الحمد الله الذي أوضح السبل وجعل لكل أمة شِرعة ومنهاجا، وصلوات ربي والسلام على خير الأنام الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وبعد :

حديثنا اليوم عن كثير من دعاة السطوية، أو الوسطية كما يدَّعون ..
هذه الظاهرة تكشف لنا أزمة الأسماء المباينة لمسماها، فاسم الاتجاه والفكر في الدين ليس كأسماء الأعلام التي لا مفهوم لها ولا تدل على المتلبس بها ..

الدعاة السَّطوية اجتاح طوفانهم بيوت المسلمين واكتسحوا قنوات الإعلام، ولئن كان هذا مقبولا قبل الربيع العربي فهو اليوم مرفوض كل الرفض ومذموم كل الذم، كنا في القديم نسمع الحجج البالية والاعتذارات الواهية، فمرة يقولون هؤلاء الدعاة موصى عليهم من البيت الأبيض، وتارة لا بد من كسب قلوب الشباب الضائعين فلا يليق بهم الشيخ المحافظ صاحب اللحية الكبيرة بل كلما كان الداعية أكثر فلتانا فذلك أفضل، وحينا يقولون: لا يوجد من المشايخ الدعاة ذوي النهج الصحيح صاحب أسلوب محبب ... إلى غير ذلك ..

أما اليوم فكل هذا لا يقبل، فما عادت أمريكيا وحلفاؤها كالسابق ، فقد أعز الله دينه ونشر سنته، وهؤلاء الإسلاميون يعتلون كبار المناصب والمناصاب الكبيرة ..

فمن هؤلاء الدعاة السطوية؟
السطوية من السطو وهي اللصوصية بحيلة وخفية !!
وهؤلاء كذلك ما يزالون يسرقون من دين الناس حتى لا يبقى منه شيء إلا ما شاء ربك ..
دعاة ليس لهم تاريخ في العلم، ولم يثنوا ركبهم عند العلماء، يفعلون ما لا يقولون، ويقولون ما لا يقرؤون، ويقرؤون ما لا يفهمون، ويفهمون ما لا ينفعهم .

دعاة يرون التنازل في الدين قربة إلى الله، والتهاون بها شريعة رسول الله، وامتهانها عادة أولياء الله. فإنا إلى الله ..
دعاة يتنافسون في هدم أركان الدين بالمعاول من حيث لا يشعرون، يتحببون إلى العباد بما يبغض رب العباد وليت قومي يعلمون .
أشكالهم مموجة، وعاداتهم ممقوتة، تنكر منهم وتعرف .

إن نظرت إليهم راعك منظرهم لا لحية ولا شوارب ولا حواجب !!
ولا يأتني آت ليقول اللحية سنة !! الأمر أشد من أن يكون مسألة فقهية ..
ويقول بعد ذلك : بحبك يا رسول الله، ويتمايلون تغنيا وتراقصا في محبة رسول الله ولا والله لا توحي هيئتهم بذلك .
ولربما أفنى بعضهم وقتا في إدخال بنطاله الضيق حتى يخرج إلينا هذا المهذب ليدعونا إلى الله !!
لا يستحي من لبس قميص مكشوف الصدر، قد خرج شعره منه ليقول للناس أنظروا إلى رجولتي !!
يضع قميصه على كُمِّه، فلم يجد فراغا ليسنده إلى شيء بل هو دائم المشغلة !!
قصة شعره شبابية لا أدري أين رأيتها هل هي في ممثل أو مغن أو لاعب !!
يتنمقون في لباسهم على غير عادة العرب والمسلمين تنمقا يفتن قلوب النساء فتنة ما بعدها فتنة ..
ولا يفتئ يُبدل كل يوم لِباسه، حتى تظن أنه لا يلبس لِبسة مرتين .. ثم يقول بعدها : بحبك يا محمد ..!!

