فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد الدرس [23]باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وبعدقال في كتاب التوحيد: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين) هذا الباب استكمالا للأبواب التي تتكلم عن الشرك في الدعاء يبين أن من أكبر أسباب كفر بني آدم وتخليهم عن دينهم ودعاؤهم غير الله تبارك وتعالى خصوصا وتقديم غير ذلك من العبادات لغير الله U هو الغلو في الصالحين، قال الله U: ﴿يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [النساء: 171]. وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولَا تَذَرُنَّ وَدًّا ولَا سُوَاعًا ولَا يَغُوثَ وَيعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23]. قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت.قال ابن القيم: قال غير واحد من السلف، لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.وعن عمر أن رسول الله r قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله» أخرجاه في الصحيحين.وقال r: «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» رواه أحمد والنسائي وصححه الشيخ الألباني، ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله r قال:«هلك المتتطعون، هلك المتتطعون، هلك المتتطعون».الآية الأولى قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ (الغلو: هو الإفراط في التعظيم بالقول) أو الفعل، الغلو الإفراط مجاوزة الحد في التعظيم والتبجيل بالقول أو بالاعتقاد.(أي لا ترفعوا المخلوق عن منزلته التي أنزله الله فتنزلوه المنزلة التي لا تنبغي إلا لله.قال: والخطاب -وإن كان لأهل الكتاب- فإنه عام يتناول جميع الأمة، تحذيراً لهم أن يفعلوا بنبيهم r فعل النصارى في عيسى، واليهود في العزير كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ولَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[الحديد: 16].