عن أيّ سرّ يتحدّثُ شيخُ زاوية مَدَاغ ؟
بقلم / الأستاذ والصّديق الكريم أحمدُ حفّو
بسم الله الرحمن الرحيم
أمّا مَدَاغُ فقريةٌ صغيرة في شرق المغرب قريبة من بركان والسعيدية ، بها زاوية صوفية ، يحجّ إليها أتباعُ الطّريقة البوتشيشية كلّ سنةٍ بمناسبةِ ما يُسميه الصوفيةُ (الاحتفالَ بعيد المولد النبوي) وهو احتفالٌ لم يفعله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ولم يأمرْ به ، وما كان كذلك فهو بدعة باتّفاق أهل العلم ، لأنّ الله عزّ وجلّ أكملَ لهذه الأمة دينَها ، ولم يكن هذا الاحتفالُ من الدّين ، وما لم يكن على عهد رسول الله ديناً لا يكون اليوم دينا ، كما قال الإمامُ مالك بن أنس رحمه الله . ولو كان هذا الاحتفالُ من الدّين لفعله الخلفاء الرّاشدونَ ، لأنهم يحبّون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثرَ منّا .
ومما يدلّ على بدعية هذا الاحتفال أنّ بني عُبيد القدّاح الذين يُسمّون أنفسهم فاطميينَ (نسبة إلى فاطمة بنت رسول الله) ، وهم أحفادُ اليهودي أبي عُبيد القدّاح .
وهؤلاء هم أولُ من أحدثَ الاحتفال بالمولد النبوي ، وقد اتّفق أئمة الإسلام على كُفرهم وزندقتهم ، لأنهم بدّلوا شريعةَ الله ، وممّن حكم بكفرهم شيخُ الإسلام ابن تيمية ، والسّيوطي في كتابه الخلفاء وابن كثير في تاريخه البداية والنهاية ، وابنُ الجوزي وأبو حامد الغزالي ، وغيرهم من علماء الإسلام ، ولو أردتُ نقل كلام أهل العلم في تكفيرهم لجمعتُ في ذلك مُجلّداً ضخماً . والمقصود أنّ احتفالَ هؤلاء بميلاد النّبي صلى الله عليه وسلم هو من باب التّدليس على العوام ، حتّى يُقال إنّ هؤلاء يُحبّون رسول الله أكثر من غيرهم ، وربّ العزّة لم يأمُرنا بالاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل أمرنا بطاعته واتّباع سُنّته ، والتّحاكم إلى شريعته ، ومن هنا يظهر للمنصف أنّ المتوافدين على زوايا التّصوف في العالم الإسلامي لن يُثيبهم اللهُ على عملهم ، لأنه عمل مخالف للسنّة . والنّبي صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ : " من عملَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردّ " . متفق عليه
والمتَوَافدونَ على زاوية مَدَاغ لهم غلوٌّ في شيخِ الطّريقة ، فهم عندما يرونه يصيحون صياحاً هيستيرياً ، لأنّ رؤية حمزة والجلوس معه لا يناله إلاّ ذو حظٍّ عظيمٍ في اعتقادهم ، وكيف لا يفعلون ذلك والشّيخُ يزعمُ أنّه وارثُ سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فهل كان أصحابُ رسول الله يصيحون عند رؤيته ، أو يقومون عندما يدخل عليهم كما يفعلُ البوتشيشيون بشيخهم ؟ ! الجوابُ : لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك ، وهو القائل " من أحبّ أن يمتثل له الرّجال قيّاماً فليتبوأ مقعده ". رواه أبو داود وأحمد وغيرهما وهو صحيح .
إنّ حمزة يتحدّثُ عن سرّ مزعومٍ ورثَه عن أبيه ، وأبوه ورثه عن الشّيخ أبي مدينَ ، يقول في جواب له عن سؤال ، ورد في جريدة المساء المغربية ، عدد 1675 ، قال له الصّحافي : كيف يتم تدبير موضوع الخلافة داخل الطريقة ؟ فأجابه حمزةُ قائلاً : بخصوص مسألة الخلافة فإن الأمر محسوم وأنا الذي أقرّرُ لأنّي توليتُ السّرّ عن والدي عندما كنت أنا وشخص آخر ، من مريدي والدي الشيخ ، الذي ورث السّر عن الشيخ أبي مدين ، بوثيقة عدلية موثقة ... وقال أيضاً : إنّ أمرَ الطّريقة يرثه والدي سيدي العباس كما قال : إنّي سأكون بعده ولكنه لم يأمر بذلك ، لقد حُسم أمرُ الخلافة بإذن من الله ورسوله أودعه في قلبي ، وأطلعني على من هو أحقّ بخلافتي ، وحملُ سرّي ، هذا عطاء من الله يؤتيه من يشاء . وما بكم من نعمة فمن الله . أنا موكول بالمغاربة وكلّ البشر ، وفي طريقتي تجتمعُ جميعُ الطّرق ، كلّ الطرق الصوفية تجتمع في الطريقة القادرية البوتشيشية ، والطريقة باقية ، وستبقى ، لأنّ الدّين الإسلامي أعزّه الله بأصحاب كانوا حول الرّسول صلى الله عليه وسلم ، بينهم أبو بكر وعمر وحمزةُ ، ونحن نخلفُ هؤلاء ليس بكلام فقط بل بعهد موثق اهـ هُراؤه
إنّه كلام في غاية الخطورة ، وغيرُ مُستبعد ممّن يقول هذا الكلام أن يدّعيَ النّبوة في يوم من الأيام . إنّ السّر الذي يتحدّثُ عنه حمزةُ هو مجرّد هراء لا أقل ولا أكثر ، وهي دعاوى فارغة يتّخذها شيوخُ الطّرق الصّوفية للاستحواذ على عقول الشباب الجاهل لأكل أموالهم بالباطل وصدّهم عن سبيل الله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )) [التوبة : 34 ] لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك سرّا لأحد من أمّته ، بل تركَ كتاب الله عز وجل وسنته المطهرةَ ، وعن ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتابَ وسنتي " رواه مالك في الموطأ وحسّنه الألباني .
