هذه المادة جزء من درس العقيدة فتح المجيد:
بعض صور الولاء المحرم، والموالاة المحرمة للكافرين.
الصورة الأولى من صور الموالاة هي المحبة والمودة : قال الله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [المجادلة: 22] إلى آخر الآية، إذن موادة من حاد الله ورسوله، وهؤلاء هم الكفار والمشركين، فكل كافر وكل مشرك فقد حاد الله تبارك وتعالى، بمعنى أنه يعادي الله عز وجل وبارزه بالعداوة، فالذي يواد هؤلاء وكأنه لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وهذا فيه تفصيل نذكره.
قال r: «المرء مع من أحب» فمن أحب الكافرين وود الكافرين فهو معهم، فهل يا ترى هذا يدل على الكفر يعني كل محبة الكافرين تكون كفراً؟ كلا، هنا تفصيل التفصيل كالتالي: نقول من أحب الكافرين على كفرهم، يعني أحب الكافر لأجل كفره فهذا كفر والعياذ بالله، والسبب هو محبة الكفر، بل الرضا بالكفر مع عدم محبة الكافر هذا في حد ذاته كفر، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85] وقال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19] وحاطب لما ذكرناه قصته قال: أنه ما فعل ذلك رضا بالكفر بعد الإسلام، وهذا من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة، يعني هذا معلوم قطعاً من دين الإسلام أن محبة الكفر أو الرضا بالكفر ، من الكفر والعياذ بالله.
إذن محبة الكافر لكفره أو رضا بالكفر الذي هو عليه هذا كفر، أما محبة الكافر مع عدم الرضا بالكفر وعدم محبة الكفر فهذا محرم، بناءً على ذلك فيه بعض الدعاوى المعاصرة التي ينادي بها البعض مثل مناداة بعضهم بمحبة أهل الأديان، أو المساواة بين أهل الأديان، أو تعانق الهلال والصليب، أو أن البعض يسمي أتباع الملل المختلفة يسميهم مؤمنين، يقول مثلاً المؤمنين من اليهود، المؤمنين من النصارى، ويسميهم مؤمنين، وهؤلاء لا شك أنهم كفار عند الله تبارك وتعالى.
أول صورة من صور الموالاة هي المحبة والمودة، وقلنا تفصيلها، تكون محرمة وتكون كفراً، وتكون واجبة، المحبة المودة الواجبة تكون للمؤمنين، والبغض والكره للمؤمنين هذا محرم، وإن كان يبغض ويكره المؤمنين بسبب الإيمان وبسبب الإسلام فهذا أيضاً من الكفر.
الصورة الثانية من صور الموالاة المحرمة هي النصرة: من معاني الولاء هي النصرة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: 11] الله مولى الذين آمنوا يعني ناصر الذين آمنوا، وأن الكافرين لا مولى لهم أي: لا ناصر لهم، ففيه عندنا في النصرة فيه نصرة واجبة، يجب أن تصرف إلى المسلمين، تجب النصرة على المسلم لأخيه المسلم في الدين قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال: 72] أي: إن استنصروكم في الدين أي استنصروكم بسبب الدين.
وقال عليه الصلاة والسلام: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل يا رسول الله: أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما؟ فكيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره».
فالنصرة الواجبة تكون على المسلم للمسلم في الدين، أما نصرة الكافرين على المؤمنين فهذه من الموالاة المحرمة، وقد تكون كفراً وقد تكون محرمة دون كفر.
نحن نتكلم عن صور واضحة، فيه عندنا كفر واضح، يعني فيه معسكر كفر ومعسكر إيمان، هذا متميز وهذا متميز، فهذا ينصر المؤمن على الكافر.
فمن أخطر صور الموالاة المحرمة هي نصرة الكافرين على المؤمنين، والصورة التي تدل على هذا المعنى في أوضح صورها أن العبد المسلم المنتسب إلى الإسلام يخرج في جيش كافر معلن بكفره يدخل ويقاتل مع هذه الجيوش يقاتل جيوش المؤمنين، هذا الفعل يعده أهل العلم من الردة والعياذ بالله، أن يخرج في جيش كافر ينصره على المؤمنين، هذا لا يتصور صدوره من مسلم، يعني لا يفعل هذا الفعل لاسيما وإلا الإكراه، يعني قد لا يكون متصورا في مثل ذلك، لأن هذه ساحة قتال ومقاتلة والفرار والهرب الأمر فيها يكون متاح لمن أراد.
فمن صور الموالاة المحرمة للكافرين هي نصرهم على المؤمنين، بمعنى أن يخرج في جيش الكافر المتميز المعلن بكفره ينصره على المؤمنين، طبعاً هذه صورة وهناك صورة أخرى أن الجيش المسلم يستعين بالكفار في مقاتلة المسلمين، هذه صورة أخرى يسموها أهل العلم الاستعانة بالكافر على قتال المؤمنين، وهذه إن شاء الله نذكرها أو تذكر في الصور التي تذكر بعد ذلك إن شاء الله.
الأدلة على ذلك: على كفر من خرج في جيوش الكفار ينصرهم على المؤمنين عدة آيات منها قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97]هذه الآيات كما يذكر أهل التفسير نزلت فيمن تخلف عن الهجرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ثم خرج في جيوش مع الكفار يوم بدر يقاتل المسلمين مع المشركين، فظالمي أنفسهم بمعنى أنهم تركوا الهجرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام مع القدرة على ذلك.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على أمر رسول الله r يأتي السهم فيرمي أحدهم فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل، فأنزل الله عز وجل هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾.
من الأدلة أيضاً: قوله تبارك وتعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 88] ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ أي: الله تبارك وتعالى ينكر على المؤمنين اختلافهم في المنافقين، فما لكم في المنافقين فئتين أي ما الذي سبب انقسامكم حيال هؤلاء المنافقين ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ قال أهل التفسير: أن قوماً كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا إن لقينا أصحاب محمد r فليس علينا منهم بأس، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم، وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله، أو كما قالوا أتقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجرون ويتركوا ديارهم ونستحل دماءهم وأموالهم لذلك؟! فكانوا فئتين والرسول r عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيء فنزلت ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾.
هذه الأدلة على أن من نصر الكافرين على المؤمنين أو خرج في جيوشهم مقاتلا لهم أن هذا من الكفر الأكبر والعياذ بالله، وظاهر الآية التي ذكرناها قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ﴾ وأن الظاهر أن هذا كفر وهذه ردة، يعني في أحكام الدنيا، وأيضاً الظاهر أنها كذلك في أحكام الآخرة.