توجيه فتحة التاء في قول النابغة الذبياني: يا أميمة
د. أحمد عيد عبدالفتاح حسن
من دقائق العربية (13)
توجيه فتحة التاء في قول النابغة الذبياني: (يا أُمَيْمَةَ)
سألني أحد الأساتذة الأجلَّاء المتخصِّصين في الأدب والنقد عن توجيهٍ مُقنعٍ لتلك الفتحة الواردة في المنادى المفرد في بيت ذلك الشاعر الكبير زياد بن عمرو بن معاوية: [من الطويل]
كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ *** وَلَيْلٍ أَقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ [1]
فتتبعتُ كلام علمائنا عن هذا البيت الذي قال عنه ابن قتيبة: "لم يبتدئ أحدٌ من المتقدِّمين بأَحْسَنَ منه، ولا أَغْرَبَ"[2]، وقرأتُ كلامهم غير مرةٍ تمهيدًا للخروج بصياغةٍ ملائمةٍ له، تُقَرِّب من القارئ المعنى الجَمُوحَ، وتُدْنِي منه المرادَ الشَّمُوسَ، وخَلَصْتُ إلى التقرير الآتي الناطق بالجواب:
المنادى المختوم بتاء التأنيث
(طَلْحَةُ، وأُمَيْمَةُ) في قولك: (يا طَلْحَةُ، أَقْبِلْ - يا أُمَيْمَةُ، اتركيني) من أمثلة المنادى المفرد المبني على الضم، الذي يكون محلُّه نصبًا؛ لكونه مفعولًا به في الأصل، للفعل (أدعو، أو: أنادي)، وقد حُذِفَ الفعلُ، ونابَتْ (يا) منابه، فَبُنِيَ هذا المنادى على الضمِّ في اللفظ، وبقي حكم الأصل ملحوظًا في المحلِّ، وهو النصب على المفعولية؛ ولذا يُعَدُّ أسلوب النداء من قبيل الجملة الفعلية لا الاسمية.
ومن الأصول التي قرَّرَها سيبويه، وتناقلها النحويُّون أنَّ نداءَ ما فيه تاء التأنيث مصحوبًا بترخيمٍ [3] أكثرُ من ندائه دون ترخيم في كلام العرب؛ كقولك: (يا سَلَمَ، ويا جَارِيَ) إذا أردت (يا سَلَمَةُ، ويا جَارِيَةُ) [4].
وانطلاقًا من ذلك أقول:
لقد فتحت العربيةُ مجالَ القولِ أمام المتكلم العربي، وتركت له حرية النُّطْق بما شاء على النحو الذي يفي بحاجاته، ويُحَقِّق أغراضه، فأجازت له فى نداء (طَلْحَة وأُمَيْمَة) وأشباههما بعد قوله: (يا طَلْحَةُ، أَقْبِلْ - يا أُمَيْمَةُ، اتركيني) ثلاثة أوجه من الاستعمال العربي[5]، وهي من قبيل ترخيم المنادى؛ لكنَّ الوجهين الأول والثاني مُطَّردان في ترخيم المنادى، والثالث قليلٌ ضعيفٌ يليق بالشعر محلِّ الضرورة، وهي:
الأول: (يا طَلْحَ، أَقْبِلْ - يا أُمَيْمَ، اتْرُكِينِي) بترخيم المنادى وفتح الحاء والميم، على لغة من ينوي ثبوتَ الحرفِ المحذوفِ، وتُسَمَّى أيضًا لغة من ينتظر الحرفَ المحذوفَ، وهي الأكثرُ فى لسان العرب، وضابطها:
أن ينوي المتكلمُ الحرفَ المحذوفَ للترخيم، فيعتبره في حكم الثابت، فلا يُغَيِّر ما بقي وصار آخر الكلمة، عن حاله، من حركة أو سكون، بل يُبقيه على فتحه إن كان مفتوحًا، فيقول فى جعفر: (يا جَعْفَ) بالفتح، وعلى كسره إن كان مكسورًا، فيقول فى حارث: (يا حَارِ) بالكسر، وعلى ضمِّه إن كان مضمومًا، فيقول في منصور: (يا مَنْصُ)، بتلك الضمة الموجودة قبل الترخيم، وعلى سكونه إن كان ساكنًا، فيقول فى هِرَقْل: (يا هِرَقْ) بالسكون[6].
