بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛لقد عاب الله تعالى على المشركين أنهم أشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً، وأنهم حرموا ما لم يحرمه الله عليهم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك -فيما رواه مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه- فقال: "قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً".وقال الله سبحانه وتعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} فجمعوا بين الشرك والتحريم، والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها، ثم من المشركين من عبد غير الله، ليتقرب بعبادته إلى الله، ومنهم من ابتدع ديناً عبدوا به الله، في زعمهم، كما أحدثته النصارى من أنواع العبادات المحدثة، فأصل الضلال في أهل الأرض إنما نشأ من اتخاذ دين لم يشرعه الله، أو تحريم ما لم يحرمه الله.وإن مما مضى عليه سلف الأمة وأئمتها أن لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، وأن لا يعبد إلا بما أمر وشرع لا بالأهواء والبدع، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً"، قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} قال الفضيل بن عياض: "العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه" قالوا: "يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا والخالص: ما كان لله، والصواب: ما كان على السنة، وهذا هو المذكور في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}، وفي قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}، فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه على متابعة أمره، وما عدا ذلك فهو مردود على عامله يرد عليه أحوج ما هو إليه هباء منثورا.وقد تقرر عند السابقين الأولين ومن سار على نهجهم من الآخرين هذان الأصلان، وأنه لا صلاح ولا نجاة للعبد في الدنيا والآخرة إلا بهما، وأنه من خالف في واحد منهما أو فيهما فعمله مردود عليه وسعيه غير مشكور، قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ}؛ فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو بفعله، من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكاً لله شرع من الدين ما لم يأذن به الله.وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"، وكل عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعدا، فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره لا بالآراء والأهواء.وعن جابر رصي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين؛ ويقرن بين أصبعيه: السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"، وفي رواية للنسائي: "وكل ضلالة في النار".فإنه لا ينبغي لأحد كائنا من كان أن يخرج عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه سلف الأمة، وأن لا يقول ولا يعمل إلا بما علمه، وما لم يعلمه أمسك عنه (ولا تقف ما ليس لك به علم) ولا تقل على الله ما لا تعلمه، ولا تقولوا على الله إلا الحق، والحق ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.والحمد لله رب العالمين.