بسم الله الــــرحــمـــن الـــرحــيـــم

الحـــمـــدلله رب الـــعــالــمين والـــصــلاة والــســلام عــلــى أشــرف الأنـبــيـــــا ءوالــمرسليـــن نبيـــــنــا محــمــد وعــلــى آلــه وصــحبــه أجــمعيـــن..

أمــا بــعــد


فإن تقوى الله تعالى هي سبب لنجاة العبد في الدنيا والآخرة ,وسبب للخروج من المضائق والأزمات,وسبب لنيل ولاية الله جل وعلا في الدنيا والآخرة,وسبب للفوز بجنات النعيم في الآخرة..

ومما يثبت لنا ذلك من كتاب الله تعالى قصة تلك المرأة التقية "خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها"التي ذكر الله تعالى أنه سمع شكواها ومجادلتها للرسول صلى الله عليه وسلم ,وفرج همها وجعل لهامخرجا ,فبعد أن كان الظهار فراقا وطلاقا جعل الله تبارك وتعالى فيه الكفارة وأقر عينها بالعودة لزوجها وأولادها..
وقد نالت هذاالفرج والمخرج بعد أن صبرت على تقوى الله تعالى وتمسكت بها وأحسنت في مراقبتها لله جل وعلا, وجرّدت التوحيده له وحده سبحانه وتعالى.واحسنت الظن بالله تعالى اللطيف الخبير الذي عنده خزائن كل شيءحتى تفريج الكربات وتنفيس الهموم والغموم والأزمات ..

وهذه هي الآيات التي نزلت في شأنها رضي الله تعالى عنها حيث قال الله جل وعلا:(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير*الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفوغفور*والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بماتعملون خبير*فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم))المجادلة 1-4

· وكما قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى فإن الصحيح في سبب نزول السورة أنها نزلت في خولة أوخويلة بنت ثعلبة حينما ظاهر منها زوجهااوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنهم جميعا,حينما دخل عليها فراجعته في شيء فغضب فظاهر منها, ثم خرج الى نادي قومه ساعة, ثم عاد اليها وأرادها عن نفسها فأبت رضي الله عنها حتى تاتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله عن حكم الله تعالى فيما جرى من زوجها فخرجت اليه وجادلته وشكت اليه ماحصل ,فما برحت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء الفرج من الله تعالى بنزول الأربع آيات من أول هذه السورة فجعل الله تعالى في الظهار الكفارة بعد ان كان طلاقا في الجاهلية.(تفسيرابن كثير4/521-522)

وقوله جل وعلا:
"قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله":

- "تجادلك": يعني ماكانت تسأل مجرد سؤال , أوتُخبر فقط وإنما تحاول مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يجد لهاحلا لأن الدنيا أظلمت في عينيها وهي في حاجة الى زوجها وزوجها رجل كبير في حاجةاليها وعندها صبية صغار(من تفسير الشيخ عبد الرحمن العجلان الصوتي )والمجادلة الكائنة منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كلما قال لها"قد حرمتِ عليه"قالت والله ماذكر طلاقا ثم تشكوحالها.(انظرتفسيرالشوك ني 5/179)

"وتشتكي إلى الله" :معطوف على "تجادلك",كانت رضي الله عنها تقول :أشكو الى الله فاقتي ووحدتي وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا ,وإن ضممتهم إليّ جاعوا,وجعلت ترفع رأسها الى السماء وهي تقول:اللهم إني أشكو إليك فهذا معنى"وتشتكي الى الله"
ومن المعلوم ان الظهار كان نوع من أنواع الطلاق في الجاهلية إلا أن هذه المرأة التقية رضي الله عنها طمعت فيما عند الله جل وعلا من الكرم والجود واللطف والاحسان والرفق وتوجهت الى الله تعالى بالشكوى والدعاء"من كلام الشيخ العجلان" فسمع الله منها وأعقبها فرجا وجعل لها مخرجا بالكفارة دون أن تفارق زوجها وأولادها..

ومن هذا الموقف يتجلى لنا بوضوح:
1- أهميةالتقوى وتربية النفس عليها: فهي رضي الله عنها كان بإمكانها أن تمكن زوجها من نفسها ولا يعلم أحد بماحصل من الظهار وينتهي الأمر لكنها امرأة تقية تراقب الله جل وعلا فأبت إلا أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله عن شأنهما ويقضي فيهما بحكم الله تعالى واستسلمت لحكم الله تعالى ورضيت به واستعدت لقبوله من قبل أن ينزل .

2- عاقبة التقوى:فهي رضي الله عنها تعلم أن الظهاركان في الجاهلية فراقا وطلاقا لكنها أملت الخير في الله تعالى ورجت ماعنده من السعة والفضل واليسر ,وبحثت عن مخرج من ضيقها من عند الله تعالى لامن غيره فصدقهاالله تعالى وجاء الفرج ليس لها ولزوجها فحسب بل للأمة الاسلامية كلها بنزول آيات كفارة الظهار. وصدق الله تعالى إذ قال:"ومن يتق الله يجعل له مخرجا "ويكفي هذه التقية رضي الله عنها شرفا أن الله تعالى أعلن لجميع الناس أنه سبحانه قد سمع شكواها وأجاب مطلوبها وفرج همها, حتى كان عمر رضي الله عنه فيما روي عنه أنه قال عنها حينما استوقفته وهو مع كبار رجال قريش فوقف لها وقضى حاجتها ولامه من معه على ذلك ,قال رضي الله عنه: "هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات"


3- - تجريد التوحيد لله تعالى ::فهذه المرأة رضي الله تعالى عنها في أزمتها هذه ما سكتت وبقيت تبكي وتندب حظها وتشكو لمن حولها من الجارات والأهل ونحوهم ,بل مباشرة علمت أ نالفرج والسعة في طاعة الله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فخرجت الى النبي صلى الله عليه وسلم لتطيعه إذا حكم وترضى بحكم الله تعالى إذا قضى ,وتوجهت بالشكوى والدعاء لله وحده لا إلى غيره فقلبها مليء بالإيمان الصادق لا تريد الا تجريدالطاعة لله جل وعلا فجاءها الفرج والبشر والفرح ووسع الله على المسلمين بسببها.

وممالا شك فيه ان الله تعالى يلطف بالعبد إذاجأر إليه والتجأ إليه كيف لا وهو قد علم ان مخرجه وفرجه من عند ربه وحده جل وعلا,وهو سبحانه كما ورد في الحديث "حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا"فهوجواد كريم يلطف وياتي بالفرج من حيث لا يحتسب العبد ,والمسلم يدرك هذا من نفسه كثيرا..حين تتازّم الأمور وتشتد ينحدر فرج الله تعالى إليه ويأتيه من حيث لا يظن ولا يحتسب كما قال الله تعالى "فإن مع العسر يسرا.إن مع العسر يسرا"فكلما حصل عسر فاليسر بجواره, وقيل انه لن يغلب عسر يسرين وذلك ان اليسر في الآية مكرر فالاول غير الثاني..وأما العسر فواحد ..
لأن المعرفة إذا ذكرمرتين فالثاني هو الأول..والنكرة إذا ذكر مرتين فالثاني غير الاول,
والعسرمعرف فالثاني هو الأول..واليسر منكّرفالثاني غير الأول..
(فإن مع العسر يسرا *إن مع العسر يسرا)
فإذا اعيد النكرة بلفظه فهو غير الأول مثلا تقول:رأيت رجلا فأكرمت رجلا..كأن الذي اكرمت رجل غير الأول لانه لو هو الاول لقلت رأيت رجلا فأكرمته..
وإذاقلت جاء الرجل فأكرمت الرجل...أكرمته هو نفسه المكرر, لأن المعرفة كرر مرتين فالثاني هو الاول (مستفاد من تفسير الشيخ عبد الرحمن العجلان الصوتي)
فلنبشرولنؤمل الخير في الله جل وعلا فإن الله تعالى عند حسن ظن عبده به لا يخيبه ولايخذله ولنجعل من كتاب الله تعالى بلسما يداوي هموما وغمومنا ..ولنسأل الله تعالى ان يجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا
وجلاء همومناوأحزاننا ..ولنتدارسه ولنتعلمه فكلما ازددنا له فهما زاد نوره في صدورنا وسرى ذلك النور لأعمالنا وكل شؤون حياتنا بل سيمتد الى ما بعد مماتنا بإذن الله تعالى..

والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه اجمعين...