والثاني: (يا طَلْحُ، أَقْبِلْ - يا أُمَيْمُ، اتركيني) بترخيم المنادى وضم الحاء والميم، على لغة من لا ينوي ثبوتَ الحرفِ المحذوفِ، وتُسَمَّى لغة من لا ينتظر الحرفَ المحذوفَ، كما تُسَمَّى لغة التمام، وضابطها:
ألا ينوي المتكلمُ الحرفَ المحذوفَ، فيجعل الباقي بعد الحذف اسمًا برأسه، ويجعل الحرف الذي قبل المحذوف كأنَّهُ آخر الاسم فى أصل الوضع من غير حذفٍ، فلا يبقى على حاله بل يُضَمُّ، فيقال في ترخيم جعفر وحارث وهرقل: (يا جَعْفُ، ويا حَارُ، وياهِرَقُ) بالضم فيهنَّ.
والثالث: (يا طَلْحَةَ، أَقْبِلْ - يا أُمَيْمَةَ، اتركيني) بترخيم المنادى، وإقحام تاءٍ زائدةٍ مفتوحةٍ على لغة من ينوي ثبوتَ الحرفِ المحذوفِ (أو من ينتظر الحرفَ المحذوفَ)؛ فمن العرب فصحاء يُقحمون تاء التأنيث مفتوحةً إذا رخَّمُوا على تلك اللغة؛ فيقولون: (يا طَلْحَةَ، أقْبِلْ - يا سَلَمَةَ، اخْرُجْ - يا فاطمةَ، اصبري)، إلَّا أنَّ ذلك ضعيفٌ لا يجيء إلَّا في الشعر؛ وإنَّما ضَعُفَ؛ لما يلزم فيه من كمال الاسم في اللفظ في حال الترخيم، وباب المُرَخَّم أن يكون محذوفَ الآخر[7].
وعليه حُمِلَ بيت النابغة الذبياني:
كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ *** وَلَيْلٍ أَقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ
في تفسير الخليل وسيبويه ومن تبعهما من الحُذَّاق، والخليل وسيبويه عالمان هَدَّكَ من عالمين، واجها العربَ وشافهاها، وخالطاها وسَمِعَا منها، فهما أدْرَى من غيرهما بأغراض العرب من إخراج الكلام على نحوٍ ما، وبمقاصدها منه؛ قال سيبويه: "وزعم الخليل رحمه الله أنَّ قولَهم: (يا طَلْحَةَ، أَقْبِلْ)، يُشْبِه (يا تيمَ تيمَ عديٍّ)، من قِبَل أنَّهم قد علموا أنَّهم لو لم يَجيئوا بالهاء لكان آخِرُ الاسم مفتوحًا، فلمَّا ألحقوا الهاءَ تركوا الاسمَ على حاله التي كان عليها قبل أن يُلْحِقُوا الهاءَ، وقال النابغةُ الذُّبْيَاني:
كِلِينِي لهَمٍّ يا أُمَيْمَةَ ناصِبِ *** ولَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ [8]
فصار (يا تيمَ تيمَ عديٍّ) اسمًا واحدَا، وكان الثاني بمنزلة الهاء في طَلْحَةَ، تُحْذَفُ مرَّةً ويُجاءُ بها أُخْرى، والرَّفْعُ في (طَلْحَة)، و(يا تَيْمُ تَيْمَ عَديٍّ) القياسُ"[9].
(يا أُمَيْمَةَ)
بالنظر فيما قاله علماؤنا الأجلَّاء في توجيه فتحة تاء (أُمَيْمَةَ) في بيت النابغة يُمكن تصنيفهم إلى فريقين:
الفريق الأول قال: إنَّ (يا أُمَيْمَةَ) في هذا البيت من قبيل النداء المصحوب بالترخيم.
والفريق الآخر قال: إنَّهُ من قبيل النداء المجرد.
ولكل فريق توجيهه لما قال؛ قال أبو حيان: "وللنحاة كلام كثير في هذه الفتحة، وهل هو مُرَخَّمٌ أو غير مُرَخَّمٍ"؟[10] فدونك البيان:
أولًا- الفريق الأول القائل بأنَّ (يا أُمَيْمَةَ) بفتح التاء من قبيل ترخيم المنادى، احتاج إلى توجيه وجود هذه التاء في المنادى المُرَخَّم، وبيان سبب فتحتها، فكان على مذهبين:
المذهب الأول:
أنَّ وجود هذه التاء مفتوحةً جاء على سبيل الإقحام، وهو إدخال الشيء بين شيئين، أو إدخال الشيء في غير موضعه، ولا يكون الإقحام إلا على لغة من ينوي ثبوت الحرف المحذوف (أو من ينتظر الحرف المحذوف)، وفي كيفية إقحام التاء رأيان [11]:
الرأي الأول: أنَّ التاء أُقحمت ساكنةً بين الحاء والميم - وهما آخر الاسمين- وبين فتحتهما؛ لأنَّ الحركة بعد الحرفين، فلما أُقْحِمَت بينهما تحرَّكت بفتحة الحاء والميم، وفُتحت الحاء والميم قبلها كما يُفْتَحُ ما قبل تاء التأنيث، وأصحاب هذا الرأي هم الذين عرَّفوا الإقحام بأنَّهُ إدخال الشيء بين شيئين.
والذي دعاهم إلى القول بإقحام التاء بين الحاء والميم وحركتهما كونُ الاسمِ مفتوحَ الآخر، فدلَّ ذلك على أنَّهُ مُرَخَّم، ولا يتصور بقاؤه على الترخيم عندهم إلَّا بأن يعتقدوا أنَّ هذه التاءَ دخلت حشوًا؛ إذ لو قُدِّر أنَّها دخلت بعد الحاء والميم وحركتهما كان الاسم قد كمل، ووجب بناؤه على الضمِّ.
والرأي الآخر: أنَّ إقحام التاء مفتوحةً جاءَ آخر الاسم بعد الحاء والميم وحركتهما على جهة التأكيد؛ فالعرب أبقت الحاء والميم مفتوحتين بعد الترخيم في (يا طَلْحَ، ويا أُمَيْمَ)؛ ليكون في إبقائهما على فتحهما دليلٌ على أنَّ الاسم مُرَخَّم، ثم زادوا التاء آخرَ الاسم غيرَ مُعْتَدٍّ بها؛ لسببين:
1- أن يُبَيِّنُوا أنَّها ليست التاء التي حُذِفَت في الترخيم، وحرَّكُوها بالفتح إتباعًا لحركة الحاء والميم، فقالوا: (يا طَلْحَةَ، ويا أُمَيْمَةَ) [12].
2- أن َّالتاءَ فيها تأكيدٌ للمعنى الذي تعطيه فتحةُ الحاء والميم من الدلالة على أنَّ الاسم مُرَخَّم؛ ولذلك أُتبعت حركتها الحاء والميم، وعوملت معاملة الآخر، وأيضًا موقع المُؤَكِّدِ في الكلام بعد المُؤَكَّدِ.
وأصحاب هذا الرأي هم الذين ذهبوا إلى أنَّ المراد بالإقحام هو إدخال الشيء في غير موضعه.
المذهب الآخر:
أنَّ وجود التاء مفتوحةً آخر المنادى المُرَخَّم ليس على سبيل الإقحام، وهذا رأي ابن كيسان (ت299هـ)؛ فقد ذهب إلى أنَّ التاء في (أُمَيْمَةَ) من بيت النابغة هي المبدلة من هاء التأنيث التي تلحق في الوقف على (أُمَيْمَ) لبيان حركتها، أثبتها الشاعر في الوصل؛ إجراءً لها مجرى الوقف، ولَزِمَها الفتحُ؛ إتباعًا لحركة آخر المُرَخَّم، وليكون آخرُ الاسم في حال إثباتها على حاله في حال حذفها؛ إذ كان أكثر استعمالهم لهذا الاسم وأمثاله مُرَخَّمًا مفتوح الآخر [13].
ثانيًا- الفريق الآخر القائل بعدم الترخيم، وأنَّ (يا أُمَيْمَةَ) من قبيل المنادى المجرد، له في تلك الفتحة ثلاثة توجيهات:
أولها: ذهب بعض النحويين من هذا الفريق إلى أنَّ (أُمَيْمَةَ) جاءت على الأصل المتروك استعماله في الكلام، وهو نصب المنادى على أنه مفعول به، لفعل محذوف وجوبًا؛ لنيابة (يا) منابه، تقديره: أدعو أو أنادي، ولم يُنَوِّن (أُمَيْمَةَ)؛ لأنَّها اسم غير منصرف؛ للعلمية والتأنيث، قال أبو حيان: "وهذا الذي اخترناه"[14].
والثاني: ذهب بعضهم إلى أنَّ (أُمَيْمَةَ) مبنيةٌ على الفتح؛ لأَنَّ مِن العرب من يَبْنِي المنادى الْمُفْرد على الْفَتْح؛ لأنَّها حركةٌ تشاكلُ حركةَ إعرابِه لو أُعرب، فهو نظير قولهم: (لا رجلَ في الدار) [15].
