جناب التوحيد يا فضيلة الدكتور .... يحتاج إلى حماية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فقد قرأت ما كتبه في صحيفة عكاظ في عددها الصارد برقم 16562 بتاريخ السبت 6 صفر 1433هـ بمقال تحت عنوان: (أقدار الحسنة والسيئة) وقد صدّر الدكتور مقالة بقصة يستهل بها مشاركته واستوقفتني حيث قال: (كان مسافرا للعمرة، ومر على جاره يسأله: هل من وصية من المدينة النبوية؟ خرج الجار يشيعه إلى الباب المتهالك بحفاوة، وهمس في أذنه أن سلم لي على رسول الله، وأخبره بما رأيت من حال منزلي، ورثاثة أثاثي، وفقري.. وقل له يدعو لي! حين آب الرجل من سفره بادره بالسؤال عما جرى، فقال له: قد استحييت أن أحدثه بشيء من وصيتك، لأني وجدت بيتك أحسن حالا من حجراته...).
ولم يعقب عليها الدكتور بشيء مع عدم الحاجة الملحة لذكرها أصلاً للاستهلال وافتتاح مقاله المذكور، وهذه القصة جزما- لا يخفى على سلمان العودة ما فيها من محذور وخدش في جناب التوحيد، وهو الذي نشأ في بلدٍ كرّس تعليم هذا المبدأ لصغار الطلاب في الكتاتيب، ومنهم سلمان العودة في مستقبل عمره في (القصيم) وهي البلاد التي عرفت بأئمة التوحيد والسنة تعلما وتعليما وجهاداً.
ففي هذه القصة سقطة بدعية لا تليق من مثله ذكراً، كما لا يليق من مثله أن تمر عليه ولا يستدرك ما فيها من زلل! حيث أن فيها طلب الحاجات من الأموات ومنهم النبي r في قبره، وهذه سقطة بدعية مؤدية إلى الشرك بالله تعالى، والنبي r يسلم عليه ويصلى عليه، ولا يسأل بعد موته بشيء لما أجمع عليه الصحابة وسائر المسلمين على أنه ميت فارق الدنيا إلى الآخرة وهو في قبره حي حياة برزخية لا يرجع بعدها للدنيا حتى تنشر الأجساد من القبور ليوم القيامة، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر : 30] وقال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران : 144].
ولم يكن الصحابة y يأتون إلى قبر النبي r ويعرضون عليه حاجاتهم، ويطلبون منه الدعاء، وقد ثبت في "الصحيح" عن عمر بن الخطاب t أنه قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا يعني العباس- فيقوم العباس فيدعو فيسقون.
قال شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى في تعليقه على "فتح الباري" (2/575) : لم يأتِ أحدٌ منهم أي الصحابة- إلى قبره يسأله السقيا ولا غيرها، بل عدل عمر عنه لما وقع الجدب إلى الاستسقاء بالعباس ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة ، فعلم أن ذلك هو الحق ، وأما ما فعله هذا الرجل منكر و وسيلة إلى الشرك بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك..).
فلو كان النبي r يستجيب لِطَلبِ من جاءه لذهب إليه عمر t ولم يبتغ به بديلا، وقد جاء في الحديث الذي رواه البزار وغيره وقد حسنه بعض أهل العلم أن النبي r يستغفر لأمته في قبره، ومع ذلك لم يثبت عن واحدٍ من أصحاب النبي r ولا أئمة الدين، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، رحمهم الله أجمعين.
وقول ذلك الرجل في القصة: (وهمس في أذنه أن سلم لي على رسول الله) السلام على نبينا r يصل إليه من قريب ومن بعيد، ولا يشترط الحضور عند قبره، كما لا يشترط أن ينقل عن رسول أو يكتب في الرقاع وتبعث إلى قبره كما كان يصنعه الكثير من أهل البدع، ودليل ذلك ما رواه الضياء المقدسي في "المختارة " عن علي بن الحسين أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي r ، فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله r قال: ( لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم ) ، وروى سعيد بن منصور بإسناده إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أنه رأى رجلاً قصد القبر وسلم على النبي r فقال له: إذا دخلت المسجد فسلّم، ثم قال : إن الرسول r قال : ( لا تتخذوا بيتي عيداً ، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر ، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء.
فهذا كله يؤكد أن السلام على النبي r لا يحتاج إلى بعث مندوب أو كتابة رسالة أو تعمد الذهاب إلى قبره، وأن حال المسلمين في السلام عليه r سواء.
وشكاية الفقر والحاجة إنما تكون لله تعالى الذي بيده ملكوت كلِّ شيء وهو حي لا يموت، وقد قال تعالى ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل : 62].
أأله مع الله يا دكتور سلمان؟
أأله مع الله تطرح بين يديه الحاجات، وتشكى إليه الملمات؟
المظنون بك أن تقول: لا إله إلا الله، فلماذا لم تنكر هذه القصة المنكرة؟ ففي الآية حث على الاتجاه لله تعالى بالطلب لكشف السوء من الفقر، وكل نائبة من نوائب الدنيا.
وقد قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ [الجن : 18 - 20].
والآيات في المعنى كثيرة في أن الله تعالى سميع قريب يجيب دعاء من دعاه لا حاجة إلى أن يبحث لوسيط يوصل إليه حاجاته، ويبلغ طلباته، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة : 186].
فالمأمول من فضيلة الدكتور الإقبال على الحق، وتدارك الأمر بإنكار مضمون هذه القصة، حتى لا يغتر مغتر بمجرد إيراده لها من غير إنكار، والله يوفقنا وإياه إلى سبيل البر والتقوى، ويمنحنا التوفيق والهدى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
مدير مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة الطائف