شملتهم به، والقصد من هذا الكلام بيان المعنى اللغوي للعموم وهو أنه يدل على الشمول، والعام الاصطلاحي فيه شمول أيضا واستغراق فناسب المعنى اللغوي المعنى الاصطلاحي وهذا كما يقال في تعريف الصلاة في اللغة هي الدعاء ثم تعرف في الشرع لتظهر المناسبة بين المعنى اللغوي والشرعي.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو العام ؟
2- ما الفرق بين العام والنكرة ؟
3- مثل بمثال مِن عندك للعام ؟
صفاء الدين العراقي
2012-05-30, 11:55 AM
( الدرس الخامس عشر )
ألفاظ العموم
الألفاظ التي تدل على العموم والاستغراق وهي:
أولا: كل، نحو: كل نفس ذائقة الموت.
ثانيا: أل الدالة على استغراق الجنس، نحو أكرم الرجال فهي تستغرق جميع أفراد جنس الرجال.
ولتوضيح ذلك نقول:
إن ( أل ) تارة تدل على الجنس مثل: أكرم المسلم، أي أكرم كل مسلم أي جميع الأفراد مهما بلغ عددهم وأنت لا تقصد شخصا معينا ، وتارة تدل على العهد، ومعنى العهد هو أن يكون الكلام حول شخص معهود أي معروف ومعين كأن تقول لصاحبك في المسجد هل رأيت الشيخ؟ وأنت تقصد بالشيخ رجلا معينا تعرفه أنت وصاحبك، ولا تقصد هل رأيت كل أحد يوصف بأنه شيخ فليس في الألف واللام هنا دلالة على جميع الأفراد.
فتلخص أن أل إذا أريد بها فرد معين فهي عهدية، وإذا أريد بها جميع الأفراد فهي جنسية استغراقية، والتي تدل على العموم هي الجنسية لا العهدية، وعلامة أل الجنسية هي صحة حلول ( كل ) محلها تقول: أكرم المسلم فلو رفعنا أل ووضعنا كل صار المعنى أكرم كل مسلم.
ثم اعلم أن أل الجنسية التي تفيد العموم تارة تدخل على المفرد وتارة تدخل على الجمع وفي الحالتين هي للعموم نحو أكرم المسلم، وأكرم المسلمين.
قال تعالى: خلق الإنسان ضعيفا أي كل إنسان، قال تعالى : قد أفلح المؤمنون أي كل المؤمنين.
فالإنسان مفرد دخلت عليه أل فأفادت العموم، والمؤمنون جمع دخلت عليه أل فأفادت العموم.
ثالثا: الأسماء المبهمة وهي التي لا تدل على شيء معين وهي عديدة مثل ( مَن، وما، وأي، وأين، ومتى ).
1- من وهي تستعمل للعاقل وقد تكون اسما موصولا بمعنى الذي، أو تكون شرطية ، أو استفهامية.
مثال: أكرم من جاءك أي أكرم الذي جاءك أي كل شخص جاءك، والأسماء الموصولة تدل على العموم مثل الذي والتي واللذين.
مثال: مَن جاءك فأكرمه وهنا مَن شرطية تفيد العموم.
مثال: مَن جاءك؟ وهي هنا استفهامية ومعنى العموم في الاستفهام أنك تقصد هل جاءك أي شخص.
و( مَن ) في الثلاثة للعقلاء، بخلاف ما فإنها لغير العقلاء.
2- ما وهي لغير العاقل وقد تكون اسما موصولا بمعنى الذي أو تكون شرطية أو استفهامية.
مثال: اشتر ما تحب، أي اشتر الذي تحبه، أي كل ما تحبه.
مثال: ما تقدم من خير تجده غدا عند ربك، وهنا ما شرطية.
مثال: ماذا تكتب؟ وهنا ما استفهامية بمعنى أي شيء تكتب؟
3- أي وهي تكون للعاقل وغير العاقل وقد تكون اسما موصولا أو تكون شرطية أو استفهامية.
مثال: أكرم أيهم قائمٌ، أي أكرم الذي هو قائم أي كل شخص منهم قال تعالى ( ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) أي لننزعن من كل شيعة الذي هو أشدهم على الرحمن عتيا.
مثال: أي علم تدرسه سينفعك وهي هنا شرطية وتفيد العموم أي كل شيء تدرسه سينفعك.
مثال: أي الناس أحب إليك؟ وهي هنا استفهامية وتفيد العموم في الاستفهام.
4- متى للاستفهام عن الزمان مثل متى جاءك زيد؟ أي في أي وقت جاءك زيد، فالسؤال عن كل وقت حصل فيه مجيء زيد.
وتكون شرطية أيضا مثل متى زرتني أكرمتك، أي في أي وقت تتحقق زيارتك لي يتحقق إكرامي لك.
5- أين للاستفهام عن المكان مثل أين ذهب زيد؟ أي إلى أي مكان ذهب.
وقد تكون شرطية مثل: أينما تذهب أتبعك، قال تعالى ( أينما تكونوا يدرككم الموت ).
رابعا: النكرة إذا وقعت في نفي أو نهي أي تسلط النفي عليها ووقعت في سياقه، مثل لا رجل في الدار فرجل هنا نكرة وسبقت بنفي فتفيد العموم والمعنى لا يوجد أي رجل في الدار.
ومثل قوله تعالى ( لا تدعوا مع الله أحدا ) فهنا أحد نكرة وقعت في سياق نهي ( لا تدعوا ) فتدل على العموم أي يحرم دعاء أي أحد مع الله.
خامسا: النكرة إذا أضيفت لمعرفة سواء أكانت مفردا أم جمعا.
مثال: إن تعدوا نعمةَ اللهِ لا تحصوها، فهنا نعمة نكرة مفردة أضيفت إلى لفظ الجلالة وهو أعرف المعارف فصار المعنى إن تعدوا جميع نعم الله لا تحصوها.
مثال: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، أي يوصيكم الله في جميع أولادكم.
وهنا أولاد نكرة أصيفت إلى معرفة وهو ضمير المخاطب ( الكاف ).
فائدة: علامة النكرة قبول أل، مثل رجل يقبل أل يصير الرجل، وأولاد يقبل أل يصير الأولاد وهكذا.
( تعليقات على النص )
( وألفاظُهُ ) أي ألفاظ العموم ( أربعةٌ: الاسمُ المعرَّفُ بالألفِ اللامِ ) أي الذي دخلت عليه أل مثل الرجل إذا كانت للاستغراق لا للعهد ( واسمُ الجمعِ ) أي الاسم الدال على جماعة مثل علماء ( المعرفُّ باللامِ ) إذا كانت استغراقية مثل العلماء ( والأسماءُ المبهمةُ ) أي التي فيها إبهام وعدم تعيين ( كمَنْ فيمنْ يعقلُ ) أي للعاقل نحو أكرم مَن أسلم ( وما فيما لا يعقلُ ) أي لغير العاقل مثل أكلتُ ما أحبه ( وأيٍّ في الجميعِ ) أي للعاقل وغير العاقل، مثال العاقل: أكرم أي مسلم تلقاه، ومثل غير العاقل: أتقن أي عمل تعمله ( وأينَ في المكانِ ) مثل أين ذهب زيد؟ ( ومتى في الزمانِ ) مثل متى ذهب زيد؟ ( وما في الاستفهامِ ) مثل ما اسمك؟ ( والجزاءِ ) أي الشرط مثل ما تفعل من خير تجده عند ربك ( وغيرِه ) أي وغير المذكور من استفهام وجزاء مثل التي تكون اسما موصولا مثل رأيت ما أحبه أي الذي أحبه.
وهنا سؤال: وهو ما الداعي للتكرار في كلام المصنف حيث إنه قال (والأسماء المبهمة كمن فيمن يعقل وما فيما لا يعقل ) فذكر ما، ثم قال هنا ( وما في الاستفهام والجزاء وغيره )؟
والجواب: إنه ذكر ما أولا بأنها لغير العاقل، ولم يذكر معانيها، وهنا ذكر معاني ما التي تكون فيها ما عامة وهي الاستفهام والجزاء وغيره فلا تكرار.
( ولا في النكراتِ ) أي النكرة إذا تركبت مع لا نحو لا رجلَ في الدار، قوله لا في النكرات ليس مختصا بلا بل كل نكرة في سياق نفي سواء نفيت بلا أو ما أو غيرهما نحو ما في الدار أحد.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي ألفاظ العموم ؟
2- ما هي معاني ما ؟
3- مثل بمثال مِن عندك لكل لفظ من ألفاظ العموم ؟
صفاء الدين العراقي
2012-06-03, 06:57 AM
( الدرس السادس عشر )
لا عموم في الفعل وما يجري مجراه
عُلم من تعريفنا للعام بأنه اللفظ المستغرق... أن العموم يكون وصفا للألفاظ فنقول هذا اللفظ عام وهذا قد ذكرناه من قبل، ولكن هل يوصف به المعنى فيقال هذا المعنى عام؟
والجواب: لا يوصف به حقيقة بل على سبيل المجاز، لأن العموم لا يجري حقيقة في غير الألفاظ وعليه يكون وصف المعنى بالعموم مجازا فإذا قلنا: إن معنى المسلمين عام كان مجازا والحقيقة إن لفظ المسلمين هو العام.
وكذا لا يوصف الفعل بالعموم فلا يقال هذا الفعل الذي فعله فلان عام.
مثال: قام زيد وأكرم عمرا، فهذا ليس فيه عموم فلا يقال كلما قام زيد فإنه يكرم عمرا، وإنما يدل الفعل على حصول هذا الأمر في الواقع بدون دلالة على التكرار كل مرة.
مثال: ثبت في أحاديث صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسجد.
فهذا الفعل ليس فيه عموم أي لا يستفاد من نفس الفعل أنه كلما سها سجد، وإنما يستفاد العموم من طريق واحد وهو النطق بأن يقال باللسان كلما سها سجد، فهنا نستفيد العموم من اللفظ والنطق أي من أداة العموم ( كلما ).
وكذا قل فيما يجرى مجرى الفعل مثل الحكم والقضاء فإذا تشاجر زيد وعمرو وقضى القاضي لصالح زيد فهذا ليس فيه عموم، فلا يقال إن قضاءه لزيد بكذا يعم كل صورة وكل قضية حصل فيها مثل ذلك التنازع فقد يكون لكل قضية ظروفها وملابساتها.
فتلخص أن الذي يدل على العموم هو اللفظ فقط، فحيث لا لفظ فلا عموم لأن العموم يحصل بصيغ مخصوصة قد بيناها مثل كل وأل الاستغراقية فإذا عدمت هذه الصيغ فمن أين يأتي العموم.
مثال: قال بلال رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة. رواه البخاري.
فهذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم لا يفيد العموم فلا يقال هو صلى الفرض والنفل في داخل الكعبة
ولكن لماذا لم يفد العموم؟
الجواب: لأنه هنا لا يوجد نطق فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا هنا بل قام بأداء فعل وهو صلاته داخل الكعبة، والفعل لا يفيد العموم وإنما حصول الفعل في الواقع بدون تكرار، فرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة واحدة، فكيف نحملها على العموم.
مثال: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد. رواه مسلم.
ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لشخص بأن له الحق اعتمادا على حلفه بالله مع شاهد واحد.
فهذا القضاء ليس فعلا أي حركات قام بها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن يكون قد نطق بالحكم لأحد الرجلين فجاء الراوي وهو ابن عباس فحكى لنا ما حصل بقوله : ( قضى بيمين وشاهد ) فالقضاء وإن كان نطقا لكنه لا عموم فيه بل هو ملحق بالفعل لأن هذا القضاء لا يعم كل قضية بل هو حكم في قضية خاصة وقعت بين اثنين، فيحتمل أن فيها صفة خاصة فلذا لا نعمم ولم ينقل لنا اللفظ الذي نطق به النبي صلى الله عليه وسلم لنعلم هل هو عام أو لا وعليه فلا نقول إنه يصلح في كل دعوى بين متخاصمين شاهد واحد ويمين، ولذا قصره العلماء على القضايا المتعلقة بالمال كفلان اشترى من فلان أو باع منه أو اقترض ونحو ذلك، ولا يكفي شاهد ويمين في قضايا الدماء أو قضايا الحدود كالسرقة.
والخلاصة هي أننا كي نحكم بالعموم لا بد أن يكون عندنا لفظ فيه صيغة من صيغ العموم ولذا لا نحكم بالعموم في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ولا فيما يلحق بالأفعال وهي القضاء بين المتخاصمين، وإنما نحكم بالعموم حينما يأتينا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا فننظر فإن وجدنا صيغة العموم حكمنا به وإلا فلا.
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
هذه قاعدة هامة من قواعد الأصول وتعني أن النص القرآني أو الحديث النبوي كثيرا ما يكون سبب التشريع فيهما حادثة معينة وقعت في زمن الوحي تتعلق بشخص أو بأمر خاص، فإذا ما وجدنا في الآية أو الحديث أداة من أدوات العموم فنحكم بالعموم ولا ننظر إلى سبب التشريع لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
مثال: قال الله تعالى ( والذين يظاهرون منكم من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة مؤمنة ... )
وقد ذكر المفسرون أنها نزلت في زوجة أوس بن الصامت رضي الله عنه كما رواه البخاري وغيره، فلا يمنع نزول الآية لسبب مخصوص وهو حادثة تلك المرأة وزوجها أن نحمل هذا الآية على عمومها لأن ( والذين يظاهرون ) لفظ عام فيشمل كل مظاهر إلى يوم القيامة فينطبق الحكم على الكل.
مثال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة لميمونة يجرونها، فقال هلا أخذتم إهابها؟ قالوا إنها ميتة فقال: أيما إهاب دبغ فقد طهر . رواه أحمد وهو صحيح، والإهاب الجلد. فهنا قوله صلى الله عليه وسلم ( أيما إهاب ) لفظ عام يشمل كل إهاب فيكون حكما تشريعيا عاما.
( تعليقات على النص )
( والعمومُ من صفاتِ النُطقِ ) النطق بمعنى المنطوق به وهو اللفظ فلا يوصف بالعموم غير اللفظ ولا يستفاد من غير اللفظ (ولا يجوزُ دعوى العمومِ في غيرهِ ) أي في غير اللفظ ( من الفعلِ ) كصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة فهو فعل لا يدل على العموم ولا يقتضي أنه صلى الفرائض والنوافل في جوف الكعبة.
( وما يجري مجراهُ ) ما هذه واقعة على اللفظ أي ولا يجوز دعوى العموم في اللفظ الذي يجري مجراه أي مجرى الفعل بأن يأخذ حكمه في عدم العموم مثل أقضيته صلى الله عليه وسلم بين الخصوم فهي لم تذكر لنا بلفظ الرسول صلى الله عليه وسلم كي ننظر هل في لفظه ونطقه عموم أولا بل حكيت لنا من قبل الصحابي بقوله قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أي حكم بكذا، ولكن ما أدرانا أنه يراد به العموم في كل قضية فقد يكون في القضية التي حكم بها ظرف معين يقتضي اختصاص الحكم به.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم لم قلنا إنه ليس في الفعل عموم ؟
2- ما هو الذي يجري مجرى الفعل ؟
3- ما معنى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؟
صفاء الدين العراقي
2012-06-05, 10:47 PM
( الدرس السابع عشر )
الخاص والتخصيص
الخاص هو: اللفظ الذي لا يدل على الاستغراق.
فهو عكس العام فإذا كان العام يدل على الاستغراق، فالخاص يدل على عدم الاستغراق.
وإليك مصاديق الخاص:
1- زيد، وهذا الر جل أو هذه الشجرة مما دل على واحد بعينه.
2- رجل، مما يدل على واحد غير معين أي شائع وهو النكرة.
3- رجلان، فإنه يدل على اثنين فلا شمول فيه بل هو محصور بالرقم 2.
4- رجال، فإنه ليس فيه دلالة على استغراق جميع الأفراد بخلاف الرجال فإنه دال على كل فرد فلا يوجد رجل إلا وهو داخل في هذا اللفظ ولهذا لو قيل لك: أكرم رجالا لكفى أن تكرم ثلاثة منهم فقط، ولو قيل لك: أكرم الرجال فينبغي أن تكرم كل فرد من الرجال.
5- خمسة رجال أو عشرة أو ألف رجل فإن هذه الأعداد وإن دلت على كثرة لكنها محصورة بعدد معين لا تتجاوزه فلا نعدها من العام بل من الخاص.
فهذا هو بيان الخاص وأما التخصيص فهو :إخراج البعض من حكم العام.
مثال: إذا قلنا: أكرم الرجال، فهذا حكم عام نطلب فيه الإكرام لكل الرجال، وإذا قلنا: أكرم الرجال إلا زيدا، فهذا تخصيص حصل بواسطة أداة الاستثناء ( إلا ) فنحن أخرجنا زيدا من الرجال الذين نطلب إكرامهم.
فقولنا ( أكرم الرجال ) الرجال هنا لفظ عام، وقولنا ( إلا زيدا ) هذا لفظ مُخَصِّص، فالتخصيص هو بمثابة عملية الطرح في الرياضيات.
والفرق بين الخاص والتخصيص هو أن الخاص وصف للفظ فيقال هذا لفظ خاص مثل زيد، وأما التخصيص فهو وصف للفعل وهو الإخراج مِن العام، فليس التخصيص أمرا لفظيا فلا نقول هذا اللفظ تخصيص كما نقول هذا اللفظ خاص.
والمخَصِّصُ نوعان: متصل، ومنفصل.
فالمتصل هو الذي لا يستقل بنفسه، والمنفصل هو الذي يستقل بنفسه.
مثال: أكرم الرجال إلا زيدا، فالاستثناء خصص الرجال وهو لا يستقل بنفسه أي لا يذكر في الكلام منفردا عن العام فلا لمعنى لأن يقال إلا زيدا من غير أن يسبقه المستثنى منه.
وأما التخصيص المنفصل فمعناه أن توجد جملتان مستقلتان بنفسيهما، مدلول أحدهما عام ومدلول الأخرى خاص، ثم نحمل العام على الخاص بأن نستثني ذلك الخاص من حكم العام.
مثال: أكرم الرجال، ثم بعد فترة من الزمن يقالُ لك: لا تكرمْ زيدا.
فهنا جملة لا تكرم زيدا لم ترتبط في نفس الجملة والسياق الواحد مع جملة أكرم الرجال فلذا سميت بالمخصص المنفصل.
وبعبارة أخرى المراد بالمتصل أن يجتمع العام والمخصص في نص واحد، والمراد بالمنفصل أن لا يجتمع العام والمخصص في نص واحد.
والطريقة العملية الواضحة للتخصيص المنفصل هو الربط بين الجملتين ولنستعمل لذلك الاستثناء لوضوحه فنقول في طريقة تخصيص ( أكرم الرجال ) و ( لا تكرم زيدا ) ( أكرم الرجال إلا زيدا ) فصارا في المعنى كلاما واحدا.
وأنبه إلى أن القاعدة الأصولية المعروفة ( الخاص يقدم على العام ) لا تقصر الخاص على الذي عرفناه بقولنا اللفظ الدال على محصور، بل تشمله وتشمل الخاص الإضافي الذي هو: لفظ عام في نفسه ولكنه بالقياس إلى ما فوقه يكون خاصا.
مثال: أكرم الرجال، ولا تكرم زيدا، هنا زيد لفظ خاص حقيقي والحكم في عدم الإكرام منصب على فرد واحد وقد جرى التخصيص بين الجملتين على ما بيناه قبل قليل.
مثال: قال تعالى: ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وهنا المطلقات لفظ عام يشمل كل مطلقة سواء أكانت حاملا أو لا، والقروء جمع قرء والمراد به هنا هو الطهر.
وقال تعالى: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) أي أن المطلقة وهي حامل عدتها تنتهي بوضع حملها لا بمرور ثلاثة قروء، ولفظ ( أولات الأحمال ) عام لإضافة أولات إلى معرفة فيشمل كل مطلقة حامل.
ومع عموم ( أولات الأحمال ) إلا أن هذا اللفظ خاص بالنظر إلى المطلقات، أي هو أضيق مدلولا من المطلقات، فنقدم النص الخاص وهو نص أولات الأحمال على النص العام وهو نص المطلقات أي نجعل بينهما تخصيصا فتكون الحصيلة هي: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلا أولات الأحمال فأجلهن أن يضعن حملهن.
وفي الحقيقة وقع التخصيص هنا بين عامين أحدهما أعم من الآخر وهما: ( المطلقات، وأولات الأحمال ).
( تعليقات على النص )
( والخاصُّ يقابِلُ العاِم ) معنى يقابل هو ينافي أي ينافي العام ويقع في مقابلته فيقال عام وخاص وقصد المؤلف بهذه العبارة بيان تعريف الخاص بعبارة مختصرة لأنه إذا كان الخاص يقابل العام فيكون تعريفه عكس تعريف العام فيؤخذ منه أن الخاص ما لا يعم شيئين فصاعدا كرجل ورجلين ورجال.
( والتخصيصُ: تمييزُ بعضِ الجملةِ ) بحكم، والمقصود بالجملة هنا هو: أفراد العام مثل الرجال فهو يتناول ويشمل جملة وجميع أفراد الرجال، فالتخصيص هو تمييز بعض أفراد العام بحكم يخالف البقية مثل أكرم الرجال إلا زيدا، وبعبارة أخرى هو إخراج البعض من حكم العام.
( وهو ) الضمير يعود على المخصص وهو وإن لم يذكر في الكلام لكنه مفهوم من التخصيص ( متصلٌ ) وهو لا يمكن أن يستقل في الكلام فلا يقال إلا زيدا بدون كلام قبله ( ومنفصلٌ ) وهو الذي يستقل في الكلام أي يمكن أن يذكر بدون اللفظ العام مثل لا تكرم زيدا فهو خاص بزيد فيخصص أكرم الرجال.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو الخاص ؟
2- ما هو التخصيص ؟
3- ما الفرق بين الخاص والتخصيص؟
صفاء الدين العراقي
2012-06-07, 05:23 PM
( الدرس الثامن عشر )
أنواع المخصص المتصل
هو ثلاثة أنواع:
1- الاستثناء مثل قوله عزّ وجل: ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا ...).
2- الشرط مثل قولنا: أكرم الرجال إن أسرعوا في المجيء، فقولنا إن أسرعوا شرط خصصنا به أحوال الرجال، ولولا الشرط لكان المعنى عاما وهو أن تكرم الرجال سواء أسرعوا أم لم يسرعوا في المجيء.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. رواه أحمد وغيره وهو صحيح، والمعنى إن الماء لا يحمل الخبث إذا بلغ قلتين، فلولا شرط القلتين لكان المعنى إن الماء لا يحمل الخبث أي كل ماء لا يحمل الخبث أي لا ينجس سواء أكان قليلا أو كثيرا.
ومنه قوله تعالى: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، أي العبيد إذا طلبوا الكتابة وهي أن يعتقوا في مقابل مال مقسطا يدفعونه لكم فكاتبوهم ولكن بشرط أن تعلموا فيهم خيرا بأن يكونوا قادرين على الكسب وتسديد ما التزموه لكم بعقد الكتابة.
فلولا قوله تعالى ( إن علمتم فيهم خيرا ) لكان يطلب مكاتبتهم على كل حال سواء أكان فيهم خيرا أو لا خير فيهم.