ولعلك لحظت أنَّ الفتحةَ على التوجيه الأول فتحةُ إعرابٍ، فهي علامةُ نصبِ المنادى في الأصل، وعلى التوجيه الثاني فتحةُ بناءٍ، فهي علامةُ بناءِ المنادى المفرد عند بعض العرب.
والثالث: رأى ابن مالك في شرح التسهيل أنَّ فتحةَ التاءِ في (أُمَيْمَةَ) ونحوها جاءت على سبيلِ الإتباع لفتحةِ الحرفِ الذي قبلها، وهو الميم في (أُمَيْمَةَ) حيث قال بعد ذكره رأي سيبويه: "وأسهل من هذا عندي أن تكون فتحة التاء إتباعًا لفتحة ما قبلها، كما كانت فتحةُ المنعوت في نحو: (يا زيدَ بنَ عمرو)، إتباعًا لفتحة (ابن)، وإتباعُ الثاني الأولَ أحقُّ بالجواز، لا سيَّما من كلمةٍ واحدةٍ" [16].
وفي نهاية المطاف أقول:
• نَصَّ النحاةُ على أنَّ الاسم المؤنث المختوم بالتاء إذا رُخِّمَ إنَّما يُرَخَّم بحذف التاء ليس غيرُ، وذكروا أنَّ تاء التأنيث مُنَزَّلةٌ من الكلمة التي هي فيها منزلةَ عَجُز المُرَكَّب من صدره بالنسبة إلى الترخيم، فكما أنَّ المُرَكَّب إذا رُخِّمَ إنَّما يحذف عَجُزُه فقط، نحو قولك: (يا بَعْلَ، ويا سِيبَ) في (بَعْلَبَكَّ، وسِيبَوَيْهِ) كذلك المؤنث المختوم بالتاء يجب فيه إذا رُخِّمَ أن يُحذف منه التاء ليس غيرُ[17]، فيقال: (يا أُمَيْمَ) في (أُمَيْمَة)، وإذا احتاج الكلامُ إلى وجود التاء مع إرادة ترخيم المنادى على لغة من ينتظر الحرف المحذوف جاؤوا بتاءٍ مفتوحةٍ.
• إنَّ زيادة هذا الحرف في الكلام تُفيد ما يُفيده التوكيدُ اللفظيُّ، من الاعتناء به، وتقوية معناه وتمكينه في نفس المتلقي، وانطلاقًا من قول ابن جني: "كلُّ حرفٍ زيدَ في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى"[18]، وأخذًا به يصير قول النابغة: (يَا أُمَيْمَةَ) بالتاء الزائدة المفتوحة مغنيًا عن قوله: (يَا أُمَيْمَ، يَا أُمَيْمَ) مرتين للتوكيد اللفظي، ولا ريب أنَّ في أداء الحرف ما تؤديه الجملة إيجازًا واختصارًا مع الوفاء بالمراد، يترتب عليه إصلاحُ اللفظ، وحُسْن القول؛ فأن يُزاد الحرف في التركيب مغنيًا عن تكرار التركيب وذكره مرتين مَهْيَعٌ عرَبِيٌّ مألوفٌ في الكلام الفصيح.
• علة فتحة تاء (أُمَيْمَةَ) أَنَّ الشاعرَ أَرَادَ التَّرْخِيمَ؛ فأخرج الاسم على تلك الصورة التي فيها المحافظةُ على الوزن؛ لأنَّ (ـةَ نَاصِبِي = / / 5/ / 5) عروض الطويل، وهي مقبوضة دائمًا (مَفَاعِلُنْ)، فوزن البيت بعد كتابته كتابة عروضية على النحو الآتي:
كِلِينِي/ لِهَمْمِنْ يَا/ أُمَيْمَـ/ ـةَ نَاصِبِي * وَلَيْلِنْ/ أَقَاسِيهِ/ بَطِيءِ لْـ/ ـكَوَاكِبِي
فَعُولُنْ/ مَفَاعِيلُنْ/ فَعُولُ/ مَفَاعِلُنْ * فَعُولُنْ/ مَفَاعِيلُ/ فَعُولُنْ/ مَفَاعِلُنْ
سالم/ سالم/ مقبوض/ مقبوضة * سالم/ مقبوض/ سالم/ مقبوض
ولو طَبَّقَ القياس في ترخيم المنادى فحَذَف التاءَ لكانت العروضُ (نَاصِبِي = / 5// 5)، وهي لا تكون كذلك.
