تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الاسلاميون ( المعتلون ) من السيولة إلى الغازية !!

  1. #1

    افتراضي الاسلاميون ( المعتلون ) من السيولة إلى الغازية !!

    الاسلاميون ( المعتلون ) من السيولة إلى الغازية (1___3) !!
    مقال د محمد الجزولي
    بعد أن تناولت العلمانية «الحليقة» في عشر حلقات أتناول في ثلاث حلقات العلمانية «الملتحية» والرأسمالية »المتوضئة» وهؤلاء هم حلفاء أمريكا الجدد لتدخل الأمة بعد الحكم الجبري في مرحلة الحكم الخداج!! إن المنطق الإسلامي في الحكم وفي الحياة كلها يختلف اختلافاً جذرياً عن المنطق الوضعي، ولو كان منطق الإسلام بهذه البساطة يلتقي مع منطق أهل الأرض ما احتاج الأمر إلى وحي ولا إرسال أنبياء! إن كنّا نستطيع بعقولنا معرفة ما ينبغي فعله ما كانت البشرية بحاجة إلى شريعة! إن أكبر أزماتنا أننا لم ندرك بعد قيمة ما في أيدينا ورحنا نجري مقاربة بينه وبين ما في أيدي الآخرين، بل للأسف الشديد نحن نجري هذه المقاربة ونحن نشعر بانبهار شديد للإنتاج الفكري الوضعي، ونأمل ونحن نبحث في صفحات القرآن وبطون كتب السنة أن نعثر على ما يوافق هذا الإنتاج فإن وجدنا ما ظننا موافقته فرحنا وقلنا في بلادة تدعو للاشمئزاز: نعم لقد سبق القرآن العلم فأصبح العلم هو المعيار، فإن عثرنا في القرآن على ما نظن أنه موافق له فرحنا في فخر لقد سبق القرآن العلم! إن هذه الطريقة في التفكير في حد ذاتها تدلُّ على حاكمية العلم على وجداننا وعلى سيطرته على نفوسنا وعلى تشكيله لعقولنا وأكبر دليل على ذلك أن وجدنا في القرآن ما ظننا مخالفته للعلم و«صنم المصلحة» أخفيناه وخفتت به أصواتنا..!! كذاك المشرك حين يبشر بالأنثى يظل وجهه مسودًا عندما كانت معايير العار الاجتماعية هي التي تسيطر عليه والذين يخفون من آيات القرآن وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ما ظنوا مخالفته للعلم «وصنم المصلحة» يخشون عار الانتساب إلى ثقافة وكتاب يخالف العلم «والمصلحة »!! وإن سلكنا مسلكاً يعده البعض أرشد وهو عين الضلال قمنا بتأويل هذه الآيات المخالفة للعلم ولحقوق الإنسان وللتحضر والتمدن حتى نخرج أنفسنا من حرج مخالفتنا للعلم «والمصلحة »!! ونظل في هذا الحرج حتى ينتشلنا منه بحث «علمي» آخر يثبت صوابية ما جاء في القرآن!! ما أهون القرآن في نفوسنا وما أعظمُ العلمَ والمصلحةَ! هكذا تتعامل قطاعات من الأمة اليوم مع كلام الرب عز وجل ومع حقائق الشريعة، أيُّها السادة، ما يسمى علماً اليوم ومصلحة تخالف القرآن هو تحت قدمي هاتين!! فأنا لا أؤمن بحيادية العلم لأن العلم في خدمة الأيدلوجية لا ينفك الباحث في المعمل عن عقائده ومرئياته الثقافية هي دعوة لإعادة النظر فيما يسمى بالعلوم الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية بل والطبية والزراعية ويمكنني أن أذكر عشرات الأمثلة لدراسات تسمى «علمية بحتة» خرجت في ظروف سياسية وفكرية معينة لخدمة أغراض معينة!! ثم اكتشف العالم الحقيقة بعد أن تلقى تلك «العلوم الكذوبة» بدغمائية