لا يستحي ولا يحتشم من أن يجلس أمامه النساء والرجال، ولا يقف الأمر على الاختلاط، بل انظر إلى لبس تلك النسوة وحديثهن فيالِله من غربة الدين !!
حتى تنظر إليه فلا يتضح لك أمغنٍ هذا أو مهرج أو فنان !!

*ولا تسألني أيها الحبيب عن النساء السطويات !!
المرأة الداعية هذا فخر، والمرأة الفقيهة هذا عز، والمرأة العالمة هذا ما نُحب، والمرأة العابدة هذا رجائنا ..
لكن امرأة شابة فاتنة خصرت جسدها، وازينت كأنها في ليلة عرسها، وتقول بعدها : احْنا بنحب النبي !!

فلا أدري هل من مرادفات فعل أحب أبغض ؟ فقد يقصد فلان بقوله أحبك أبغضك !
فحصت في كتاب سيباويه فلم أجدها ولعلها مقصورة عليهم !!
يشغلونك بالمناظر التي خلفهم، فمرة خلفه بحر، وتارة على ظهر حوت، وحينا على جبل شاهق، وأخرى متربع على جناح صقر، فهل الجاذبية مقدمة كثيرا إلى هذا الحد !!
تحبيب الناس والتقرب إليهم ركن من أركان الدعوة، لكن صرفتنا –هداك الله- عن الحديث بالمناظر الخلابة .. وإذا بالغَ الداعيةُ إلى هذا المقدار فقدَ الغاية التي من أجلها شُرعت الدعوة بسبيل الحكمة .

ثم تكلفوا في الإخراج فما تزال عنقه تضرب يمينا وشمالا فوق وتحت حتى يُصرع هو ويصرع الناس به، وأعيد القول إن التفنن في الإخراج لا بد منه لكن على رسلكم، ليس لشيء وإنما لإجلال ما يقول من ءاية أو حديث، فمجلس الدعوة إلى الله والوعظ لا بد فيه من السكينة والوقار، وما يفعله هؤلاء ينافي ذلك !!

وهل يقف الأمر عند هذا ؟ !
كلا والله فقد اعترفوا بعضلة لسانهم : أنهم ليسوا علماء ولا طلاب علم بل مثقفين أو دعاة .. نشكرهم على تواضعهم، ولا نشكر تجاوزهم .. فهم على ثغر بَيْد أنهم لا يتركون مجالا من مجالات الشريعة، ولا أصلا من أصولها، إلا ودخلوا فيه رضا منهم أو على مضض ..
وذلك أن الناس تستفتي كل من يقول : يالله ، فكيف إن قال بعدها : أحبك يا رسول الله ..!!

فيلِجون ويخرجون ويميد بهم البحر ويَغرقون ويُغرقون .. ثم ينفجر الحزام فتراهم في كل ميدان يصولون ويجولون، ويستهزؤون من المخالف، ويستحقرون الناقد، ثم إن تكلمت فيه بحق قالوا : حاسد، وقالوا : داعية له جهود مشكورة، ... قلنا هذا نقوله ولا نَكْفُره، وما يمنعني صواب عمله بيان زلله، ثم إن هذه فتنة تزيد فلا بد من الحذر منها قبل أن يضيق الخناق ..
فيا أيها الداعية إن فتح الله عليك بالموعظة الحسنة والأسلوب الجاذب فلا تتعد الوعظ، ولا تجترئ على المخالفة الصريحة لعلماء الأمة -وما أكثر ذلك منهم-، وإن وسع الله عليك في معرفة التاريخ فلما ذا تتجاوز إلى الكلام في العقيدة وأحكام الردة والاستهزاء من أصحاب اللحى وأنت شهادتك في البترول، أو أنت محاضر في كيفية الإدارة، وأساليب الإلقاء !!

والرزية في هؤلاء السطوات : العقلانية التي ينادون بها ليلا ونهارا، لأن الضرب على هذا الوتر محبب لدى البيت الأبيض، ليس العقلانية المحمودة بل المذمومة، والتي هي في النظر الصحيح قد تخالف كتاب الله وسنة رسول الله ، فيعمِد هؤلاء الجهلة إلى إنكارها وتأويلها، وضلوا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وخابوا وخسروا .
فالعقل الصحيح لا يناقض النقل الصريح، بل التعارض في فهمك لا في الدين، وفي استيعابك لا في سنة خير المرسلين .. فيُنكر ما جاء في الصحيح ، ثم يأتي إلى الكتاب فيجد حديثا أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيذكره ضاربا الصفح عن صحته أوضعفه ، إسنادِه أو إرساله .

وأما المرأة فهي الهوس الذي يشغل كلامهم، يكافحون كفاح المستميت حتى تظهر سماحة الإسلام .. وهل في ذلك ضير ؟
كلا ولكن الضير في عدم التوازن وجهل ميزان المرأة في الإسلام، فإذا كنا متفقين على أن لا شريعة أعطت المرأة حقها كشريعة الإسلام، فلماذا تستحي مما ورد في الإسلام، فتُحكِّم النصوص بعادات الغرب وطبيعة المرأة عندهم لتنزلها على الأيات والأحاديث !!
ثم ما تفتئ تنكر وتتأول الأحاديث كحديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم- عن النساء " ناقصات عقل ودين" فتقول النبي كان يمزح، كذبت لعمرو الله، أو تجعل من سنته الاختلاط محتجا باجتماع النساء والرجال بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا افتراء فقد كان الرجال في المقدِّمة، والنساء في المؤخرة، فليس هناك اختلاط، بل لا يرى الرجال النساء كما في الصلاة، وهل لباس الصحابيات كلباس اللواتي أمامك ننظر إليهن في الشاشات !!

ولذلك -أحبتي- تظهر على فلتات لسانهم كلمات منتقصة لمقام النبوة الرفيع، فمرة يقول "فشل النبي في دعوته بالطائف" ومرة يقول أحدهم " النبي كان فيه غلظة عندما تزوج عائشة وهي ذات تسع سنين" ويقارن عائشة الصديقة رضي الله عنها وقد صلُحت للزواج بابنته التي لا تعرف البيضة من الدجاجة .

فلئن اجتاح الربيع كل مظاهر الفساد، فيجب أن يجتاح هؤلاء السطوات، ونلزمهم بحفظ مقدارهم فلا يتجاوزه، أو نجبرهم على التأهيل العلمي الشرعي، فالدين ليس مستباحا يتكلم فيه كل من شاء ما شاء، ونحمد الله إذ أظهر إلينا في الآونة الأخيرة دعاة نحسبهم على خير وسنة وتمسك بكتاب الله في مصر والسعودية خاصة وفي غيرها عامة، فعليكم بهم واحذروا ثم احذروا محترفي الدعوة

وءاخر ما أذكره هنا : الهزيمة النفسية التي مُنيت نفوسهم بها، فيُقدم الإسلام وهو على استحياء من بعض الشرائع التي شرعها الله، ولا يمانع من نفي الحدود التي سُنَّتْ لنا، لأنه يريد إبراز محاسن الإسلام وهو يهدمه ويهد أركانه ..

فعلى هؤلاء أن يأخذوا الحبوب التي تقوي اعتزازهم بالدين، فإن لم يفعلوا سقطوا من أعين أعدائنا قبل أعيننا، فهذا البعثي والاشتراكي والديمقراطي واليهودي والصليبي يفتخرون فخرا عظيما بشرائعهم فلمَ تدنس نفسك في وحال الهزائم ؟
وليعلم أعدائك أن الدين نشره الله بالرحمة والسيف معا، الرحمة لمن وافق والسيف لمن عادى وقاتل، والجزية لمن خضع وخنع !!

وءاخر الدعوى أن الحمد لله ..