وفي تلك الصورة أيضًا المحافظةُ على المراد؛ فلو طَبَّقَ القياس النحويَّ في المنادى المفرد، فقال: (يا أُمَيْمَةُ) بالبناء على الضم، ما ظَهَرَت إرادةُ الشاعرِ الترخيمَ، ولخَلَصَ الكلام للنداء المجرد، وفات الغرضُ الكامن في الترخيم، وهو تخفيف اللفظ غالبًامع سرعة الفراغ من المنادى لبيان المراد الأهمِّ، وقد يكون غيره، كبيان الضعف النازل بالمتكلم من مرضٍ، أو هَمٍّ، أو نحو ذلك مما يؤدي إلى عجزه عن إتمام الكلمة، فيكون اللفظ والمقال معبِّرًا عن حقيقة الحال خير تعبيرٍ [19].
أرأيتَ كيف كانت التاءُ الزائدةُ المفتوحةُ مغنيةً عن توكيد المنادى المُرَخَّم توكيدًا لفظيًّا بذكره مرتين، وكيف صارت فتحةُ التاءِ أَمَارةً على إرادة التَّرْخِيم، ومُمَيِّزةً المنادى المُرَخَّم من المنادى المجرد الذي يستحق البناء على الضم؟
فقد اجتمع لثناء النُّقَّاد القدامى على بيت النابغة هذا كلُّ دَوَاعيه وأسبابه التي تقتضيه! ومن بينها هذا الذي ذكرناه،﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].
[1] ديوان النابغة الذبياني،40.
[2] الشعر والشعراء 1/ 67.
[3] ترخيمُ المنادى يكونُ بحذفِ آخره تخفيفًا، بشرط: كونه معرفةً، غيرَ مستغاثٍ مجرورٍ باللامِ، ولا مندوبٍ، ولا ذي إضافةٍ، ولا ذي إسنادٍ؛قال سيبويه: "والترخيمُ حذفُ أواخرِ الأسماءِ المفردة تخفيفًا... واعْلَمْ أنَّ الترخيمَ لا يكونُ إلا في النداءِ إلا أن يُضطرَّ شاعرٌ، وإنَّما كان ذلك في النداء؛ لكثرته في كلامهم، فحَذَفُوا ذلك كما حَذَفُوا التنوينَ، وكما حَذَفُوا الياءَ من (قومي) ونحوه في النداءِ"؛ الكتاب 2/ 239.
[4] ينظر: الكتاب 2/ 241، وشرح الكافية الشافية 3/ 1369.
[5] ينظر: أمالي ابن الشجري 2/ 306-308، وارتشاف الضرب من لسان العرب 5/ 2240، واللُّمحة في شرح الملحة 2/ 643، 644.
[6] ينظر: التصريح 2/ 261، والترخيم فى العربية لأستاذنا الدكتور/ إبراهيم حسن 41، 42.
[7] ينظر: تمهيد القواعد 7/ 3655.
[8] قال ابن السيرافي: "الشاهد في البيت على إدخال تاءٍ بعد حذف التاء التي كانت في (أُمَيْمَةَ) للترخيم، ويقولون: هي مُقْحَمَةٌ؛ أي: مُدْخَلَةٌ، يريد: أنَّهم لما رخَّمُوا حذفوا الهاء، فصار (يا أُمَيْمَ) فبقيت الميمُ مفتوحةً، ثم أدخلوا التاءَ عليها وهم يَنْوُون الترخيمَ، ولم تكن للتاء حركةٌ تُبَيِّنُها؛ فجعلوا حركتَها مثل حركة الحرف الذي قبلها، أتبعوا الحركةَ الحركةَ، فصار (يا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ)"؛ شرح أبيات سيبويه1/ 383.
[9] الكتاب 2/ 207، 208، وينظر: 2/ 277، 278.
[10] ارتشاف الضرب 5/ 2240.
[11] ينظر: توضيح المقاصد والمسالك 3/ 1131، وتمهيد القواعد 7/ 3656، وارتشاف الضرب 5/ 2241، وهمع الهوامع 2/ 92.
[12] ينظر: الكتاب 2/ 277، 278.
[13] ينظر: تمهيد القواعد 7/ 3656، وهمع الهوامع 2/ 91.
[14] ارتشاف الضرب 5/ 2240.
[15] ينظر: المصدر السابق، وتوضيح المقاصد والمسالك 3/ 1131، وخزانة الأدب 2/ 321.
[16] شرح التسهيل 3/ 428.
[17] ينظر: تمهيد القواعد 7/ 3661.
[18] في الجنى الداني؛ للمرادي 87.
[19] ينظر: المحتسب؛ لابن جني2/ 257، والنحو الوافي 4/ 101.