تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: سلسلة الذب عن الصحيحين (2) قول شيخ الإسلام ابن تيمية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي سلسلة الذب عن الصحيحين (2) قول شيخ الإسلام ابن تيمية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية [1] : [ ومما قد يُسمّى صحيحاً، ما يصحّحه بعض علماء الحديث، وآخرون يخالفونهم في تصحيحه. فيقولون هو ضَعفٌ ليس بصحيح. مثل ألفاظٍ رواها مسلم في صحيحه، ونازعه في صِحتها غيره من أهل العلم: إما مِثلهُ أو دونه أو فوقه. فهذا لا يُجزم بصدقه إلا بدليل مثل حديث ابن وعلة عن ابن عباس أن رسول الله r قال: «أيما إهابٍ دبغُ، فقد طهر». فإن هذا انفرد به مسلم عن البخاري، وقد ضعفه الإمام أحمد وغيره، وقد رواه مسلم.
    ومثل ما روى مسلم أن النبي صلى الكسوف ثلاث ركعات وأربع ركعات. انفرد بذلك عن البخاري. فإن هذا ضعّفه حُذّاق أهل العلم. وقالوا أن النبي لم يصل الكسوف إلا مرةً واحدةً يوم مات ابنه إبراهيم. وفي نفس هذه الأحاديث التي فيها الصلاة بثلاث ركعات وأربع ركعات، أنه إنما صلى ذلك يوم مات إبراهيم. ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين، ولا كان له إبراهيمان. وقد تواتر عنه أنه صلى الكسوف يومئذ ركوعين في كل ركعة، كما روى ذلك عنه عائشة وابن عباس وابن عمرو وغيرهم. فلهذا لم يرو البخاري إلا هذه الأحاديث. وهذا حذف من مسلم. ولهذا ضعف الشافعي وغيره أحاديث الثلاثة والأربعة، ولم يستحبوا ذلك. وهذا أصح الروايتين عن أحمد.

    ورُوِيَ عنه أنه كان يجوّز ذلك قبل أن يتبين له ضعف هذه الأحاديث. ومثله حديث مسلم: "إن الله خلق التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة". فإن هذا طَعَنَ فيه من هو أعلم من مسلم، مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما. وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار. وطائفةٌ اعتبرت صِحته مثل أبي بكر بن الأنباري وأبى الفرج ابن الجوزي وغيرهما. والبيهقي وغيره، وافقوا الذين ضعفوه. وهذا هو الصواب، لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام. وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة. فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد. وهكذا هو عند أهل الكتاب. وعلى ذلك تدل أسماء الأياموهذا هو المنقول الثابت في أحاديثَ وآثار أُخَر.

    ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة لكان قد خَلَقَ في الأيام السبعة. وهو خلاف ما أخبر به القرآن. مع أن حُذّاقَ أهل الحديث يثبتون عِلّة هذا الحديث من غير هذه الجهة، وأن رواية فلان غَلِطَ فيه لأمورٍ يذكرونها. وهذا الذي
    يُسَمّى معرفة علل الحديث. بكون الحديث إسناده في الظاهر جيداً ولكن عُرِفَ من طريقٍ آخر أن راوية غلط فرفَعَهُ، وهو موقوف. أو أسنده وهو مرسَل. أو دخل عليه (أي على الرواي) حديثٌ في حديث. وهذا فنٌّ شريفٌ. وكان يحيى بن سعيد الأنصاري ثم صاحبه علي بن المديني ثم البخاري من أعلم الناس به. وكذلك الإمام أحمد وأبو حاتم. وكذلك النسائي والدارقطني وغيرهم. وفيه مصنفات معروفة. وفي البخاري نفسه ثلاثة أحاديث نازعه بعض الناس في صِحّتها. مثل حديث أبي بكرة عن النبي أنه قال عن الحسن «إن إبني هذا سيدٌ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين». فقد نازعه طائفةٌ منهم أبو الوليد الباجي (والدارقطني)، وزعموا أن الحسن لم يسمعه من أبي بكرة. لكن الصواب مع البخاري وأن الحسن سمعه من أبى بكرة، كما قد بَيَّن ذلك في غير هذا الموضع. وقد ثبت ذلك في غير هذا الموضع. والبخاري أحذق وأخبر بالفن من مسلم.

    ولهذا لا يتفقان على حديثٍ، إلا يكون صحيحاً لا ريب فيه. قد اتفق أهل العلم على صحته. ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظٍ يُعرِضُ عنها البخاري. ويقول بعض أهل الحديث إنها ضعيفة. ثم قد يكون الصواب مع من ضَعفها. كمثل صلاة الكسوف بثلاث ركعات وأربع. وقد يكون الصواب مع مسلم. وهذا أكثر. مِثلَ قوله في حديث أبى موسى: «إنما جعل الإمام ليؤتمّ به. فإذا كبّر فكبروا. وإذا قرأ فأنصتوا». فإن هذه الزيادة صححها مسلم، وقبله أحمد بن حنبل وغيره، وضعّفها البخاري. وهذه الزيادة مطابقة للقرآن. فلو لم يرد بها حديث صحيح، لوجب العمل بالقرآن. فإن في قوله: [ وإذا قُرِئَ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ] أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة، وأن القراءة في الصلاة مُرادةٌ من هذا النص ] . أهـ .

    وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية [2] : [ ولا يبلغ تصحيح مسلم مبلغ تصحيح البخاري. بل كتاب البخاري أجلُّ ما صُنِّف في هذا الباب. والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعِلله، مع فقهه فيه. وقد ذكر الترمذي أنه لم ير أحداً أعلم بالعلل منه. ولهذا كان من عادة البخاري إذا روى حديثاً اختُلِفَ في إسناده أو في بعض ألفاظه، أن يذكر الاختلاف في ذلك، لئلا يغترَّ بذكره له بأنه إنما ذكره مقروناً بالاختلاف فيه. ولهذا كان جمهور ما أُنكر على البخاري مما صحّحه، يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه. بخلاف مسلم بن الحجّاج، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه.

    1– كما روى في حديث الكسوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركعات وبأربع ركعات، كما روى أنه صلى بركوعين. والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم. وقد بَيـَّن ذلك الشافعي. وهو قول البخاري وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه. والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم. ومعلومٌ أنه لم يمت في يومي كسوف ولا كان له إبراهيمان. ومن نقل أنه مات عاشر الشهر فقد كذب.

    2– وكذلك روى مسلم: "خَلَق اللهُ التربةَ يوم السبت". ونازعه فيه من هو أعلم منه كيحيى بن معين والبخاري وغيرهما، فبينوا أن هذا غلط ليس هذا من كلام النبي . والحجة مع هؤلاء، فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأن آخر ما خلقه هو آدم، وكان خلقه يوم الجمعة. وهذا الحديث المختلف فيه يقتضي أنه خلق ذلك في الأيام السبعة. وقد رُوِي إسنادٍ أصح من هذا أن أول الخلق كان يوم الأحد.

    3– وكذلك روى أن أبا سفيان لما أسلم طلب من النبي أن يتزوج بأم حبيبة وأن يتخذ معاوية كاتباً. وغلَّطه في ذلك طائفة من الحفاظ.ولكن جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث تلقوها بالقبول وأجمعوا عليها وهم يعلمون علما قطعيا أن النبي قالها. وبسط الكلام في هذا له موضع آخر ] أهـ . قلت : والصحيح أن شيخ الإسلام ابن تيمية إنما فاضل بين البخاري ومسلم رحمهم الله تعالى رحمة واسعة ، وفرق بين منهجية الإمام البخاري في الصحيح وبين منهجية الإمام مسلم في الصحيح وقال في آخر النص [ ولكن جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث تلقوها بالقبول وأجمعوا عليها وهم يعلمون علما قطعيا أن النبي قالها. وبسط الكلام في هذا له موضع آخر ] ، قال الزليعي في نصب الراية :[ قلت : ثم أبو زرعة على مافي " مقدمة الفتح " ص 345 ، والقسطلاني : ص 18 ، قال مكي بن عبد الله : سمعت مسلما يقول : عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته . ونحوه في " الخطبة " ص 98 ، وفي " توجيه النظر " ص 240 ، قال بعضهم : أراد مسلم : بالإجماع في قوله : ما أجمعوا عليه إجماع أربعة أئمة الحديث . أحمد بن حنبل . وابن معين . وعثمان ابن أبي شيبة . وسعيد بن منصور الخراساني ] ولم ينفرد بذكر هذا الحافظ أبو عمر بن الصلاح كما قال البعض ، بل أورد القصة عن أبي زرعة الرازي إبن حجر في مقدمة الفتح ، والإمام النووي في شرحه على صحيح النووي ، وفي تدريب الراوي ج: 1 ص: 136 فهل إنتقادُ أبي زرعة الرازي لبعض أحاديث مسلم يضعفُ هذه القصة ..!!! فأكثر الأحاديث التي أشار إليها شيخ الإسلام وبركة الزمان ابن تيمية هي صحيحة عند التحقيق إلا أنهُ وقع فيها الإختلاف كما قال (( أيما إهاب دبغ )) فهذا الحديث صحيح وهو ممن إختلف عليه عند أهل الحديث والراجح صحته عند التحقيق فشيخ الإسلام ابن تيمية لم يضعف أحاديث في الصحيح بل بين النزاع الذي وقع والتفضيل والمفاضلة بينهما . والله أعلم .

    قال الحافظ ابن الصلاح [3] : [ ما وضعت شيئا في هذا المسند إلا بحجة وما أسقطت منه شيئا إلا بحجة ] .
    وقال الإمام مسلم في الصحيح [4] : [ ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه ] .

    وقال السراج البلقيني [5] : [ أراد مسلم إجماع أربعة أحمد ابن حنبل وابن معين وعثمان بن أبي شيبة وسعيد بن منصور الخراساني ] . أهـ . فلا يمكن حمل عدم معرفة الإمام مسلم بالأحاديث التي نقلها في الصحيح ، وله وجهة رحمه الله تعالى لإختيار كحديث الدبغ فقد وقع عالياً كما قال الحافظ المزي وسنتعرض لذلك إن شاء الله تبارك وتعالى ، أو أن الإمام مسلم أخرجه لوجود شاهد لهُ رحمه الله تعالى ، فإن متون الأحاديث عند الإمام مسلم لم تخفى عليه وإنما كانت هي منتقاة منه رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وقد قال ابن الصلاح [6] : [ لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند يعني مسنده الصحيح ] وقد طعن في روايات عرض صحيح مسلم على ابي زرعة رحمه الله تعالى والصحيح ثبوتها فلم يتفرد بنقلها ابن الصلاح في المقدمة ففي السير ما يثبت سماع بن عبدان من الإمام مسلم رحمه الله تعالى حيث قال الذهبي [7] : [ قال مكي بن عبدان سمعت مسلما يقول عرضت كتابي ] وقد ثبت أن مكي بن عبدان قد صرح بالسماع عند الحافظ ابن حجر العسقلاني كذلك في مقدمة الفتح ، وعند الزليعي في نصب الراية فالقصة مقبولة لثبوت الرواية عند الذهبي رحمه الله تعالى ورواية بن عبدان للحديث بصيغة الجزم وهو ثقة كما ترجم لهُ عند المحدثين ، أما القول بأن أبي زرعة قد ضعف أحاديث في صحيح مسلم فيرجع الأمر إلي أن الاختلاف كان عن جزئية يقومها اتفاقهم على صحة الأصل وهو المتن، وإعذار كل منهما صاحبه في خلاصة أمره ، فالصحيح يبقى صحيحاً وصحيح مسلم تلقته الأمة بالقبول وبقبول ما فيه . والله أعلى وأعلم .

    أتمنى من المشتغلين بالحديث المشاركة نفع الله بهم ونصر السنة بهم .

    أبو زُرعة الرازي
    _________________________
    [1] مجموع الفتاوى (18|17)..
    [2] "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" (ص86)، وهو في "مجموع الفتاوى" (1|256) .
    [3] صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح ص: 68
    [4] الإمام مسلم في صحيحه ج: 1 ص: 304
    [5] تدريب الراوي ج: 1 ص: 98.
    [6] صيانة صحيح مسلم ص: 67
    [7] سير أعلام النبلاء ج: 12 ص: 568

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: سلسلة الذب عن الصحيحين (2) قول شيخ الإسلام ابن تيمية

    وإنتقاد أبي زرعة الرازي للإمام مسلم كان القولُ فيه قول الإمام مسلم رحمه الله تعالى .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: سلسلة الذب عن الصحيحين (2) قول شيخ الإسلام ابن تيمية

    يرفع للفائدة ..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •