أولاً: خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد [دار الحكمة أو بيت الحكمة]:
تاريخ الإنشاء ومن أنشأها:
لم تذكر المصادر تاريخ محدد تم فيه إنشاء مكتبة بغداد وإن كان يُنسب إنشاءها إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد المتوفَّى سنة (193 هـ)،
نبذة عن الخزانة:
شهد تطور الحركة الفكرية والثقافية في العصر العباسي ميلاد دور الحكمة التي كانت تعتبر مظهر لما وصل إليه الرقي الفكري، كما أن اسمها يعكس مدى الاحترام الشديد للعلم باعتباره مفتاح الحكمة، ويمكن القول مما يورده المؤرخون عن دور الحكمة: إنها كانت مركزا علميا للبحث والدراسة؛ ولذا نجد بعض الكتابات تطلق عليها اسم الجامعة ولها من الجامعة وظيفة البحث والدراسة، فمدرسة الإسكندرية التي كانت الحاضرة الثقافية والفكرية للعصر الهليني بعد أثينا؛ وجمعت لها الكتب المؤلفة والمترجمة كما كانت مركزا للترجمة والنقل، وكان لها مدير يشرف على شئونها يسميه المؤرخون العرب صاحب بيت الحكمة ... وتوسع المأمون فيها وألحق بها عددا كبيرا من أشهر علماء عصره ومترجميه وأصبحت مركزا للترجمة والنسخ والمطالعة والتأليف، فكان يجتمع فيها القراء والمؤلفون للاطلاع على المصادر التي يريدون مراجعتها، ويجتمع فيها المترجمون للترجمة وبين أيديهم الكتاب الحذاق يكتبون ما يملون عليهم والنساخ في أماكن خاصة بهم ينسخون لأنفسهم أو لغيرهم بالأجر؛ وكانت بيوت الحكمة أكبر خزائن الكتب في العصر العباسي أخذت شهرتها ومكانتها من مكتبتها ومتحفها؛ وقد اجتمع في مكتبة بغداد العلماء والباحثون للبحث والدرس، ولجأ إليها طلاب العلم والمعرفة من كل حدب وصول، ودُرِّسَت بها علوم الطب والفلسفة والحكمة وغيرها، وكان لذلك كله أثر واضح في تطور الثقافة العربية، وازدهار الحركة العلمية في ذلك الوقت، وبلغت هذه المكتبة ذروت نشاطها في عهد الخليفة المأمون، المتوفِّى سنة (218هـ).
تصميم المكتبة:
وكان تصميمها من الداخل عبارة عن غرف عديدة، تمتد بينها أروقة كثيرة، بينها أروقة طويلة، وكان في كل غرفة من هذه الغرف عمل محدد تقوم به، لا تقوم به غيرها فمن هذه الغرف:
1 – غرفة للكتب مزودة بأرفف تُصفُّ عليها الكتب.
2 – غرفة للمحاضرات والمناظرات.
3 – غرفة للاستراحة.
4 - غرف للمترجمين.
5 - غرف للناسخين.
6 - غرف للمجلدين والوراقين.
7 - غرف للخازنين والمناولين.
8 - غرف خاصة للتدريس.
9 – غرف لسكن طلاب العلم، وكان يصرف لهم الغذاء والكساء.
وقد قل الاهتمام بالمكتبة بعد وفاة المأمون، وانتقال مركز الخلافة إلى سامَرَّاء على يد الخليفة المعتصم بالله، المتوفَّى سنة (227 هـ)، ثم حظيت ببعض العناية في عهد الخليفة المتوكل على الله، المتوفَّى سنة (247 هـ).
دمار المكتبة:
وظلت المكتبة قائمة حتى دهم المغول بغداد سنة (656 هـ)، وهدموا ما فيها من منشآت، ورموا بكل ما فيها من الكتب في نهري دجلة والفرات حتى قيل أن ماءه أسود ثلاثة أيام؛ وكانت المكتبة فيما تهدم، وأحرقت كتبها، وطُمست معالمها، بعد أن ظلت ما يزيد على أربعة قرون ونصف القرن جامعة إسلامية ومنارة للعلم والعلماء([1]).
[1] ـ لمحات في المكتبة والبحث والمصادر (ص: 39)، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي (16/ 67، بترقيم الشاملة آليا)، التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية (ص: 300).