وقفة مع جزء من سورة الرعد: هذ السورة الكريمة اختلف علماء التفسير بشأنها منهم من ذهب إلى أنها مكية ومنهم من قال إنها تنتمي إلى القران الذي نزل بالمدينة , إن علماء الذين اهتموا بدراسة القران الكريم وهم كثر فقد ألفوا كتبا عديدة حول القران منها القديم والحديث نجد أنهم قد وضعوا ضوابط ومميزات تهم كلا من القران المكي والمدني فمثلا من الضوابط التي توصلوا إليها عبر استقراءهم وتتبعهم للخطاب القرآني : أن كل سورة ذكر فيها : يأيها الناس. ولفظ كلا.. وادم .. وإبليس .هي من السور المكية . أما القران المدني كل سورة وقع فيها الخطاب بيايها الذين ءامنو وغيرها من الضوابط والمميزات التي تحف بالمكي والمدني ولمن شاء أن يتعمق أكثر في هذا الموضوع أحيله على كتب علوم القران من أبرزها كتاب الدكتور صبح الصالح ومناع القطان و غيرهم . يقول الله تعالى في مطلع هذه السورة الكريمة المتكونة من ثلاث وأربعين آية : المر: كثير من السور القرآنية التي افتتحت بهذه الحروف المقطعة أو المعجم أو التهجي نجد علماء التفسير قد اختلفوا في بيان معناها البعض منهم ذهب إلى أن هذه الحروف لايعلم المراد منها الاالله إنه علم استاثربه لم يطلع أحدا عليه قال الشعبي : إن لكل كتاب سرا وسر هذا القران في فواتح سوره قال ابن عباس عجزت العلماء عن إدراك معناها وقال الشعبي أيضا : سر الله فلا تطلبوه ولهذا يعتبر هذا من المتشابه.ومنهم من قال إن هذه الحروف بعضها من أسماء الله وبعضها من صفاته فمثلا {الم}انا الله اعلم وارى وقيل إنها اسم الله الأعظم فقد أوصل السيوطي الأقوال بشان هذه الحروف إلى عشرين قولا لكن القول الراجح أن هذه الحروف تؤشر إلى ظاهرة الإعجاز في القران الكريم كان الله سبحانه وتعالى يقول للناس وخصوصا المشركين الذين ردوا دعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بزعمهم أن هذا القران أنشاه من تلقاء نفسه وبتعاون مع غيره بما انكم قد تصورتم وقلتم ما قلتم ظافروا جهودكم ونسقوا مواقفكم وصفوفكم وجهوا دعوة لكل من ترونه يملك ثروة لغوية هائلة يستطيع أن يأتي بمثل هذا القران الذي أنزلته على رسولي إليكم , هذا القران المكون من هذه الحروف التي تصوغون به لغتكم وفي نفس الوقت انتم من أهل البلاغة والفصاحة لامانع هناك لتقدموا عذرا لفرصة بيدكم ماذا تنتظرون إذن ؟ هل استطاع هؤلاء أن يأتوا بمثله لالا أبدا وبذلوا جهودا تلو الجهود لكي يأتوا ببعض منه لكن كل تلك الجهود والمحاولات باءت بالفشل الذر يع تحداهم أولا بان يؤتوا بمثله قال سبحانه في هذا الخصوص: {قل فاتوا بمثله } وأعطاهم وقتا لاشك في هذا ليجمعوا ما استطاعوا ان يجمعوا من قوة لغوية ربما تصل الى إنشاء قران يماثل هذا الذي بين أيدي رسول الله والمومنين وبعد هذا المخاض العسير استسلموا للامر الواقع ما استطاع احد منهم ان يثبت ولو حرفا واحدا في هذه المرحلة ثم نزل معهم الى مستوى ادنى حيث طالبهم بان يأتوا بعشر سور من مثله واتبع معهم نفس الخطوات الأولى لكنهم اصطدموا بنفس الجدار الذي اصطدموا ا به في البداية ثم امعن في تحديهم اذ طالبهم بأقصر سورة منه قال عزوجل في هذ ه المرحلة النهائية :{قل فاتوا بسورة من مثله ودعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين } وفعلا عجزوا وحاروا وانهاروا أمام هذا البحر الذي لانهاية له ولا ساحل له أبدا أبدا وسيبقى هذا التحدي ساري المفعول وسيمتد ما امتد اليل والنهار سيبقى قرانا صالحا لكل زمان ومكان وإنسان لأنه رسالة عالمية خاتمة قال سبحانه وتعالى قاطعا دابر طمع الطامعين في الإتيان به : {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القران لاياتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهير} ليس هناك تحد اكبر من هذا, هذا القران نواحيه الاعجازية ليست محصورة في حيز واحد بل تعددت وتنوعت كتاب معجز ببلاغته وفصاحته وبيانه وفنيته وهندسته البنائية معجز بمؤسساته الأخلاقية والتشريعية والقصصية والعقدية الفكرية معجز بصورته المشهدية اللفظية وبصورته المعنوية المفاهيمة المد لولية معجز بالعلوم التي توجد في بطنه وخضمه وهكذا وهكذا انه بحر اكرر هذ ه الجملة لاساحل له أبدا ابد ا وسيبقى بحرا زاخرا بالمعارف بمختلف أشكالها زاخرا بمملكة الخيرات لأنه كتاب الخير لان صاحبه هوهو الخير كله الا وهو الله تعالى الملك العلام رافع السماء باسط الأرض . الى فرصة أخرى بحول الله سأتابع معكم أيتها الجماهير المسلمة . السلام عليكم ورحمة الله أهلا بكم من جديد إلى حلقة أخرى من الحلقات التي خصصتها للحديث عن كتاب الله تعالى مفسرا بعض الآيات من خلال سورة الرعد كنا قد وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى { تلك آيات الكتاب }يشير الله تعالى هنا إلى آيات القران الكريم وقيل الإشارة هنا راجعة إلى ما تقدم من القصص وقيل راجعة إلى التوراة ولإنجيل فكل ما جاء ضمن هذه الكتب ينتمي إلى أسرة واحدة وجهة واحدة لاتعدد فيها أبدا نعم هناك اختلاف في الشرائع تبعا للظرفية والواقع المعاش فشريعة موسى كانت شديدة بالمقارنة مع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أن التباينات والتوافقات بين برنامج كل شريعة أمر طبعي لاينكره إلا من أوتي من العلم إلا قليلا , وهذا لايعني أن هناك اختلافا في الجوهر ولأصل بل الكل يصدر من الله فجميع الرسل خاطبت قومها التي أرسلت إليها خطابا واحدا من ناحية غرس قواعد ومبادئ العقيدة في نفوس الناس ومعرفتهم بالله هذا الخطاب يتلخص فيما يلي : {اعبدوا الله مالكم من اله عيره } يدعونهم الى توحيد الجهة ,جهة التعبد والتعلق برب واحد اله واحد الذي أوجدهم من عدم وفعلا قد استجاب من استجاب وأنكر من أنكر فكانت عاقبة المنكرين الخزي في الدنيا ولآخرة استأصلهم الله قال تعالى { فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنه من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } , يجب أن نكون على دراية من ان ما جاء في هذه الكتب هو الإسلام قال تعالى في هذا الجانب مخاطبا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن اقيمو الدين ولا تتفرقوا فيه} قلت إن الوضع ألتبايني بين هذه يتجلى فقط في ناحية كيفية اداء الشعائر كما وكيفا أما الأصول الكبرى هي هي ذاتها في كل الدعوات والرسالات .فلآيات جمع آية أي علامات ومؤشرات إشاراتها تقودنا وتقود البشرية أينما ما كانوا ومهما اختلفوا إلى التعرف على الباري سبحانه وتعالى , كل ما جاء في القران وضيفته الأساسية سوق الناس إلى هذا الهدف الكبير الكبير, الله تعالى لم ينزل هذا الوحي لنقراه كما نقرأ فصص التاريخ والروايات بمختلف حقولها لا بل انزله للهادية والرجوع إليه ولالتزام بمقتضيات المنزل التزاما قويا مع اشد الاعتزاز به حتى نسافر من هذه الدنيا إذا أردنا النجاة من ويلات جهنم التي تنتظر العباد العاصين بشوق ولهف, الى الآخرة ثم سيجاز ينا ربنا خيرا لأننا التزمنا حدود ه وفق المنصوص عليه في هذا الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه مدى الزمان , كتاب مكلوء بعناية الله وحفظه مهما تطورت الأمور في اتجاه معاكس قال الله عزوجل وهو يرسم هذا العهد ويوثقه :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.