بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اتبع هداه

في وقت صعب عسير تسلق فيه الصغير قفى الكبير، وركب الصعدات الجبال

الشامخات وخشي المنحدرات، والوديان الضيقات ،قرأكتيبات رسائل وجيزات

بل صفحات ووريقات مقطوعات، وبدأ بنطح ابن حزم والذهبي والمزي وابن

عبد الهادي وغيرهم من الأعلام الكبراء ، الأولياء الأجلاء الدين كابدوا الصعاب

والجوع وعطش الأكباد ،وفراق الزوج والأهل والأولاد، بل المقام والخلان

والأوطان ، ليسطروا لك ياصاحبي لباب عقولهم وثمرات طلبهم وجهد وتعب

أسفارهم .

لم يعييهم حر المصيف وبرد الشتاء ويبس الخريف وحسن زمان الربيع فهم على

حال واحدة في الطلب والنصب لم يغيرهم ويشغلهم كسب ولامعاش ولاضرب

في الأسواق ، صدقوا الله وعده بإخلاصهم وصبرهم ومتابعة نبيهم فجعل الله

منهم أئمة يهدون بأمره لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون .

نسأل الله أن يجمعنا معهم وإخواننا في جنات النعيم مع النبيين والصديقين آمين.

أما المشاهد اليوم أينما قلبت نظرك فتجد( أنا ، نحن ، في إعتقادي ، رجحت..)

وهو لم يستكمل أدوات الطلب الأساسية بل دون ذلك بكثير، ملئت بهم المنتديات

ومازاد الطين بلة هذه الأسماء الغليظة السمينة التي يستشف منها التشبع بما لم
يعط .كمثل الدارقطني وأبو الكواسر وأبو الزواجر وأبو الهوامع فلله ذرهم ما

ألطفهم ؟؟ وما أخف روحهم؟؟ .

وفي الجانب المقابل نشاهد هذا الركض والهرولة للحصول على لقب (دكتور)

لالشئ إلا لشرف هذا الإسم زهوا وعلوا وتكبرا وتطاولا . فالأغنياء دفعوا بسخاء

للحصول على هذا اللقب في تسارع عجيب حتى فتحوا الباب لغير أهله ، فطلع

علينا ( إسكافي دكتور) ( وطباخ دكتور) .. لسهولة الحصول على هذه الورقة

السميكة.

ووالله وتاالله وبالله إنه زمن العجائب بن الجوزي يبعث ثانية ليسطر

بيمينه كتاب أخبار الحمقى والمغفلين بنفس متجدد . إذ لهرول لقبره متعودا

من فتن عصرنا. ( بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء).

الدكتور هو الجهبد النحرير وغيره ممن لايحمل هذه الشهادة هو الحاشي الخرير

ولم يعلم دراويشنا أن لفظة دكتور غربية مغربة تعطى في مبدأها لعالم اللاهوت

والشريعة في النصرانية أو اليهودية.بل تعدى المآال بدراويشنا ليستردوا من الغرب

ودوله ،كل جديد بأسمائه التي ظهرت عليه عندهم للأسف قالوا (همبورغر) قلنا

همبورغر، قالوا (أوتوبيس ) قلنا أوتوبيس . فكلما ظهر مخترع وجئ به لبلد

الإسلام إلا بقي على إسمه ، فالمفروض علينا جميعا هو التعريب بدل التغريب

والمحافظة على تميزنا الإسلامي حتى في المصطلحات والله أعلم .

كتبت هذه الكلمة البسيطة لغصة في نفسي ووحشة في قلبي وغمة في عيني ، جراء

الحرب الدفاعية الطلبية بين الإخوة في المنتديات ، وأعلم كل من يقرأ هذه الأسطر

أني لاأقصد أحدا بعينه والله على ما أقول شهيد حتى لاندخل في ( حيص بيص)

مع أصحاب سنارات الصيد . بل إني بعيد كليا عما يدور بين المشايخ الفضلاء

من رد ورد بمقابله ليس بسبب أن المسألة فيها تزيد ، لكن لسبب وحيد هو أنني

كفيت من قبل العلماء في الرد على المخالف والحمد لله . فبيان عوار أصحاب

البدع وتصويب المخطئ وتقويم المعوج من أصل الدين وإلا خطبت الزنادقة على

المنابر ، والرد يكون بقدر وحد دون تجوز .

فأين نحن من الدارمي صاحب ( الرد على بشر المريسي فيما ابتدعه من التأويل

لمذهب الجهمية).

و( الرد على البكري ) لابن تيمية.

و( الرد على ما جاء في خلاصة الكلام من الطعن على الوهابية لدحلان) لابن عيسى.

و( الرد على من ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الخط ) لابن رشد.

و( الرد على من كفر المسلمين بسبب النذر لغير الله ) سليمان بن عبد الوهاب....

والسؤال المطروح هو، من الشخص المؤهل للقيام بهذا الواجب العظيم ، واجب
الجرح والتعديل ؟ الجواب بكل سلاسة من جمع صفات شروط الجرح والتعديل

المنصوص عليها في كتب المصطلح فلتراجع ، يبقى على أمثالي قبول خبر الثقة

العدل الضابط في المحكي فيه الجرح إن لم ينازع فيما قال . فإن حصل فنتوجه

لوجوه الترجيح المنصوص عليها أيضا في كتب المصطلح . وبهذا نعلم أن الأمر

عسير إخواني ليس باالهين والله المستعان . فمن وضع نفسه مجرحا معدلا فقد أقبل

على جرف من جهنم إن أصاب فلله الحمد وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ،لأنه

أراد الحق فلم يصبه، (وإذ قال في مؤمن ما ليس فيه أذاقه الله لذغة الخبال ، قيل

وما لدغة الخبال قال عصارة أهل النار حتى يخرج مما قال وما هو بخارج)

الصحيحة 1/722 بألفاظ مختلفة .

أتظنون إخواني أن الأمر يسير لا ومقلب القلوب، بخاصة أن علم الجرح

والتعديل تعاطاه من لايلوك فاه إلا بالقدح والدم على إخوانه ، تظن إذا رأيته

قد ركب قرنان موحشان فعلى الله التكلان .

أخشى ما أخشاه أن يتعقبني أخ فاضل ويتوهم أني أفضل السكوت عن أخطاء

المخالفين لمنهجنا السلفي . أقول على العكس تماما لكن الفكرة التي أريد توصيلها

لإخواني هي أن الجرح والتعديل باب عظيم من أبواب الدين ينبغي لمن يدخل بابه

أن تنطبق عليه مواصفات المجرح المعدل ، وإلا وقع في الوعيد السابق إذا لم

يوفق في حكمه والعصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقدروا الموقف رعاكم
الله . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

أقيد لطلبة العلم بعض تراجعات الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري

وكما يقال من بركة العلم عزوه لأهله فقد استللت هذه الأسطر من كتاب التعالم

لفضيلة الوالد الشيخ بكر أبو زيد قال.

( وهذا حافظ الدنيا في زمانه ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 رحمه الله

تعالى له من هذا نصيب وافر في كتبه.

1- ففي فتح الباري 1/149 قال البخاري رحمه الله تعالى في باب ما جاء في

فضل العلم ( واحتج بعضهم في القراءة على العلم بحديث ضمام ) . قال ابن حجر

( المحتج بذلك هو الحميدي شيخ البخاري قال في النوادر له كذا قال بعض من

أدركته وتبعته على ذلك في المقدمة ثم ظهر لي خلافه وأن قائل ذلك أبو سعيد

الحداد ثم ساق الدليل ).

2- وفيه أيضا 1/153 قال البخاري ( وقال أنس نسخ عثمان المصاحف فبعث

بها إلى الآفاق ورأى عبد الله بن عمر ويحي بن سعيد ومالك ذلك جائزا) قال ابن

حجر ص154 ( وكنت أظنه العمري المدني وخرجت الأثر عنه بذلك في تغليق

التعليق وكذا جزم به الكرماني ثم ظهر لي من قرينة تقديمه في الذكر على يحي

بن سعيد أنه غير العمري لأن يحي أكبر منه سنا وقدرا فتتبعت فلم أجده عن عبد

الله بن عمر بن الخطاب صريحا لكن وجدت في كتاب الوصية لأبي القاسم بن
مندة...) .

3- وفيه أيضا 2/102-103 في كتاب الأذان حديث ابن عمر إن بلالا ينادي

بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكثوم . ثم ذكر الحافظ في الفتح ص 102

روايات لهذا الحديث بعكسه ثم قال ( وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة

بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت

الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض ألفاظه

ما يبعد وقوع الوهم فيه..).

4- وفي 4/182 من كتاب الصوم عن أبي الدرداء قال خرجنا مع النبي صلى


الله عليه وسلم في بعض أسفاره ..الحديث . قال ابن حجر( وقد كنت أظن أن

هذه السفرة غزوة الفتح .. ثم قال لكنني رجعت عن ذلك وعرفت أنه ليس

بصواب ..) .

5- وفيه أيضا 4/216 عند قول البخاري رحمه الله ( وقال سليمان عن حميد

أنه سأل أنسا في الصوم ) قال ابن حجر رحمه اله تعالى ( كنت أظن أن سليمان

هذا هو ابن بلال لكن لم أره بعد التتبع التام من حديثه فظهر لي أنه سليمان بن

حيان أبو خالد الأحمر...).

6- وفيه أيضا 2/288 قال البخاري رحمه الله فجاء أهل اليمن قال الحافظ ابن

حجر رحمه الله تعالى ( هم الأشعريون قوم أبي موسى وقد أورد البخاري حديث

عمران هذا وفيه ما يستأنس به لذلك . ثم ظهر لي أن المراد بأهل اليمن هنا نافع

بن زيد الحميري مع من وفد معه من أهل حمير..) .

7- وفيه أيضا 6/519 ذكر مسألة في التحكيم وعلقها على الثبوث .

8- وفيه أيضا 6/621 في قصة ثابث بن قيس بن الشماس .

9- وفيه أيضا 6/127 ذكر بعض الشراح ثم قال فلينظر المراد بالشارح

المذكور فإني لم أقف عليه .

10- وفيه أيضا 7/98-507 في الذين يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم.

11- وفيه أيضا7/118 ذكر كلاما ثم قال ولا أدري الآن من أين نقلته.

12- وفيه أيضا7/ 459 .

13- وفيه أيضا 7/501 رجع عن موضوع في تغليق التغليق.


14- وفيه أيضا 7/514 إدراج في حديث.

15- وفيه أيضا 13/187 .

16- وفي لسان الميزان 5/4 قال عن ابن حبان في مالك بن سليمان

الهروي وهو ممن أستخير الله فيه . وهذه فائدة زائدة .

17- وفي تهذيب التهذيب 12/242 قال في ترجمة أبي معقل الأسدي ( قلت

ينبغي تحرير هذه الترجمة وترجمة معقل بن أبي معقل الذي تقدمت في الأسماء

هل هما واحد أم اثنان ).

18- وفي الإصابة 2/124 ترجم حمزة بن عمر ولم تتحرر له صحبته

فقال ( وهو ممن أستخير الله فيه) .

قلت (أشرف) هذا المسلك طريقة متعاقبة بين أهل العلم لايخلوا منها كتاب من

كتب العلوم الشرعية . يبقى أخيرا تصحيح مماند به قلم المؤلف أو تحيز به فكره

دون وضع هالات كبيرة فوق كل خطأ أو تراجع ، فيكفي التنبيه عليه لاغير دون

أن يغندر على المؤلف.

كتبت هذا فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي وأستغفر الله

فاس

المملكة المغربية.