تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: مدخل عدالة الصحابة في تفسير التاريخ ـ الإشكالية والتصحيح

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    88

    افتراضي مدخل عدالة الصحابة في تفسير التاريخ ـ الإشكالية والتصحيح

    مدخل عدالة الصحابة في تفسير التاريخ
    ( الإشكالية والتصحيح )


    ـ مفهوم عدالة الصحابة :
    المقصود بالعدالة في اللغة : السلامة ، والاستواء ، ومنه العدول عن الشر إلى الخير ([1]) ، وعدالة الصحابة تنقسم إلى قسمين : الأول : العدالة العامة للصحابة ، وهي الثابتة لجميع الصحابة ، وهي التي يكْثُر ذكرها عند المحدثين ، وعليها يقوم قانون نقل الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والثاني : العدالة الخاصة لكبار الصحابة .
    والنوع الأول : من العدالة يقتضي شيئين : الأول : عدم تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، والثاني : حسن العاقبة لهم في الدار الآخرة وفق الموعود الإلهي ، {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] .
    قال العلامة السخاوي : " قال ابن الأنباري: وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول روايتهم من غير تكلف ببحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا إن ثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك ولله الحمد" ([2]) .
    وقال العلامة اللكنوي : " وقد تطلق العدالة على التجنب عن تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها بارتكاب ما يوجب عدم قبولها ، وهذا المعنى هو مراد المحدثين من قولهم الصحابة عدول " ([3]) .
    ولذلك فإن الجهالة لا تضر عند أهل العلم بالحديث إن كانت في تلك الطبقة ـ طبقة الصحابة ـ للوثوق بعدم تعمد أحدهم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم .
    وتلك العدالة ـ بالمفهوم الأول ـ لا تعني بالضرورة وجوب حسن السيرة ، وعدم الوقوع في الكبائر ، التي ترفع صفة العدالة عن فاعلها حال فعلها وقبل التوبة منها ، ولذا فقد ثبت أن من الصحابة من حُدَّ ، ونحو ذلك ، فهذه الكبائر وإن كانت ترفع صفة العدالة الخاصة بمعنى السلامة من الكبائر ، إلا أنها لا ترفع العدالة بالمعنى العام للصحابة ، لخصوص صفتهم بالصحبة ، والنصوص الشرعية الدالة على حسن عاقبتهم ، وعدم كذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم .
    أما النوع الثاني : فهو العدالة الشخصية لكبار الصحابة ، وهي أوسع مضمونا من العدالة العامة لعموم الصحابة ، فهي العدالة المعروفة في الشرع ، ( صِفَةٌ تُوجِبُ مُرَاعَاتُهَا الِاحْتِرَازَ عَمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ عَادَةً ظَاهِرًا ) ([4]) ، بمعنى اجتناب الكبائر ، أو عدم الفسق ، فبالإضافة لاشتمالها على الشهادة بحسن العاقبة ، وعدم تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنها تعني حسن السيرة ، واستقامة السلوك ، وسلامة الباطن ، وذلك لأنواع مخصوصة من الصحابة ، كالعشرة المبشرين بالجنة ، وأهل بدر ، وأهل بيعة الرضوان ، الذين زكى الله بواطنهم وظواهرهم ، وكذلك من ثبت في حقه بشارات خاصة من النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ، أو تزكية لأعمالهم وإيمانهم .
    ـ الإشكالية :
    هذا النوع من العدالة الشخصية لكبار الصحابة يفرض منظورا مُوَجَّها ، لا يتسم بالحيادية ، فيما يتعلق بفهم وتفسير كثير من تصرفات هؤلاء الصحابة .
    ذلك المنظور الموجه قد يعتبر عند كثير من الباحثين إشكالية في مدى دقة الدرس التاريخي لحقبة تاريخ الصحابة .
    ـ المناقشة :
    الذي يمكن أن ينتظم من خلاله حل تلك الإشكالية ؛ محلان للتأمل :
    أولا : أن تقدير الحيادية المطلقة كمعيار لأفضلية المناهج التاريخية أمرٌ غير دقيق ، بل غير واقعي أصلا ، فمن حيث العموم ؛ الحيادية المطلقة ليست شيئا يوجد في الواقع ، إنما هو أمر ذهني تقديري ، فلا كاتب يكتب شيئا حياديا حيادا تامًّا ، سواء كان ذلك الكاتب مؤرخا أو غير مؤرخ ، ولا يعرف في العلوم الإنسانية الحياد المطلق ـ بخلاف العلوم التجريبية حيث يكون الحياد بحكم الضرورة العلمية ـ فأي اعتبار جعل تلك الحيادية معيارا لصواب المنهج التاريخي دون غيره من العلوم الإنسانية ؟!
    إن العلوم التجريبية المحضة التي يفرض فيها المعمل والمعادلات الرياضية منطقا علميا حياديا بحكم الضرورة ، يتوقف فيها سلطان الحيادية عند القياس والوصف والنتيجة للظاهرة العلمية ، أما التفسير العلمي للظاهرة الواحدة فلا يكون حياديا في كل الحالات كذلك ، ما لم يبرهن على تلك التفسيرات ببراهين ثابتة في العلم التجريبي ، فنرى الظاهرة الواحدة التي لا خلاف في حصولها على نسق علمي محايد معين ؛ نرى خلافا بين الباحثين والعلماء في تفسير تلك الظاهرة ، وفق المنهج العلمي الذي تكون إحدي حلقاته ( فرض الفروض ) !
    ـ إن خلاصة المحل الأول للتأمل التي ينبغي الخلوص إليها : أن العلوم الإنسانية ، التي تدرس الإنسان وأحواله وأفعاله وتاريخه ليس من شروط البحث العلمي فيها الحيادية التامة ، بل الذي يشترط في البحث العلمي ؛ هو الموضوعية ، والتي معناها استيفاء النظر ، وجمع الأدوات العلمية اللازمة ، والبحث الأمين من كافة الجوانب عن محل الدراسة .