أمّا الذّكر الذي يتعلمه البوتشيشيون فهو عبارة عن رقص وصياح وهيستيرية ، يتنزّه عنها العُقلاء ، وهؤلاء يشتدّ صياحهم ونحيبُهم عند رؤية الشيخ . وهو رقص ينفّرُ غيرَ المسلمين من الإسلام عندما يُشاهدونه على المواقع الالكترونية ، لاعتقادهم أنّ هذه الحركات البدعيةَ من صميم الإسلام . وكيف تكون من الإسلام والقرآن يحثّ المسلمين على ذكر مخالف لها : قال الله تعالى: (( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَال ولا تكن من الغافلين )) [الأعراف:205 .206 ] ..أمّا ما يصيحون به من ذكر بالضمير فهو من البدع الصوفية التي يَسرّ عليها أهلُ التّصوف ، وهي مخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من سبّح الله في دبر كلّ صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وحمد الله ثلاثا وثلاثين ، وكبّر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون ، ثم قال في تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قادر . غُفرت خطاياه وغن كانت مثل زبد البحر ". رواه مسلم وغيره . ولم يقل : من قال هو هو ، فله من الأجر كذا وكذا ..
وفي الختام نقول لشيخ الطريقة البوتشيشية : إن المغاربة كغيرهم من المسلمين غير محتاجين لك ولتوكيلك المزعوم حتى تدلّهم على الله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ..ولو كنتُ تعرف الله عز وجل لتواضعت ولم تمدح نفسك بما ليس فيك ، لأن الله عز وجل يقول :((ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى)) ..
أمّا السّر المزعوم الذي تزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصّك به دون غيرك فلسنا بحاجة إليه ، لأن كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فيهما ما يوصل المؤمن والمؤمنة إلى رضوان الله وجنّته )) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )) [51.العتكبوت] وعليك يا شيخ ألا تغتر بالشّباب الغافل الذي يقدّسك ويتّبع خُطاك ، لأن الحق لا يعرف بكثرة الأتباع وقد أخبرنا النبيّ صلّى الله عليه وسلم أن الدّجال يتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان . وأسأل الله أن يمن على الشّباب -الذين فُتنوا بك- بالفقه في الدّين حتى يعلموا أنّك مجرد شيخ في طريقة صوفية يدّعي أصحابها أنهم يعلمون النّاس الذّكر في حين نجد بعضهم لا يرى غضاضةً في السجود للشيخ ، مع ادّعاء بعض هؤلاء انهم يعلمون ما في قلوب أتباعهم ، نعوذ بالله من الضّلال . وعليك يا شيخ أن تتواضع وتنزل عن كبريائك إن كنت مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم ن فإنه كان يجلس بين أصحابه كواحد منهم حتى يأتي الأعرابي ولا يستطيع ان يفرّق بين رسول الله وأصحابه فيسألهم : أيكم رسولُ الله ؟ فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : ها أنذا . أما أنت فلا تجلسُ مع اتباعك إلا لماما ، وإذا رأوك قاموا يصيحون باسمك . وهي أفعال مخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "...الحديث . وعليك أن تنهى أتباعك عن الأناشيد الشركية المنافية للتوحيد كقولهم في بعض هذه الأناشيد : بأنّ حمزة أرسله الإله .. ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن النبوة خُتمت بسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومثل هذه الأفكار المنافية للتوحيد تقود أصحابها لبناء القباب على القبور وعبادة المقبورين فيها ، والطواف بقبورهم وطلب المدد من المقبورين فيها ، وهو شرك بالله عز وجل ، نعوذ بالله من الضلال ... ومن المعلوم أن الزوايا أنشأت في أول الأمر لتحفيظ كتاب الله وتدريس العلوم الشرعية ، لكنها انحرفت عن هذا المسار ، وأصبحت مملوءة بالقبور يعبدها العوامُ من دون الله عز وجل ، ويذبحون لها ، ويقيمون ما يُسمى بالعمارة بين جنباتها ، والعمارة أو الحضرة عبارة عن ذكر صوفي منحرف ، لما يتضمنه من الصّياح والرقص الهيستيري . أما السرّ المزعوم الذي يملكه حمزة فوالله الذي لا إله غيره إنه كذب مكشوف يرمي شيوخُ التصوف من ورائه إلى الاستحواذ على أموال الأتباع وأكلها بالباطل . وما يسمّى بسر الشيخ هي النقطة التي أفاضت الكأس بين عبد السلام ياسين وزاوية مداغ ، لأن عبد السلام هذا كان يعتقد أن شيخه العباس سيجعله صاحب سره في آخر المطاف ، فلمّا وقع الاختيار بعد موت العباس على ابنه حمزة غادر عبد السلام الزاوية مُعتقداً أنه مظلوم ، لأنه أحق بسر الشيخ من غيره . والعجيب في الأمر أن ينتقل السر المزعوم مع يا سين إلى مراكش ثم سلا ويبقى في نفس الوقت مع الشيخ حمزة في زاوية مداغ مما يتبين أن دين الصوفية مبني على الكذب والخداع ...
15 / 02 / 2012