أركان البيع
أركان البيع كما أسلفنا في الدرس الماضي
1_العاقدان
2_الثمن والمُثمن
3_الصيغة وهي عبارة عن إيجاب وقبول ..
والإيجاب والقبول هو الذي يعْكس إرادتَ كلّ من المتعاقديْن ولا يُشترط لفظـٌ محدّدٌ للإيجاب والقبُول إنما كلّ لفظٍ أو عمل يدلّ على الإيجاب والقبُول كما عندَ المالكيّة والحنالبة وذلك لأنّ الأدلة لم تشترط صيغة معيّنة..
وذلك يقول : شيخنا ابن عثيمين في منظومته اللطيفة
وكلّ ما أتــى ولم يحددِّ بالشرعِ كالحرز فبالعرفِ أُحددِ
مشروعيّة عقد البيع الأصل فيه الحل والإباحة
النوع الأول:الأصل في العقود عندَ الفقهاء لا يخلوا إمّا أن يكون هذا الكلام وهو الأصل في العقود منصرفٌا الى العقود المُسماة المنصوصة كالوكالة وعقد بيْع فهذه محلّ إجماعٍ عن الفقهاء في إبَاحتها.
النوع الثاني: وهو العقُـود الغيْر المسمّات التي لم تريد في الكتاب ولا في السنّة ولم يقرر الفقهاءُ أحكاما خاصّة بها فأنّ هذه قد اختلفَ الفقهاء في الأصل فيها على قوليْن
ا
لأول: أن الأصل هو الحل وهو ظاهر مذهب مالك وأحمد خلافا للحنفية والشافعية
ولذلك يقُول شيخ الإسلام ابن تيمية وعلى هذا أكثر أصول أحمد ومالك
والقول الثاني: الأصل في العقود الحظر والحرمة وهذا ما عليْه أكثر أصول أبي حنيفة والشافعي خلافا لأحمد ومالك وطائفة من أقوال الحنابلة والمالكية
وأما قولهم الأصل الحل فعليه أدلّة كثيرة وهو قول جمهور الفقهاء المتقدمين والمعاصرين ..
ومن أدلتهم:ولقول الله تعالى (
وأحلّ الله البيْع) وجه الدلالة أنّ كلّ بيعٍ حلال والأصل في العقود الحل ود الحل
ومن أدلّتهم: الآيات التي دلّت على حصْر المحرّمات نوعا أو وصفا منها الآية التي في الأنعام قوله تعالى (
وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)الدلالة تفصيل المحرمات دالٌ على أن ما عدى هذا المفصّل حلَال
ومن أدلتهم:قوله تعالى :(
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ لْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)
وجه الدلالة تشريع بيوع الدّيْن الذي يكون إحدى العوضيْن مقبوضًا ولا يكون كلاهما كما ذكرنا ما يتعلق الكالئ بالكالئ فبناء عليه إذا كانت الديُون أو بيع الديون الذي يكون إحدى العوضين غائبا مؤجلا, إذا كان الأصل فإن البيع الذي يكون حاضرا معجلا من باب أولى!
ومنها: قوله تعالى (إ
لا أن تكون تجارة عن تراض بينكم ) وجه الدلالة بيّن أن الأصل في العقود الحل ما دام تراض من طرفيْن ..
و
منها :قوله_ صلى الله عليه وسلم _
ومن سكت عنه فهو عفو. وجه الدلالة ما سكت عنه فهو باق على الاصل وهو الإباحه فلو كان محرما لنصّ عليه
ومنها :قول الله تعالى قلْ من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)وهذه المغاوضات هي في الحقيقة من الطياب التي أحل الله .
أمّا القول الثاني: الذي عليه أبو حنيفة والشافعي فقد استدلوا بحديث بريرة عن النبي_ صلى الله عليه وسلّم_
(كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وجه الدلالة لا حظ قوله كل شرط ليس في كتاب الله أي لا بدّ للعقد أن يكون مذكورا في كتاب الله ليكون مشروعًا فهذا يعني الأصل الحظر إلا إذا جاء النص أن العقد مشروع..فدل على أن العقود محظروة ما لم تكن في الكتاب والسنة فصار العقد الحظر هذا وجه استدلال من استدل بهذا الحديث.
الجواب: أن المقصود أنّ كل عقد وشرْط ينصّ إليْه في كتاب الله بل المقصود كل عقد يخالف ما في كتاب الله ,فقضاء الله أحق من كل شرط يخالفه ..
وجواب آخر على التسليم:هذا الحديث لا نسلّم عليْه في المعنى .ولو سلمنا كمَا هي طريقة الفقهاء والمحدّثين في المناقشة الفقهيّة أي أن على فرض التسليم قالوا: ليس المقصود ما لمْ يرد في كتاب الله بنصّه وبذكْره دون غيره وإنّما المقصود ما لم يرد في كتاب الله بعمومهِ ولا بخصوصهِ وهذا يعني أن الأصل الحل كما هو قوله(يـا أيّها الذين آمنوا أفوا بالعقود)
فلا يلزم أن يذكر في كتاب الله كل عقد بخصوصه ِ
فالعقُود التي لم تُذكر في كتاب الله وسنة رسوله_صلى الله عليه وسلّم_ ولم يسمّي لها الفقهاء فالأصل فيها يكون على الحل إلا إذا اشتمل على ظلم أو ربا فإنه ينتقل علَى المنع.
يقول:شيخ الإسلام ابن تيمية" والأصل في هذا أنهُ لا يحرّم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليْها إلاّ ما دل الكتاب والسنة على تحريمه"
ولذلك يقول شيخ الإسلام وهذه كلمة فقهية عميقة منه رحمه الله قال: "فإنّ المسلمين إذا تعاقدوا بيْنهم عقودًا لم يكونوا يعلمون تحريمها وتحليلهَا فإنّ الفقهاء جميعًا فيما أعلمه يُصحّحونهَا إذا لم يتعاقدوا تحريمها وإن كان العاقدُ حين إذن لم يكن يعلم تحليلهَا لا بالجتهاد ولا بتقليد ولا يقُول: أحد لا يصح العقد إلا اللـذي يعتقد أنّ الشَارع أحلّه فلوْ كان إذنُ الشارع الخاص شرطًا في صحّة العقُود لم يصح عقد إلا بعد ثبوت إذنه كما لوحكم الحاكم بغير اجتهاده فإنه آثم وإن كان صادف الحق"
هذه المسألة تفيدنا في العقود المستجدة كعقد التأجير المنتهي بالتمليك أو عقد المُقاولاَت أو الصيَانة أو بيْع المنَافع والخدمات أو عقود بنكيّة وغير ذلك هذه العقود الأصل فيهَا الحل ما لمْ يكن فيها تغرير او ربا أو ظلم.
"المعاملات المحرّمة ترجع إلى ضوابط أعظمها ثلاثة"
1_الربا بانواعه الفضل والنسيئة والقرض
2_الجهالة والغرر
3-الخداع
ويمكن أن نضيف إليها ما يجْمعها كاملة "الظلم" هذه أسباب الحظر في العقود .
دعونا نبدأ بالظلم .الظلم يراد به عند الإطلاق, التعدي وتجاوز الحد وعامّة ما نهى عنه الشرع يعود على تحقيق العدل
والحقيقة انه لا ينبغي أن يكون المال مفرق بين الناس ويكسب العدوى بيْن الإبن وأبيه, والأخ وأخيه ,وهو شيء من مِتاع الدنيا الزائلة ف فجاء الشرع لمنْع هذه الأشياء ولذلك قول الله تعالى
(يا عبادي إنّي حرمت الظلم على نفسي ..) وقوله (
لا تأكلوا أموالكم ).فالتدليس وإخفاء العيوب والغش من الظلم , وكلّه حرام ولذلك يرى الفقهاء أن الغش من كبَائر الذنوب
ومن أبلغ صور الظلم الربا .
ثانيًا :الغرر إذا كان العقد مشتملا على الغرر فإنه عندَ إذن يكون سبب لتحريم العقد
تعريف الغرر لغة: النقص والخطر والجهل
اصطلاحا يعرّفه السرخسي الحنفي:بأنّه المستور العاقبة
أبو يعلي الحنبلي يعرّفه:ما تردد بيْن أمرين ليس أحدهما أظهر من الآخر
الشراز الشافعي يعرّفه: بأنّه من طوى عليه أمره وخفيت عليْه عاقبته
وعرّفه شيخ الإسلام :"بأنه المجهول العاقبة" فلا يدري لأيّ شيء يسير الثمن فلذلك يكون العقد محرّما
ما الدليل على تحريم الغرر..حديث أبو هرير أن النبي_صلى الله عليْه وسلّم_
نهى عن بيع الغرر.مسلم
والغرر لا بد به من جهالة ,والغرر يدخل في الظلم واعلم أن كلّ غررٍ ظلم وليس كلّ ظلم غرر
ضوابط الغرر
1_أن يكون الغرر كثيرًا .فإذا كان الغرر قليلا فإنه لا يُأثّر في العقد وهذا إجماعا كمَا حكى النووي ذلك.
لكن كيف نعلم أنّ هذا غَرر كثير وهذا غرر قليل ؟
يقول: الباجي المالكي "ما غلب على العقد حتى صار العقد يُوصف به" .يعني حتى تقول هذا عقد جهالة هذا عقد غرر
2_بانه لا يمكن التحرّز منه يعني أنّ الغرر المُأثّر هو ما يمكن التحرز منه, فبهذه الحالة يكون غرر غير مأثر ولو كان كثيرا..
3_ أن لا تدعوا إليْه حاجة عامْة ولعل هذا يرجع لسابقهِ وضابطها
قال: الجويني "ما لو تركه الناس تضرّروا في الحال والمآل"
وقال كلمة ابن تيمية رائعة:مفسدة الغرر أقل من مفسدة الربا فالذلك رُخّص فيما تدعوا إليْه الحاجة منه فإن تحريمه _أي تحريم الغرر_الذي تدعوا إليه الحاجة أشد ضررا من كونه غررًا..
الدليل على أنّ الغرر الذي تدعوا إليه الحاجة العامة جائز :فعن رسول الله _صلى الله عليه وسلّم_ "أنه نهى عن يبع الثمر حتى يبدوا صلاحها نهى البائع والمبتاع" .فإذا بدى الصلاح وظهر جاز له حنئذٍ ,طيّب بعض الثمار قد يفسد لأنه بدى به الصلاح ولم يتمكن أوْ يتحكّم ,كذالك قال: حتى يبدوا صلاحه أيْ أنّه لو بدَى في بعضهِ جاز بيعه كلّه
4_أن يكون الغرر أصلا في العقد فإن كان الغرر تابعا في العقد فأنه غير المُأثـّر
الديل قوله صلى الله عليه وسلم "
من اشترى نخلا بعدَ أن يأر فثمرتها للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع "
فهذا الغرر جاء تبَعا للأصل لأن العَقد في حقيقتهِ وقع على الشجرة ,فهذا الغرر تابع وليس مُأثّرًا