سخيفة!! وفي هذا السياق عندما نتحدث عن تطبيق الإسلام يقفز إلى أذهاننا مباشرة صنم النتائج وطاغوت المقاصدية وردة الفعل الداخلية والخارجية!! لم يكن المسلمون الأوائل يظنون أن إيمانهم بالإسلام دعك من حكمهم به يعني طريقاً مفروشاً بالورد والرياحين، بل كانوا يعلمون أنه أمر «تعضهم عليه السيوف» ومع ذلك قالوا « والله لا نقيل ولا نستقيل» وتحت دعاوى التعقل والاعتلال.. عفوًا «الاعتدال» تبدأ طاحونة حرج الصدور تطحن ثوابتنا حتى تحيلها إلى سيولة ثم غازية بل حتى تبلغها مرحلة العدمية!! فالإسلاميون «المعتلون» لأنهم في حالة «سيولة» فإن قليلاً من حرارة الضغوط الخارجية والداخلية تحيلهم «إلى غازية»!! والمنطق الوضعي يغرق في عالم الأسباب وينسى المسبب وهو الله عز وجل.. والمنطق الإسلامي يجعل السبب الأول في حدوث جميع الأحداث في العالم كله خيرًا كانت أو شرًا هو الاستقامة على المنهج أو الانحراف عنه لأنه ينطلق في تفسير الأمور من مركزية الإله وثانوية الإنسان فهو يبحث وراء كل مصيبة عن انحراف وهو يقدم بين يدي أي نجاح ينشده قرابين الاستقامة عندئذ حين يخسر يقول لأننا أغضبنا الله فيسعى للتوبة والبحث عن رضوانه وحين يطلب نجاحاً وتوفيقاً يقول أين هو الطريق الذي رسمه الله حتى أسلكه، فالله عز وجل هو الفاعل الحقيقي !!.. وعند البخاري من رواية أبي هريرة رضي الله عنه «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد»: ألا كل شيء ما خلا الله باطل».. إنه منطق التوكل على المسبب وهو الله عز وجل لدرجة بالكاد تجعله لا يرى سبباً أصلاً! وإن كان لا ينفيه لكنه يستصحبه على طرف خفي!! إنها رؤية بالكاد تقارب فلسفة باركلي ومثاليته في نفي المادة عن الوجود لكنها لا تطابقها!! ذلك لأن العمل بالأسباب هو تكليف الله عز وجل، وفي الحديث الشريف «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته» فما عند الله من نصر وتمكين وسلام وتنمية ورفاهية واستقرار تصدر عن منهج تفكير غير إسلامي إن رحنا نطلبه وننشده بالانحراف عن المنهج. إن أقصر طريق لبلوغ ذلك هو طريق الاستقامة لا خوف الملامة وتقارير لجان حقوق الإنسان وقرارات مجلس الأمن الدولي!! إن القرآن يقول لك هل يزعجك الفساد المالي هل يعتصر قلبك ألماً على فسادنا السياسي، هل تتقزز نفسك من الفساد الأخلاقي بل هل يحزن فؤادك على فساد زروعنا وضعف ضروعنا ونكاية العدو بنا وتفرق كلمتنا؟؟ عقدت الأمة لذلك المؤتمرات والسمنارات تعالج وتطرح تناقش وتحاور تصدر الدراسات وتخرج البحوث وتذيع التحليلات لكنها نسيت أن تأخذ بيمينها وتستصحب في ورش عملها كتاب الله!! تأمل معي القرآن الكريم «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون» فظهور الفساد المالي والأمني والسياسي والأخلاقي والاجتماعي بما كسبت أيدي الناس.. لا بما كسبته من سوء التدبير فحسب ولكن بما كسبته من سوء التقصير في حق الله تعالى!! وهي حين تدرك ذلك تعقب المصيبة بعظيم التوبة ومزيد الاستقامة وتطرق باب رب الكعبة تستغفره لا باب سيد البيت الأبيض تستجديه!! ونواصل..
    أبو محمد المصري

  2. #2

    افتراضي رد: الاسلاميون ( المعتلون ) من السيولة إلى الغازية !!

    الاسلاميون ( المعتلون ) من السيولة الى الغازية (2______3) !!
    ذكرت في الحلقة الأولى أن منطق المسلم في تفسير الأمور ينطلق من مركزية الإله وثانوية الإنسان فهو يرد جميع الظواهر إلى الطاعة والمعصية، هذا المنطق يجعل المصيبة تقود إلى مزيد من الاستقامة وليس إلى مزيد من التحلل عن الشريعة، إن التضييق الذي يلقاه المؤمن في سبيل الله والحرب الشعواء التي يواجهها من معسكر الباطل هي تزيده إلتزاماً بالحق وخضوعاً له وقد كان الرجل من أولئك الأوائل الذين سادوا العالم بهذا المنطق ـ الصحابة عليهم من الله الرضوان ـ إذا وقع سوطه من يده وهو فوق دابته قال هي المعصية.. فيروح عقله يتذكر أي معصية ارتكب فيتذكر نظرة خاطفة لفتاة في الطريق فيستغفر الله وتهبط من عينه دمعة قبل أن يهبط من دابته ليرفع صوته!! لم يكونوا ملائكة لكنهم كانوا أصحاب منهج يرشدهم إلى طريق العودة إن هم فارقوه!!
    إنه منطق المجانين في هذا الزمان إنه منطق أجنبي عن أذهاننا من سلكه رماه الناس بأنه مجنون والعقل يكون كاملاً في رأسك حين يرميك نزلاء الصحة النفسية في مستشفيات الغرب الفكرية بأنك مجنون!! هذا المنطق يختلف عن منطق أولئك المرتجفين الذين إذا ضاقت بهم السبل وشدد عليهم الحصار ورمتهم الجاهلية عن قوس واحدة وابتلاهم الله بالفقر والقلة قالوا بسبب التزامنا بالإسلام قال الله تعالى حاكياً عن هؤلاء«وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أوَ لم نمكِّن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون» وعن آخرين في مسيرة الخنوع والانبطاح يحكي القران «يا أيّها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزىً لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحي ويميت والله بما تعملون بصير» إن هذا المنطق المعوج هو الذي انتج الإسلام المعتل الذي ذهب يدرأ عن نفسه هجمة الغرب بكثير من الموافقات والتلفيقات والترقيعات التي تقارب الغرب في مقولاته ومفاهيمه وأفكاره وأقرأوا إن شئتم من القرآن الكريم « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ» وسبحان الله وأنا أتحدث عن الإسلام«المعتل» وقفت عند قوله تعالى «في قلوبهم مرض» !! إن اكبر أزماتنا في تشوهنا الفكري وتلوثنا القيمي وانحرافاتنا الأيدولوجية رغم ادعائنا الإسلام فهو يعني عندنا طهارة اليد بماء الوضوء لا طهارة العقل من لوثة التفكير؟! القرآن الكريم بعد أن فتحت مكة قال للمؤمنين «إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا» وكان المشركون يجعلون من الحج «معرض دبي للتسوق» فيجلبون السلع بأنواعها وينتعش اقتصاد الدولة وبرؤية الاقتصاديين هذه الآية وهذا المنع للمشركين سيفقدنا موسماً اقتصادياً سياحياً يجلب لنا مئات الملايين إن نحن منعنا المشركين من الحج!! وبمنطق القرآن الذي يريد أن يبني في نفوس المؤمنين اليقين بالمسبب قبل الحنكة في السبب يقول للمتخوفين والمرتجفين من تنفيذ هذا الأمر الإلهي «إن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله» لكن كيف ومتى وبما ومن أين؟؟ لم تكن أسئلة تهجم على قلوب الصحابة فتجعلهم يترددون في الأمر!! بل إلى تنفيذه يهرولون!! لأنهم مستقينون بما ورد في آخر الآية «فسوف يغنيكم الله من فضله» يقين لم يكن يعني عندهم الاتكالية بل التوكل مع إحكام الخطة وطلب التوفيق فوالله لن يضيعهم الله والخير كله بيديه!! إنه منطق آخر يجعل للحياة مذاقاً مختلفاً حين جعل الله الموت في سبيل الله حياة وحين جعل الله الحياة في الكفر موتاً.. وحين جعل الله الابتلاء في الدنيا بشارة.. وحين جعل الله التواضع رفعة.. وحين جعل الله العفو عن الناس عزًا.. وحين جعل الله المال لا ينقص من الصدقة وهو بالحسبة الرياضية «العلمية» ينقص!! وحين جعل الله المداومة على الذكر تعطي الجسد قوة ولا صلة «عملية» ظاهرة بين الأمرين. وحين جعل الله العباقرة هم الذاكرين.. وحين جعل الله الأغبياء والأنعام هم الغافلون.. وحين جعل الله صلة الرحم تزيد العمر .!! وحين جعل الله الأكل يجلس عليه عشرة تكون بركته أكثر من جلوس اثنين عليه، فهو يزيد بركة حين يأكله الأكثرون بينما هم لا يبقون على المائدة شيئاً.. !! وحين جعل الله الكثرة العددية مع غرور تعني الهزيمة.. والقلة العددية مع تواضع تعني الانتصار.. وحين جعل الله الذكر قبل احتساء السم يبطل مفعوله.. وحين جعل الله بسبع تمرات من العجوة تتقى السحر.. والسحر أمر معنوي وأكل العجوة موضوع مادي!! فما هي الصلة يا دعاة«العلمية»؟! أيُّها السادة إن الإسلام مفاهيم جديدة للحياة قبل أن يكون شرائع وشعائر.. إن تأمل هذا الأمر يجعل المسلم يدرك ماذا يعني أنه مسلم وماذا يعني أن منهجه السماوي يختلف في تذوقه للأمور عن جميع المناهج الوضعية وأهم من ذلك كله أن هذه المفاهيم الجديدة المختلفة عن منطق أهل الأرض لم يكونوا يستطيعون إدراكها بعقولهم لذلك كانت حاجتهم للوحي أشد من حاجتهم للماء البارد على الظمأ.. عندئذ فقط سينكبّون على الوحي يقرأونه ويسارعون لتنفيذه وهم على يقين بنتائجه.. وإن أرادت أن تصرفهم عنه بعض البروق الخادعة والصورة الزائفة والرعود الكذوبة فلا هي أمطرت له غيثاً نافعاً ولا أنبتت لهم زرعاً صالحاً!! والذين يدركون الإسلام على هذا النحو يرون أنفسهم أسعد الناس بالوحي تأمل معي هذه الأيات تدمع عيناك وتعرف ما أجهلنا بالقرآن وما أقل احتفائنا به فهو موعظة لكل الناس لكنه رحمة وهدى للمؤمنين به فقط «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ْ»ـ سورة يونس «57ـ 58»، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
    ونواصل ...
    د محمد الجزولي
    أبو محمد المصري

  3. #3

    افتراضي رد: الاسلاميون ( المعتلون ) من السيولة إلى الغازية !!

    الاسلاميون ( المعتلون ) من السيولة الى الغازية (3______3)
    ذكرت فى الحلقة الثانية النظرة المقاصدية التي تسيطر على الاسلام «المعتل» التى تجعله يرفع شعار تطبيق روح النص وغايات الدين ومقاصد الشريعة بطريقة تجعل بعض منتسبيه يرى عدم قدسية الشرائع والقوانين والنظم التى نص عليها الاسلام، وقصروا التدين في ما سموه تحقيق اهدافه لا التزام طريقته !! ، وهم عندئذٍ يجهلون أن الاسلام اصلا طريقة للحياة وليس أهدافاً ومقاصد فحسب، وان الدين انما سماه الله السبيل والصراط والطريقة، والمسلم يدعو ربه فى اليوم سبع عشرة مرة «اهدنا الصراط المستقيم» وليس «اهدنا الهدف القويم» اما ما سموه مقاصد الدين من الحفاظ على الانفس والامن والاستقرار والمال وغيرها فتلك هى مقاصد أى انسان عاقل، وقد ظلت البشرية تضع من المناهج والأفكار وتختط من الطرق والوسائل ما يحقق اهدافها المنشودة فى الحياة السعيدة والهادئة والمطمئنة، والفرق بين الاسلام وغيره انه طريقة سماوية لتحقيق تلك الاهداف، ولم يتنزل القرآن لبيان الاهداف وانما للتذكير بها، مع بيان الطريق المستقيم الموصل اليها، قال الله تعالى «وان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون»، وقد مضت هذه المقاصدية المعتلة حتى قال احد مفكريها «ان الحدود لغاياتها وليست لآياتها» فزعم ان المسلم غير ملزم بتطبيق الحدود الاسلامية، وله الحق فى أن يسن من القوانين والعقوبات ما يحقق به مقصود الشرع ــ على حد زعمه ــ من الزجر عن تلك المعاصى بوسائل اخرى غير تلك الحدود !! وهذه المقالة لا اعلم اخطر منها هدماً لدين الإسلام كله، وعليه يمكن ان يبنى بعض المعتوهين إبطال الشريعة جملة، فاذا كانت الصلاة للنهى عن الفحشاء والمنكر واستطعنا ان ننهى عنها من غير الصلاة فلا داعي للصلاة !! ، هل رأيتم فكرة أشد إضراراً بالدين من هذه الفكرة، هذا الاسلام «المعتل» هو « البروسترويكا الاسلامية» التى توفر للغرب هدم الاسلام من الداخل بعد فشل المواجهة العسكرية مثل ما فعلت امريكا مع الاتحاد السوفيتى بعد عقود من المواجهة الاستخباراتية والتسابق فى التسلح والتفوق التقنى، الولايات المتحدة منهكة ومثخنة بالجراح فى افغانستان والعراق وغيرها من بقاع الارض التى استطاعت ان تصل اليها يد النكاية، الولايات المتحدة الامريكية تعاني اختناقات اقتصادية، والطبقة الوسطى هنالك والفقراء بدأوا ربيعهم الامريكى ضد سياسات الرأسمالية المتوحشة ــ وعن هذه احدثكم لاحقا ــ ولم يعد بامكان امريكا ان تفتح اية جبهة استنزاف جديدة لأن مزيداً من الاستنزاف يعني الهلاك !!، وامريكا المنهكة هذه تعمل على احتواء الثورات العربية، فالثورات التى انطلقت يوم الجمعة قادها فريقان، فريق يطالب بالعودة الى هويته ودينه، وفريق يطالب بدولة المواطنة والحريات والمعادلة التى تعمل امريكا الآن على الوصول اليها.. كيف تبحث عن حلفاء يحققون المطلبين معاً !! العودة للدين عندهم لا تعنى الغاء دولة المواطنة ولا تعنى عدم اقامة دولة الحريات !!، وامريكا تجد ضالتها هذه فى الاسلام «المعتل» !!