3- الصفة مثل: أكرم الرجال المتدينين، فصفة المتدينين قيدنا بها الرجال الذي يطلب إكرامهم، ولولا هذه الصفة لوجب إكرام الرجال جميعا المتدين منهم وغير المتدين.
أحكام الاستثناء
قد علمنا أن الاستثناء هو أحد المخصصات المتصلة ولكي يصح الاستثناء لا بد من شروط هي:
1- أن يبقى من المستثنى منه شيء فلا يصح أن نقول أكرم الطلبة إلا الطلبة، فهذا باطل لأنك استثنيت الكل فلم يعد يطلب إكرام أي أحد وهذا لا يصح ولكن يصح أن تقول أكرم خمسة رجال إلا أربعة فيكون المكرم واحدا.
2- أن يكون الاستثناء متصلا بالكلام أي لا يقع بينهما فاصل زمني فلا يصح أن تقول أكرم الرجال، ثم بعد نصف ساعة تقول إلا زيدا لوجود فاصل طويل مضر بالاتصال.
ويجوز في الاستثناء أن يتقدم المستثنى على المستثنى منه، وهو قليل في الكلام.
مثل : ما قام إلا زيدا أحدٌ.
والأصل: ما قام أحدٌ إلا زيدا، فأحد مستثنى منه، وقد قدم على المستثنى وهو زيد.
ويجوز أيضا أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه وأن يكون من غير جنسه.
مثال: جاء القوم إلا زيدا، ومعلوم أن زيدا هو من القوم.
مثال: جاء القوم إلا حمارا، والحمار ليس من جنس القوم فهم بشر وهو حيوان ناهق.
ويسمى الاستثناء من الجنس بالاستثناء المتصل، ومن غير الجنس بالاستثناء المنقطع.
ومن المتصل قوله تعالى عن نوح ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ) والخمسون عاما من جنس السنين الألف، ومن المنقطع قوله تعالى ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس..) وقد علم أن إبليس من الجن وليس من الملائكة، فيكون الاستثناء منقطعا.
( تعليقات على النص )
(فالمتصل: الاستثناءُ) مثل إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا ( والشرطُ ) مثل أكرم الرجال إن سلموا عليكَ ( والتقييدُ بالصفةِ) مثل أكرم الرجال الفقهاء، ولو أسقط قوله والتقييد كان أولى لأن كلامنا في المخصصات اللفظية وهي تحصل بالصفة أما التقييد فهو أمر غير لفظي ( والاستثناءُ إخراجُ ما لولاهُ لدخلَ في الكلامِ ) مثل إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا فلولا الاستثناء بـ إلا لدخل كل إنسان في الخسران، وللاستثناء شروط ذكرها بقوله ( وإنما يصحُ الاستثناءُ بشرط أنْ يبقى من المستثنى منه شيءٌ ) حتى لو كان الباقي واحدا نحو أكرم عشرة رجال إلا تسعة فيصح أما أكرم عشرة رجال إلا عشرة فهذا لا يصح ( ومِن شرطِه أن يكونَ متصلاً بالكلامِ ) في النطق ولا يضر التنفس والسعال قبل الاستثناء لأنه لا يعد فاصلا في العرف أما إذا ستثنى بعد فترة من الزمن فلا يصح ( ويجوزُ تقديمُ الاستثناءِ على المستثنى منهُ ) نحو ما قامَ إلا زيداً أحدٌ والأصل ما قامَ أحدٌ إلا زيداً ( ويجوزُ الاستثناءُ من الجنسِ ) ويسمى متصلا نحو جاءَ القومُ إلا زيداً ( ومِن غيرِه ) أي من غير الجنس ويسمى منقطعا نحو جاء القوم إلا حمارا (والشرطُ يجوزُ أن يتقدمَ على المشروطِ ) كما يجوز أن يتأخر عنه مثال المتقدم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث والأصل لم يحمل الماء الخبث إذا بلغ قلتين، ومثال المتأخر أكرم الناس إن لم يسيئوا إليك.
(والمقيّدُ بالصفةِ يحملُ عليهِ المطلقُ، كالرقبةِ قيّدتْ بالإيمانِ في بعضِ المواضعِ وأطلقتْ في بعضِ المواضعِ فيحملُ المطلقُ على المقيَّدِ ) هذا شروع في مبحث المطلق والمقيَّد، وسنؤخر الكلام عليه إلى أن نفرغ مِن المخصصات المنفصلة مراعاة لتسلسل الموضوع.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي المخصصات المتصلة؟
2- ما هي شروط الاستثناء ؟
3- مثل بمثال مِن عندك لكل نوع من المخصصات المتصلة؟
صفاء الدين العراقي
2012-06-08, 06:05 PM
( الدرس التاسع عشر )
أنواع المخصص المنفصل
وهو أن يأتي نص عام ونص خاص فيحمل العام على الخاص ويكون الخاص مفسرا للعام.
وهو ثمانية أنواع هي: ( تخصيص الكتاب بالكتاب ) ( وتخصيص الكتاب بالسنة ) ( وتخصيص الكتاب بالقياس ) (وتخصيص الكتاب بالإجماع ) ( وتخصيص السنة بالكتاب ) ( وتخصيص السنة بالسنة ) ( وتخصيص السنة بالإجماع ) ( وتخصيص السنة بالقياس ).
أولا: تخصيص الكتاب بالكتاب ومعناه أن آيات القرآن يخصص بعضها البعض الآخر، ومثاله قوله تعالى: ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) وقوله تعالى: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) فخصصت الآية الثانية عموم المطلقات في الآية الأولى على ما شرحناه مِن قبلُ.
ثانيا: تخصيص الكتاب بالسنة أي أن يأتي حديث يخصص عموم النص القرآني، ومثاله قوله تعالى: ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) وأولادكم جمع مضاف إلى معرفة فيعم كل ولد مسلما أو كافرا، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر ) متفق عليه. فأخرج الولد إذا اختلف دينه عن دين والديه فإنه لا يرث شيئا فتكون السنة قد خصصت القرآن الكريم.
ثالثا: تخصيص الكتاب بالقياس، والقياس سيأتي الكلام عليه مفصلا إن شاء الله، ولكن نقول هنا هو إعطاء الفرع حكم الأصل، ومعناه أن يأتي نص من كتاب أو سنة فيه حكم على مسألة معينة، ثم يأتي الفقيه على مسألة غير مذكورة في النص ويلحقه بالنص أي يعطي المسألة نفس الحكم، وذلك بسبب اتحاد العلة بينهما لأنه مادامت العلة واحدة فالحكم يدور مع علته، ومثاله قوله تعالى عن الإماء: (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) والمعنى أن الأمة إذا زنت فعليها نصف العقوبة التي على الحرائر فتجلد 50 جلدة، فالآية نصت على حكم الإماء ولم تتعرض لحكم العبيد الذكور، فقال الفقيه إن العلة من تنصيف العذاب على الأمة هي الرق وهو موجود بعينه في العبد فليكن العبد كالأمة لاتحادهما في علة الحكم، فصار العبد إذا زنى يجلد 50 جلدة بالقياس على الأمة، فإذا علم هذا فلنطبق هذه الأحكام على الآية الآتية وهي قوله تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) فقوله تعالى الزانية هذا لفظ عام يشمل كل زانية حرة كانت أو أمة فعقوبتها 100 جلدة، ولكن الآية السابقة أعني قوله تعالى: ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) دلت على أن الأمة تجلد 50 جلدة، وبما أن هذه الآية خاصة بالإماء، وقوله تعالى ( الزانية ..) عام في كل زانية، وبما أن الخاص يقدم على العام فتخصص آية الإماء عموم آية الزانية، وهذا مثال تخصيص القرآن بالقرآن، وقوله تعالى: ( والزاني..) هذا لفظ عام يشمل كل زانٍ حرا كان أو عبدا فعقوبته 100 جلدة، ولكن القياس أعني قياس العبد على الأمة في تنصيف العذاب خصص هذه الآية أي أخرج العبد الزاني من وجوب الـ 100 جلدة وهذا مثال تخصيص القرآن بالقياس والخلاصة هي أن آية الزانية والزاني قد خصصت مرتين: مرة بآية الإماء، ومرة بالقياس.
رابعا: تخصيص الكتاب بالإجماع، والإجماع سيأتي بيانه ومعناه هو اتفاق فقهاء الأمة على حكم في مسألة ما وهو حجة ويجب العمل به، ومثاله قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ...) الآية فقوله تعالى: ( الذين آمنوا ) لفظ عام في كل مؤمن ولكن خص منه العبد والمرأة بالإجماع لأنه قد أجمع العلماء على أن الجمعة لا تجب عليهما.
خامسا: تخصيص السنة بالكتاب ومثاله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله.. متفق عليه، فالناس لفظ عام يشمل المشركين وأهل الكتاب وغيرهم، ولكن خص منه أهل الكتاب فإنهم إذا دفعوا الجزية لم يقاتَلوا وإن لم يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لقوله تعالى: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ).
سادسا: تخصيص السنة بالسنة ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم: فيما سقت السماء العشر. متفق عليه، وما هنا من ألفاظ العموم والمعنى في كل ما سقت السماء من الزرع عشر الزرع زكاة، سواء أكان الزرع قليلا أو كثيرا لعموم لفظ ما، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، أي ليس في الزرع الذي دون 5 أوسق زكاة، فيخصص هذا الحديث الحديث السابق ويصير المعنى: فيما سقت السماء العشر إن بلغ خمسة أوسق، والـ 5 أوسق = 612 كغم.
سابعا: تخصيص السنة بالإجماع ومثاله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الماء طهور لا ينجِّسه شيء ) رواه أحمد وغيره وهو صحيح. فقوله شيء نكرة وقعت في سياق نفي فتعم أي لا ينجِّس الماء أي شيء حتى لو تغير بالنجس، ولكن انعقد الإجماع على نجاسة المتغير فيصير المعنى إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا إن تغير بالنجاسة.
ثامنا: تخصيص السنة بالقياس ومثاله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ) رواه مسلم. أي إذا زنى رجل بكر بامرأة بكر فيعاقبان بمائة جلدة وتغريب سنة، والبكر هو الذي لم يجامع في زواج صحيح، فقوله صلى الله عليه وسلم ( البكر ) لفظ عام يعم كل بكر حرا كان أو عبدا، ولكن خص العبد بالقياس السابق على الأمة، فجلد العبد 50 مأخوذ من القياس وهذا القياس قد خصص هذا الحديث.
( تعليقات على النص )
(ويجوزُ تخصيصُ الكتابِ بالكتابِ ) مثل قوله تعالى والمطلقات يتربصن... خص منه أولات الأحمال ( وتخصيصُ الكتابِ بالسنةِ ) مثل قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم .. خص منه الولد الكافر بالسنة ( وتخصيصُ السنةِ بالكتابِ ) مثل قوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس.. خص منه دافع الجزية بقوله تعالى حتى يعطوا الجزية.
( وتخصيصُ السنةِ بالسنةِ ) مثل تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء العشر بقوله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ( وتخصيصُ النطقِ بالقياسِ) المراد بالنطق الكتاب أو السنة أي تخصيص الكتاب بالقياس وتخصيص السنة بالقياس مثل قوله تعالى ( الزانية والزاني .. ) خص من الزاني العبد قياسا على الأمة، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة خص من البكر العبد فيجلد خمسين بالقياس على الأمة ( ونعني بالنطقِ: قولَ اللهِ سبحانهُ وتعالى، وقولَ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَّ ) ولم يذكر تخصيص الكتاب بالإجماع وتخصيص السنة بالإجماع وقد ذكرنا مثالهما في الشرح.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي أنواع المخصصات المنفصلة؟
2- ما معنى تخصيص الكتاب بالقياس ؟
3- ما معنى تخصيص السنة بالإجماع ؟.
صفاء الدين العراقي
2012-06-11, 06:49 PM
انتهينا من النصف الأول من الكتاب ونبدأ بالنصف الثاني على بركة الله.
صفاء الدين العراقي
2012-06-11, 06:52 PM
( الدرس العشرون )
المطلق والمقيد
المطلق هو: اللفظ الدال على فرد شائع أو أفراد شائعين.
مثال: أكرمْ رجلا، فرجل هنا مطلق لأنه لفظ دال على شخص غير معين بخلاف أكرمْ زيدا فإن زيدا لفظ يدل على معين فلا يكون مطلقا.
فقولنا ( فرد شائع ) أي غير معين مثل رجل فإنه غير معين ويصدق على أي رجل كزيد أو عمرو أوعلي أو غيرهم ولكن على سبيل التناوب والبدل لا على سبيل الشمول لهم دفعة واحدة.
وقولنا ( أفراد شائعين ) مثل رجلين ورجال فإنه لا شمول فيهما بخلاف الرجال فإنه عام وليس بمطلق.
والفرق بين المطلق والعام هو: أن المطلق يدل على الشيوع والعام يدل على الاستغراق، أي يدل المطلق على فرد غير معين مثل رجل أو أفراد غير معينين بلا شمول مثل رجلين ورجال، بينما العام يدل على الشمول لكل الأفراد دفعة واحدة مثل كل رجل.
ولتلخيص الفرق بينهما نقول:
أولا: من حيث العمل وبراءة الذمة فإن العام يجب على المكلف أن يأتي بأفراد العام جميعا بينما في المطلق يأتي بالبعض فقط وتبرأ ذمته.
مثل: أكرم الرجال أي يجب أن تكرمهم كلهم فهذا عام.
ومثل: أكرم رجلا أي أكرم رجلا واحدا ولك أن تعينه بزيد أو بعمرو أو ببكر أو غيرهم.
ثانيا: من حيث الشمول فإن عموم العام لأفراده شمولي استغراقي، بينما عموم المطلق بدلي من جهة صلاحية اللفظ لأن يقع على هذا أو ذاك ولهذا يقال: ( عموم العام شمولي وعموم المطلق بدلي ).
أما الفرق بين الخاص والمطلق فهو: أن المطلق قسم من الخاص، ولو أنك رجعت إلى الوراء قليلا لوجدت أن التمثيل برجل ورجلين ورجال قد ذكرناه من مصاديق الخاص، وهنا ذكرنا هذه الأمثلة بعينها في المطلق وسبب كون المطلق من الخاص هو أن الخاص تعريفه اللفظ الذي لا يدل على استغراق فيصدق على رجل ورجلين ورجال أنها لا استغراق فيها لكل جنس الرجل من أولهم إلى آخرهم، والمطلق هو اللفظ الدال على فرد شائع أو أفراد شائعين، ويصدق على رجل ورجلين ورجال أنها تدل على فرد شائع أو أفراد شائعين فظهر سبب اجتماعهما.
وأما المقيَّد فهو: اللفظ المطلق الذي اقترن به ما يقلل شيوعه.
مثل: أكرم رجلا هذا مطلق وإذا قلتَ: أكرم رجلا عالما صار مقيدا، وأعتق رقبة هذا مطلق وأعتق رقبة مؤمنة صار مقيدا.
فالمطلق + قيد= المقيَّد.
وقولنا ( الذي اقترن به ما يقلل شيوعه ) نعني به أن المطلق فيه شيوع فإذا ضيّقنا هذا الشيوع بإضافة لفظ على المطلق فإنه سيصير مقيدا مثل رجل يشمل الجاهل والعالم فإذا قيدناه بعالم وقلنا رجل عالم قلّ شيوعه.
وإذا كان المطلق من الخاص فإن المقيد من الخاص أيضا لأنه نفس المطلق مع قيد فلا يخرجه القيد عن كونه خاصا فإن قولنا أكرم رجلا عالما، يدل على شخص واحد فيكون خاصا.
ثم إذا ورد كلام مطلق وكلام مقيَّد يحمل المطلق على المقيد أي نأخذ القيد ونضعه في المطلق فيصير مقيدا.
مثال: إذا قيل لك: أكرم رجلا، فهنا لفظ رجل مطلق، ثم قيل لك بعدُ أكرمْ رجلاً مسلما، وهنا لفظ رجل مقيّد بالمسلم فهل تكرم أي رجل ولو كان كافرا، أو أن المطلوب هو إكرام رجل مسلم ؟
الجواب: عليكَ أن تكرم رجلا مسلما، أي أننا أخذنا القيد ( مسلما ) ووضعناه على رجل، فصار المطلوب إكرام رجل مسلم.
مثال: قال الله تعالى في كفارة القتل ( فتحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ ) فهذا نص مقيّد، وقال تعالى في كفارة الظهار: ( فتحريرُ رقبةٍ ) فهذا نص مطلق، فهنا الرقبة ذكرت مرة مقيدةً ومرة مطلقة فنحمل المطلق على المقيد ويصير الواجب في كفارة الظهار هو عتق رقبة مؤمنة كما هو الحال في كفارة القتل.
والفرق بين تخصيص العام وتقييد المطلق هو: أن العام لا بد أن تكون فيه أداة من أدوات العموم التي تقدمت وحينئذ إذا دخل عليه قيد يكون هذا من تخصيص العام.
أما المطلق فهو لا عموم فيه وليس فيه أداة عموم وحينئذ إذا دخل عليه قيد يكون هذا من باب تقييد المطلق.
وبعبارة مختصرة التخصيص يرد على لفظ عام، والتقييد يرد على لفظ مطلق.
كما في الأمثلة التالية:
( تخصيص عام ) ( تقييد مطلق )
أكرم الرجال العلماء................ أكرم رجلا عالما.
اعتق الرقاب المؤمنة................ اعتق رقبة مؤمنة.
اقرأ الكتب المفيدة ................. اقرأ كتبا مفيدة. وهكذا.
( تعليقات على النص )
( والمقيّدُ بالصفةِ ) هذا بيان لمبحث المطلق والمقيد وقد ذكره المصنف في ضمن العام والخاص لتشابه تخصيص العام بتقييد المطلق من جهة أن في كليهما تضييقا (كالرقبةِ قيّدتْ بالإيمانِ في بعضِ المواضعِ وأطلقتْ في بعض المواضعِ ) قال تعالى في كفارة القتل: فتحرير رقبة مؤمنة، وقال تعالى في كفارة الظهار فتحرير رقبة (فيحملُ المطلقُ على المقيدِ ) أي يكون المقيد بيانا للمطلق ويكون المطلوب في كفارة القتل وكفارة الظهار هو تحرير رقبة مؤمنة ولا تجزئ الرقبة الكافرة.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو المطلق والمقيّد ؟
2- ما معنى حمل المطلق على المقيّد ؟
3- كيف تفرق بين العام والمطلق، وبين تخصيص العام وتقييد المطلق ؟
( التمارين )
استخرج أحكام العدة بتطبيق القواعد الأصولية على الأدلة الشرعية.
1- قال الله تعالى: ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) البقرة- 66.
2- قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) الأحزاب- 49.
3- قال الله تعالى: ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) الطلاق- 4.
4- قال الإمام ابن المنذر في الإجماع: وأجمعوا أن عدة الأمة التي تحيض من الطلاق: حيضتان. اهـ ص 123.
5- قال تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ).البقرة- 234.
6- عن المِسْوَرِ بنِ مِخْرَمَةَ رضي الله عنه أن سُبَيْعَةَ الأسلميَّةَ نَفِسَتْ بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكِحَ فأذن لها فنكَحَتْ. رواه البخاري.
7- قال الإمام ابن المنذر رحمه الله في الإجماع: وأجمعوا أن عدة الأمة التي ليست بحامل من وفاة زوجها شهران وخمس ليال. اهـ ص 123.
.............................. .............................. .............................. .....................
قوله تعالى ( والمطلقات ) أل هنا للاستغراق فيشمل كل مطلقة ولكن خص منه ما يلي:
أولا: الأمة فإن عدتها ليست ثلاثة قروء بل تعتد بقرأين بالإجماع كما حكاه ابن المنذر.
ثانيا: غير المدخول بها لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ).
ثالثا: الحامل فعدتها ليست ثلاثة قروء بل بوضع الحمل لقوله تعالى ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ).
رابعا: الكبيرة الآيسة والصغيرة التي لم تحض فإن عدتهن 3 أشهر لقوله تعالى ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ). وقوله ( واللائي يئسن، واللائي لم يحضن ) لفظ عام لأن اللائي اسم موصول فيعم الحرة والأمة ولكن خص منه الأمة للإجماع على أن عدتها على النصف فتعتد الأمة شهرا ونصف الشهر.
قوله تعالى (يذرون أزواجا) (أزواجا ) لفظ مطلق لأنه جمع منكر فيدل على وجوب عدة الوفاة عن المرأة المتوفى عنها زوجها سواء أكانت حرة أم أمة وسواء أكانت حاملا أم غير حامل وسواء أكانت مدخولا بها أو غير مدخول بها وسواء أكانت صغيرة أم كبيرة، ولكن إذنه صلى الله عليه وسلم لسبيعة الأسلمية بالزواج بعد أن وضعت حملها بليال من وفاة زوجها قيّد الآية بغير الحامل.وكذا هذا الحكم لا يشمل الأمة بل تلزم نصف عدة الحرة شهرين وخمسة أيام وهو ثابت بالإجماع فهو مقيد لإطلاق الآية.
عبد فقير
2012-06-12, 03:29 PM
ويا رب تشرح لب الأصول لزكريا الأنصارى بنفس الطريقة
صفاء الدين العراقي
2012-06-17, 09:41 AM
ويا رب تشرح لب الأصول لزكريا الأنصارى بنفس الطريقة
نسأل الله التوفيق والبركة.
جزاك الله خيرا.
صفاء الدين العراقي
2012-06-17, 09:42 AM
( الدرس الواحد والعشرون )
باب المجمل والمبيّن والظاهر والمؤول
إن المعنى يفهم من اللفظ من طريقين: الأول: المنطوق، الثاني: المفهوم.
فالمنطوق هو: المعنى الذي دلّ عليه نفس اللفظ، والمفهوم هو: المعنى الذي سكت عن بيانه اللفظ.
بمعنى أنه تارة تكون المعاني مأخوذة من ظاهر الألفاظ، وتارة تكون المعاني أخذت بالاستنباط من الألفاظ، أي أن المتكلم لم يصرح بالحكم ولكن السامع فهمها وانتزعها من الكلام.
مثال:إذا قلتَ لابنك: إذا تخرجت من الجامعة بتقدير جيدٍ فلك عليّ سيارة، فهنا هذه الألفاظ وضعت في اللغة لتدل على معنى واضح وهو: حينما يحصل نجاحك بتقدير جيد فستحصل على سيارة جائزة مني، فحينئذ يكون هذا المعنى منطوقا أي أن اللفظ قد نطق به، ولكن يفهم من هذا اللفظ أمران آخران ينتزعان منه انتزاعا وهما:
1- إذا لم تحصل على تقدير جيد فلن تحصل على السيارة.
2- إذا حصلت على تقدير أعلى من جيد فسيتأكد استحقاقك للسيارة.
فلو أن الابن جاء لوالده بتقدير ممتاز فلا يقبل أن يقولَ له أنا قلتُ لك بالحرف الواحد: إذا تخرجت من الجامعة بتقدير جيد... وأنت تخرجت بتقدير ممتاز فليس لك عليّ شيء.
ونلاحظ أن المفهوم الأول مخالف وعكس المنطوق لأن المنطوق يقول ستحصل على سيارة والمفهوم المخالف يقول لن تحصل على سيارة فالحكمان متضادان ولهذا يسمى بمفهوم المخالَفَةِ، والمفهوم الثاني موافق للمنطوق وهو الحصول على السيارة ولهذا يسمى بمفهوم الموافَقَةِ، فصار المفهوم قسمين: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
ومفهوم الموافقة هو: أن يؤخذ الحكم من العلة التي يقصدها المتكلم. كما في مثال التخرج السابق فإن الغاية والعلة المقصودة والمنشودة من كلام الوالد هي حمل الابن على التفوق، فإذا ثبت أن الأب يريد من الابن التفوق وكانت درجة الامتياز أعلى في التفوق من درجة الجيد لم يشك العاقل أن درجة الامتياز أولى بالحصول على السيارة، ولهذا يسمون هذا النوع من مفهوم الموافقة بمفهوم الموافقة الأولى لأن المفهوم أولى بالحكم من المنطوق.
مثال: قال الله تعالى ( فلا تقلْ لهما أفّ ) وقد علمنا أن مطلق النهي للتحريم فالمنطوق هو يحرم قول أفٍّ للوالدين والعلة هي الإيذاء، فحرمة الضرب والشتم لهما تكون أولى بالتحريم من التأفف، فهذا مفهوم موافقة أولى.
وهنالك مفهوم موافقة آخر يسمى بمفهوم الموافقة المساوي وهو أن يكون الحكم المفهوم مساويا للحكم المنطوق.
مثال ذلك: أن يقول الوالد لولده خذ هذا المال وانتبه لا يضيع منك، فالانتباه لئلا يضيع المال منه هو منطوق، وعدم إلقاء المال في الزبالة أو إتلافه هو المفهوم وهو مساو للمنطوق من جهة أن العلة من كلام الوالد هي المحافظة على المال سواء بعدم تضييعه أو بإتلافه.
مثال آخر: قال الله تعالى: ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) فحرمة أكل مال اليتيم منطوق، والعلة هي حماية أموال اليتامى فحينئذ يحرم أيضا حرق أموال اليتيم أو هدره أو إتلافه بأي طريقة كانت لأن نفس العلة متحققة في هذه الصور فهذا مفهوم موافقة مساو.
أنواع مفهوم المخالفة
مفهوم المخالفة هو: أن يؤخذ الحكم من تخلف قيد في الكلام. مثل ما ذكرنا إذا تخرجت من الجامعة.. فهنا التخرج قيد وشرط في الحصول على السيارة فإذا انتفى هذا القيد فلن يحصل الحكم.
والقيد الذي يؤخذ منه مفهوم مخالف أربعة أنواع هو: ( الشرط- الوصف- الغاية - العدد ).
1- الشرط اللغوي أي كل جملة مصدرة بأداة من أدوات الشرط مثل إن وإذا.
مثال: قال الله تعالى: ( وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهن ).
المنطوق= وجوب النفقة على المطلقة الحامل، المفهوم المخالف= عدم وجوب النفقة على المطلقة غير الحامل.
2- الصفة أي كل ما يعد في المعنى وصفا للحكم سواء أكان يسمى نعتا أو حالا في علم النحو أم غيرهما.
مثال: قال الله تعالى: ( فتحرير رقبة مؤمنة ).
المنطوق= وجوب تحرير رقبة مؤمنة، المفهوم المخالف= منع تحرير رقبة كافرة.
3- الغاية أي أن يكون الحكم مقيدا بغاية ونهاية وأحرفه هي: حتى وإلى.
مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق ) رواه أبو داود وهو صحيح.
فالمنطوق= رفع القلم عن هؤلاء، والمفهوم المخالف= عدم رفع القلم عن الصبي إذا بلغ والنائم إذا استيقظ والمجنون إذا عقل.
4- العدد فمتى حُدد الحكم في النص بعدد معين فإن مفهوم المخالفة لهذا العدد هو منع تطبيق الحكم أقل أو أكثر.
مثال: قال الله تعالى: ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ).
المنطوق= وجوب 100 جلدة على الزانية والزاني، المفهوم= عدم جواز أقل من 100 جلدة أو أكثر.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو المنطوق وما هو المفهوم ؟
2- ما هو مفهوم الموافقة الأولى والمساوي ؟
3- ما هو مفهوم المخالفة وما هي أنواعه ؟
( التمارين )
بيّن المنطوق والمفهوم في النصوص التالية:
1- قال الله تعالى: ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ).
2- قال تعالى: ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا).
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاةٌ ) رواه البخاري.
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح.
.............................. .............................. .............................. .............................. .............................. .
1- المنطوق هو وجوب قتال كل فئة باغية، ومفهومه المخالف المأخوذ من قيد حتى تفيء أنه لا تقاتل الفئة الباغية بعد الفيء.
2- المنطوق وجوب إتيان النساء مهورهن وكذا يفيد إباحة أخذ ما طابت به نفس الزوجة من مهرها، ومفهومها المخالف بالشرط هو حرمة أخذ مهر النساء بدون طيب نفوسهن كأن يكرهها على أخذ مالها.
3- المنطوق هو في زكاة الغنم السائمة شاة إذا كانت من 40 إلى 120، وهنا مفهوما مخالفة: أولاهما: في الوصف وهو في سائمتها ومفهومه إذا لم تكن الغنم سائمة بل كانت معلوفة فلا زكاة فيها.
وثانيهما في الشرط وهو إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة، فمفهومه أنها إذا كانت أقل من أربعين فلا زكاة فيها وإذا كانت أكثر من 120 ففيها أكثر من شاة.
4- المنطوق هنا الحكم بالبطلان على نكاح كل امرأة بغير ولي.
وهنا مفهوم مخالفة بالوصف وهو بغير إذنها وليها ومفهومه أنه إذا نكحت بإذن وليها فهو صحيح.
صفاء الدين العراقي
2012-06-17, 09:45 AM
( الدرس الثاني والعشرون )
تقسيم المنطوق إلى نص وظاهر ومجمل
قلنا إن المعنى تارة يدرك من المنطوق وتارة يدرك من المفهوم، وهنا نريد أن نبين أن المنطوق تارة لا يحتمل إلا معنى واحدا، وتارة يحتمل معنيين هو في أحدهما أرجح من الآخر، وتارة يحتمل معنيين ليس أحدهما أرجح من الآخر.
فالذي لا يحتمل إلا معنى واحدا هو النص.والذي يحتمل معنيين هو في أحدهما أرجح من الآخر هو الظاهر.
والذي يحتمل معنيين ليس أحدهما أرجح من الآخر هو المجمل.
أولا: النص وهو: لفظ لا يحتمل إلا معنى واحدا. كالأعلام وأسماء الأعداد.
مثال: جاء زيد، فزيد لا يحتمل إلا معنى واحدا وهو شخص معين مسمى بهذا الاسم.
مثال: قال تعالى: ( محمد رسول الله ) فلا يحتمل هذا اللفظ إلا معنى واحدا وهو أن سيدنا محمد رسول من الله صلى الله عليه وسلم فيسمى نصا.
مثال: قال تعالى في الزناة: ( فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) فهذا اللفظ القرآني لا يحتمل إلا معنى واحدا وهو أن يجلد الزاني والزانية 100 جلدة لا تنقص ولا تزيد، وحكم النص هو دلالته على المعنى بشكل قطعي.
ثانيا: الظاهر وهو: لفظ يحتمل معنيين هو في أحدهما راجح. كدلالة اللفظ على معناه الحقيقي فهو راجح فيه.
وأما احتماله للمعنى المجازي فهو مرجوح فيه.
مثال: رأيت اليوم أسدا، فهو يحتمل معنيين الحيوان المفترس، والرجل الشجاع وهو راجح في المعنى الأول لأنه المعنى الحقيقي المتبادر من إلى الذهن.
مثال: قال الله تعالى: ( وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة ) فقوله تعالى إلى ربها ناظرة يفيد أن أهل الجنة ينظرون بأعينهم إلى الله يوم القيامة ويرونه رأي العين؛ لأن النظر معناه الحقيقي المشاهدة بالعين، وقد قيل إن النظر معناه هنا مجازي وهو الانتظار أي تنتظر تلك الوجوه ثواب ربها، ولكن هذا المعنى مرجوح لأن المتبادر هو الحقيقة فيجب المصير إليها.
وهذا من جهة دلالة هذا اللفظ بخصوصه في هذه الآية على النظر الحقيقي وهو المعنى الظاهر لا المعنى المجازي المرجوح.
أما مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى رؤية حقيقة يوم القيامة فهي مسألة قطعية من جهة مجموع الأدلة الشرعية على هذه المسألة فتنبه.
والظاهر وإن لم تكن دلالته قطعية مثل النص إلا أنه يجب العمل بالمعنى الراجح وترك المرجوح إلا إذا وجد دليل يصرف اللفظ من معناه الظاهر إلى معناه المرجوح فحينئذ يقال هو مؤول.
مثل: رأيت أسدا يحمل سيفا، فإنه يسمى مؤولا، ويسمى ظاهرا بالدليل أي هو ظاهر بالنظر للقرينة مثل يحمل سيفا فقد دلتنا على أن المعنى المجازي وهو الرجل الشجاع هو المراد من الكلام.
فالظاهر ظاهر بنفسه لا يحتاج إلى دليل كي يكون به ظاهرا، والمؤول ظاهر بسبب الدليل ولولاه لكان غير ظاهر.
ثم إن حمل اللفظ على المعنى المرجوح لا بد فيه من دليل وإلا كان فاسدا ولهذا يعرفون التأويل بأنه: صرف اللفظ عن ظاهره لدليل.
ثالثا: المجمل وهو: لفظ يحتمل معنيين على السواء.
كدلالة اللفظ المشترك وهو ما وضع لمعنيين مثل كلمة العين فإنها تطلق ويراد بها العين الباصرة ويراد بها الماء ويراد بها النقد كالدينار وغير ذلك فإذا قال شخص: رأيت عيناً لا يدري السامع ماذا يقصد بالعين.
مثال: قال الله تعالى: ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) فالقرء لفظ مشترك وضع في اللغة لمعنيين هما: ( الطهر، والحيض ) فلا يعلم من نفس الآية ماذا يريد الله عز وجل هل يريد أن المطلقات عدتهن 3 أطهار أو 3 حيضات ولهذا تجد العلماء قد اختلفوا فمنهم من قال أراد الطهر ومنهم من قال أراد الحيض.
وحكم المجمل هو التوقف لأن دلالته مبهمة فلا بد من البحث عن دليل يشخص المعنى المراد.
وأسباب الإجمال ثلاثة هي:
أولا: عدم معرفة المعنى المراد كما في اللفظ المشترك كالعين والقرء على ما بيناه.
ثانيا: عدم معرفة الصفة والكيفية المطلوبة للفعل مثل قوله تعالى: ( وأقيموا الصلاة ) فإن صفة الصلاة وكيفية أدائها مجهولة لان الصلاة نقلت إلى معنى شرعي لا تعرفه العرب قبل ورود الشريعة فحينئذ لا بد من دليل يبين الكيفية وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله.
ثالثا: عدم معرفة المقدار المطلوب مثل قوله تعالى ( وآتوا الزكاة ) فإن مقادير الزكاة التي تدفع لا تعرف وقد جاءت أدلة أخرى بينت المقدار.
ثم إن ذلك الدليل الذي يبين المعنى المراد يسمى المُبَيِّن. فتعريف المبيِّن هو: الدليل الذي يرفع الإجمال أي يزيل الغموض ويكشف عن المعنى المراد، فقوله تعالى: ( وأقيموا الصلاة ) مجمل من حيث الصفة وقد بينها النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا وقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) رواه البخاري.
فبفعله صلى الله عليه وسلم الصلاة أمامهم حصل البيان وزال الإجمال.
( تعليقات على النص )
( والمجملُ ما يفتقرُ إلى البيانِ ) ما في التعريف واقعة على لفظ أي لفظ يفتقر إلى البيان، كلفظ القرء فإنه مجمل يحتمل الحيض والطهر ( والبيانُ إخراجُ الشيءِ ) أي المجمل ( من حيزِ الإشكالِ ) أي من موضع الإشكال والإبهام ( إلى حيزِ التجلي ) أي إلى موضع الاتضاح فالمراد بالحيز هو الموضع، ويمكن تعريفه بعبارة أخصر وهو أن البيان رفع الإجمال ( والنصُّ ما لا يحتملُ إلا معنىً واحداً ) كثمانين في قوله تعالى فاجلدوهم ثمانين جلدة فإنها لا تحتمل غير هذا العدد، وقد يراد بالنص في اصطلاح العلماء نفس ألفاظ الكتاب والسنة سواء أكانت قطعية الدلالة أو ظنية الدلالة ولذا نقول نصوص القرآن والسنة نعني الآيات والأحاديث بغض النظر عن مدلولها.
( وقيلَ ) هذا تعريف ثان للنص وأشار إلى ضعفه بقوله قيل ( ما تأويلُه تنزيلُه) أي لفظ يحصل تفسيره بتنزيله أي بنزوله فيفهم المعنى المراد من نفس اللفظ من غير حاجة إلى دليل خارج عنه وذلك نحو قوله تعالى: فصيام ثلاثة أيام فهذا اللفظ بمجرد نزوله يفهم معناه، والتعريف الأول أدق ولذا اختاره المصنف وذلك لأن الظاهر أيضا تأويله تنزيله فيفهم معناه الظاهر بمجرد سماعه ولا يتبادر إلى الذهن المعنى المرجوح وإن كان محتملا ( وهو ) أي النص ( مشتقٌ ) أي مأخوذ ( من مِنصةِ العروسِ أي الكرسي ) هذا بيان للمعنى اللغوي للنص ذكره كي تظهر المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، ومنصة العروس كرسي يوضع في موضع مرتفع وتجلس عليه العروسة، واللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا يكون مرتفعا فلذا سمي نصا ( والظاهرُ ما احتملَ ) أي لفظ احتمل ( معنيينِ أحدُهما أظهرُ من الآخرِ ) مثل رأيت أسدا فإن معنى الحيوان المفترس هو الأظهر ( ويؤولُ الظاهرُ بالدليلِ ) أي يحمل اللفظ على معناه المرجوح لدليل دل عليه نحو رأيت أسدا يحمل سيفا.
( ويسمى ) المؤول (ظاهراً بالدليلِ ) فكما يسمى بالمؤول يسمى بالظاهر بالدليل فلا بد من تقييده بلفظ الدليل لأن الظاهر عند الإطلاق يحمل على الظاهر بنفسه من غير حاجة إلى دليل.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي النص والظاهر والمجمل؟
2- ما معنى التأويل ومتى يكون مقبولا؟
3- ما معنى البيان ؟
صفاء الدين العراقي
2012-06-20, 12:01 PM
( الدرس الثالث والعشرون )
باب أفعال الرسول وإقراراته
فعل النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم على أقسام هي:
أولا: ما فعله بمقتضى الخِلقة البشرية أو العادة. مثل نومه وأكله وشربه وذهابه للحاجة فهذه أفعال تصدر من الإنسان وهو مضطر لها بحكم كونه بشرا، وقد يفعل بعض الأفعال الاختيارية بحكم العادة أو أعراف المجتمع المحيط به مثل كونه يحب بعض أنواع الطعام ويكره البعض أو يلبس لباسا معينا أو يمشي بطريقة معينة أو يصف شعره بصِفة معينة فهذا القسم لا دلالة فيه على التشريع أي هو لم يفعله ليكون شرعا ولا نقول للناس افعلوا مثل فعله صلى الله عليه وسلم لأنه هذه الأمور ليست مطلوبة على وجه التشريع كالصلاة والصوم.
ثانيا: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على وجه القربة والطاعة.مثل صلاته وصيامه وحجه وهذا نوعان:
1- أن يدل الدليل على اختصاصه به مثل ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل، قال: لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى، أي أن الله يعطي بدني قوة الطعام والشراب، ومعنى المواصلة أي لا يفطر عند المغرب ويبقى صائما ويجيء اليوم الثاني وهو كذلك لم يأكل أو يشرب حتى في السحور فمثل هذا قربة في حقه ولكنه منهي عنه بالنسبة للأمة وقد دل الدليل على الخصوصية.
2- أن لا يدل دليل على اختصاصه به فهذا لكل الأمة وهذا هو الأصل أعني أن ما فعله صلى الله عليه وسلم لا يختص به بل هو عام لكل الأمة إلا إذا قام دليل الاختصاص لأن الله سبحانه وتعالى قال: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) والأسوة هو القدوة.
ثم إن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على وجه القربة ولم يختص به لا يخلو من حالين:
أ- أن يعرف حكمه فهذا لا إشكال فيه مثل صلواته الخمس وصيامه رمضان فهذا واجب ليس بنفس الفعل بل بالأدلة الدالة على الوجوب، ومثل السنن القبلية والبعدية للصلوات فهذه علم حكمها أنها للندب.
ب- أن لا يعرف حكمه بل يأتينا فعل للنبي صلى الله عليه وسلم وليس عندنا سوى هذا الفعل الذي هو على وجه القربة فعلى ماذا نحمله؟ والجواب: قد حصل خلاف بين العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يحمل على الوجوب من باب الاحتياط، وقد نوقش بأن الوجوب إنما يستفاد من الأوامر وهي ألفاظ فنفس الفعل لا يفهم منه الوجوب.
القول الثاني: يحمل على الندب لأنه هو القدر المتيقن؛ لأننا علمنا أن الفعل مطلوب على وجه القربة والمطلوب قد يكون واجبا وقد يكون مندوبا والأصل عدم الوجوب فنحمله على الندب أي أن الوجوب مشكوك فيه والندب متيقن لأنه أقل أحوال الطلب لأننا قدمنا أن طلب الفعل إما على وجه الوجوب أو الندب، وهو اختيار الأكثر.
القول الثالث: نتوقف فيه لأنه ليس عندنا ما يدل على الوجوب وليس عندنا ما يدل على الندب فنتوقف.
ولتلخيص هذه الأقسام نقول: فعل النبي صلى الله عليه وسلم إما على وجه القربة، أو على غير وجه القربة، فإن فعل على غير وجه القربة فيدل على الإباحة، وإن فعل على وجه القربة فإما أن يختص به، أو لا يختص به، والذي لم يختص به فإما أن يعلم حكمه، أو لا يعلم، فإن لم يعلم فيحمل على الندب وقيل على الوجوب وقيل نتوقف.
ومنه نعلم أن أفعاله صلى الله عليه وسلم دائرة بين الوجوب والندب والإباحة، ولا يفعل محرما أو مكروها.
أما المحرمات فلأنه صلى الله عليه وسلم معصوم. وأما المكروهات فلأن المتقين من أفراد أمته يجتنبونها فكيف وهو صلى الله عليه وسلم أتقى الأتقياء. فإن قيل: ولكنه قد فعل بعض المكروهات كشربه الماء قائما فكيف الجواب؟ قلنا: إنها مكروهة في حقنا أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد فعلها ليبين الجواز فيكون بهذا الاعتبار مثابا.
الإقرار
الإقرار هو: فعل أو قول حصل عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره. فهذا الإقرار دليل على الجواز لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا على باطل، ويكون إقراره على القول كقوله أي كأنه قال نفس هذا القول، ويكون إقراره على الفعل كفعله أي كأنه صدر من فعله، وذلك لما ذكرنا أنه لا يقر أحدا على باطل.
مثال القول: ما قاله أبو بكر رضي الله عنه في غزوة حنين لأحد الصحابة حينما حصل اختلاف في السلب ( أفلا يأخذ سلبه ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق أبو بكر. متفق عليه.
ومثال الفعل: أن خالد بن الوليد أكل الضَّب عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه. متفق عليه. والضَّب سحلية تعيش في الصحراء قد تكون بحجم الكف وقد تكبر حتى تصير بطول إنسان وهو نباتي.
مسألة: ما حكم ما فعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في غير مجلسه فعلمه ولم ينكره؟ الجواب: له نفس حكم ما فعل في مجلسه فيكون جائزا، وصورة المسألة أن يفعل فعل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يشاهده ثم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فلانا فعل كذا فإذا لم ينكره دل على الجواز لأنه لا يقر على باطل.
مثال: جاء في صحيح مسلم أن أبا بكر رضي الله عنه حلف في وقت غضب أن لا يأكل من طعام ثم أكل منه ثم أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل من حنث في يمينه فلم ينكر عليه، فيدل على جوازه عند التكفير عن يمينه.
( تعليقات على النص )
( الأفعالُ ) هذا عنوان لهذا المبحث والمقصود بالأفعال أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم دون غيره ( فعلُ صاحبِ الشريعةِ ) أي النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحب الشريعة يطلق ويراد به المشرع والحاكم وهو الله وحده، ويراد به المبلغ للشريعة وهو المعنى المراد هنا (لا يخلو إما أنْ يكونَ على وجهِ القربةِ والطاعةِ أو غير ذلك ) القربة والطاعة بمعنى واحد ثم أخذ يفصل ما كان على وجه القربة والطاعة فقال (فإنْ دلّ دليلٌ على الاختصاصِ به يحملُ) ذلك الفعل ( على الاختصاصِ ) مثال ما دل الدليل على الاختصاص به وصاله في الصوم ( وإن لمْ يدلْ لا يخصصُ به لأن اللهَ قالَ: لقدْ كانَ لكم في رسولِ اللهِ أسوةٌ حسنةٌ ) وجه الاستدلال هو أن الله جعل النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وهذا يقتضي أن أفعاله لا تختص به ليحصل الاقتداء، فهذا هو الأصل ولا يعدل عنه إلا لدليل.
( فيحملُ على الوجوبِ عندَ بعضِ أصحابِنا ) المراد بالأصحاب هم أصحاب المذهب الواحد والمصنف شافعي المذهب فالمقصود به هم الشافعية ووجه حمله على الوجوب عند هؤلاء البعض هو الاحتياط للعبادة (ومِن أصحابِنا من قالَ يحملُ على الندبِ) وهذا هو الأقوى عند كثيرين (ومنهم من قالَ يتوقفُ فيه) فلا يحكم بوجوب أو ندب ( فإنْ كانَ على وجهِ غيرِ القربةِ والطاعةِ ) كالأكل والنوم ( فيحملُ على الإباحةِ في حقِه ) صلى الله عليه وسلم ( وفي حقِّنا ) أي نحن معاشر أمته صلى الله عليه وسلم.
( وإقرارُ صاحبُ الشريعةِ ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( على القولِ ) كقول أبي بكر رضي الله عنه بإعطاء القاتل سلب المقتول ( هو قولُ صاحبِ الشريعةِ ) أي كأنه قاله النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.
( وإقرارُه ) أي صاحب الشريعة ( على الفعلِ ) كأكل الضب في مجلسه ( كفعلِه ) أي كفعل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.
( وما فُعِلَ في وقتِه ) أي في زمن حياة النبي صلى الله عليه وسلم ( وعَلِمَ بِه ) وهذا شرط وهو أن يعلم بهذا الفعل الذي حصل في زمانه ويبلغه ( ولم ينكرْه ) هذا شرط ثان ( فحكمُه ) أي ذلك الفعل ( حكمُ ما فعلَ في مجلِسهِ ) صلى الله عليه وسلم فيدل على الجواز كما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر حينما أخبره أنه حلف ثم نكث لما رأى النكث خيرا.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما المقصود بالأفعال والإقرارات ؟
2- بين أقسام فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع حكم كل قسم ؟
3- ما هو حكم ما فعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه ولم ينكره ؟
( التمارين )
بين نوع الفعل في النصوص التالية:
1- عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك. متفق عليه.
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. متفق عليه.
3- عن عبد الله بن عمر قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها. رواه البخاري .
4- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. متفق عليه.
.............................. .............................. .............................. ....................
1- تسوكه صلى الله عليه وسلم للصلاة من الليل على وجه التقرب وهو مستحب لأن فعله للتعبد يدل على الندب ويشوص أي يدلك.
2- حبه صلى الله عليه وسلم للعسل والحلوى هو من العادات ولا يتعلق بها الاقتداء بل تدل على الإباحة.
3- لبسه صلى الله عليه وسلم للنعال السبتية من أفعال العادة ولا يتعلق بها الاقتداء بل تدل على الإباحة والنعال السبتية هي المتخذة من جلد البقر المدبوغ.
4- فعله صلى الله عليه وسلم هذا على وجه القربة وهو يدل على الندب وقد اختلف أهل العلم في وجوب صلاة الليل على النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على عدم وجوبها على أمته.
المستمطر
2012-06-20, 07:16 PM
بارك الله فيكم
تسجيل متابعة
أم الحسنات
2012-06-20, 07:44 PM
بارك الله فيك وزادك علما وتوفيقا
صفاء الدين العراقي
2012-06-24, 01:39 PM
بارك الله فيكم
تسجيل متابعة
وفيكم الله بارك.
أهلا وسهلا بكم.
صفاء الدين العراقي
2012-06-24, 01:40 PM
بارك الله فيك وزادك علما وتوفيقا
اللهم آمين.
وفيكم الله بارك وزادكم علما وتوفيقا.
صفاء الدين العراقي
2012-06-24, 01:49 PM
( الدرس الرابع والعشرون )
باب الناسخ والمنسوخ النسخ: إلغاءُ وحيٍ سابقٍ بوحيٍ لاحقٍ. مثال: قال الله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) نسخت بقوله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ).
تفيد الآية الأولى أن عدة المتوفى عنها زوجها حول أي سنة هجرية.
وتفيد الآية الثانية أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام.
والآية الثانية هي المتأخرة في النزول على النبي صلى الله عليه وسلم.
فهنا ألغت الآية الثانية المتأخرة في النزول حكم الآية الأولى المتقدمة في النزول.
وتسمى الآية المتأخرة الملغية لحكم الآية الأولى ناسخة، والآية المتقدمة منسوخة فهذا هو النسخ.
شروط النسخ أولا: أن يكون المنسوخ حكما شرعيا عمليا أي يكون متعلقا بأفعال المكلفين كالصلاة والصوم والزكاة والبيع والنكاح والعدة ونحو ذلك.
ولا يدخل النسخ الخبر والأحكام الاعتقادية والأحكام الأخلاقية.
مثال الخبر: الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد.. فهذه الأخبار لا يمكن أن يدخلها النسخ أبدا، وكذا كل الأخبار كأن يخبر عن نبي أو عن ملك أو عن حال الأمم السابقة فلا تنسخ أبدا.
ومثال الأحكام العقائدية: الإيمان بالله وبرسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
ومثال الأحكام الأخلاقية: وجوب الصدق وحرمة الكذب والحسد والبخل ونحو ذلك.
فهذه كلها لا يدخلها نسخ أبدا وإنما يدخل التشريعات.
ثانيا: أن يكون الناسخ والمنسوخ ثابتين بالنص
أي لا ينسخ القياس أو الإجماع آية أو حديثا لأنه لا بد أن يكون الناسخ والمنسوخ وحيا.
ثالثا: أن يكون الناسخ متأخرا في نزوله عن المنسوخ، وذلك لكي يمكن اعتبار النص الثاني قد ألغى النص الأول لأنهما إذا نزلا معا أو كان الناسخ متقدما في النزول لم يمكن بحال اعتباره ناسخا.
رابعا: أن يكون بين الناسخ والمنسوخ تناقض، كأن يكون أحدهما يحرم شيئا والآخر يبيحه أو بالعكس.
والقصد من هذا الشرط هو بيان أنه لا يمكن الجمع بين النصين فلذا نلجأ للنسخ، كما في آيتي عدة المتوفى عنها زوجها فإحداهما تنص على مدة والأخرى تنص على مدة مغايرة.
طريق معرفة النسخ يعرف النسخ بطريقين هما: أولا: دلالة اللفظ عليه. مثل قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. رواه مسلم. فهذا لفظ صريح بوقوع النسخ. ثانيا: معرفة تاريخ المتقدم والمتأخر. مثال: عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح. والمعنى أن المحجوم وهو من عملت له الحجامة والحاجم وهو فاعل الحجامة لغيره يفطران إذا كانا صائمين. وهذا الحكم منسوخ بدليل ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ) رواه البخاري. والثاني هو الناسخ للأول لتأخره عنه بالزمن فإن ابن عباس إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم محرما في حجة الوداع وهي سنة عشر من الهجرة، وحديث شداد بن أوس جاءت في بعض طرقه أن احتجام النبي صلى الله عليه وسلم وقع في عام الفتح سنة ثمان للهجرة. فحديث ابن عباس متأخر بسنتين فهو ناسخ لحديث شداد.
( تعليقات على النص )
( وأمَّا النسخُ ) الذي هو أحد الأبواب المتقدم ذكرها في المقدمة ( فمعناه لغةً الإزالةُ ) والإذهاب ( يقالُ ) في لغة العرب ( نسخت الشمسُ الظلَّ إذا أزالتهُ ) فقريب طلوع الشمس تجد ظلا وعدم ضوء حتى إذا طلعت الشمس وارتفعت أزال ضوء الشمس هذا الظل، ويقال: نسخت الريح آثار القدم إذا أزالته من الأرض ومحته.
( وقيلَ معناهُ ) أي معنى النسخ ( النقلُ ) والتحويل ( من قولِهم ) أي قول العرب ( نسختُ ما في الكتابِ ) من كلام ( أي نقلته ) وحولته إلى صفحة أخرى قال تعالى: ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون ). وهنا وقفات:
1- إن المصنف قال: ( وقيل معناه النقل ) فهذا تضعيف للقول الثاني وترجيح للقول الأول وهو الإزالة.
2- لا خلاف في أن النسخ في لغة العرب يستعمل بمعنى الإزالة وبمعنى النقل ولكن هل هو حقيقة في كلا المعنيين أو في المعنى الأول أو في المعنى الثاني؟ والجواب: إن مختار الكثيرين هو أنه حقيقة في المعنى الأول وهو الإزالة مجاز في المعنى الثاني وهو النقل وهذا هو الذي اختاره المصنف هنا.
( وحدُّه ُ) أي تعريف الناسخ شرعا فالضمير في حده راجع إلى الناسخ لأن هذا التعريف يصدق على الناسخ ( هو الخطابُ ) أي الكلام واللفظ ( الدالُّ على رفعِ الحكمِ الثابتِ بالخطابِ المتقدمِ ) أي هو الكلام والخطاب الثاني الرافع لحكم الخطاب الأول مثل آيتي عدة الوفاة ( على وجهٍ ) أي على وصف هو أنه ( لولاهُ ) أي لولا وجود الخطاب الثاني ( لكانَ ) ذلك الحكم ( ثابتاً ) أي غير مرفوع فلولا آية والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا لكان حكم العدة بالحول ثابتا غير مرفوع ( مع تراخيه) أي مع تراخي الخطاب الرافع ( عنه) أي عن الخطاب المرفوع أي يتأخر عنه في الزمن.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو النسخ.
2- ما هي شروط النسخ ؟
3- ما هي طرق معرفة النسخ ؟
صفاء الدين العراقي
2012-06-26, 05:59 PM
( الدرس الخامس والعشرون )
أقسام النسخ
يقسَّم النسخ عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة وهي:
أولا: تقسيمه باعتبار نوع المنسوخ وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى:
1- نسخ حكم فقط، 2- نسخ لفظ فقط، 3- نسخ حكم ولفظ معا.
مثال الأول: نسخ حكم آية عدة الحول فقد أُلغي حكمها ولم يلغ لفظها لأنها لا تزال آية من القرآن من سورة البقرة تتلى إلى يوم الدين ويحصل ثواب قراءتها للقارئ.
مثال: الثاني: ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( كان فيما أنزل من القرآن آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.. ) متفق عليه.
وهذه الآية كما جاء في موطأ مالك ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم) فهذه آية من القرآن نزل بها جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وكانت من ضمن سورة الأحزاب كما ذكر بعض أهل العلم، فنسخ لفظها ولم تعدّ من القرآن ولا تتلى ولكن بقي حكمها وهو الرجم.
مثال الثالث: آية الرضاعة فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخت بخمس معلومات ) فهذه آية من القرآن وهي ( عشر رضعات معلومات يحرمن ) ثم نسخ لفظها أي لم تعد من القرآن ونسخ حكمها بآية أخرى وهي ( خمس معلومات يحرمن ) فصار أن من رضع من امرأة خمس رضعات حرمت عليه وصارت أمه من الرضاعة، ثم نسخ لفظ الثانية وبقي حكمها.
وهذه أمثلة نادرة والكثير هو القسم الأول وهو نسخ الحكم فقط.
ونسخ الحكم بدوره ينقسم إلى قسمين:
أ- نسخ إلى بدل، ب- نسخ إلى غير بدل.
مثال الأول: نسخ حكم العدة من الحول إلى 4 أشهر و10 أيام.
ومثال الثاني: قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) تدل الآية على أن من أراد أن يناجي رسول الله أي يحدثه سرا منعزلا عن الناس وجب عليه أن يقدم صدقة لله عز وجل كأن يدفعا مبلغا من المال ثم نسخ هذا الحكم بقوله ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذْ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله ) فألغيت الصدقة قبل المناجاة ولم يجعل بديلا عنها.
ثم ما نسخ إلى بدل ينقسم ثلاثة أقسام هي:
أحدها: ما نسخ إلى بدل أغلظ، ثانيها: ما نسخ إلى بدل مساوٍ، ثالثها: ما نسخ إلى بدل أخف.
مثال: الأول: قوله تعالى ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) دلت الآية على أن من كان يستطيع الصوم فله أن يفطر ويدفع فدية طعام مسكين وله أن يصوم وهو أفضل ثم نسخ هذا الحكم بقوله تعالى: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فصار يجب على كل مستطيع أن يصومَ ولا يجوز له أن يفطر ويطعم مسكيناً بدلا عنه، وهذا الحكم أغلظ لأنه في الآية الأولى كان المسلم مخيرا بين أمرين، وفي الآية الثانية رفع التخيير وألزم بالصوم.
مثال الثاني: استقبال بيت المقدس في بداية الإسلام كان ثابتا بالسنة كما في الصحيحين، ثم نسخ هذا الحكم بقوله تعالى: ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ..) فهنا انتقل من بيت المقدس إلى الكعبة، واستقبال الكعبة مساو لاستقبال بيت المقدس بالنسبة لفعل المكلف فليس أحدهما أشد كلفة عليه.
ومثال الثالث: ما ذكرناه من آيتي العدة عن الوفاة، فقد انتقل الحكم من لزوم العدة سنة إلى 4 أشهر و10 أيام وهذا أخف على المرأة.
( تعليقات على النص )
(ويجوزُ نسخُ الرسمِ ) أي كتابة الآية من المصحف فترفع ولا تكتب ولا تقرأ على أنها قرآن كما في الشيخ والشيخ إذا زنيا فارجموهما.. ( وبقاءُ الحكمِ ) فقد بقي حكم الرجم على المحصن مع رفع التلاوة ( ونسخُ الحكمِ وبقاءُ الرسمِ ) وهو الأكثر مثل آيتي عدة الوفاة ( ونسخُ الأمرينِ معاً ) أي نسخ الرسم والحكم كما في عشر رضعات معلومات يحرمن نسخ لفظها وحكمها ( وينقسمُ النسخُ إلى بدلٍ ) كما في نسخ العدة بالحول إلى العدة بأربعة أشهر وعشر ( وإلى غيرِ بدلٍ ) كما في نسخ وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول ولم يوضع بدل الصدقة شيء آخر ( وإلى ما هوَ أغلظُ ) في الحكم من المنسوخ كنسخ التخيير بين الصوم، والصدقة في رمضان بوجوب الصوم ( وإلى ما هوَ أخفُّ ) كعدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر وكذا إلى ما هو مساو كاستقبال الكعبة بدل بيت المقدس.
دعوة إلى الله
2012-06-30, 10:59 AM
جزاكم الله خيرا عندي سؤال في قسم تعارض العامين
صفاء الدين العراقي
2012-06-30, 11:52 AM
جزاكم الله خيرا عندي سؤال في قسم تعارض العامين
وجزاكم الله خيرا.
نعم اطرحوا السؤال مباشرة.
صفاء الدين العراقي
2012-06-30, 11:55 AM
( الدرس السادس والعشرون )
تتمة أقسام النسخ
قد مرّ عليك أن النسخ يقسّم عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة وقد قسمناه في الدرس السابق باعتبار نوع المنسوخ وسنقسمه هنا قسمة أخرى، وهي تقسيمه باعتبار نوع الناسخ وهو ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
1- نسخ كتاب بكتاب، مثل ما ذكرناه من آيتي العدة عن الوفاة.
2- نسخ سنة بسنة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم.
فالحكم الأول المنسوخ تحريم زيارة القبور، والحكم الثاني الناسخ جواز زيارة القبور، وكلا الحكمين ثبت بالسنة.
3- نسخ سنة بكتاب، مثل ما ذكرناه من نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة بآية استقبال القبلة.
أما نسخ الكتاب بالسنة فهو غير واقع.
ثم إن السنة منها آحاد ومنها متواتر، أما القرآن فهو متواتر.
فالمتواتر هو: ما رواه جمع عن جمع يحيل العقل تواطئهم على الكذب.
مثل: أن هارون الرشيد كان أحد خلفاء بني العباس فهذا الأمر رواه وحدث به جمع من الناس عن جمع من الناس وكانوا من الكثرة بحيث يقول العقل: إن اتفاقهم على الكذب أمر محال، وذلك لاختلاف بلدانهم وأماكنهم مع عدم وجود الداعي إلى الكذب فمثل هذا يعد متواترا.
وكذا في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يرويه عنه جماعة من الصحابة ويرويه عنهم جماعة من التابعين ويرويهم عنهم جماعة من تابع التابعين وهكذا بحيث يصل الناظر والمحدث إلى أن هذا الحديث لا شك ولا ريب في صدروه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما من الأئمة.
أما حديث الآحاد فهو: ما ليس بمتواتر.
مثل أن يروي الحديثَ واحدٌ عن واحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أكثر من واحد ولكن لا يبلغ مبلغ التواتر.
والحديث المتواتر يفيد القطع واليقين، وحديث الآحاد يفيد الظن الراجح في النفس، وكلما ازداد رواته الثقات كلما اطمأنت النفس.
فإذا علم أن السنة تنقسم إلى متواتر وآحاد فحينئذ ينقسم نسخ السنة بالسنة إلى أربعة أقسام محتملة عقلا وهي:
1- نسخ متواتر من السنة بمتواتر من السنة.
2- نسخ آحاد من السنة بآحاد من السنة.
3- نسخ متواتر من السنة بآحاد من السنة.
4- نسخ آحاد من السنة بمتواتر من السنة.
وهذه الحالات الأربع لم يذكروا لها أي مثال سوى نسخ الآحاد بالآحاد مثل حديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور وغيره، أما البقية فليست بواقعة وحالة نسخ المتواتر بالآحاد رفضها كثير من العلماء لأن المتواتر قطعي فكيف ينسخ بظني وهو الآحاد!. والله أعلم.
فإذا رجعنا إلى الحالات الثلاث السابقة فنجد ما يلي:
1- نسخ الكتاب بالكتاب ( لا يكون فيه إلا نسخ متواتر بمتواتر؛ لأن القرآن متواتر ).
2- نسخ السنة بالسنة ( تحتمل أربع أقسام ذكرناها ولكن الواقع منها حالة واحدة وهي نسخ آحاد بآحاد )
3- نسخ السنة بالكتاب ( تحتمل حالتين أن تكون السنة المنسوخة متواترة وأن تكون آحادا)
مثل: نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة المتواترة بآية قرآنية، فهنا قرآن نسخ سنة متواترة.
ومثل نسخ حرمة الأكل والشرب بعد النوم في ليالي رمضان الثابت بحديث الآحاد بقوله عزّ وجلّ ( أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) فهنا قرآن نسخ سنة آحاد.
وذلك أنه كان في مبدأ الأمر أن الصائم إذا صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع كما قال ابن عباس رضي الله عنهما (كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة ) رواه أبو داود، والعتمة صلاة العشاء، والقابلة أي إلى الليلة التالية.
فهذا حديث آحاد نسخ بقرآن.
( تعليقات على النص )
(ويجوزُ نسخُ المتواترِ بالمتواترِ منهما) أي من الكتاب والسنة فينسخ القران بالقرآن، وينسخ متواتر السنة بالقرآن، وينسخ متواتر السنة بالمتواتر من السنة ولم يعلم له مثال وأما نسخ متواتر القرآن بالمتواتر من السنة فلا يقع ( ونسخُ الآحادِ بالآحادِ ) كحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور ( وبالمتواترِ ) أي وينسخ الآحاد بالمتواتر كنسخ النهي عن الأكل والجماع بعد العشاء في رمضان الثابت بحديث الآحاد بقوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ( ولا يجوزُ نسخُ المتواترِ بالآحاد ِ) لأن الآحاد دون المتواتر في القوة.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم قسّم النسخ باعتبار نوع المنسوخ ؟
2- قسّم النسخ باعتبار نوع الناسخ ؟
3- مثل بمثال للنسخ ؟
( التمارين )
بيّن موضع النسخ ونوعه في النصوص التالية؟
1- قال الله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) وقال تعالى: ( الآن خففَ الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين).
2- ( رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أَوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها). رواه مسلم.
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الماء من الماء ) رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) رواه البخاري.
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وادخروا ما بدا لكم) رواه الترمذي.
.............................. .............................. .............................. .....................
1- نسخ وجوب مصابرة العدو إذا كانوا عشرة أضعاف إلى وجوب مصابرتهم إذا كانوا ضعفا واحدا، ونوع النسخ باعتبار المنسوخ هو نسخ حكم ببدل أخف منه، وباعتبار الناسخ هو نسخ كتاب بكتاب.
2- نسخ إباحة المتعة إلى حرمة المتعة، ونوع النسخ باعتبار المنسوخ هو نسخ حكم ببدل أغلظ منه، وباعتبار الناسخ هو نسخ سنة بسنة.
3- نسخ عدم وجوب الغسل إذا لم ينزل إلى وجوب الغسل، ونوع النسخ باعتبار المنسوخ هو نسخ حكم ببدل أغلظ منه، وباعتبار الناسخ هو نسخ سنة بسنة.
4- نسخ حرمة ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث إلى إباحة ذلك، ونوع النسخ باعتبار المنسوخ هو نسخ حكم ببدل أخف منه وباعتبار الناسخ هو نسخ سنة بسنة.
دعوة إلى الله
2012-07-01, 09:42 AM
حديث "شر الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد"وحديث "خير الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد "
كيف يجمع بينهما ؟
كذلك أتي بلفظ آخر وهو الذي رواه مسلم "ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها "
جزاكم الله خيرا
صفاء الدين العراقي
2012-07-01, 02:53 PM
حديث "شر الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد"وحديث "خير الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد "
كيف يجمع بينهما ؟
كذلك أتي بلفظ آخر وهو الذي رواه مسلم "ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها "
جزاكم الله خيرا
نعم الجمع بينهما بحمل كل واحد منهما على حال غير حال الآخر فيرتفع التعارض.
وذلك بأن تحمل الخيرية على ما إذا كان المشهود له لا يعلم بوجود شاهد لمصلحته فيبادر بشهادته لتعرف الحقوق ولا تضيع.
وتحمل الشرية على ما إذا كان المشهود له عالما بذلك الشاهد ولم يطلب منه الشهادة وإنما تطفل بها من غير طلب.
كذا حمله العلامة المحلي وغيره.
والله أعلم.
دعوة إلى الله
2012-07-01, 09:43 PM
جزاكم الله خيرا
صفاء الدين العراقي
2012-07-05, 08:23 PM
( الدرس السابع والعشرون )
فصل في التعارض بين الأدلة
يراد بالتعارض بين الأدلة هو التنافي بين مدلولاتها، وهو غير موجود في الأدلة الشرعية بحسب الحقيقة والواقع لأنها من عند الله سبحانه وتعالى، وإنما يحصل التعارض في ذهن الناظر فيها لقصور البشر ، وإذا حصل هذا التعارض لزم الفقيه البحث عن وسيلة صحيحة لرفع هذا التعارض من الذهن.
وهذه الوسيلة محصورة في ثلاث طرق مترتبة لا ينتقل إلى المرتبة التالية مع إمكان التي قبلها وهي:
( الجمع، ثم النسخ، ثم الترجيح ).
أولا: الجمع ومعناه: الجمع بين المتعارضين والتوفيق بين الدليلين. وللجمع ثلاث طرق هي:
1- يحمل العام على الخاص، 2- يحمل المطلق على المقيِّد، 3- تأويل الدليلين بحمل كل منهما على حال بحيث لا يبقى أي تعارض بينهما.
مثال الحالة الأولى: قوله تعالى: ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) فيقتضي بعمومه أن المطلقة الحامل تلزم ثلاثة قروء، وقوله تعالى: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) يقتضي أن عدة الحامل المطلقة وضع الحمل فتعارض العام والخاص فنحمل العام على الخاص أي نستثني منه الصورة الخاصة.
وقد تكلمنا من قبل على العام والخاص.
ومثال الحالة الثانية: قوله تعالى: ( حرمت عليكم الميتة والدم ) فالدم مطلق يشمل المسفوح وغير المسفوح، وقال تعالى: ( قل لا أجد فيما أوحيّ إليّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ) فدل بمفهوم المخالفة أنه لا يحرم غير الدم المسفوح لأنه مقيد بصفة السفح، فتعارض المطلق والمقيد فنحمل المطلق على المقيد أي نستنسخ القيد ونضعه في المطلق فيرتفع التعارض. وقد تكلمنا من قبل على المطلق والمقيد.
ومثال الحالة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ) متفق عليه فدل على تحريم استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط، وورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة ) متفق عليه، فدل على جواز استدبار القبلة بالحاجة، وقد جمع بينهما بحمل النهي على الفضاء وعدم الساتر، وحمل الجواز على البنيان ووجود الساتر.
ثانيا: النسخ فإذا لم نتمكن من الجمع بين الدليلين فننظر في التاريخ ونلجأ إلى النسخ ومثاله: عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح، وروى ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم) رواه البخاري، وحديث ابن عباس متأخر في الزمن عن حديث شداد ولم يمكن الجمع بينهما فحمل على أن الثاني ناسخ للأول. وقد تقدم الكلام على النسخ مفصلا.
ثالثا: الترجيح فإذا لم نتمكن من الجمع بين الدليلين، ولم نعرف المتقدم من المتأخر في الزمن كي نحمله على النسخ، فحينئذ لم يبقى بأيدينا سوى الترجيح وهو تقديم أحد الدليلين وترك الآخر.
وهو تارة يكون من جهة النقل،وتارة من جهة المعنى، فأما ما يكون من جهة النقل فهو خاص بالأحاديث النبوية، لأن القرآن نقل إلينا بالتواتر ولا نعني بالترجيح بالنقل هو أن يكون أحدهما صحيحا والآخر ضعيفا، لأنه لا تعارض أصلا بين صحيح وضعيف، لأن الضعيف لم يثبت فكيف يقوى على معارضة الثابت؟!.
وإنما نعني أن يكونا ثابتين من جهة الصنعة الحديثية، ولكن أحدهما أصح وأقوى سندا فحينئذ ما دمنا لم نستطع الجمع بينهما ولا القول بأن أحدهما قد نسخ الآخر ليس بأيدينا سوى أن نأخذ بالأقوى ونطرح الثاني.
وأما ما يكون من جهة المعنى فكالترجيح بالأحوط، مثل قوله تعالى: ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) فقوله ( أو ما ملكت أيمانكم ) يفيد حل الإماء عموما ومنه أن يجمع السيد بين أختين أمتين، ولكن قوله تعالى ( وأن تجمعوا بين الأختين ) يفيد حرمة نكاح الأختين معا أي كل أختين حرتين أو أمتين،فتعارضت الآيتان ولم يمكن الجمع بينهما ولا نعلم تاريخا للتقدم والتأخر فقدمنا مدلول الثانية لأنه أحوط.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم كيف يجمع بين النصين المتعارضينِ ؟
2- ما هو معنى الترجيح ؟
3- اذكر مثالا للجمع بين النصوص المتعارضة ؟
صفاء الدين العراقي
2012-07-08, 07:59 PM
( الدرس الثامن والعشرون )
أنواع التعارض
قد مر عليك مجمل بحث التعارض بين النصوص وكيفية التعامل معه، ونريد أن نبين هنا أنواع ذلك التعارض من حيث العموم والخصوص وهي أربعة:
أولا: التعارض بين نصين عامين أي متساويين في العموم بحيث تكون أفرادهما واحدة، ولكن يثبت لأحدهما خلاف ما يثبت للآخر فيقع التعارض بينهما مثل: ( أكرم الرجال ) و ( لا تكرم الرجال ) فالرجال في النصين عام ولكن طلب الإكرام لهم في نص، وعدم الإكرام في نص آخر فحصل التعارض.
فإذا وقع التعارض على هذه الصفة فهنا ثلاث حالات:
1- أن يمكن الجمع بين المتعارضين بحمل أحدهما على حال وحمل الآخر على حال بحيث يزول التعارض فيجب الجمع حينئذ إعمالا للنصين.
مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح و يقتضي إباحة كل إهاب دبغ لأن أي من صيغ العموم، وقد تعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ) رواه أحمد وغيره وهو صحيح ويقتضي عدم إباحة الانتفاع بأي إهاب لأن إهاب نكرة وقع في سياق نهي فيعم، وجمع بينهما بأن الإهاب في اللغة هو اسم للجلد الذي لم يدبغ فيباح الانتفاع بالإهاب إذا دبغ ولا يباح الانتفاع بالإهاب إذا لم يدبغ.
2- أن لا يمكن الجمع بين المتعارضين ولكن يعلم المتقدم والمتأخر فحينئذ يحمل على النسخ.
مثال: قال الله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) نسخت بقوله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) فهنا الذين يتوفون منكم لفظ عام في النصين ولم يمكن الجمع بينهما وقد علمنا أن الذي نزل أولا على النبي صلى الله عليه وسلم الآية الأولى فجعلناها منسوخة بالآية الثانية المتأخرة.
3- أن لا يمكن الجمعُ بين المتعارضينِ ولا يعلم المتقدم من المتأخر فحينئذ يصار إلى الترجيح.
مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن مسّ ذكرهُ فليتوضأ. رواه أبو داود وغيره وهو صحيح، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمسُّ ذكره أعليه الوضوء ؟ فقال: لا إنما هو بُضْعَةٌ منكَ. رواه أحمد وغيره.
فالحديثان المتعارضان عامان يتناولان كل رجل يمس ذكره فرجحنا حديث النقض لأنه أصح وأحوط للعبادة.
ثانيا: التعارض بين نصين خاصين أي متساويين في الخصوص بأن يكون اللفظ في النصين ليس من ألفاظ العموم مثل: ( أكرمْ زيداً ) و ( لا تكرمْ زيداً ) أو إن زيدا شجاع، وإنّ زيدا ليس بشجاع.
ولهما نفس الأحوال التي مرّت في العام وهي:
1- أن يمكن الجمع بين المتعارضين بحمل أحدهما على حال وحمل الآخر على حال بحيث يزول التعارض فيجب الجمع حينئذ إعمالا للنصين.
مثال: قال الله تعالى: ( إنّك لا تهدي مَن أحببتَ ) وقال تعالى: ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ).
فهذا نصان خاصان لأن موضوعهما خاص وهو شخص النبي صلى الله عليه وسلم وقد حمل عليه الهداية مرة، وحمل عليه عدم الهداية، والجمع بينهما متيسر بحمل الهداية المنفية على هداية التوفيق للإيمان، والهداية المثبتة على هداية الدلالة على الإيمان والصراط المستقيم من غير أن تكون له القدرة على قذف الهداية في قلوب الناس.
2- أن لا يمكن الجمع بين المتعارضين ولكن يعلم المتقدم والمتأخر فحينئذ يحمل على النسخ.
مثال: قال الله تعالى: ( لا يحل لك النساء مِن بعد ولا أن تُبدِّل بهن مِن أزواج ولو أعجبك حسْنُهُنَّ إلا ما ملكت يمينك ) فهي تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل له الزواج على نسائه التي عنده ثم نسخت بقوله تعالى: ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ... ).
فهاتان الآيتان موضوعهما خاص وهو النبي صلى الله عليه وسلم وقد أفادت الأولى حرمة الزواج الجديد وأحللته الآية الأخرى بدليل قول عائشة رضي الله عنها : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء. رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
3- أن لا يمكن الجمعُ بين المتعارضينِ ولا يعلم المتقدم من المتأخر فحينئذ يصار إلى الترجيح.
مثال: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم. رواه البخاري ومسلم، وقد تعارض هذا الخبر مع قول ميمونة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال. رواه مسلم، فهذان حديثان متعارضان خاصان بزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقد رجح حديث ميمونة لأنها هي صاحبة الزواج فهي أعلم من غيرها، ولذا نقول إن الراجح هو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوج ميمونة وهو حلال وليس محرما.
( تعليقات على النص )
( إذا تعارضَ نُطقانِ ) قد سبق في كلام المصنف تفسير النطق بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم (فلا يخلو إما أن يكونا عامينِ، أو خاصينِ، أو أحدُهما عاماً والآخرُ خاصاً، أو كلُ واحدٍ منهما عاماً من وجهٍ وخاصاً من وجهٍ ) هذا إجمال وسيأتي التفصيل ( فإنْ كانا عامينِ ) أي متساويين في العموم بأن يصدق كل منهما على ما يصدق عليه الآخر مثل أكرم الرجال، ولا تكرم الرجال ( فإنْ أمكنَ الجمعُ بينهما جُمِعَ ) بحمل كل منهما على معنى غير ما حمل عليه الآخر ( وإن لم يمكنْ الجمعُ بينهما يتوقفُ فيهما إنْ لم يعلمِ التاريخُ ) أي توقف في العمل بالدليلين ما لم يظهر مرجح لأحدهما على الآخر فإن ظهر مرجح عمل به، ثم إن التوقف أمر نسبي فإنه قد يتوقف مجتهد بينما لا يتوقف آخر لظهور مرجح عنده ( فإن علمَ التاريخُ نُسِخَ المتقدمُّ بالمتأخرِ ) والخلاصة هي أنه يلجأ للجمع، ثم للنسخ إن علم التاريخ، ثم للترجيح إن ظهر مرجح، ثم للتوقف إن لم يظهر له مرجح ( وكذلكَ إنْ كانا خاصينِ ) أي متساويين في الخصوص بأن يصدق كل منهما على ما يصدق عليه الآخر مثل أكرم زيدا، ولا تكرم زيدا، فيلجأ إلى الجمع ثم النسخ ثم الترجيح ثم التوقف كما هو الحال في العامين.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما معنى العامين والخاصين ؟
2- كيف يتصرف الفقيه إن حصل عنده تعارض بين عامين ؟
3- كيف يتصرف الفقيه إن حصل عنده تعارض بين خاصين ؟
عابر سبيل مصري
2012-07-18, 05:53 PM
للأسف لم أنتبه للموضوع إلا متأخراً.
هل من مزيد؟
صفاء الدين العراقي
2012-07-20, 05:45 PM
بقي القليل ويتم الكتاب.
نسأل الله التيسير.
صفاء الدين العراقي
2012-07-20, 05:49 PM
( الدرس التاسع والعشرون )
تتمة أنواع التعارض
ثالثا: التعارض بين نصين أحدهما عام والآخر خاص بأن يجتمعا في بعض الصور وينفرد أحدهما في صورة تخصه مثل: ( أكرم الرجال ) و ( لا تكرم البخلاء ) فكل بخيل رجل، وليس كل رجل بخيلا، فالمراد بالخاص هنا هو ما يشمل الخاص الإضافي الذي هو عام في نفسه ولكنه خاص بالنظر إلى ما هو أعم منه.
فإذا وقع التعارض على هذه الصفة فنلجأ إلى تقديم الخاص على العام أي استثنائه من النص العام.
مثال: قال الله تعالى: ( ولا تنكحوا المشركاتِ ) فيعم كل مشركة فيشمل اليهودية والنصرانية، ولكن قال تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب قبلكم ) أي يحل لكم الزواج بهن، فتعارض نص عام وهو المشركات مع نص خاص وهو المحصنات من الذين أوتوا الكتاب قبلكم، فنقدم الخاص على العام أي نخصص العام بالخاص ونقول: لا يحل الزواج من نساء المشركات إلا الحرائر من أهل الكتاب، فإن المحصنات هن الحرائر، وحينئذ تبقى إماء أهل الكتاب داخلات في عموم المشركات فلا يحل الزواج بهن.
رابعا: التعارض بين نصين بينهما عموم وخصوص وجهي بأن يجتمعا في صورة وينفرد كل واحد منهما في صورة تخصه مثل: ( أكرمْ الرجالَ ) و ( لا تكرمْ أهل الإساءة ) أي من الرجال والنساء، فيتعارضان في الرجال المسيئين، وينفرد الأول في الرجال غير المسيئين، وينفرد الثاني في النساء غير المسيئات.
فإذا وقع التعارض على هذه الصفة فهنا حالتانِ:
1- أن يرتفع التعارض بتخصيص عموم كل منهما بخصوص الآخر فيصار إليه.
مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه ) رواه ابن ماجة وهو ضعيف بزيادة الاستثناء وصحيح بدونها، فالحديث الأول عام في المتغير وغيره ولكنه خاص بالقلتين، والثاني عام يشمل القلتين وما دونهما ولكنه خاص بالمتغير، فيجمع بينهما بتخصيص عموم كل منهما بخصوص الآخر فنقول إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث إلا إذا تغير، وإن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه.
2- أن يرتفع التعارض بتخصيص عموم كل منهما بخصوص الآخر فيصار إلى الترجيح بينهما.
مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن بدل دينَه فاقتلوه ) روا البخاري، وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى عن قتل النساء )، فالحديث الأول عام في كل مرتد رجلا كان أو امرأة خاص في الردة، والحديث الثاني عام في كل امرأة مرتدة كانت أو حربية، خاص في النساء، فتعارضا في المرأة المرتدة هل تقتل كما يقتضي الحديث الأول، أو لا تقتل كما يقتضي الحديث الثاني ؟
فإذا أردنا الجمع بالطريقة السابقة قلنا من بدل دينه من الرجال فاقتلوه ، ونهي عن قتل النساء إلا المرتدات.
فلم تفلح هذه الطريقة برفع التعارض لأنه يبقى التعارض قائما هل تقتل المرتدة أو لا؟
فلا تنفع طريقة أن نخصص عموم كل منهما بخصوص الآخر فنلجأ للترجيح وذلك إما أن يخص عموم الأول فقط بخصوص الثاني ويصير المعنى من بدل دينه من الرجال فاقتلوه ويبقى عموم النهي عن قتل النساء على حاله بلا تخصيص، وإما أن يخص عموم الثاني فقط بخصوص الأول ويصير المعنى نهى عن قتل النساء إلا المرتدات ويبقى عموم من بدل دينه فاقتلوه على حاله بلا تخصيص.
وقد رجح أن المرأة المرتدة تقتل أي يعمل بعموم الحديث الأول ويكون النهي عن قتل النساء خاص بالحربيات وسبب الترجيح هو أن حديث النهي عن قتل النساء جاء لسبب وهو حفظ حق الغانمين فيبقى الأول على عمومه ويخص الثاني بالحربيات.
(تعليقات على النص )
(وإن كان أحدُهما عاماً والآخرُ خاصاُ فيخصصُ العامُّ بالخاصِ ) والمراد بالخص هنا ما يشمل الخاص الإضافي (وإنْ كانَ أحدُهما عاماً من وجهٍ وخاصاً من وجهٍ ) أي يجتمعان في مثال وينفرد كل واحد منهما في مثال (فيخصُّ عمومُ كلِ واحدٍ منهما بخصوصِ الآخرِ ) مثال ذلك أن يقال أكرم الرجال ثم يقال لا تكرم أهل الكفر، فالرجال وأهل الكفر يجتمعان في الرجال الكفار، وينفرد الرجال في الرجال المؤمنين، وينفرد أهل الكفر في النساء الكافرات وحينئذ فبينهما عموم وخصوص من وجه فيجمع بينهما بأن نخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر فنقول: أكرم الرجال إلا الكفار منهم، ولا تكرم الكفار إذا كانوا رجالا فحينئذ لا بأس بإكرام المرأة الكافرة، هذا إذا ارتفع التعارض بذلك فإن لم يرتفع فيرجح أحدهما على الآخر.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما معنى التعارض بين عام وخاص، وبين عامين من وجه ؟
2- كيف يرفع التعارض إذا وقع بين عام وخاص ؟
3- كيف يرفع التعارض إذا وقع بين عامين من وجه ؟
( التمارين )
بيّن طريقة الجمع بين النصوص المتعارضة الآتية؟
1- قال الله تعالى: ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) وقال تعالى: ( وقفوهم إنهم مسئولون ).
2- قال تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ) متفق عليه.
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر، حتى تغيب الشمس) متفق عليه، وقال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) متفق عليه.
.............................. .............................. .............................. ..............
1- الآية الأولى تقول إنه لن يسأل الإنسان عن ذنوبه والثانية تقول إنه سيوقف ليسأل، ورفع التعارض يكون بالجمع وذلك بحمل كل منهما على حال مختلف فيحمل الأول على سؤال الاستفهام ويحمل الثاني على سؤال التوبيخ.
2- الآية الأولى تقول كل سارق تقطع يده مهما كان قيمة المسروق، والحديث يقول لا تقطع يد السارق إلا إذا كان ما سرقه يبلغ ربع دينار فصاعدا، ورفع التعارض يكون بالجمع بينهما بحمل العام على الخاص أي السارق والسارقة إذا سرقا ربع دينار فصاعدا فاقطعوا أيديهما.
3- الحديث الأول عام في الصلاة يشمل تحية المسجد وغيرها وهو خاص في الوقت، والحديث الثاني عام في الوقت خاص بتحية المسجد فبينهما عموم وخصوص وجهي وقد تعارضا في صورة تحية المسجد بعد الصبح والعصر، ورفع التعارض يكون بترجيح مدلول الحديث الثاني بتخصيص عموم النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر بغير تحية المسجد لأنها صلاة ذات سبب، ويبقى الثاني على عمومه فمتى دخل المسجد في أي وقت توجه له الخطاب إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين.
صفاء الدين العراقي
2012-07-20, 05:53 PM
( الدرس الثلاثون )
الإجماع
الإجماع: اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة.
مثال: أجمع علماء المسلمين على أن الحائض تقضي ما أفطرته من شهر رمضان.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
قولنا: ( اتفاق ) هو حصول التوافق من الكل فيخرج ما لو خالف البعض فلا يكون إجماعا.
قولنا: ( علماء ) نعني بالعلماء فقهاء المسلمين دون غيرهم كاللغويين والأصوليين.
قولنا: ( العصر ) هو الزمن قل أو كثر، والمراد في أي عصر من العصور من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.
قولنا : ( على حكم ) الحكم هو إثبات شيء لآخر، والمراد به هنا هو الحكم الشرعي كالوجوب والحرمة.
قولنا ( الحادثة ) أي المسألة التي يمكن أن تحدث وتقع، ونعني بالحادثة هي الحادثة الشرعية لا غيرها من الحوداث كمسائل اللغة والعلوم الطبيعية.
شروط الإجماع:
1- وجود الاتفاق فلو كان في عصرنا اليوم 100 فقيه فلا بد من أن يتفقوا جميعهم على الحكم فلو خالف واحد أو أكثر لم يعتبر إجماعا وإنما هو رأي الأكثر.
2- أن يكون الاتفاق وقع من علماء الفقه فلا اعتداد باتفاق غيرهم كعلماء اللغة وعلماء الأصول، فلو اجتمع علماء الفقه على حكم شرعي في مسألة وخالف علماء البلاغة مثلا فلا اعتبار بخلافهم وينعقد الإجماع لأن هذا خارج عن محل تخصصهم.
3- أن يكون الاتفاق من علماء الفقه وقع على أمر ديني كالمسائل المتعلقة بالصلاة والصوم والبيوع والجهاد ونحو ذلك بخلاف غيرها كالمتعلقة بالأمور العقلية كحدوث العالم، أو الأمور الدنيوية كإدارة المعارك الحربية ونحو ذلك مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية العملية.
4- أن يكون للإجماع دليل يستند عليه وقد يكون كتابا أو سنة أو قياسا ومنه نعلم أن المجتهدين لا يشرعون حكما لأن حق التشريع لله سبحانه وإنما يكشفون بعلمهم عن مراد الله سبحانه لأنهم لما أجمعوا علمنا أن الله عز وجل أراد هذا الحكم وقد أودعه كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم إما بشكل واضح أو خفي يحتاج إلى استنباط.
مسائل
أولا: الإجماع حجة على العصر التالي، فلو اجمع فقهاء الصحابة كلهم على حكم لم يكن لعلماء العصور التالية أن تخالفهم، ولو اجمع فقاء هذا العصر على مسألة لم يجز للعصر الذي بعدنا أن يخالفوا إجماع من سبقهم.
ثانيا: لا يشترط انقضاء العصر على الصحيح من أقوال أهل العلم، أي لو اجمع الفقهاء في يوم معين على حكم شرعي فقد صار ملزما فلا نشترط لحجيته أن يزول العصر الذي وقع فيه الإجماع ويأتي عصر آخر بأن يموت المجمعون ويأتي غيرهم ويتفرع عن هذا أمرين:
1- لا يجوز لبعض الفقهاء أن يرجع عن رأيه الذي حصل به الإجماع لأنه ما دام أن الإجماع قد تحقق بقول الفقهاء جميعهم في وقت ما فلا يمكن أن يرجع ويقول قد تغير اجتهادي وبالتالي انخرم الإجماع بل لا حقَّ له بالمخالفة.
2- لو كبر بعض طلبة العلم في ذلك العصر حتى صار فقيها فلا يحق له أن ينقض الإجماع الذي سبقه، نعم في الإجماع الجديد لا بد من رأيه أما فيما سبق فلا ،وقال بعض العلماء: إن انقراض عصر الإجماع شرط لحجية الإجماع، وعليه فلهم حق الرجوع وإذا ولد من صار فقيها بعد وهو في حياتهم فله مخالفتهم.
3- قول بعض الصحابة ليس حجة من الحجج الشرعية كالكتاب والسنة والإجماع، فإذا أجمع الصحابة فإجماعهم حجة ولكن قول بعضهم ليس حجة على البعض الآخر ولا على العصور التي بعدهم.
أنواع الإجماع
الإجماع نوعان: إجماع صريح وإجماع سكوتي.
أولا: الإجماع الصريح وهو: اتفاق الفقهاء على رأي بقولهم أو فعلهم.
مثل أن يجتمعوا في مجلس وكل فقيه يقول بنفس القول فيحصل الإجماع.
ويمكن أن يتفقوا جميعا على فعل معين فيدل على مشروعيته بالإجماع مثل أن يتعاملوا بنوع معين من أنواع البيوع ولا يمتنع عنه أي فقيه في ذلك العصر فيحصل الإجماع على جواز تلك المعاملة. وهذا الإجماع حجة عند العلماء.
ثانيا: الإجماع السكوتي وهو: قول أو فعل وقع من بعض الفقهاء وسكت عليه الباقون.
مثل أن يتفق علماء العراق على حكم في مسألة فقهية ويبلغ قولهم هذا كل فقهاء العالم ثم يسكتوا عنه ولا يصدر أي اعتراض من أي فقيه مع وجود الزمن الكافي للنظر والبحث فحينئذ يعد إجماعا.
وهذا الإجماع حجة في رأي الكثيرين وخالف فيه البعض.
( تعليقات على النص )
( وأمّا الإجماعُ ) الذي هو أحد أبواب أصول الفقه ( فهو اتفاقُ علماءِ العصرِ ) والعصر هو الزمن قل أو كثر ( على حكمِ الحادثةِ ) أي المسألة الني يمكن أن تحدث وتقع ( ونعني بالعلماءِ الفقهاءَ ) دون غيرهم ( ونعني بالحادثةِ الحادثةَ الشرعيةَ ) دون غيرها كالحادثة اللغوية والطبيعية ( وإجماعُ هذه الأمةِ حجةٌ دونَ غيرها ) من الأمم ( لقولِه صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لا تجتمعُ أمتي على ضلالةٍ ) رواه الترمذي وغيره وقد ضعف الحديث ومعناه أن الله لا يجمع هذه الأمة على خطأ سواء عمدا أو سهوا فيدل على أن إجماعهم حجة ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق رواه مسلم ( والإجماعُ حجةٌ على العصرِ الثاني وفي أي عصرٍ كانَ ) فلا يحل للعصر الذي بعد الإجماع أن يخالفه (ولا يشترطُ انقضاءُ العصرِ على الصحيحِ ) من أقوال العلم فمتى أجمع العلماء في ساعة فقد انعقد الإجماع ( فإن قلنا انقراضُ العصرِ شرطٌ ) كما قاله بعض أهل العلم ( فيعتبرُ قولُ مَن ولدَ في حياتِهم ) أي حياة المجمعين ( وتفقَّهَ وصارَ من أهلِ الاجتهادِ ) فإذا أجمع الفقهاء على حكم ثم بعد سنين طويلة ولد شخص في حياتهم وكبر وصار مجتهدا فيحل له مخالفة الإجماع لأن العصر لم ينقض بعد ( ولهم ) أي للمجمعين ( أن يرجعوا عن ذلكَ الحكمِ ) الذي أجمعوا عليه أي يتغير اجتهادهم وهذا تفريع على القول المرجوح.
( والإجماعُ يصحُ بقولِهم وبفعلِهم ) أي بقول الفقهاء وبفعلهم كأن يتعاملوا بمعاملة معينة فيدل على جوازها ويسمى هذا بالإجماع الصريح ( وبقولِ البعضِ وبفعلِ البعضِ وانتشارِ ذلكَ ) القول أو الفعل الذي فعله بعض الفقهاء ( وسكوتِ الباقينَ عليه ) أي سكوت بقية المجتهدين فيكون إقرارا منهم ويسمى هذا بالإجماع السكوتي.
