وقال الحافظ في الفتح :
قَوْله ( وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُل حَتَّى يُدْرِك )
أَيْ حَتَّى يَبْلُغ الْحُلُم ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِ يّ : لَا أَدْرِي مَنْ الْقَائِل " وَكَانُوا يَخْتِنُونَ " أَهُوَ أَبُو إِسْحَاق أَوْ إِسْرَائِيل أَوْ مَنْ دُونه ، وَقَدْ قَالَ أَبُو بِشْر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا اِبْن عَشْر " وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى وَأَنَا قَدْ نَاهَزْت الِاحْتِلَام " قَالَ : وَالْأَحَادِيث عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذَا مُضْطَرِبَة . قُلْت : وَفِي كَلَامه نَظَر ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْأَصْل أَنَّ الَّذِي يَثْبُت فِي الْحَدِيث مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْله فَهُوَ مُضَاف إِلَى مَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْكَلَام السَّابِق حَتَّى يَثْبُت أَنَّهُ مِنْ كَلَام غَيْره . وَلَا يَثْبُت الْإِدْرَاج بِالِاحْتِمَالِ . وَأَمَّا ثَانِيًا فَدَعْوَى الِاضْطِرَاب مَرْدُودَة مَعَ إِمْكَان الْجَمْع أَوْ التَّرْجِيح ، فَإِنَّ الْمَحْفُوظ الصَّحِيح أَنَّهُ وُلِدَ بِالشِّعْبِ وَذَلِكَ قَبْل الْهِجْرَة بِثَلَاثِ سِنِينَ فَيَكُون لَهُ عِنْد الْوَفَاة النَّبَوِيَّة ثَلَاث عَشْرَة سَنَة ، وَبِذَلِكَ قَطَعَ أَهْل السِّيَر وَصَحَّحَهُ اِبْن عَبْد الْبَرِّ وَأَوْرَدَ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ " وُلِدْت وَبَنُو هَاشِم فِي الشِّعْب " وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْله " نَاهَزْت الِاحْتِلَام " أَيْ قَارَبْته وَلَا قَوْله " وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُل حَتَّى يُدْرِك " لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون أَدْرَكَ فَخُتِنَ قَبْل الْوَفَاة النَّبَوِيَّة وَبَعْد حَجَّة الْوَدَاع ، وَأَمَّا قَوْله " وَأَنَا اِبْن عَشْر " فَمَحْمُول عَلَى إِلْغَاء الْكَسْر ، وَرَوَى أَحْمَد مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ اِبْن خَمْس عَشْرَة ، وَيُمْكِن رَدّه إِلَى رِوَايَة ثَلَاث عَشْرَة بِأَنْ يَكُون اِبْن ثَلَاث عَشْرَة وَشَيْء وَوُلِدَ فِي أَثْنَاء السَّنَة فَجَبْر الْكَسْرَيْنِ بِأَنْ يَكُون وُلِدَ مَثَلًا فِي شَوَّال فَلَهُ مِنْ السَّنَة الْأُولَى ثَلَاثَة أَشْهُر فَأَطْلَقَ عَلَيْهَا سَنَة وَقُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَبِيع فَلَهُ مِنْ السَّنَة الْأَخِيرَة ثَلَاثَة أُخْرَى وَأَكْمَلَ بَيْنهمَا ثَلَاث عَشْرَة ، فَمَنْ قَالَ ثَلَاث عَشْرَة أَلْغَى الْكَسْرَيْنِ وَمَنْ قَالَ خَمْس عَشْرَة جَبَرَهُمَا وَاَللَّه أَعْلَم .