    ثانيا : إن مدخل العدالة الشخصية لكبار الصحابة ، واعتماده في فهم التاريخ بعد النبوي ؛ ليس عزلا للتحليل التاريخي الموضوعي كما تزعم بعض المدارس البحثية المتأثرة بالدرس الاستشراقي ، بل هذا من عوامل التفسير التاريخي الضرورية في تقديرنا.
    وذلك أن المناهج التاريخية من حيث العموم تحتاج إلى أدوات فاعلة تقدر من خلالها أن تُقيَّمَ الحدث التاريخي سلبا أو إيجابا ، وإذا كان الحدث التاريخي لا يمكن درسه مجردا ، دون اعتبار لسياقه وظرفه ، وكذا لشخوصه والمؤثرين فيه ، فإن البحث التاريخي يبقى قاصرا عن درك كثير من الحقائق التي تتعلق بالحدث التاريخي مهما كان مشهورا ، من حيث الظرف والأشخاص ، وذلك للفجوة الزمنية بين زمن كتابة التاريخ وبين حصوله الفعلي ، ولئن كان هذا القصور مفهوما فيما يتعلق بالأحداث التي لا نملك تجاهها أدوات فاعلة لمعرفة الظرف وطبيعة الشخص المؤثر في الحدث ، فإن توفر تلك الأداة في حقبة تاريخية معينة أو لأشخاص معينين لا يقتضي تجاهلها كي يستمر عجز التفسير التاريخي متناسقا في تناوله لسائر الأحداث في الحقب الأخرى !
    فإن كان الواقع المحض يوفر لنا تقديرا صادقا عن طبائع مجموعة من الأشخاص المؤثرين في التاريخ ، فإن العلم يأبى أن تهمل تلك المعطيات ، وتعزل عن البحث التاريخي ، ذريعة الموضوعية !

    ثم إن الدرس الاستشراقي لم يقدم لنا بديلا عن ذلك ، سوى بعض آراء استبطانية حدسية ، تقوم على الربط السطحي بين أي حدثين ، أو أي كلمة أو تصرف لشخص ، فيزعم منها منهجا لحياته ، وباعثا لتصرفاته ، فيما يشبه الارتجال في التفسير ، أكثر منه الموضوعية فيه .

    فبينما يتصور بروكلمان من خلال رؤيته لحادثة السقيفة ورغبة الأنصار في تولية قيس بن عبادة أول الأمر ؛ أن هذا كان ثورة تحررية ! ، كما يقول : ( ومن ناحية أخرى كان الأنصار العريقون في المدينة يتوقون إلى التحرر من سلطان الأغلبية المتمثلة في المهاجرين ليصبحوا سادة موطنهم الوحيدين ، كرة أخرى ) ([5]) ، دون أن يبين لنا سببا منطقيا واحدا يدل على صحة تصوره لموقف الأنصار في السقيفة ، حين أقروا مجمعين لأبي بكر وعمر من المهاجرين بسبب حديث خاطف لم يستمر ـ وفقا لنصوص الحوار في الروايات ـ إلا دقائق معدودة ، فتنازلوا عن ذلك الأمل في التحرر لأجله !
    كذلك نجد أن فلهاوزن يفهم من حركة الغزوات والمكاتبات النبوية لملوك العالم من المدينة : ( أن النبي لما صار رئيسا تغير عما كان عليه لما كان لا يزال طامحا في الرياسة ، وأن الحكومة الثيوقراطية من حيث السياسة الفعلية تغيرت عنها لما كانت فكرة ، وعلى هذا صار الطابع السياسي يزداد بروزا والطابع الديني يزداد تراجعا ) ! ([6])، دون أي وعي لمغزى الجهاد الديني ، قبل مفاده السياسي ، ولا الدور المحوري الغائي النابض للدين ومعانيه في كل تصرفات النبي السياسية ، بل اكتفي بمجرد الملاحظة الظاهرية ، والربط السطحي بين الأحداث في الفترتين المكية والمدنية .
    ذلك الأمر لم يقتصر على المستشرقين فقط ، إذن لهان الخطب جدا ، وإنما سرى ذلك إلى المنتمين فكريا للدرس الاستشراقي ، فنجد الدكتور سامي النشار يرى أن أبا سفيان غنوصي ([7]) !! ، وليس الشأن في ذلك أنه اعتمد رواية باطلة موضوعة ، ولكن في منهجية التفسير لتلك الرواية وربطها بالغنوصية القائمة على الأفلاطونية المحدثة التي كانت تجتاح الإسكندرية آنذاك ، فأين هذا من قلب جزيرة العرب القاحلة فلسفيا أكثر منها مناخيا ؟!!
    أما الدكتور هشام جعيط فيستنبط من قول عمر بن الخطاب في رسالته لسعد بن أبي وقاص ( إن العرب بمنزلة الإبل لا يصلحها إلا ما يصلح الإبل ) ([8]) ؛ حيث يحدد له صفات المكان المناسب لاستيطان العرب ، وتمصير مدينة جديدة لهم في العراق ؛ يفهم منه أنه يدل على التفكير والتصور الرعوي عند عمر ! ، فيقول : ( فهل كان قوله تعبيرا عن تصور رعوي للوجود العربي في العراق ، وكامتداد لوجودهم في بلاد العرب ، تثير هذه العبارة مشكلا متشعبا : هو استقرار العرب ، وتراكب الأنماط الحياتية السابق منها واللاحق ، وآثار الحياة الرعوية أو الإرادة العنيدة في المحافظة على نمط العرب الحضاري ) ! ([9]) ، فأقام صرحا كبيرا على أساس واه ، والحال كما يفهمه كل عربي سليم العربية ، طبيعي الفهم للتاريخ أنه لا يتعدى مجرد توجيه من عمر لسعد أن يرتاد مكانا مقاربا في الظرف الجغرافي والطبيعي لبيوتات العرب كي يتمكنوا من الإقامة فيه ، إذ كانوا قد نزلوا مكانا مائيا فأصابتهم الأمراض واستوبؤوه ([10]) .
    وكذلك نرى الدكتور طه حسين يقول :(لست أطمئن إلى أكثر ما يرويه الرواة من نصوص الحوار الذي كان بين أبي بكر وصاحبيه من جهة ، وبين الأنصار من جهة أخرى ) ! ([11]) ، هكذا دون منهج علمي يتكئ عليه في القبول والرد ، وكأن الشك المجرد صار علما مقبولا ، كما هو الشأن في نظريته عن الشعر الجاهلي !
    ناهيك عن عشرات الأمثلة التي لا يسع المقام لذكرها ، مع ملاحظة أن التمثيل في هذه الورقة إنما يلاحظ ( منهج تفسير التاريخ ) فحسب ، وإلا فحدث ولا حرج عن مئات المعلومات والأفكار الباطلة الشائهة ، عمدا أو دون عمد في كتابات هؤلاء ومن لف لفهم .