( وقولُ الواحدِ من الصحابةِ ) أو أكثر ( ليسَ حجةً على غيرِه ) من الصحابة أو ممن بعدهم من علماء العصور.
( على القولِ الجديدِ ) من أقوال الإمام الشافعي وهو ما ذكره في مصر، أما قوله القديم وهو ما قاله في العراق فكان الإمام يحتج بقول الصحابي الذي لم ينقل خلافه عن صحابي آخر في ثبوت الأحكام الشرعية ليس لأنه معصوم بل لأن الظاهر أنه أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يقال إنه يجتهد أيضا فما أدرانا أنه أخذه من الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن اجتهادا له.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو الإجماع ؟
2- ما هي أنواع الإجماع ؟
3- هل يشترط انقراض عصر المجمعين لحجيته ؟
( التمارين )
بين موضع الإجماع في النصوص التالية؟
1- قال الله تعالى: ( للذكر مثل حظ الأنثيين ).
2- قال الله تعالى: ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ).
3- قال الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ).
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتوارث أهل ملتين ) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح.
.............................. .............................. .............................. ....................
1- أجمعوا على أن الابن يرث ضعف البنت.فإن قيل: ما فائدة الإجماع على ذلك وهو مذكور بنص القرآن؟ قلنا لرفع الاحتمال والتأويل فلا يقبل أبدا.
2- أجمعوا على أن الجماع يُفسد الاعتكاف.
3- أجمعوا على حرمة الصيد حال الإحرام.
4- أجمعوا على أن الكافر لا يرث المسلم.
صفاء الدين العراقي
2012-07-25, 12:00 AM
( الدرس الواحد والثلاثون )
باب الأخبار
الأخبار جمع خبر ومعناه: كلام احتمل الصدق والكذب.
مثل: زيد قائم، فهذا الكلام يفيد معنى وهو ثبوت القيام والوقوف لزيد فننظر في الواقع فإن كان زيد قائما فهو صدق لمطابقة الكلام للواقع، وإن كان زيد غير قائم فهو كذب لمخالفته للواقع، فاحتماله للصدق والكذب هو على سبيل البدل فإما أن يكون صدقا وإما أن يكون كذبا.
والكلام بعضه خبر وبعضه إنشاء.
والإنشاء هو: كلام لا يحتمل الصدق والكذب. مثل قم ولا تقعد.
وسبب احتمال الخبر للصدق والكذب دون الإنشاء هو أنه في الخبر توجد حكاية عن أمر حصل في الواقع فحينئذ يحتمل أن تكون تلك الحكاية صدقا أو كذبا، بينما في الإنشاء أنت لا تحكي عن شيء بل تطلب وجود شيء أو عدم وجوده فلا توجد مقارنة بين مفهوم الكلام والواقع لأنه لا واقع أصلا للإنشاء.
تقسيم الخبر
ينقسم الخبر من حيث طريق وصوله إلى قسمين:
أولا: متواتر، ثانيا: آحاد.
فالمتواتر: ما رواه جمع عن جمع يحيل العقل اتفاقهم على الكذب وينتهي إلى أمر محسوس.
ومن هذا التعريف نستخلص شروط الخبر كي يكون متواترا وهي:
1- أن يرويه جماعة فلا يكفي الواحد والاثنين والثلاثة ونحو ذلك.
ولم يشترط العلماء عددا معينا ، بل متى حصل في النفس العلم واليقين بصدق الخبر فهو متواتر.
2- أن تكون الكثرة في كل طبقة إلى أن يصل إلى المخبر به.
فلو رواه 100 عن 100 عن 3 عن 100 لا يعتبر متواترا لأنه في طبقة من الطبقات لم تتوفر فيه الكثرة.
3- أن يستحيل الاتفاق على الكذب. أي لا يمكن أن يحصل اتفاق بين الرواة على الكذب لكثرتهم فلو احتمل الاتفاق على الكذب في طبقة ما لم يكن متواترا.
ولهذا لو نقل إلينا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في إحدى طبقاته جمع ما بين كذاب وفاسق لم نلتفت لذلك الخبر لأن تواطئهم على الكذب واردٌ.
4- أن يكون في طبقته الأولى ناشئا عن مشاهدة أو سماع. مثاله أن يروي جمع عن جمع عن جمع من الصحابة أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، فهذا رجع إلى أصل محسوس فالطبقة الأولى في هذا النقل وهم طبقة الصحابة سمعوا الخبر فنقلوه، وكذا إذا قالوا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا، فهذا رجع إلى المشاهدة بالعين.
ويراد من هذا الشرط الاحتراز عن الخبر الذي يرجع إلى الاجتهاد وقد مثلوا لذلك بقول الفلاسفة بقدم العالم أي أن بعض العالم كالشمس و الكواكب قديمة منذ الأزل فهي قديمة بقدم الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
فلو روى هذا الخبر جمع كثيرون عن مثلهم فهو لا يعتبر متواترا ولا يفيد العلم لأنه لم يرجع إلى أمر محسوس بل رجع إلى اجتهاد ورأي عقلي يحتمل الغلط.
مثال آخر: ما تحكيه النصارى عن مجامعهم الأولى ويدعون أنه متواتر وقد رواه خلق كثير عن خلق كثير إلى أن وصل إلى ذلك المجمع الذي اجتمع فيه جمع غفير ليقرروا عقيدتهم بعيسى بن مريم عليهما السلام وقد قرروا أنه إله وابن إله، فمثل هذا لا يوجب العلم بل ولا الظن لأنه صدر عن رأيهم وتفكرهم فلم ينته إلى أصل محسوس.
والقصد هو أن سماع خبر عن كثرة لا يفيد العلم للسامع إذا كان منشأ القول هو الاجتهاد، فهذا هو بيان المتواتر عموما سواء أكان خبرا عن الله وهو القرآن أو خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خبرا عن أي شخص آخر فكل خبر عن أي مخبِر به لا يكون متواترا إلا إذا توافرت فيه هذه الشروط.
أما الآحاد فهو: ما فقد شرطا من شروط التواتر. مثل أن يروي الحديث واحد عن واحد أو يرويه جمع عن واحد.
وخبر الآحاد قد يكون مقبولا وقد يكون مردودا كأن يكون بسبب أن راوي الحديث سيء الحفظ فحينئذ لا نقبل حديثه.
وإذا كان مقبولا فهو يفيد الظن الذي يكفي للعمل به، فلا يشترط التواتر لكل خبر جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل متى صح سنده وجب العمل به.
( تعليقات على النص )
( وأما الأخبارُ ) التي هي من أبواب أصول الفقه ( فالخبرُ ) الذي هو مفرد الأخبار ( ما يدخلُه الصدقُ والكذبُ) وما تفسر بكلام ( والخبرُ ينقسمُ إلى آحادٍ ومتواترٍ فالمتواترُ ما يوجبُ العلمَ ) أي القطع بمدلول الخبر ( وهو أنْ يرويَه جماعٌة لا يقع التواطؤُ ) أي الاتفاق ( على الكذبِ من مثلِهم ) ويستمر رواية الجماعة عن جماعة أخرى ( إلى أن ينتهيَ إلى المخبَر عنهُ ) وهو الشخص الذي يذكر عنه الخبر مثل الرسول صلى الله عليه وسلم ( فيكونُ في الأصلِ ) أي في الطبقة الأولى كطبقة الصحابة صدر ( عن مشاهدةٍ أو عن سماعٍ ) أي تلقي عن المخبر عنه إما لسماعه يتحدث أو لمشاهدته يفعل ( لا عن اجتهادٍ) قاله المخبِر به لأن هذا رأي وهو يحتمل الغلط ( والآحادُ هو الذي يوجبُ العملَ ولا يوجبُ العلمَ ) بل يعطي الظن وهو كاف لوجوب العمل فهذا هو حكمه والآحاد كل ما فقد شرطا من شروط التواتر ككونه من واحد إلى واحد.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو الخبر ؟
2- ما هي أقسام الخبر ؟
3- ما هي شروط المتواتر.
صفاء الدين العراقي
2012-07-26, 09:37 PM
( الدرس الثاني والثلاثون )
تقسيم خبر الآحاد إلى مسند ومرسَل
وينقسم الخبر بحسب السند والرواة الذي رووا الخبر إلى قسمين:
1- مسند، 2- مرسل.
فالمسند: ما اتصل إسناده، والمرسل: ما انقطع إسناده.
مثال المسند أن يروي الحديث مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا الخبر يعتبر مسندا لأن رواته سمع كل واحد منهم من الآخر.
ومثال المرسل أن يروي الحديث مالك عن نافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا يسمى مرسلا لأن نافعا لم يلتق بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسمع منه بل هنالك واسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم سقط من الإسناد.
والمرسل من أقسام الخبر المردود فلا يحتج به لأننا لا ندري من هو الراوي الذي أُسقط من السند وهل هو ثقة أو ضعيف إلا مراسيل الإمام سعيد بن المسيَّب رحمه الله، وسبب الاستثناء أن العلماء تتبعوا ما رواه هذا التابعي الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوه متصل الإسناد من طريق آخر.
مثل أن يقول الزُّهري حدثنا سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسعيد ليس بصحابي لأنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم فالخبر مرسل أي فيه انقطاع فالمفروض رده، ولكن لأن مروياته تأتي متصلة من طريق آخر قبلت مثل أن يقول قتادة سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيروي نفس الحديث الذي رواه الزهري عن سعيد بن المسيب منقطعا.
فالراوي الذي يسقطه سعيد بن المسيب هو صحابي ولا تضر جهالته لأنهم عدول كلهم، وغالبا ما يكون الصحابي هو أبو هريرة رضي الله عنه وكان قد زوّج ابنته لسعيد بن المسيب رحمه الله.
وهنا مسألتان: الأولى: إن وجود العنعنة في الإسناد لا يجعل الخبر مرسلا إلا إذا كان الرواي مدلسا.
وهذا كلام يحتاج إلى توضيح فنقول: إن راوي الخبر قد يرويه بصيغة سمعتُ وأخبرني ونحو ذلك فتفيد هذه الصيغة أن الراوي سمع هذا الخبر من راو آخر، وأحيانا يرويه بصيغة عن، فهذه صيغة محتملة لأنه قد يكون تلقى الخبر بطريق غير مباشر بل مع واسطة غير مذكورة في الإسناد، فالعنعنة هي رواية الخبر بعن فلان، فحينئذ إذا قال الراوي عن فلان فهل نحمل الخبر على أنه مسند متصل أو على أنه مرسل منقطع؟
والجواب: نحمله على أنه مسند متصل فيكون هذا الخبر مقبولا محتجا به ، ويستثنى من ذلك إذا كان الرواي مدلسا فإن خبره حينئذ يحمل على الإرسال والانقطاع.
والتدليس هو: أن يوهم الرواي أنه سمع الحديث ممن لم يسمعه منه، أي يقول الراوي عن فلان فيفهم السامع أنه سمع من فلان هذا الخبر وهو في الحقيقة لم يسمعه منه بل قد يكون هنالك رجل آخر بينهما قد أسقطه من الإسناد.
مثال: مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا.
( فمالك عن نافع عن ابن عمر ) هذا اسناد الخبر. وهذا الخبر معنعن. رجعنا إلى كتب التراجم أي التي تترجم للرواة وتبين أحوالهم فوجدناهم ثقات عدولا ليس فيهم مدلس فنحمل الخبر على الاتصال بأن يكون مالك قد سمعه من نافع ونافع قد سمعه من ابن عمر فيكون الخبر محتجا به.
مثال: بقية بن الوليد عن سعيد بن أبي سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا، فبقية يحتج بحديثه ولكنه مدلس ولم يقل سمعتُ بل عنعن أي قال عن فلان فحديثه مرسل منقطع.
قال أهل العلم الحديث أصله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي جريّ عن هشام ... فأسقط بقية بن الوليد أبا جري وجعل الإسناد يبدو مقبولا وفي الحقيقة إن أبا جريّ ضعيف لا يحتج به.
المسألة الثانية: في ذكر بعض أساليب تلقي الخبر عن الشيخ وكيفية روايته.
1- إذا كان الشيخ هو من يقرأ مروياته والطالب يسمع منه فيجوز للطالب أن يقول حدثني أو أخبرني، وإذا كان الطالب هو الذي يقرأ والشيخ يسمع منه فيقول أخبرني ولا يقول حدثني.
مثال: زيد راوية من رواة الحديث جالس في المسجد وحوله تلاميذه وهو يقول حدثني عمرو عن بكر عن علي فهنا الشيخ هو الذي يروي الأحاديث فحينئذ التلاميذ حينما يروون الأحاديث عن شيخهم ماذا يقولون؟ الجواب: يقولون حدثنا زيد قال حدثني عمرو عن بكر عن علي، ويجوز أن يقولوا أخبرنا زيد.
وإذا حصل العكس وهو أن التلاميذ كانوا يقرءون كتاب شيخهم زيد أي أنه دفع إليهم مروياته في كتاب وطلب منهم أن يقرؤها عليه فحينئذ حينما يريدون أداء الخبر عنه يقولون أخبرنا زيد قال حدثني عمرو عن بكر عن علي. وهذا الفرق هو اصطلاح للعلماء ( عرف خاص ) أما اللغة العربية فلا تمنع من استخدام حدثنا.
2- إذا كان الشيخ أجاز الطالب بالرواية عنه فيقول الطالب أجازني فلان أو أخبرني إجازة مثاله زيد قال لعمرو أجزتك أي أذنت لك أن تروي عني هذا الكتاب أي يكون في هذا الكتاب أسانيد زيد عن شيوخه فحينئذ يجوز لعمرو أن يقول أجازني زيد عن فلان عن فلان، ويذكر السند الذي في الكتاب ويجوز أن يقول أخبرني إجازة أي يقيد الإخبار بالإجازة. فالفرق هنا أن عمرا لم يقرأ على زيد ولم يقرأ زيد عليه بل أجازه بمروياته.
( تعليقات على النص )
( وينقسمُ ) أي خبر الآحاد ( إلى مرسلٍ ومسندٍ فالمسندُ ما اتصلَ إسنادُه ) بأن ذكر في السند رواته كلهم (والمرسلُ ما لمْ يتصلْ إسنادُه ) بأن سقط بعض رواته من السند ( فإنْ كانَ مِن مراسيلِ غيرِ الصحابةِ فليسَ بحجةٍ) أما مراسيل الصحابة فهي أن يروي الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه منه ويعرف ذلك بأن الصحابي صغير لم يدرك تلك الحادثة التي رواها فهذه حجة لأن الصحابي قد سمعه من صحابي آخر ولا يضر عدم ذكره لأنهم كلهم عدول ( إلا مراسيلَ سعيدِ بنِ المسيبِ فإنها فُتشتْ ) أي فتش عنها ( فوجدتْ مسانيدَ ) أي وجدت تلك المراسيل مسانيد أي رواه له الصحابي فحينئذ يحتج بها.
( والعنعنةُ ) وهي رواية الخبر بعن فلان ( تدخلُ على الإسنادِ ) أي تجامع الإسناد المتصل ولا تنافيه إلا إذا كان الراوي مدلسا فحينئذ لا تعد من الأسانيد المتصلة بل من المنقطعة الضعيفة.
( وإذا قرأ الشيخُ ) على الطلاب سواء من كتاب أو من حفظه ( يجوزُ للراوي ) عن ذلك الشيخ ( أن يقولَ حدثني أو أخبرني ) ذلك الشيخ ( وإن قرأ هو على الشيخِ يقولُ ) الرواي ( أخبرني ولا يقول حدثني ) وهذا اصطلاح للمحدثين وإلا فاللغة العربية لا تمنع استعمال التحديث أيضا.
( وإن أجازَهُ الشيخُ ) بمروياته ( من غيرِ قراءةٍ ) لا من الشيخ ولا من الطالب ( فيقولُ ) الرواي ( أجازني أو أخبرني إجازةً ) ولا يجوز أن يقول أخبرني بلا تقييد بكلمة إجازة.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو المسند والمرسل؟
2- ما هي العنعنة وما هي حكمها ؟
3- ما حكم مراسيل الصحابة ؟.
صفاء الدين العراقي
2012-07-28, 03:34 PM
( الدرس الثالث والثلاثون )
باب القياس
القياس هو: إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة تجمع بينهما.
مثال: قال الله تعالى: ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)
الخمر – وهي عصير العنب – قد نص الله سبحانه على حرمتها لأنها مسكرة، فجاء المجتهد فقال: بما أن العلة هي الإسكار، وبما أنها متحققة في عصير الشعير والعسل والتمر وغيره فهي محرمة أيضا فألحقنا عصير الشعير ونحوه بالخمر في الحرمة لعلة تجمع بينهما وهي الإسكار.
وخلاصته هو أن يرد في القرآن أو السنة بيان حكم أمر ما، وتعلم العلة من ذلك الحكم، وتأتي مسألة لم يبين حكمها في القرآن أو السنة فنجعل حكم المسألة غير المبينة هو نفس حكم المسألة المبينة بسبب اتحادهما في العلة.
وينقسم القياس إلى ثلاثة أقسام: قياس عِلة- وقياس دلالة- وقياس شَبَه.
أولا: قياس العلة وهو: أن تكون العلة فيه موجِبةً للحكم ، ومعنى موجبة أي مقتضية اقتضاء تاماً لثبوت مثل حكم الأصل للفرع، بأن لا يحسن في نظر العقل عدم وجود حكم الأصل في الفرع مع وجود العلة في الفرع، وإنما لم يحسن في نظر العقل ذلك لأحد أمرين:
1- إما لأن العلة في الفرع أولى في الحكم من الأصل، فحينئذ يقبح في نظر العقل أن يثبت الحكم للأصل ولا يثبت في الفرع مع أنه أولى بالحكم منه.
2- وإما لأن العلة في الفرع مساوية تماما للعلة في الأصل، فهنا لأن العقل لا يفرق بين المتماثلين يقبح في نظره أن يوجد الحكم في الأصل ولا يوجد في الفرع مع أن العلة التي شرع لأجلها حكم الأصل موجودة بعينها في الفرع.
مثال: قال الله تعالى ( فلا تقل لهما أفٍّ )، والعلة فيه هي الإيذاء فيقاس عليه الضرب وهنا العلة أتم في الفرع فلذا يقبح في نظر العقل أن يحرم التأفف ولا يحرم الضرب والشتم لهما، ويسمى هذا النوع من القياس بقياس الأولى.
مثال: قال الله تعالى: ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ).
فأكل مال اليتيم محرم لعلة واضحة وهي تضييع مال اليتيم وهي موجودة بعينها في شرب مال اليتيم أو استهلاك ماله باللبس أو بأي طريقة أخرى تؤدي لضياع ماله، فهنا لا يحسن في نظر العقل أن يقال يحرم أكل ماله ولكن لا يحرم تضييع ماله وإهداره بأي طريقة أخرى لأنه سيقول وأي فرق في حصول التضييع بين الأكل والشرب ونحوه!. ويسمى هذا القياس بالمساوي، فتلخص أن العلة تكون موجبة للحكم إذا كان القياس أولى أو مساويا.
ثانيا: قياس الدلالة وهو: أن لا تكون العلة موجبة للحكم، أي أن العلة لا تكون مقتضية ومستلزمة للحكم بشكل قطعي كما في قياس العلة بل تكون دالة على الحكم دلالة ظنية لقيام الاحتمال فلذا لا تكون موجبة للحكم.
فالفرق بين قياس العلة والدلالة: أنه يقبح عقلا في الأول تخلف الحكم عن الفرع بخلافه في الثاني لقيام الاحتمال.
مثال: قال الله تعالى: ( وآتوا الزكاة )، والزكاة حق المال فكل مال نام تجب فيه الزكاة بغض النظر عمن يملك المال من كونه بالغا أو غير بالغ،وقد انعقد الإجماع على وجوب الزكاة في مال البالغ واختلف في مال الصبي فهل يقاس عليه الصبي ؟ الجواب: نعم يقاس عليه ولكن العلة هنا غير موجبة وملزمة للحكم بل تدل عليه بشكل ظني لأنه لا يقطع بنفي الفارق بين مال الرجل وبين مال الصبي فقد يجعل الصغر مانعا من وجوب الزكاة في ماله من حيث إنه لا يحسن التصرف في ماله ولا تنميته بخلاف البالغ، فهذا الاحتمال وارد ولأجله تضعف قوة القياس وإن كان محتجا به اعتمادا على الظاهر وهو أن الأصل عدم تأثير هذا الاحتمال في وجوب الزكاة.
مثال: قال تعالى: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف قي القتل ) فمن قتل مسلما عمدا عدوانا وجب عليه القصاص وقد أجمعوا على أن القتل بمحدد يوجب القصاص أي ما يقتل بحده وطرفه ويخترق الجسد كالسيف والسكين والسهم ونحو ذلك ولكن اختلفوا في المثقَّل أي ما يقتل بثقله كالحجر فقال الجمهور يقتل من قتل شخصا به وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله لا يقتل به والجمهور قاسوا القتل بالمثقل على القتل بالمحدد بعلة أن كلا منهما قتلٌ عمدٌ، وهذا القياس الفارق فيه محتمل لأن المحدد آلة للقتل لا إشكال فيها بينما القتل بمثقل لم يجعل آلة للقتل بل للتأديب والمعاقبة كالعصا الغليظة فالفارق بين الآلتين وارد فلا يتأتى أن نقول إن القتل بمثقل أولى من المحدد ولا مساو له تماما فلأجل هذا الاحتمال ضعفت العلة عن أن تكون موجبة للحكم، ومع هذا فالجمهور لم يسقطوا هذا القياس بناءا على أن الظاهر هو المثلية بين الآلتين وأن هذا الاحتمال مع وروده إلا أن الظاهر خلافه.
ثالثا: قياس الشبه وهو: قياس الفرع المردد بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبها ، أي أن يأتي شيء لم ينص على حكمه في الشرع وهو يشبه في صفاته شيئين آخرين فينظر الفقيه أيهما أكثر شبها فيه فيلحق به ويعطيه حكمه.
مثال: العبد إذا قتله حرٌ، فهنا لا ندري أيدفع الحر قيمته لسيده أو يدفع ديته؟ فنظرنا فإذا العبد متردد بين أصلين: الأول أن يلحق بالإنسان الحر من جهة أنه إنسان مثله الثاني: أن يلحق بالبهائم من جهة أنه مال مثلها فنظرنا فوجدنا أن شبهه بالمال أكثر بدليل أن يباع ويشترى ويؤجر ويوقف فنلحقه بالبهائم فيضمن العبد بقيمته.
مثال: الوضوء متردد بين أصلين : الأول: التيمم من حيث إنهما طهارة عن حدث، الثاني: إزالة النجاسة من حيث إنهما طهارة مائية، ووجد أن شبهه بالتيمم أكثر من جهة أن ينوب أحدهما مكان الآخر ويطلب فعلهما للصلاة.
أما إزالة النجاسة فيطلب تركها فحينئذ تجب النية في الوضوء قياسا على التيمم.
( تعليقات على النص )
( وأمَّا القياسُ ) الذي هو أحد أبواب أصول الفقه ( فهو ردُّ الفرعِ إلى الأصلِ ) أي إلحاق الفرع بالأصل ( بعلةٍ ) أي بسبب علة ( تجمعُهُما في الحكمِ ) أي تدل على ثبوت الحكم في الأصل والفرع معا، كقياس النبيذ على الخمر.
( فقياسُ العلةِ : ما كانتْ العلةُ فيهِ ) أي في القياس ( موجِبةً للحكمِ ) أي مقتضية ومستلزمة له بصورة تامة بحيث لا يحسن في العقل وجود الحكم في الأصل دون الفرع مثل قياس حرمة الضرب على التأفف بجامع الإيذاء.
( وقياسُ الدلالةِ هو: الاستدلالُ بأحدِ النظيرينِ على الآخرِ ) أي أن يدل أحد المتشابهين في الأوصاف على حكم الآخر أي يدل الأصل على الفرع كما يدل القتل بمحدد على حكم القتل بمثقل وهو وجوب القصاص ( وهوَ ) أي الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر (أن تكونَ العلةُ ) أي العلة في ثبوت الحكم للأصل ( دالةً على الحكم ولا تكون موجبةً للحكمِ ) وإنما دلت على الحكم ولم توجبه لوجود فارق محتمل بين الأصل والفرع كما كنا قد بيناه من قبل (وقياسُ الشَبَهِ هو: الفرعُ ) أي هو قياس الفرع ( المرددُ ) أي المتردد ( بين أصلينِ ) لمشابهته لكل منهما فهو لا يشبه بقية أنواع القياس التي لا تتردد بين أصلين ( فيلحقُ بأكثرِهما شَبَهاً ) له كما في العبد إذا قُتل فيتردد بين أصلين كونه إنسانا وكونه مالا فيلحق بالمال لأنه أكثر شبها به من جهة أنه يباع ويشترى. ثم لا يخفى أن قياس الشبه فيه نوع ضعف ولهذا لا يلجأ إليه مع إمكان قياس العلة فيه أو قياس الدلالة.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو القياس ؟
2- كيف تفرق بين قياس العلة وقياس الدلالة؟
3- ما هو قياس الشبه ؟
صفاء الدين العراقي
2012-07-28, 03:36 PM
( الدرس الرابع والثلاثون )
أركان القياس وشروطها
قد علمتَ أن القياس هو: إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة تجمع بينهما، وإذا تأملنا في التعريف نجد أن القياس يتوقف حصوله على أربعة أركان هي:
أولا: الأصل وهو المعلوم حكمه بالنص مثل الخمر، ثانيا: الفرع وهو المجهول حكمه مثل النبيذ، ثالثا: الحكم وهو ما ثبت للأصل كالحرمة الثابتة للخمر، رابعا: العلة وهي الباعث على الحكم في الأصل كالإسكار الذي هو الوصف الباعث على تحريم الخمر،فالعلة هي ما تقع في جواب لم، فيقال لم حرّمت الخمر فيقال: لأنها مسكرة.
ثم في كل ركن من الأركان شروط تشترط فيه لا بد من مراعاتها أثناء عملية القياس وهي:
أولا: يشترط في الأصل ما يلي:
1- أن يكون الحكم فيه ثابتا بنص أو إجماع فقط، أي لا بد أن يكون الأصل المقيس عليه قد ثبت حكمه بكتاب أو سنة أو إجماع، ولا يمكن أن يثبت الحكم في الأصل بقياس ثم نأتي لنقيس عليه فهذا فاسد، مثل الخمر فقد ثبت حكمها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع ،والنبيذ ثبت حكمه بالقياس على الخمر ولا يصلح أن نقيس على النبيذ شيئا بل نقيسه على الخمر.
2- أن لا يكون الحكم فيه منسوخا، وهذا واضح لأنه إذا كان الأصل منسوخا فلا يصح أن يقاس عليه.
مثل من يقيس إفطار من يتبرع بالدم وهو صائم على الحجامة في الصوم وقد علمتَ أن حديث الحجامة منسوخ.
ثانيا: يشترط في الفرع ما يلي:
1- أن لا ينص الشرع فيه على حكم هو خلاف القياس؛ لأنه حينئذ يكون القياس في مقابل النص وهو فاسد ولهذا يقول العلماء: ( كل قياس خالف نصا فهو فاسد ).
مثال: قال بعض الفقهاء يصح للمرأة أن تزوّج نفسها بلا ولي قياسا على صحة تصرفاتها الأخرى بلا ولي مثل البيع والشراء والإجارة، فهذا قياس في مقابلة نص شرعي وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح فلا يصح.
2- أن لا يكون الفرع قد شرع متقدما على الأصل، أي لا يكون الفرع قد بين الله حكمه وصار معلوما قبل أن يعلم حكم الأصل مثل أن يقال تجب النية في الوضوء قياسا على وجوبها في التيمم؛ لأن الوضوء قد شرع قبل التيمم فلا يصلح أن يصير التيمم أصلا له فلا بد أن يستدل على وجوب النية في الوضوء بغير هذا.
ثالثا: يشترط في العلة ما يلي:
1- أن تكون مطردة، ومعنى الاطراد هو: كلما وجدت العلة وجد الحكم، مثل الإسكار فكلما وجد الإسكار وجدت حرمة التناول فإذا وجدت العلة ولم يوجد الحكم في صورة من الصور فهذا يسمى الانتقاض وهو يجعل القياس فاسدا لفساد علته، مثل أن يقال إن العلة من حرمة الخمر كونها شرابا يستلذ به وهذا المعنى موجود أيضا في النبيذ، فيقال: فيلزم أن اللبن والعصائر محرمة فهذا نقض. فحينئذ تفسد تلك العلة وتطلب علة أخرى وهي الإسكار في المثال.
2- أن تكون وصفا حسيا. أي تكون مدركة بإحدى الحواس الخمس، فلا يصح التعليل بالأمر الخفي الذي لا يدرك بالحس ،فالإسكار علة ظاهرة تعرف بالحس فيصلح أن يكون علة للحكم.
فلا يعلل البلوغ بكمال العقل لأنه أمر خفي غير محسوس بل يعلل بوصف ظاهر وهو الاحتلام والحيض وبلوغ 15 سنة.
رابعا: يشترط في الحكم ما يلي:
1- أن يدور مع العلة. أي كلما وجدت العلة وجد الحكم وكلما فقدت العلة فقد الحكم.
مثل حكم حرمة التناول فكلما وجد الإسكار حرم التناول وكلما فقد الإسكار لم يحرم التناول.
2- أن لا يكون الحكم في الأصل مختصا به. وهذا واضح لأنه إذا اختص بفرد أو بحالة معينة فلا يمكن القياس وإلحاق شيء به فالإسكار غير مختص بالخمر فلذا يصح التعليل به، بينما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالزيادة على أربع نساء لا يصلح أن يقاس عليه.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه ) رواه الحاكم، أي أن شهادة خزيمة رضي الله عنه تقوم مقام شاهدين وهذا أمر مختص به فلا يقال إن من هو أورع منه مثله في أن شهادته تعدل اثنين؛
لأن هذا الحكم وهو كون شهادته تعدل اثنين مختصا به فهي مزية خاصة به.
( تعليقات على النص )
( ومِن شرطِ الفرعِ ) من تبعيضية فالمذكور هو بعض شروط الفرع وكذا قل فيما سيأتي كقوله من شروط الأصل وإنما ذكر البعض لأن هذه الورقات وضعت للمبتدئ وليست للمنتهي ( أن يكونَ ) الفرع ( مناسباً للأصلِ ) أي فيما يجمع بينهما فإذا عدمت المناسبة بين الأصل والفرع فأي سبب يدعو لقياس الفرع على الأصل والمناسب بينهما هو في حقيقته العلة وهي ركن في القياس وهي مذكورة في قول المصنف: بعلة تجمعهما في الحكم. فحينئذ يكون هذا الشرط لا طائل تحته وقد اعتذروا عنه بأن هذه الرسالة للمبتدئين فيناسبها التوضيح لأنه قد يغفل عن استفادة هذا الشرط من التعريف فأراد أن ينبهه عليه ( ومِن شرطِ الأصلِ أن يكونَ ) حكمه الذي يراد إثباته في الفرع (ثابتاً بدليلٍ متفقٍ عليه بينَ الخصمينِ ) أي يسلم به كل من المجتهدينِ وهذا في باب المناظرات فإذا جلس مجتهدان مختلفان في الحكم فأثبت أحدهما الحكم بالقياس فلا بد أن يكون دليل الأصل المقاس عليه قد ثبت لدى المجتهد الآخر لكي يسلم له بالنتيجة، وهذا واضح فأنتَ إذا أردت أن تستدل على خصمك بقياس وكان الأصل المقيس عليه لا يسلم به الخصم فكيف ستقيم عليه الحجة بالقياس !. أما في غير المناظرة فإذا ثبت دليل الحكم لدى المجتهد نفسه فيصلح أن يجعله أصلا ويقيس عليه غيره ويستخرج الحكم لنفسه ولمن يستفتيه ( ومن شرطِ العلةِ أن تطردَ في معلولاتِها ) المعلولات جمع معلول والمراد به الحكم المعلل بعلة ومعنى الاطراد هو كلما وجدت العلة وجد الحكم مثل الإسكار فلكما وجد وجدت الحرمة فهو يريد أن يقول أنه يشترط في العلة أن تكون مطردة بحيث كلما وجدت وجد الحكم( فلا تنتقضُ ) تلك العلة ( لفظاً ولا معنىً ) أي لا ينتقض لفظ العلة ولا ينتقض معناها بأن تتحقق العلة في صورة ومثال ولا يتحقق معها الحكم فتكون تلك العلة غير مطردة كما لو قيل إن علة وجوب الزكاة في الأنعام هي سد حاجة الفقير فتنقض بالجواهر كالمرجان فهذه علة منتقضة فلا يصح التعليل بها. ثم إن هاهنا مسامحة في كلام المصنف فأي حاجة لقوله: فلا تنتقض لفظا ؟ وما دخل الألفاظ هنا وإنما ننظر للمعنى فإن وجد المعنى المعلل به- أي الذي جُعِل علة- ولم يوجد الحكم فهذا انتقاض، فلا مدخل للانتقاض اللفظي لأنه متى تحقق انتقاض المعنى تحقق انتقاض اللفظ بأن يكون لفظ سد حاجة الفقير لا يصلح للعلة وعلى كل حال فربما أراد به التأكيد على الانتقاض فأتى به. ( ومن شرطِ الحكمِ: أن يكونَ مثلَ العلةِ في النفي والإثبات ) أي يدور الحكم مع العلة فإن وجدت وجدَ وإن انعدمت وانتفت انتفى هو، مثل حرمة تناول المشروب يدور مع الإسكار في النفي والإثبات. ( والعلةُ هي: الجالبةُ للحكمِ ) أي الباعثة على تشريع الحكم من قبل الله عز وجل.
( والحكمُ هو: المجلوبُ للعلةِ ) أي أن العلة هي التي جلبته واستدعت تشريعه فالعلة جالبة والحكم مجلوب لها.
( الأسئلة )
1- ما هي أركان القياس ؟
2- ماذا يشترط في كل ركن من أركان القياس ؟
3- مثل بمثال من عندك للقياس وبين أركانه ؟
( التمارين )
استعمل القياس على النصوص التالية وبيّن نوعه؟
1- قال الله تعالى: ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ).
2- قال الله تعالى: ( وامسحوا برؤوسكم ).
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ) متفق عليه.
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير والتمر بالتمر, والملح بالملح مثلاً بمثل، سواء بسواء يداً بيد, فمن زاد أو استزاد فقد أربا ) رواه مسلم.
.............................. .............................. .............................. .....................
1- العلة هي العمل الصالح والعمل السيئ فلو عمل زيد مثقال جبل من خير أو شر فسيراه يوم القيامة من باب أولى فهو قياس علة أولى.
2- مسح الرأس هل يستحب تكراره فقائل يستحب ذلك وقائل لا يستحب ذلك وقد تنازع مسح الرأس أصلان فالأول مسح الخف وليس فيه تكرار، وبقية أعضاء الوضوء وفيها تكرار فألحقه الإمام الشافعي ببقية الأعضاء لشبهه بها من جهة أن الرأس كبقية أعضاء الوضوء فكما يطلب فيها التكرار يطلب فيه أيضا. فهذا قياس شبه.
3- علة النهي هو التنجيس للماء وهذا مثلما يحصل بالبول يحصل بغيره من النجاسات كالغائط وبما أن لا يحسن في نظر العقل التفريق بين النجاسات فيكون قياس علة مساو.
4- إن علة البر والشعير والتمر والملح هو الطعم وحينئذ يقاس على البر مثلا التفاح بعلة الطعم ولكن هنا لا يقطع بنفي الفارق لأن البر طعام يصلح للمعيشة والاقتيات بينما التفاح طعام يؤكل للتفكه فالعقل لا يقطع بنفي الفارق بينهما فيكون قياس دلالة.
صفاء الدين العراقي
2012-07-30, 07:10 PM
( الدرس الخامس و الثلاثون)
( الاستصحاب )
الاستصحاب هو: استدامة حكم سابق في زمن لا حق لانتفاء الدليل الناقل.
مثال: عدم وجوب صيام شهر رجب يعلم بالاستصحاب ،فيقال: الأصل أنه لا يجب شيء على الناس فلا يجب صيام شهر رجب هذا هو الحكم الثابت فإذا ادعى مدع حكما جديدا قلنا له أين الدليل الناقل؟ وحيث لا دليل فنستديم عدم وجوب شهر رجب.
فالاستصحاب هو إبقاء ما كان على ما كان لعدم الناقل.
وهو ثلاثة أنواع:
أولا: استصحاب البراءة الأصلية.
ومعناها أن الأصل براءة ذمة المكلف من التكاليف والحقوق فلا يجب عليه شيء من العبادات وذمته خالية من أي حق عليه فليس عليه أي حق لفلان من الناس هذا هو الأصل.
فمتى شككنا في وجوب شيء فنقول إن الأصل براءة الذمة وليس هنالك ما يثبت هنا خلاف ذلك فنستصحب هذا الأصل أي نستديمه.
فالأصل أنه لا يجب على المكلف صلاة الوتر فنستديمه لعدم ثبوت الدليل الناقل.
ولو جاء زيد وقال إني قد أقرضت عمرا 10$ قلنا هل لك بينة فإن قال نعم حكمنا بالبينة، وإن لم توجد بينة فنقول إن الأصل براءة ذمة عمرو من أي دين لك عليه فلا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل وبينة.
ففي هذا القسم من أقسام الاستصحاب يستدل الفقيه على عدم الحكم لعدم وجود الدليل، وحينئذ لا بد من استقراء وتتبع للأدلة قبل أن يحكم بعدم الدليل.
ثانيا: استصحاب الإباحة الأصلية للأشياء النافعة للإنسان.
وذلك لأن الله سبحانه قد قال: ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ).
فحينئذ كل الأشياء النافعة فهي مباحة ما لم يرد الناقل فيباح الانتفاع بجميع المأكولات والمشروبات ولبس ما يشاء الإنسان وأن يستعمل ما يريد ويسكن في أي موضع يريد وله أن ينتفع بجميع ما في السماء والأرض والبحر .
فلو قال قائل ما الدليل على إباحة الآيس الكريم؟
قلنا إن الأصل الإباحة جئنا أنت بدليل يثبت خلاف ذلك لننظر فيه.
وكذا لو قال شخص ما لدليل على إباحة الهواتف النقالة؟
قلنا: إن الأصل إباحة الأشياء كلها جئنا أنت بدليل يثبت تحريمها لننظر فيه.
وليس عبارة الأشياء قاصرة على الأعيان بل يباح كل فعل وكل قول يأتي به الإنسان ما لم يأتي دليل على خلاف ذلك.
أما إذا كانت الأشياء ضارة فالأصل فيها التحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه ابن ماجة وغيره وهو حسن.
فكل ما يضر فهو حرام إلا إذا ورد دليل يدل على الإباحة، فالسموم وإلقاء الإنسان نفسه من شاهق والدخول في قفص الأسد وشرب المخدرات ونحو ذلك كلها محرمة لأنها تضر ضررا محققا.
ثالثا: استصحاب ما ثبت بدليل الشرع حتي يأتي الناقل.
أي إذا قام الدليل الشرعي يثبت حكما ما فنحن نستصحب هذا الدليل إلى أن يرد دليل آخر ناقل عنه.
فإذا دليل على مسألة فالأصل أنه معمول به في كل الأزمنة وغير منسوخ حتى يثبت الناسخ.
والأصل أن كل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فهو خطاب لأمته إلا إذا دل الدليل على خلافه.
والأصل بقاء عموم اللفظ الشرعي حتى يثبت دليل يدل على أنه خاص فلا يقبل من أحد تخصيص آية أو حديث بدون دليل، وكذا إذا ثبت إطلاق في لفظ فلا يقبل التقييد إلا بدليل.
والأصل في حمل المعاني هو الحقيقة فلا يقبل دعوى المجاز إلا بدليل.
وإذا أثبت الشرع ملكية لشخص على عقار ونحوه فالأصل بقاء ملكه عليه حتى يثبت خلاف ذلك كأن يثبت أنه باعه أو وهبه.
وإذا عقد رجل على امرأة فالأصل بقاء نكاحه له حتى يثبت أنها طلقها.
وإذا ثبتت الطهارة لشخص كأن ذهب وتوضأ فلا ينتقل عنها إلا بدليل يدل على انتقاض وضوئه ويطرح الشك.
والخلاصة أن الاستصحاب يكون حجة في حالتين:
الأولى: أن يعدم الدليل الشرعي فيستدل بالاستصحاب.
كما يقال إن الأصل براءة ذمة المكلف ولا دليل ينقل عن هذا الأصل فيتمسك به.
الثانية: أن يوجد دليل شرعي يدل على حكم معين فيتمسك بالاستصحاب.
كما في حال ورود دليل عام فيتمسك بعمومه حتى يثبت المخصص.
وكما يقال إن الدليل دل على كذا فيتمسك به حتى يثبت الناسخ.
( تعليقات على النص )
قوله ( وأما الحظرُ والإباحةُ ) الذي هو أحد أبواب أصول الفقه، ويراد بالحظر الحرمة ( فمن الناسِ ) أي من العلماء ( من يقولُ: إنَّ الأشياءَ ) أعيانا أو أفعالا أو أقوالا بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغ الشريعة (على الحظرِ ) أي الحرمة ( إلا ما أباحتهُ الشريعةُ ) أي دلت على إباحته أي جوازه سواء أكان ما دلت الشريعة عليه واجبا أو مستحبا أو مباحا أو مكروها فمتى ما دلت الشريعة على واحد من هذه الأحكام لا يكون محظورا فالمراد بالإباحة ما يقابل الحرمة (فإن لم يوجدْ في الشريعةِ ما يدلُ على الإباحةِ فيستمسكُ بالأصلِ وهو الحظرُ ) وهذا هو معنى الاستصحاب أي التمسك بالأصل فما دام أن الشريعة لم تدل على الجواز فنستصحب الحرمة على رأي هؤلاء وهذا القول ضعيف.
( ومن الناسِ مَن يقولُ بضدهِ ) أي بضد القول السابق وبخلافه ( وهو أن الأصلَ في الأشياءِ ) عينا أو فعلا أو قولا ( الإباحةُ إلا ما حظرهُ الشرعُ ) والفرق بين القولين يظهر في الاستصحاب فمتى عدم الدليل استصحب على القول الأول الحرمة وعلى القول الثاني الإباحة.
وصحح كثير من أهل العلم التفصيل وهو أن الأشياء الضارة الأصل فيها الحظر إلا ما أباحه الشرع والأصل في الأشياء النافعة الإباحة إلا ما حظره الشرع.
( ومعنى استصحابِ الحالِ ) الذي سيأتي ذكره في مبحث ترتيب الأدلة بقوله: فإن وجد في النطق ما يغير الأصل وإلا فيستصحب الحال فيكون ما هنا بيان معناه، وما هنالك أي في ترتيب الأدلة بيان حكمه من حيث الاحتجاج به ( أن يستصحبَ ) الفقيه ( الأصلَ عند عدمِ الدليلِ الشرعي ) وبأدنى تأمل يعلم علاقة الحظر والإباحة بالاستصحاب فإن الاستصحاب هو استدامة الأصل الذي هو الحرمة على القول الأول أو الإباحة على القول الثاني، وهنالك نوع آخر من الاستصحاب هو استصحاب الدليل الشرعي كما بيناه.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو الاستصحاب ؟
2- ما هي أنواع الاستصحاب ؟
3- مثل بمثال مِن عندك للاستصحاب ؟
( التمارين )
بين نوع الاستصحاب في الأمثلة التالية:
1- يباح أكل الفروالة ؟
2- يحرم شرب الدخان ؟
3- لا يجب التصدق بالمال بغير الزكاة ؟
4- لا يجب صيام ثلاثة أيام متتابعة في الكفارة ؟
5- إذا حضر خاطبان يطلبان الزواج أمام القاضي وكانت المرأة متزوجة سابقة فلا يعقد لها إلا ببينة ؟
.............................. .............................. .............................. .....................
1- باستصحاب الإباحة الأصلية في الأشياء النافعة.
2- باستصحاب التحريم في الأشياء الضارة، وقد أثبت العلم بما لا يدع مجالا للشك أن التدخين سبب موت الملايين من الناس ولا تزال ملايين تنتظر دورها.
3- باستصحاب البراءة الأصلية فقد دل الشرع على وجوب الزكاة فحسب.
4- باستصحاب ما ثبت بدليل الشرع وهو قوله تعالى: ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) ولم يقيدها بالتتابع فنستصحب الإطلاق.
5- باستصحاب ما ثبت بدليل الشرع وهو ثبوت الزوجية للعاقدين فحينئذ لا ينتقل عنه إلا بأن تقدم المرأة بينة على طلاقها أو خلعها أو موت زوجها وإلا فلا يزوجها القاضي لأن عقد النكاح الأول قد ثبت والأصل استمراره.
صفاء الدين العراقي
2012-07-31, 03:32 PM
( الدرس السادس والثلاثون )
باب ترتيب الأدلة
إن الأدلة الشرعية التي توصل إلى معرفة حكم الله سبحانه خمسة هي:
أولا: الكتاب.
ثانيا: السنة.
ثالثا: الإجماع.
رابعا: القياس.
خامسا: الاستصحاب.
وأما قول الصحابي فليس بحجة.
والطريقة العملية في الكشف عن الحكم الشرعي بهذه الأدلة هي:
1- إذا وجد إجماع من العلماء على مسألة فهو المقدم في إثبات الحكم الشرعي، ليس من باب تقديم أقوال العلماء المجمعين على قول الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم- حاشا- بل من باب تقديم النصوص بعضها على بعض.
بيان ذلك:
قد قلنا من قبل إن الإجماع لا بد أن يستند إلى دليل شرعي، لأن العلماء ليس لهم حق التشريع فحينئذ ما أجمعوا عليه من المسائل علمنا بصورة قاطعة أن هذا هو مراد الله سبحانه لامتناع اجتماع الأمة على ضلالة.
فإذا فرض أن هنالك آية أو حديثا قد خالف الإجماع فهذا يعني أن هنالك نصا قطعي الدلالة بشهادة الإجماع قد عارضه نص آخر ظني الدلالة فلا يقوى النص الثاني على معارضة الأول بل يحمل الثاني على النسخ أو التأويل أو التخصيص ونحو ذلك.
فظهر أن تقديم الإجماع إنما هو تقديم نص شرعي قطعي الدلالة بشهادة الإجماع على نص ظني.
2- ثم إذا لم يوجد إجماع فينظر المجتهد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليستنبط الحكم.
3- فإذا لم يجده نظر في القياس فهو متأخر رتبة عن الكتاب والسنة لما ذكرنا من قبل أن القياس إذا خالف نصا من كتاب أو سنة فهو فاسد لا يلتفت إليه.
4- فإذا لم يعثر على شيء لم يبق في يده سوى الاستصحاب فهو في آخر المراتب.
فهذا ترتيب الأدلة من جهة تقديم بعضها على بعض.
وهنالك ترتيب آخر وهو ترتيب أنواع الدليل الواحد.
فيقدم :
أولا: الجلي في معناه على الخفي.
فيقدم النص على الظاهر لأن الأول لا يحتمل إلا معنى واحدا.
ويقدم الظاهر على المؤول فنقدم اللفظ الحقيقي على معناه المجازي.
والمراد بالمؤول هو المحمول على معناه المجازي بغير دليل لأنه إذا كان على المعنى المجازي دليل صار ظاهرا بالدليل فيقدم حينئذ المعنى المجازي الذي دل الدليل على إرادته على المعنى الحقيقي.
ثانيا: ما يفيد العلم على ما يفيد الظن.
فيقدم المتواتر على الآحاد كأن يتعارض قرآن مع حديث آحاد أو حديث متواتر مع حديث آحاد.
فقد ذكرنا أن المتواتر يفيد العلم والقطع بصحته بخلاف الآحاد فهي تفيد الظن الكافي للعمل به.
ثالثا: القياس الجلي على الخفي.
والجلي ما يقطع فيه بنفي الفارق والخفي ما لا يقطع فيه بنفي الفارق.
فيقدم قياس العلة على قياس الشبه فإن قياس العلة واضح جلي عند العقل وقياس الشبه فيه خفاء.
ويقدم قياس العلة على قياس الدلالة لأن العلة موجبة في الأول غير موجبة في الثاني.
ويقدم أيضا قياس الدلالة على قياس الشبه لأنه قياس الدلالة أجلى وأوضح من قياس الشبه.
تنبيه مهم:
مبحث ترتيب الأدلة متعلق بالخطوة الثالثة التي ذكرناها من قبل وهي الترجيح فإن تقديم كذا على كذا معناه الترجيح وهذا يحصل عند التعارض وإلا لو لم يكن هنالك تعارض فلمَ نقدم بعضها على بعض.
فإذا علم هذا فإننا محكومون بما سبق تقريره وهو أننا لا نلجأ عند التعارض إلى الترجيح بتقديم بعض الأدلة على بعض مباشرة بل نلجأ أولا للجمع فإن تعذر نلجأ إلى النسخ إن علم التاريخ فإن تعذر فنلجأ إلى الترجيح.
ومنه يعلم أن الأولى جمع هذا المبحث مع مبحث التعارض والترجيح.
( تعليقات على النص )
( وأمَّا الأدلةُ ) من حيث ترتيبها ومعرفة تقديم بعضها على بعض عند الترجيح ( فيقدمُّ الجليُّ منها ) أي الواضح منها ( على الخفيِّ ) فيقدم النص على الظاهر، والظاهر على المؤول ( والموجِبُ ) أي المفيد ( للعلمِ على الموجِبِ للظنِ ) فيقدم المتواتر على الآحاد ( والنطقُ ) أي الكتاب والسنة ( على القياسِ ) لأن كل قياس يعارض نصا فهو فاسد ( والقياس الجليُّ ) كقياس العلة ( على الخفيِّ ) كقياس الشبه ( فإنْ وجِدَ في النطقِ ) من كتاب وسنة وكذا ما رجع إليهما من إجماع وقياس ( ما يغيّرُ الأصلَ ) وهو البراءة الأصلية والخلو من التكليف فحينئذ يعمل بالمغيِّر. (وإلا ) أي وإن لم يوجد ما يغير الأصل ( فيستصحبُ الحالُ ) أي يستصحب الأصل، فمقصوده بالحال هو الأصل الذي يستصحب عند عدم الدليل.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي الأدلة ؟
2- ما هي مراتب الدليل الواحد ؟
3- لماذا يقدم الإجماع على سائر الأدلة ؟
صفاء الدين العراقي
2012-08-01, 01:18 AM
( الدرس السابع والثلاثون )
باب صفة المفتي والمستفتي
والمقصود بالمفتي هو المجتهد الذي يفتي الناس باجتهاده، والمقصود بالمستفتي هو المقلد الذي يأخذ بفتيا المجتهد.
والاجتهاد هو: بذل الفقيه وسعه ليصل إلى الحكم الشرعي.
مثال: اختلف العلماء في مسألة لمس الرجل المرأة باليد ونحوها هل ينقض الوضوء أولا ينقض؟
فيبذل العالم جهده في النظر بين الأدلة الشرعية والاطلاع على أدلة وتقريرات من سبقه حتى يستفرغ وسعه وطاقته ويصل إلى نتيجة فإما أن يعتقد أن حكم الله هو النقض أو عدم النقض.
والمجتهد هو: المتصف بصفات معينة تؤهله للنظر في الأدلة واستخراج الأحكام منها بنفسه.
فالمجتهد لا يعتمد على فتاوى واجتهادات من سبقه من أهل العلم ويقول بمثل ما قالوه تقليدا لهم بل ينظر فيما نظروا فيه من الأدلة ويبذل جهده كي يصل إلى الحكم الشرعي بنفسه.
وهذه الصفات هي شروط للاجتهاد فمن اجتمعت فيه فهو مجتهد ومن لم تتوفر فيه فليس بمجتهد.
وهذه الصفات هي:
أولا: أن يكون عالما بأصول الفقه.
لأنه هو الذي يتوصل به إلى استخراج الحكم الشرعي من الأدلة فلا يسعه الجهل به إطلاقا.
ثانيا: أن يكون عارفا باللغة العربية.
فيكون عارفا بالنحو والصرف والبلاغة وليس المقصود أن يصل إلى درجة الخليل وسيبويه بل يصل إلى درجة وسطى بحيث تصبح تلك العلوم عنده ملكة أي يصير مقتدرا فيها ومتمكنا من تسليط هذه العلوم على نصوص القرآن والسنة.
ويكون عارفا أيضا بمعاني المفردات في لغة العرب، فلا بد أن يصل إلى درجة جيدة بمعرفة أصل مدلولات الكلمات في لغة العرب ويطلع على أشعارهم وينظر فيما نقله الثقات عنهم من كلام كي يعرف أن يفسر القرآن والحديث بما يتوافق ولغة العرب الفصحاء.
ثالثا: أن يكون عارفا بآيات وأحاديث الأحكام.
لأنها هل محل الاجتهاد واستخراج الأحكام ولا يشترط حفظها، والمقصود بها الآيات والأحاديث التي يستنبط منها الأحكام العملية دون المتعلقة بقصص الأنبياء والمواعظ فلا يشترط معرفتها.
وقد جمعت مصنفات خاصة تحت عنوان آيات الأحكام وأحاديث الأحكام فسهل الرجوع إليها ومعرفتها.
وإنما شرط معرفتها لأن النصوص المتعددة كالنص الواحد من جهة استفادة الأحكام منها فإذا أراد معرفة مسألة في باب من أبواب الطهارة مثلا فلا بد من جمع كل ما يتعلق بها من نصوص كي تتضح الصورة أمامه.
رابعا: أن يكون عارفا بما يحتاجه لمعرفة صحة الحديث من ضعفه.
فالأحاديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها المقبول والمردود فلا بد من النظر في حال الرواة ودراسة الأسانيد كي يحكم على الرواية بأنها مقبولة أو مردودة.
خامسا: أن يكون عارفا بمواضع الإجماع. كي لا يخرق إجماع من سبقه.
سادسا: أن يكون عارفا بالناسخ والمنسوخ. كي لا يأخذ حكما منسوخا يظنه غير منسوخ.
( تعليقات على النص )
( ومنِ شرطِ المفتي ) أي المجتهد فهذه بعض شروطه وأضفنا في الشرح أن يكون عارفا بالمنسوخ ( أن يكونَ عالماً بالفقهِ ) أي عالما بمسائله ( أصلاً ) أي ما كان أصلا للفقه وهو علم أصول الفقه ( وفرعاً ) أي الفروع الفقهية وهي حقيقة الفقه، أما علم أصول الفقه فهو خارج عن الفقه ( خلافاً ) أي يعرف الفقه الخلافي ( ومذهباً ) ويعرف فقه المذهب الذي ينتسب إليه، وهنا إشكالان: أولا: إن معرفة الفروع الفقهية هي ثمرة الاجتهاد وليست شرطا في المجتهد بمعنى أن المجتهد حينما يستكمل الآلة فآنذاك يقول هذا واجب وهذا حرام فجعلها شرطا غير صحيح ولهذا لم يذكر هذا الشرط كثير ممن ذكروا شروط المجتهد، ثانيا: ما معنى قوله ( ومذهبا ) مع أن المجتهد لا مذهب وإنما مذهبه ما يوصله إليه اجتهاده، ويمكن أن يقال في الجواب عن الإشكالين : إن الطريقة التقليدية في هذا الزمان للوصول إلى مقام الاجتهاد لا تتأتى إلا بدراسة الفقه ومعرفة قواعد مذهب من مذهب إمامه وإتقانه مع معرفة أقول الأئمة السابقين حتى إذا استقل بنفسه خلع التقليد وعمل بما أداه إليه اجتهاده ( وأن يكونَ كاملَ الآلةِ ) يقصد بالآلة هي العلوم الموصلة للاجتهاد وهذه عبارة عامة تندرج فيها كل شروط المجتهد ومن هذه الآلة أن يكون ( عارفاً بما يحتاجُ إليه في استنباطِ الأحكامِ ) أي في استخراجها ( من النحوِ ) ويدخل فيه التصريف لأنهما كانا علما واحدا ثم فُصل الصرف عن النحو ( واللغةِ ) أي معاني الكلمات وكذا يحتاج إلى علم البلاغة والسبب واضح وهو أن القرآن والسنة عربيان فيتوقف فهمهما على معرفة لغة العرب وهذه المعرفة تكون بهذه العلوم.
( ومعرفة الرجال الراوين ) أي ومن شرط المفتي معرفة الرجال الراوين للأحاديث فيعرف حالهم ومن يقبل حديثه ومن لا يقبل وما يستتبع ذلك من مسائل دراسة الأسانيد ( وتفسيرِ الآياتِ الواردةِ في الأحكامِ والأخبارِ الواردةِ فيها ) أي في الأحكام وقد ذكروا أن آيات الأحكام قرابة 500 آية وذكر البعض أن تفاصيل أحاديث الأحكام تصل إلى 4000 حديث ولم يشترطوا الحفظ لها.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو الاجتهاد ؟
2- ما هي شروط المجتهد ؟
3- لم اشترطوا معرفة اللغة العربية لتحصيل الاجتهاد ؟
صفاء الدين العراقي
2012-08-01, 01:20 AM
( الدرس الثامن والثلاثون )
صفة المستفتي
وأما المستفتي فهو المقلد الذي يعمل بفتيا المفتي، بخلاف العالم المجتهد فلا يحق له التقليد.
والتقليد هو: قبول قول من ليس قوله حجة.
مثال: شخص يريد أن يودع ماله في إحدى البنوك الربوية ولا يدري أهو حلال أم حرام فذهب لفقيه فقال له لا يجوز فقال له جزاك الله خيرا وانصاع لقوله فهذا هو التقليد.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
قولنا: ( قبول ) أي تلقي واعتقاد والتزام.
( قول من ليس قوله حجة ) أي لأنه غير معصوم، والخطأُ واردٌ عليه ومع هذا تقبل قوله وتسلم به لعدم قدرتك على الاستنباط من النصوص مباشرة، وهذا يخرج قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم فليس تقليدا لأن قوله حجة بذاته.
مسائل:
أولا: العامي المحض وهو من لا يحسن علوم الشريعة يجب عليه أن يقلد مجتهدا من المجتهدين لقول الله عز وجل: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ولا يكلف النجار والحداد والمهندس ونحوهم بأن يترك صنعته ويتفرغ للعلوم حتى يصير مجتهدا فإن هذا خارج عن مقدورهم.
ثانيا: من درس العلوم وصار له نوع فهم في الشريعة ولكن لم يستكمل آلة الاجتهاد فهو عند أكثر أهل العلم لا يخرج عن كونه مقلدا لأن التقليد ليس رتبة واحدة فحينئذ إذا سأل عن الدليل أو بحث عنه بنفسه وفهم دليل المسألة التي قال بها أحد الأئمة فهذا لا يخرجه عن كونه مقلدا عندهم ولكن ربما صار من لم يبلغ الاجتهاد مجتهدا في تلك المسألة لجواز تجزأ الاجتهاد أي هو لا يستطيع في كل أبواب الفقه أن يعرف المسائل من أدلتها مباشرة ولكن ربما استطاع بتحصيل العلوم وجمع الأدلة والبحث الطويل في بعض المسائل كالفرائض أو الصلاة أو الجنايات ونحوها أن يصير مجتهدا في ذلك الباب.
ثالثا: المجتهد لا يجوز أن يقلد غيره لأنه يُلجأ للتقليد للعجز عن الاجتهاد وهو قادر على الاجتهاد فكيف يلغي عقله وعلمه ويذهب ليقلد غيره هذا حرام.
( تعليقات على النص )
( ومِن شرطِ المستفتي ) وهو من يسأل المجتهد ( أنْ يكونَ مِن أهلِ التقليدِ فيقلدُ المفتي في الفتيا ) لأن الأخذ بفتيا الغير هو تقليد له، أما المجتهد فهو لا يعمل بفتيا غيره ولذا قال ( وليس للعالم ) أي المجتهد ( أن يقلِّد ) غيره من المجتهدين ثم بدأ بتعريف التقليد فذكر له تعريفين: الأول ( والتقليدُ: قبولُ قولِ القائلِ ) أي تقبل قوله واعتقاده لمجرد أنه قوله ( بلا حجةٍ ) يذكرها ذلك القائل، وهنا مسألة وهي أنّ ذكر الحجة والدليل من قبل المفتي على نحوين: الأول: أن يكون المستفتي غيرَ فاهم للدليل ولا يعرف وجه الاستدلال وما هي المقدمات والقواعد التي بني عليها الاستدلال فمثل هذه الحجة إن ذكرت مع الفتيا لم تخرج المقلد عن التقليد.
الثاني: أن يكون المستفتي قد ذكر الحجة لمن له أهلية الاستنباط إما بشكل عام أو بشكل جزئي بحيث يكون المستفتي مجتهدا جزيئا في تلك المسألة فحينئذ لا يكون هذا من التقليد في شيء.
وعليه فمعنى قول المصنف ( بلا حجة ) أي بلا حجة تذكر لمن له أهلية الاستنباط.
أما إذا سأل المتمكنُ في العلم المجتهدَ عن مسألة ففصلها له وبين له الدليل والاستدلال فأخذ السائل بقوله ليس تقليدا له بل من أجل الدليل الذي قد عقله وفهم وجه استنباطه والمقدمات الموصلة له فهذا اجتهاد.
( فعلى هذا ) التعريف يكون ( قبولُ قولِ النبي صلى الله عليه وسلم يسمى تقليداً ) لأن التعريف لم يشخص من هو القائل في قوله ( قبول قول القائل ) فإذا جاء صحابي وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر فأجابه يكون ذلك الصحابي قد قلّد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا عندي بعيد لأن التعريف يقول ( بلا حجة) أي ممن قوله ليس بحجة أما قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو عين الحجة، ثم لو كان قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم تقليدا فمن هو المجتهد!.وهل إذا أخذ الإمام مالك رحمه الله أو غيره من المجتهدينَ بقول النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة يكون مقلدا لأنه لم يعلم الحجة! ( ومنهم ) أي من علماء الأصول ( من قالَ: التقليدُ قبولُ قولِ القائلِ وأنتَ لا تدري مِن أينَ قالَهُ ) أي لا يدري المستفتي من أين جاء المفتي بهذا القول لكونه لم يذكر أي دليل على قوله.
(فإن قلنا: إن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلمَ كانَ يقولُ بالقياسِ ) وهو اختيار الكثير من أهل العلم خلافا للبعض فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقيس المسألة غير الموحى له فيها على الموحى فيها ( فيجوزُ أن يسمى قبولُ قوله تقليداً ) لأنه قد يكون هذا القول من اجتهاده ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن قوله أخذه من الوحي ليخرج السائل عن التقليد، وإن قلنا إنه صلى الله عليه وسلم لا يجتهد وكل ما قاله فهو وحي فلا يكون الأخذ بقوله تقليدا
و الفرق بين التعريفين هو: أن الأول ( قبول قول القائل بلا حجة ) أعم من الثاني لأنه يشمل حالتين: الأولى ما لم يذكر فيها المفتي دليله على الفتيا مع جهل المستفتي بها، والثانية ما لم يذكر فيها المفتي دليله على الفتيا ولكن المستفتي يعرف الحجة واطلع عليها، ولكنها معرفة ليست تامة تخرجه عن التقليد لعدم أهليه الاستنباط.
والثاني ( قول القائل وأنت لا تدري من أين قاله ) خاص في الفتيا التي لم يذكر فيها الدليل مع جهل المستفتي بها والظاهر أن مثل هذا مجرد اصطلاح لا يضر في شيء والأولى أن يعرف التقليد بـ ( قبول قول من ليس قوله حجة) والله أعلم.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو التقليد ؟
2- هل سماع العامي للدليل يخرجه عن التقليد ؟
3- هل أخذ قول النبي صلى الله عليه وسلم يسمى تقليدا ؟
صفاء الدين العراقي
2012-08-01, 01:22 AM
( الدرس التاسع والثلاثون )
باب أحكام المجتهدين
مَن يجتهد في الدين فلا يخلو مِن أحد حالين:
أولا: أن يجتهد في الفقه فهو واحد مِن اثنين:
1- أن لا يكون أهلا للاجتهاد بأن لم يستجمع في نفسه ما يشترط في المجتهد.
فهذا قد تجاوز قدره وأساء.
2- أن يكون مِن أهل الاجتهاد فحينئذ فلا يخلو اجتهاده من أمرين:
أ- أن يصيب الحقَ باجتهاده فيكون له أجران: أجرٌ على اجتهاده، وأجر على إصابته الحق.
ب- أن لا يصيب الحق فيكون له أجرٌ واحد هو أجر الاجتهاد.
وبعض العلماء قال: كل مجتهد في الفقه مصيب؛ لأن الله ليس له حكم في المسألة بل الحكم يتعدد بتعدد المجتهدين فمن قال إن لمس المرأة مثلا ينقض الوضوء فهو مصيب، ومَن قال إن لمس المرأة لا ينقض الوضوء فهو مصيب لأن الغرض هو بذل الجهد للوصول إلى الحكم وقد بذل الفقهاء جهدهم فيكون حكم الله في حق كل منهم هو ما أداه إليه اجتهاده.
وهذا القول ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. رواه البخاري ومسلم.
ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صوَّب المجتهد تارة، وخطَّئه تارة فدلَّ على أنه ليس كل مجتهد مصيبا.
ثانيا: أن يجتهد في العقائد كالإيمان بالله ووحدانيته والنبوة.
فهنا ليس كل مجتهد مصيبا؛ لأنه إذا صوبنا كل مجتهد فهذا يعني أن من اجتهد من الكفار فذهب للتثليث كالنصارى أو عبد النار كالمجوس فهو محسن وله أجر بينما قد وقع الإجماع على ضلالهم وأنهم من أهل النار.
( تعليقات على النص )
( وأمَّا الاجتهادُ ) الذي هو خاتمة أبواب أصول الفقه وفيه يبين أحكام المجتهدين من حيث الإصابة والخطأ.
( فهو بذلُ الوَسْعِ ) والطاقة ( في بلوغِ الغرضِ ) أي الغاية والهدف وهذا التعريف لكل اجتهاد كما هو ظاهر سواء في الأمور الفقهية أو غيرها كالمجتهدين في النحو والبلاغة والعلوم الطبيعية.
( فالمجتهدُ إن كانَ كاملَ الآلةِ ) أي بأن استكمل جميع ما يطلب منه وقد يقال لا حاجة لهذا الشرط لأن المجتهد لا يسمى مجتهدا إلا إذا كان كامل الآلة، ويمكن أن يقال زاده المصنف لزيادة التوكيد على أن يكون كامل الآلة ( فإن اجتهدَ في الفروعِ ) الفقهية دون العقائدية ( فأصابَ فله أجرانِ ) الله أعلم بمقدارهما أجر على الاجتهاد وأجر على إصابة الحق ( وإن اجتهدَ فيها ) أي في الفروع ( فأخطأَ فله أجرٌ واحدٌ ) وهو أجر الاجتهاد فما أشرف رتبة المجتهد وما أعظم أجره ( ومنهم من قالَ: كلُ مجتهدٍ في الفروعِ مصيبٌ ) فلا يوجد مجتهد مخطأ لأنه لا حكم لله في المسألة إلا الحكم الذي وصل إليه المجتهد بالاجتهاد فيكون لله أحكام بقدر آراء المجتهدين وهذا مذهب بعض العلماء وهو ضعيف (ولا يجوزُ أن يقالَ كلُ مجتهدٍ في الأصولِ الكلاميَّةِ مصيبٌ ) يقصد بالأصول الكلامية العقائد فاحترز بكلمة الكلامية عن أصول الفقه لأنها قابلة للاجتهاد، والكلامية نسبة إلى الكلام وقد سمى البعض علم العقائد بعلم الكلام لكثرة الكلام والأخذ والرد فيه، والخلاصة أنهم قد اختلفوا في الفروع الفقهية واتفقوا على وجود الخطأ في الأصول العقائدية (لأنَ ذلكَ يؤدي إلى تصويبِ أهلِ الضلالةِ من النصارى والمجوس ) عبدة النار ( والكفارِ ) من غيرهم كاليهود ( والملحدينَ ) أي منكري وجود الله سبحانه، فهؤلاء كلهم مصيرهم جهنم إجماعا فإذا قلنا إن المجتهد في العقائد مصيب فسيؤدي إلى تصويب هؤلاء ولهذا كان هذا القول باطلا.
(ودليلُ من قالَ: ليسَ كل مجتهدٍ في الفروعٍ مصيباً قولُه صلى الله عليه وسلم: من اجتهدَ وأصابَ فله أجرانِ ومن اجتهدِ فأخطأ فله أجرٌ واحدٌ ) هذا الحديث رواه المصنف بالمعنى ولفظه ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) رواه البخاري ومسلم.
والحاكم هو من يقضي ويفصل بين النزاعات بعلمه واجتهاده في الدين.
(ووجهُ الدليلِ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطَّأ المجتهدَ تارةً، وصوبَّه أخرى ) فدل بالنص الصريح على أنه ليس كل مجتهد في الفروع مصيبا.
والله أعلم.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو حكم المجتهد في الفروع الفقهية ؟
2- ما هو حكم المجتهد في العقائد الدينية ؟
3- لم لا يجوز أن يقال كل مجتهد في العقائد مصيب ؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله رب العالمين.
صفاء الدين العراقي
2012-08-01, 01:23 AM
وبه نختم شرح الكتاب.
ختم الله لنا بالحسنى.
والحمد لله رب العالمين.
رضا الحملاوي
2014-12-17, 01:57 PM
جزاك الله خيرا وفتح عليك وبارك فيك وختم لك بخير ...
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.