تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: شعوب فاتها القطار

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    جمهورية مصر العربية
    المشاركات
    377

    Exclamation شعوب فاتها القطار

    بسم الله الرحمن الرحيم
    شعوب فاتها القطار
    تتماثل أمامي أرجاء هذا العالم الصاخب، وتمر الذكريات في خاطري كما الشريط السينمائي الذي يعرض الحدث تلو الحدث .. ثورات قامت، ومعارك نشبت، ودول تحررت، وملامح الخريطة الدولية تغيرت .. الكل يلهث وراء التغيير، منهم من نجح ومنهم من أخفق، وتبقى الحقيقة على أرض الواقع ناصعة، أننا في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، ولا مكان فيه للضعفاء .. نعم، تلك الحقيقة وإن سترها القانون الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان، ومجلس الأمن والأمم المتحدة، بل إن حق الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى يدلل على صدق رؤيتنا.
    تأملت هاتفي النقال فوجدت صناعته غربية، والتلفاز الذي أطالع منه الأحداث غربي، وجهاز الكمبيوتر والنت من الغرب، والتكيف الذي بغرفتي، وسيارتي، ونظارتي، وحتى القلم الذي أخط به، والورق الذي أكتب عليه، ناهيك عن لعب أطفالي، ومطبخ زوجتي، ومدينة الملاهي، والمعدات الميكانيكية والأجهزة الطبية والقطع العسكرية، والطائرة والقاطرة والباخرة .. يا إلهي، لقد صنعوا كل شيء، ونحن لم نصنع أي شيء!!.
    وفي شريط الأخبار لأي محطة إخبارية تجلت لي حجم المأساة التي نعيشها، فغالب المناطق الساخنة في العالم إسلامية، وأرخص دم الدم المسلم .. انفجار في أفغانستان، وجرحى في باكستان، والعراق يلملم أشلائه، وغزة تحت الحصار، والسودان بتروا جنوبه واستقبلته إسرائيل بالأحضان فصار شوكة في ظهر الأجيال العربية القادمة، وجرح الصومال لا يريد أن يندمل، أما الباقي وإن كان في سكون إلا أنه سكون الموتى أو الأحياء الذين هم خارج الزمن.
    حتى الرفاهية في دول الخليج وهم الأوهام، يدعمها نفط في برميل وليس عرق الجبين، وأرادوا له أن لا يكون إلا على رأس قائمة المستهلكين، فأزمة الغرب الحالية في خلق أسواق تستوعب الكم الهائل من المنتجات، وبالطبع ليس هناك سوى الكسل العربي والدينار النفطي الذي يرحب بالمستعمرين من النوع العصري الجديد.
    ومازالت مشاكلنا جسيمة من نوع الاستبداد والقهر والغلاء والوباء والجفاف والبطالة والعنوسة ... أما مشاكلهم فعن البيئة والمحطات النووية وامتلاك التقنية الأحدث، والطاقة النظيفة، والاستحواذ الفضائي.
    حتى ربيع الثورات العربية ليس غريبا على منطقتنا العربية، فلقد مرت أمتنا بربيع تلو الربيع ولم نر ربيعا حقيقيا قط، ففي بداية خمسينات القرن الماضي (1952م) قامت في مصر ثورة يوليو، وغنوا لها ورقصوا، وكتبوا ومدحوا، وأشادوا وأجادوا، وكانت بمثابة عرس سياسي رائد في المنطقة استحوذ على إعجاب الجميع، لكن ما لبث أن قفز الزعيم الملهم على الثورة، وتخلص من كل خصومه، وكان هو الرجل الأوحد المتفرد بكل شيء، فهو الذي يأمر وينهى، ويحب ويكره، وينجح ويفشل، وانتهت تجربته الربيعية بهزيمة نكراء في 1967 وضاع خيرة شبابنا هباء في صحراء سيناء بين أسير وهالك.