، فحزب النهضة يصنف حزباً إسلامياً لكنه ــ بحسب تصريحات قادته بعد الفوز فى الانتخابات ــ لن يفرض قيودا على زى المرأة ولن يغلق اماكن بيع الخمور ولن يقيم نظاماً مصرفياً اسلامياً، ولن يمنع السياحة بمجونها المعروف ولن ..... الى آخر قائمة الأحكام الشرعية المرتبطة بالمشروع السياسى الاسلامى، مما يجعل السؤال مطروحا ــ بكل براءة ــ هل كان حزب النهضة ونظراؤه فى عالمنا الاسلامى يسعى الى مشروع الدولة ام الى دولة المشروع؟! ان التدرج الذى يرفع شعاره بعض دعاة الاسلام السياسى يخلط الناس فى فهمه خلطاً عظيماً، ولا بد من قراءته قراءة شرعية صحيحة، ذلك لأن الالتباس فيه هو الذى يفرخ واقعاً علمانياً لكنه «ملتحى» فهنالك التدرج فى التشريع والتدرج فى التطبيق، فالأول فعل الرب عز وجل ليس لأحد حق التشريع والتحليل والتحريم حتى يتدرج فيه، فالتشريع حق لله وحده، ما حكم الربا؟ حرام، ما حكم التبرج؟ حرام، ما حكم الخمر؟ حرام، ليس لأحد من الناس أن يقول لا ستكون الخمر عندنا حلالاً لمدة سنتين ثم نحرمها بعد ذلك !! وبعد الاعتراف بالتشريع وتقنينه تبقى تربية المجتمع، وحثه على الالتزام بهذا التشريع يقوم على قافين «قاف القيم» و «قاف القانون»، وهنا يمكن للدولة أن تنظر الى واقعها أى القافين تغلب؟ وتنخرط مؤسسات التوجيه فيها من أجهزة إعلام ومؤسسات تعليمية وهيئات ثقافية فى حملة شاملة لزرع القيم وتعزيز التدين وغرس الفضيلة، ومن هنا يتضح الفرق بين التدرج فى التشريع والتدرج فى التطبيق. ويحكى ان داعية ساذجاً دخل على قرية هندوسية تعبد البقر، فقال لهم إن البقر فقير الى العشب فعبدوا العشب، ثم جاءهم بعد عام فقال لهم ان العشب فقير الى الماء فعبدوا الماء، ثم جاءهم بعد عام فقال ان الماء ينزل من السحاب فعبدوا السحاب، ثم جاءهم بعد عام فقال لهم ان الله مجرى السحاب فعبدوا الله، هذه السذاجة التى يقصها البعض محتفياً بها واصفاً هذا الداعية بالعبقرية ناشئة من جهل عظيم بطبيعة الدين. إن الله عز وجل غنى ان تدعوا الناس الى طاعته بطريقة غير شرعية، وها هى قريش تطلب من محمد: اعبد الهتنا عاماً ونعبد الهك عاماً، فقال له الله عز وجل « قل يا أيها الكافرون» السورة، وفى الآية «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون» فانظر الى قوله تعالى «يهدون بأمرنا» وليس إلى امرنا، لأن الهداية اصلا انما تكون لامر الله عز وجل، ولكن يجب ان تكون بأمر الله اى بطريقته الشرعية التى بينها، فلا ميكافيلية فى الاسلام. ويبقى السؤال هل يمكن اعتبار خلوص الولايات المتحدة بعد حرب أعلنتها على الاسلام واهله الى التصالح مع الاسلام «المعتل» خطوة تجاه دعوتها للتفاوض مع الفاعل الحقيقى الذى ألحق بها الذعر ومرغ انفها فى التراب، وتسبب فى نزيف اقتصادها وانهياره. ان امريكا حين تتفاوض مع من انتزع من القرآن قوله تعالى «لا إكراه فى الدين» وجعلها قاعدة تعاطيه مع الآخر تكون خادعة لنفسها ومخادعة لغيرها إن ظنت أن ذلك يعنى إغلاق ملف من انطلق من قوله تعالى «فقاتلوا أئمة الكفر انه لا ايمان لهم لعلهم ينتهون» فى تعامله مع امريكا، وبدلاً من التفاوض مع من رفع شعار قاتلوا أئمة الكفر راحت امريكا تتفاوض مع من رفع شعار لا إكراه فى الدين، وتخطئ حين تظن أن نزيفها سيتوقف !!، وأمريكا حين تتفاوض مع الاسلام «المعتل» فهي تتفاوض مع نسخة معدلة من الرأسمالية تفترق عن تلك التي تعيشها أمريكا بأنها تتوضأ!!
    أبو محمد المصري

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •