حكم الوقف على لفظ (ذلك) في القرآن الكريم

الحمد لله فاتح البركات لمن انخفض لجلاله، ومنزل الخيرات لمن انتصب لشكر أفضاله، والصلاة والسلام على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الهادي النبيل، وعلى أصحابه الذين شادوا الدين، وآله الطاهرين، وعنا بمنّك وكرمك يا رب العالمين وبعد: فإن لله الأمرَ من قبل ومن بعد..
هذه قصاصة كتبتها في حكم الوقف على لفظ (ذلك)؛ وقد تكلمت عن مطلبين اثنين وهما: التعريف بلفظ (ذلك)، وحكم الوقف على لفظ (ذلك).
والله أسأل أن يعلمنا العلم النافع ويرزقنا العمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه.



التعريف بلفظ (ذلك)

- (ذلك): من أسماء الإشارة, وأسماء الإشارة من المعارف.
- من أسماء الإشارة ما يشار به للمفرد مثل (ذا) وغيره, ومنها ما يشار به للمثنى مثل (ذان) وغيرها, ومنها ما يشار به للجمع مثل (أولاء) وغيرها.
- المشار اليه إما أن يكون قريباً، وإما أن يكون بعيداً؛ فإن كان قريباً يأتي اسم الإشارة مجرداً من الكاف وجوباً، ومقروناً بالتنبيه جوازاً مثل: جاءني (ذا) ويجوز (هذا), وإن كان بعيداً وجب اقترانه بالكاف إما مجردة من اللازم نحو (ذاك), أو مقرونة بها نحو (ذلك).
فائدة: تمتنع اللام في ثلاث مسائل:
1) في المثنى تقول (ذانك) ولا تأتي باللام .
2) في الجمع في لغة من مده تقول (أولئك) ولا تأتي باللام.
3) إذا تقدمت عليها هاء التنبيه تقول (هذاك) ولا تأتي باللام.
قال ابن مالك:
وبأولى أشر لجمع مطلقا
والمد أولى ولدى البعد انطقا
بالكاف حرفاً دون لام أومعه
واللام ان قدمت ها ممتنعه




حكم الوقف على لفظ (ذلك)

لا يصح الوقوف على اسم الإشارة (ذلك) لأنه متعلق بما بعده لفظاً ومعنى, لكن قد تأتي ذلك في القرآن الكريم للانتقال من أمر لآخر، ومن شأن لآخر، ومن قصة لأخرى؛ فتكون للفصل كما نص على ذلك القرطبي والألوسي والشوكاني وابن عاشور وغيرهم, وقد سماه ابن عاشور الاقتضاب في الانتقال.
فاذا أتت (ذلك) للفصل وللانتقال فإنه يصح الوقف عليها من باب الوقف الكافي؛ لأنه لا تعلق لها بما بعدها والله أعلم.
- من المواضع التي جاءت فيها ( ذلك ) للانتقال موضع في سورة محمد، وثلاثة مواضع في سورة الحج:
أولاً: موضع سورة محمد: قوله تعالى (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم)
(ذلك): يكون لها هنا عدة إعرابات:
1) إما أن تكون مفعولاً لفعل محذوف، والتقدير افعلوا ذلك - الذي سبق ذكره -.
2) وإما أن تكون مبتدأً وخبرها محذوف، والتقدير - ذلك حكم الكافرين -.
وذلك كما لو يقدم الكاتب مجموعة من الأغراض في مقدمة كتابه وإذا أراد الخوض في غرض آخر قال : ذلك وقد كان كذا وكذا.
3) وإما أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف، والتقدير: الأمر ذلك.
ويلاحظ في هذه الإعرابات الثلاثة بأنه لا تعلق ب(ذلك) لما بعدها تعلقاً لفظياً فنخلص بأنه يصح الوقف عليها وقفاً كافياً.
ثانياً: قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم حرمات الله ...)
ثالثاً: قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله ...)
رابعاً: قوله تعالى: (ذلك ومن عاقب...)
ويقال في هذه الثلاثة مواضع من سورة الحج كما قيل في إعرابات (ذلك) في موضع سورة محمد؛ فعلى الإعراب الأول يكون التقدير: افعلوا أو اعملوا ذلك, وعلى الإعراب الثاني يكون التقدير: ذلك الحكم أو الأمر، وعلى الإعراب الثالث يكون التقدير: الأمر ذلك.
- قد يسأل سائل: لماذا اختير لفظ (ذلك) في هذه المواضع؟
قد أجاب الألوسي وابن عاشور وغيرهما على هذا السؤال قائلين: "اختيار ذلك هنا للدلالة على تعظيم الأمر، وبعد المنزلة كنايةً عن مضمون ما قبله"
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على رسول الله


وكتبه
أبو قدامة المدني
سعيد بن إبراهيم بن"محمد سعيد" النمارنة
-عفا الله عنه-