    وقامت بعدها الثورة الجزائرية (1954م) حيث يقول المؤرخ ناصر الدين سعيدوني: «كانت الثورة على مستوى القيادة يسودها الانتماء العربي الإسلامي، ولكن بعد مؤتمر الصومام عام 1956 غيب هذا الانتساب الحضاري لفائدة المشروع الوطني العلماني للدولة الجزائرية، وهكذا غابت مبادئ ابن باديس لتسود آراء فرانز فانون» والذي دعا إلى مؤتمر الصومام هو القيادي (رمضان غبان) الذي رفع شعار: «دولة جزائرية لا عربية ولا إسلامية» ولم يحضر هذا المؤتمر بعض الشخصيات التي تحمل فكرا عروبيا إسلاميا، ولكن تأثير المؤتمر كان واضحا في علمنة الجزائر بعد الاستقلال [حتى لا تستلب الجهود الإسلامية، محمد العبدة ص9/10] وعموما ها هي الجزائر اليوم قد فاتها القطار –كما أخواتها- فلا ثورة أيقظتها ولا علمنة أنصفتها.
    وتتابعت الثورات الواحدة تلو الأخرى في اليمن والعراق وسوريا وليبيا والمغرب ... ومرت السنون واكتشفنا أن الطغاة الجدد من أبناء جلدتنا أفسدوا في بلادنا فسادا أشد مما أفسدت الآلة الحربية للمستعمر الأجنبي، واستثمر الغرب الاستعماري هذه الحقيقة، فبات يكون ولاءات من هؤلاء الطغاة حفاظا على مصالحه الشخصية واستثماراته الاقتصادية في منطقتنا الإسلامية العربية.
    أما ربيع الثورات العربية في هذه الأيام فقد تغير في شكله وبقي مضمونه، هذه المرة تمردت الشعوب المكلومة على طغاتها بعدما طفح الكيل، ودفعت من دمائها واقتصادها ما كلفها الكثير، فخرجت من آلام المخاض وهي منهكة جريحة عليلة فقيرة يحدوها الأمل في غد جديد وعهد رغيد، إلا أن حجم الفرقة والتشتت بين أطيافها لا يبشر بخير.
    أطل علينا العلمانيون والليبراليون والشيعيون والقوميون والبعثيون ... رغم أن الغالبية الساحقة من أبناء الأمة مسلمون موحدون متدينون .. غابت المرجعية الإسلامية العليا الكفيلة دون سواها بمزج كل أطياف الأمة في بوتقة الوحدة.
    ومع حالة التشرذم هناك من يحاول ركوب موجة الثورة بصنع بطولات وهمية وإطلاق تصريحات نارية من أجل أن يسرق إنجازات الثورة لنفسه، ويقفز على كرسي السلطة كما فعل أسلافه من قبل، فضلا عن دور فلول الأنظمة السابقة والقوى الغربية التي لا تريد أن تقوم لهذه الشعوب قائمة.
    أعلم أن تحليلي السـابق سيكون صادما للكثيرين، ولكنني لا أحب إخفاء الشقوق بطلاء براق من دون علاجها، وإلا كنت غاشـا لنفسي ومجرما في حق الآخرين الذين سيموتون حتما تحت أنقاض البناء المتهالك الذي جملناه بالطلاء الزاهي، وكأننا تعمدنا أننصنع بأيدينا لأنفسنا ولأوطاننا قبورا ملونة لا حياة فيها ولا خروج منها إلا يوم البعث.
    لكن في وسط هذا الضباب الكثيف لا نفقد دوما الثقة بالله جل وعلا الذي أكرمنا بهذه الثورة المباركة التي تعد –وبصدق- آية من آيات القوي العزيز، الذي ألف بين هذه القلوب على غير موعد سابق، وحرك تلك الهمم لكي تطيح بطواغيت ما دار بخلدنا يوما أنهم سيزولون من طول عهدنا بظلمهم ومعايشتنا لجبروتهم.
    وصدق حيث أحد المحللين حيث يقول: «لقد كنا بحاجة إلى إسقاط (مبارك) الفاسد ورموز الفساد من حوله، ولم تكن معادلة هذاالإسقاط حسابيا بكل صدق وتجرد في صالح الشعب على الإطلاق، ولكن الله نصرنا بحساباته، فتراجع الأمن وقد كان حسابيا قادرا على الفتك بالثوار، ثم كان الموقف التاريخي للجيش المصري بانحيازه للثورة، وقد كان المتوقع من الكثيرين أن ينحاز لأحد رموزه وقائده الأعلى بحسابات الولاء والمصلحة، إذن فقد ثار الشعب على فساد (مبارك) ثم أسقطناه بفضل الله لا بفضل أنفسنا»
    ولا ننسى أن هذه الشعوب المسكينة الفقير من كل شيء تمتلك ثروة قرآنية كانت دوما قادرة على العطاء وإنارة الطريق أمام المسترشدين بهديه، والسائرين على منهاجه.