    وأخيرا ينبغي أن نبين أن المدخل القائم على اعتماد عدالة الصحابة الكبار في فهم الحوادث التاريخية ؛ لا ينافي موضوعية التحليل أصلا ، وبيان الصواب والخطأ في السياسات والمناهج والتنظيمات التي مارسوها ، في إطار معايير النقد العلمي ، الذي من أهم أدواته القانونية = فهم الباعث على التصرف ، قبل تحليله وتقويمه ، ثم نقده .


    ([1]) راجع تهذيب اللغة ( 2/125 ) .

    ([2]) فتح المغيث ( 4/101 ) .

    ([3]) ظفر الأماني في مختصر الجرجاني ( 506 ) .

    ([4]) المصباح المنير للفيومي ( 2/397 )

    ([5]) تاريخ الشعوب الإسلامية لكارل بروكلمان (83) .

    ([6]) تاريخ الدولة العربية ليوليوس فلهوزن (6) .

    ([7]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام للدكتور سامي النشار (2/19) .

    ([8]) الطبري (4/42) .

    ([9]) الكوفة ـ نشأة المدينة العربية الإسلامية للدكتور هشام جعيط (95) ، باختصار يسير .

    ([10]) الطبري (4/41) .

    ([11]) الشيخان للدكتور طه حسين (38) .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    88

    افتراضي رد: مدخل عدالة الصحابة في تفسير التاريخ ـ الإشكالية والتصحيح

    أصل المقال في الوطن الكويتية

    http://alwatan.kuwait.tt/articledeta...rQuarter=20121

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,057

    افتراضي رد: مدخل عدالة الصحابة في تفسير التاريخ ـ الإشكالية والتصحيح

    بارك الله فيك ياشيخنا
    قد وجدت على الشبكة شرح لك على متن ابى شجاع (باب العبادات) ولم أجد (باب المعاملات) فأين هو أم لم تتم شرح الكتاب
    وأتمنى أن تجيبنى على بعض الاسئلة قد وجهتها اليك من قبل ؛أجبتنى على سؤال ولم تجيب باقى الاسئلة وأنا اعلم انك مشغول ؛ وجزاك الله خيرا
    اسباب ضعف طلب العلم فى مصر .pdf (400.2 كيلوبايت, المشاهدات 66)
    صفحتى على الفيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php...26&ref=tn_tnmn

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    88

    افتراضي رد: مدخل عدالة الصحابة في تفسير التاريخ ـ الإشكالية والتصحيح

    وفيك بارك .وقد انشغلت حقا ونسيت أن أتم جوابي على موضوعك ، وسأرجع إليه قريبا إن شاء الله .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,057

    افتراضي رد: مدخل عدالة الصحابة في تفسير التاريخ ـ الإشكالية والتصحيح

    كنت اتمنى أن أخذ منك أجازة فى متن أبى شجاع وأنا احفظه الأن فهل لو اتممته اعطتنى هذه الأجازة (مكتوبة)
    اسباب ضعف طلب العلم فى مصر .pdf (400.2 كيلوبايت, المشاهدات 66)
    صفحتى على الفيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php...26&ref=tn_tnmn

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,057

    افتراضي رد: مدخل عدالة الصحابة في تفسير التاريخ ـ الإشكالية والتصحيح

    جزاك الله خيرا
    اسباب ضعف طلب العلم فى مصر .pdf (400.2 كيلوبايت, المشاهدات 66)
    صفحتى على الفيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php...26&ref=tn_tnmn

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •