حكم قراءة القرآن عن الميت، و التصدق عليه بثوابها :
فهذه مسألة خلافيّة قديمة، ولأهل العلم فيها قولان معروفان:
القول الأول: إنّه لا يصل، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي ، ويؤيّده عدم ورود النص المجوّز للقراءة عن الميت، فتكون القراءةٌ بدعة منكرةً، لأنَّها عبادة، والأصل في العبادات التوقيف، وعليه فلا يثاب فاعلها، ولا ينتفع بها من وُهِبَتْ إليه، وكذلك لم يرد هذا الفعل عن السلف الصالح.
قال الإمام ابن كثير (ت774هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عند تفسير قوله تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } :( ومن هذه الآية استنبط الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ ومن اتبعه أن القراءة لا يصل ثوابها إلى الموتى، لأنه ليس من عملهم، ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء؛ فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما) .
وقد ذهَب إلى هذا القول طائفة من العلماء المعاصرين كالشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن قعود، والشيخ عبدالرزاق عفيفي ، والشيخ بكر أبو زيد وغيرهم ـ عفا الله عن الجميع ـ.
القول الثاني: إنّ ثواب القراءة يصل إلى الميّت، و هذا مذهب الحنابلة والحنفية ومتأخري المالكية ، وجماعة من أصحاب الشافعي، واختاره ابن قدامة والطحاوي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ عبدالله بن حميد(ت1402هـ) والشيخ ابن عثيمين . قال شيخ الإسلام : " ظاهر الآية حق لا يخالف بقية النصوص، فإنه قال: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } وهذا حق، فإنه إنما يستحق سعيه، فهو الذي يملكه ويستحقه، كما أنه إنما يملك من المكاسب ما اكتسبه هو؛ وأما سعي غيره فهو حق وملك لذلك الغير، لا له، لكن هذا لا يمنع أن ينتفع بسعي غيره، كما ينتفع الرجل بكسب غيره " . وفي تفسير القرآن للعثيمين (5/ 315): " قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 3] فإنه لا يدل على المنع؛ بل على أن سعي الإنسان ثابت له؛ وليس له من سعي غيره شيء إلا أن يجعل ذلك له؛ ونظير هذا أن تقول: «ليس لك إلا مالك»، فإنه لا يمنع أن يقبل ما تبرع به غيره من المال " .
وجاء في فتاوى نور على الدرب - لابن عثيمين (195/ 53): " وأما إهداء القرآن إلى الميت أو قراءة القرآن للميت فإن أهل العلم اختلفوا هل يصل ثوابها إليه أم لا والصحيح أنه يصل ثوابها إليه ولكن استئجار من يقرأ القرآن له هذا هو الذي يكون حراماً " .
وقال في مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/ 309): " الذي نرى أن هذا من الأمور الجائزة التي لا يندب إلى فعلها، وإنما يندب إلى الدعاء للميت والاستغفار له " .
وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 294): " الراجح إن شاء الله وصول ثواب ذلك إليه لأنه من عمل عملاً ملك ثوابه ومن ملك شيئا فله أن يهبه ما لم يقم بالموهوب له مانع من الانتفاع بالثواب ولا يمنع منه إلا الكفر ، والموت ليس بمانع بدليل وصول الدعاء. وأما حديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث………الخ" فالمنقطع عنه إنما هو ثواب عمله هو، وليس عمل غيره. والعلم عند الله تعالى. المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه " .
وسلك بعض الشافعية ممن يقولون بعدم وصول القراءة للأموات مسلكاً حسناً. قالوا: إذا قرأ وقال بعد قراءته اللهم إن كنت قبلت قراءتي هذه فاجعل ثوابها لفلان صح ذلك وعدّوا ذلك من باب الدعاء .
تنبيه :
1- استئجار شخص ليقرأ للميت لا يجوز .
2- تخصيص الفاتحة للقراءة للميت في أي وقت من الأوقات من البدع كما في فتاوى نور على الدرب - لابن عثيمين (195/ 23) .
والحمد لله رب العالمين .
المراجع .
التعزية وأحكامها (ص: 134) لـ/ظافر بن حسن - الموسوعة الفقهية الكويتية (33/ 60) - فتاوى الشبكة الإسلامية (2/ 1345) .