    نعم لم يبق من ثروات الأمة شيء غير نور القرآن وهدي النبي العدنان، وهي ثروة من الروعة بمكان .. ثروة لا يستهان بها، خاصة وأنها مجربة قديما وحديثا، وهي مرجعية ترتضيها كل الأطراف المتناحرة إلا من أُشرب قلبه النفاق، وهذا لا خير فيه، ولا يعتد به في العملية التقدمية للأمة الإسلامية.
    إن التقاء الأمة حول كتابها النوراني لبشارة خير يضمن لهذا الربيع الثوري الازدهار والثبات ويجنبه الذبول والزوال كما حدث للثورات السابقة، فالقرآن كان الحلقة المفقودة في الثورات العربية السابقة، وكان تحيده في العملية الثورية أمارة فشل وعلامة وهن.
    في القرآن نورانية لا تراها في أي كتاب آخر، ومنهجية متكاملة لا تجدها في أي منهج، وصيغة تربوية الأمة في أشد الحاجة إليها.
    والقرآن كفيل بأن يأخذ بتلابيب القلوب جميعا، ويوقظ الضمائر، ويحدو بالأمة نحو العمل الحقيقي لا العمل الدعائي الغوغائي لأنه يربي أبنائه على أمانة الكلمة ونبذ النفاق العملي والعقدي.
    القرآن المنطلق الحقيقي الذي نبحث عنه إن صحت النوايا. وهو الكفيل بأن ينتشل الأمة من فشلها، ويعود بها لركب الحضارة، حتى وإن فاتها قطار العصر الحالي، فالقرآن بطاقاته الربانية كفيل بأن يجعلنا ندرك ما فاتنا، ونصلح خللنا، ونسد ثغورنا، ونداوي عطبنا {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[يوسف:21]
    يقول د. محمد العبدة: «عندما يضعف أثر الدين يعود العرب إلى قبيلتهم يعود إليهم مفهوم (رئيس القبيلة)، فرئيس الدولة العربية المعاصرة هو الكل في الكل، هو صاحب المال، وهو الزعيم الأوحد، ويرجع العربي إلى طبيعته السابقة: ردود الفعل السريعة، الحماس القصير هو الذي يدفعه للعمل أكثر مما يدفعه الدوام المتعمق، يحب الأمور السهلة كما قال ابن خلدون: (ومن طبيعة العرب أنهم لا يتغلبون إلا على البسائط، ينهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة، لأن كل مستصعب عليهم تاركوه إلى ما سهل).
    وهكذا نجد العرب اليوم (في الدولة القطرية) يميلون إلى كل ما ينتجه الآخرون، فهذا أسهل من إنتاجه داخليا، والتجارة في البضائع أسهل من تصنيعها، وجلب الأموال من السياحة أسهل من الاعتماد على الزراعة والصناعة، وحتى في أدبهم فإنهم يميلون إلى التزلف السهل أو التهديم السهل (المدح والهجاء)، بينما نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمد الصعوبة في الدعوة والمعاناة مع الناس، وتحمل الإيذاء، ولم يعتمد (المعجزة) التي تحل كل المشاكل، وفضل التربية الطويلة والتكوين النفسي.
    وعندما يضعف أثر الدين يعود العرب إلى التفرق ودخول الأعداء فيما بينهم يفرقون صفوفهم، كما كان اليهود يفعلون في المدينة، يضربون على وتر العصبية الجاهلية يفرقون بين الأوس والخزرج، ولكن عندما جاء الإسلام لم تنجح محاولاتهم في خداع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وكان من نتيجة لؤمهم وغدرهم أن أُخرجوا من المدينة وعندما هاجت العصبية العربية في الأندلس كان من نتائجها أن أخرج المسلمون من البلاد التي استقروا بها ثمانية قرون» [العرب والسياسة، محمد العبدة، ص 19/20]
    د/ خالد سعد النجار

    طبيب وكاتب مصري
    alnaggar66@hotmail.com

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    الدار البيضاء. المغرب
    المشاركات
    299

    افتراضي رد: شعوب فاتها القطار

    موضوع قيّم ، و تحليل عميق . جزاك الله خيراً .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •