تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تنبيه ذوي القدر بسلامة الصدر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    150

    افتراضي تنبيه ذوي القدر بسلامة الصدر

    الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد أثنى الله تعالى على من اتصف بسلامة الصدر وطهارة القلب, وكان من أبرز هؤلاء نبي الله إبراهيم عليه السلام, حيث وصفه الله سبحان بقول: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:83-84], وكان من دعاء عباد الله المؤمنين سلامة صدروهم من الغل والحقد والحسد لإخوانهم المؤمنين بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10], وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويسأله بقوله: «واسلُلْ سخيمة قلبي» [صحيح سنن أبي داود (1/ 414)], والسخيمة: الحقد في القلب والنفس. فسلامة الصدور وطهارة القلب من الصفات الحسنة التي ينبغي للمسلمين عموماً -والدعاة خصوصاً- الحرص عليها والتخلق بها ولاسيما والمسلمون اليوم يمرون بأزمة أخلاقية داخلية ومؤامرات خارجية جعلت المسلمين يعيشون في ظروف استثنائية في أحوالهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يكون سليم الصدر لا يحمل في قلبه سخطاً على أحد من أصحابه، حيث يقول: «لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً؛ فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» [رواه أحمد وصححه أحمد شاكر], فكان صلى الله علية وسلم يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راضٍ عن أصحابه من غير سخط على أحد منهم, فسلامة الصدر خصلة حميدة وصفة جليلة, ينبغي لكل مسلم الحرص على التحلي والتخلق بها، وخاصة المتصدرين للدعوة؛ لأنهم أهل القدوة وأصحاب القدر عند الناس, ولسلامة الصدر فضلٌ وقدرٌ عظيم، كيف لا وصفات أهل الجنة حين يدخلونها سليمة صدروهم من الأحقاد والأضغان؟! كما قال جل شأنه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [الحجر:47], وأول زمرة تدخل الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد» [رواه مسلم], ولهذا جاء الحث على سلامة الصدر، حيث رغّب الله فيه فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات:10]. وهذا دليل على أنه ينبغي ترسيخ إخوة الإيمان بين المؤمنين, وعلامة ذلك كف الأذى، وبذل الندى، والصفح عما ابتدر من الأخ من خطأ, فالتآلف والتراحم وعدم التنافر من شأنه أن تتوحد القلوب والنفوس, ويتم التواصل بين الأحبة, وهذا من أعظم ما تقوم عليه الأخوة الإيمانية, وقد روى أبو داود في سننه عن قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضيغم أو ضمضم -شكٌّ من الراوي-» كان إذا أصبح قال: «اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك» [سنن أبي داود كتاب الأدب رقم (4886)]. قال ابن القيم -رحمه الله- في التعليق على هذا الحديث: "وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من معاداة الخلق ما فيه" [مدارج السالكين (2/295)]. ولننظر إلى ذلك الصحابي الذي جرت قصته مع عبد الله بن عمرو بن العاص، والذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، فقد تتبَّعَ أعماله في الليل والنهار, فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه لم يسمع منه إلا خيراً , وقد كان هدف عبد الله بن عمرو الاقتداء به، فلما رآه لا يعمل كثيراً سأله وقال: فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى عليه وسلم: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة؟» فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك, وهي التي لا نطيق. [رواه أحمد، وقال المحققون: إسناده صحيح على شرط الشيخين]. فسلامة الصدر للمسلمين عملٌ جليل، وباب عظيم موصل إلى الجنة, وقد اتَّسم صاحب الصدر السليم والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بهذه الخصلة المباركة, فكان يعفو عمَّن ظلمه، ويحسن إلى من أساء إليه, وكان هيِّناً ليِّناً، سهيلاً سمحاً, والشواهد والأمثلة التي تدل على سلامة صدر النبي صلى الله عليه وسلم ونقاء قلبه كثيرة ومتنوعة، مع القريب والبعيد، ومع العدو والصديق، وغيرهم من أصناف الناس, وهي مبثوثة ومنتشرة في الكتب التي تحدثت عن شمائله صلى الله عليه وسلم, وجاء الصحابة من بعده -رضوان الله عليهم- فساروا على منواله, ونهجوا نهجه، وتأسَّوا به، ولهذا وصفهم الله بقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح:29], والرحمة لا تكون إلا من صدر واسع سليم، ولذا أثنى الله تعالى على الأنصار؛ لحبِّهم لإخوانهم المهاجرين وسلامة صدروهم تجاه إخوانهم، فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9], قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أي: لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله, وخصَّهم من الفضائل والمناقب التي هم أهلها, وهذا يدل على سلامة صدروهم, وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها" [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص: (851)]. قال زيد بن أسلم رحمه الله: "دخل رجل على أبي دُجانة الأنصاري رضي الله عنه وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقال له ما لوجهك يتهلل؟! فقال: ما مِن عملي شيءٌ أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني, والأخرى: كان قلبي للمسلمين سليماً"!! [سير أعلام النبلاء (1/243)]. فكان أبو دجانة رضي الله عنه يرى أنَّ من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله ويرجو ثوابها: أن يكون صدره سليماً لكل مسلم, حتى اعتقد أنما حصل له من وضاءة وحُسن في الوجه كانت بسبب سلامة صدره، فهؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, بلغ بهم من الأخلاق ما رأينا, ولا عجب أن يكونوا أطواداً في أخلاقهم وسلامة صدروهم؛ فهُم جيلٌ تربَّى وترعرع في مدرسة النبوة، الذي قائدها مَن حثَّ واتصف بسلامة الصدر وصفائه ونقائه. فإذا أراد الدعاة والمخلصون خصوصاً -والمسلمون عموماً- أن يكتسبوا هذه الصفات ويتحلوا بسلامة صدروهم؛ فلا بد أن يستعينوا بالأسباب التي تقودهم إلى أن يكون كل منهم سليم الصدر نقي القلب، فمن هذه الأسباب المعينة على سلامة الصدر ما يأتي: 1- دوام الصلة بالله تعالى، فمنه المُستمَدُّ والعون، فهو الظهير والنصير سبحانه جل وعزَّ. 2- التعامل الحسن مع الناس بجميع فئاتهم ومستوياتهم, وذلك بالحرص على كسب وُدِّهم ومحبتهم، والإحسان إليهم بشتى الطرق الممكنة والمتاحة. 3- الظن الحسن بالآخرين، وحمل أقوالهم على أحسن المحامل وأفعالهم على أفضل الطرُق وأصلحها. 4- نقاء القلب وخُلُوُّهُ من الحسد والحقد والبغضاء, والتحلي بمكارم الأخلاق, والعفو والصفح والمسامحة. 5- الدعاء بالمغفرة والخير للمسلمين عموماً, ولكل من بدَرَ منه خطأ أو إساءة على وجه الخصوص, ولا يمكن أن يصل الواحد منا إلى هذه المرحلة إلا إذا جاهد نفسه وجلد ذاته, وحملها وأطَرها على الحق أطراً, وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم -كما سبق-: «واسلُل سخيمة قلبي» [صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود]. 6- أن يتخلى القلب من كل مكدِّر ومثبِّط , وأن يحرص المرء على تعاهد قلبه وتخليصه من ما قد يكون سبباً في مرضه أو إهلاكه من الآفات، كالحسد والتصدر وحب الزعامة والشهرة والرياسة والتنافس على الدنيا, والتفاني في الحصول عليها والأنانية والبغضاء والكبر والأشر والبطر, ورحم الله ابن الجوزي حيث قال: "تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأَهُ مِن حُب الدنيا, فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون" [صيد الخاطر ص: (21)]. فالذي يحرص على سلامة قلبه يحرص على التقلل مما في أيدي الناس، ويزهد في هذه الدنيا، كما قال الحسن البصري: "والزهد في الدنيا يريح القلب والبدن" ["جامع العلوم والحكم" لابن رجب، ص (261)]. فإذا علم أهل القدر هذه الأسباب التي تعينهم على سلامة صدورهم جَنَوا من خلال ذلك الثمرات الآتية: 1- حصول النفس على الراحة والابتعاد عن الهموم والغُموم. 2- حب الخير للخلق والحرص على نفعهم وقضاء حوائجهم. 3- فُشُوّ المودة والأُلفة بين أهل القدر وبين الناس. 4- قبول المدعوين لأهل القدر من الدعاة؛ لحسن طباعهم ونقاء سريرتهم وتواضعهم. 5- الأثر الحسن في نفوس الناس لحسن معاملتهم وصدق مشاعرهم الفيّاضة مع الآخرين. 6- صاحب الصدر السليم يتفرغ للعلم ويدعو الناس إلى العمل به والإفادة منه، فلا يشغل نفسه بالردود، ولا يكون كمطفئ حرائق في الرد على الخصوم, وعندئذٍ لا يتعرض للنقد من الآخرين فينشغل بالردود عليهم. 7- صاحب الصدر السليم يفوّت الفرصة على أعداء الدعوة الذين يتربصون بها ويستفيدون من الاختلاف والتنازع والشحناء بين أهل المنهج الواحد. ورحم الله الإمام الشافعي الذي اتّصف بسلامة صدره من الحقد على الناس، فارتاحت نفسه، فقال: لمّا عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ إني أُحيّي عدوّي عند رؤيتهِ لأدفع الشرَّ عني بالتـحيـاتِ وأُظهر البِشْر للإنسان أُبغِضهُ كأنّما قد حشا قلبي محبّاتِ [سير أعلام النبلاء للذهبي (6/ 389)]. في الأخير: نسأل الله جل وعزَّ أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والدين, وأن يطهّر قلوبنا من النفاق والحقد والدَّغَل، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل.

    موقع منبر علماء اليمن: http://olamaa-yemen.net/main/articles.aspx?selected_article _no=13249

  2. #2

    افتراضي رد: تنبيه ذوي القدر بسلامة الصدر

    بآرك الله فيك أخي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •