التعليق على تصوير مشهد الرجم
الحمد لله وبعد :
فلا يخفى ما عُرض من مقطع مصور فيه رجم لامرأة زعموا أنها زانية ، وصوروا عملية الرجم وكثر الجدل حول القضية بين نافٍ ومثبت وبين كاره لأحكام الله وكافر بالشرائع والحدود ، وبين مؤمن امتعض من التصوير وعدم اكتمال شرائط الحدود وبين مسلم شرح بما رأى صدره .
ولن أناقش قضية ارتباط الإمام بإقامة الحد فإن القوم لن ينفع معهم هذا فهم يرون بغداديهم الإمام الأعظم!!
ولن أناقش مسألة إقامة الحد في الحرب ، ولا مسألة إقامة الحد في المخمصة والمجاعة ، ولا مسألة ثبوت الزنا على المرأة ، ولا العلم بأحوالها والقرائن المحيطة بها التي ينعقد بها الحكم إيجابا وعدما ، ولن أناقش ما إذا كان الحد يُقام في أرض غابت عنها شمس الرسالة !!!
ولن أناقش أن الحد منوط بإمام باسط النفوذ والسلطان وهو جُنَّة وصاحب شوكة وسلطان وأرض متمكن منها ، لا أرض مسلوبة بالنهار محتلة بالليل!!!

كل ذلك لن أناقشه إنما الذي سأناقشه مسألة التصوير فأقول مستعينا بالله :
إن هذا الحد فيه ريب وقد كتبت تعليقا منذ مدة على مثله ، ويُزاد عليه هنا ضلالا على ضلال مسألة التصوير ، فهذا فيه مخالفة صريحة لظاهر الآية مفهوما ومنطوقا .
قال تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة النور : 2]
فانظر رحمك الله فالله امر ان يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين فتأملها...
لم يقل طائفة (المؤمنين)!!!
بل قال(من)
ومن هنا(للتبعيض)...
ولم يقل (المسلمين) بل قال( المؤمنين)!!
ولم يقل فليشهد عذابهما (المؤمنون)
وقال (طائفة)
والطائفة تطلق على القلة ، قيل أقله اثنان وقيل أربع وبعضهم قال يصل للألف .
قال تعالى :
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [سورة التوبة : 122]
ولا شك أن من المعلوم أن الأصل الستر،، والعلانية التي حصلت بشهود العذاب من طائفة المؤمنين هو لسببيْن بيّنهما العلماء.
الأول : التماساً لبركة دعائهم للمُقام عليه الحد ليكون الحد حظه من العذاب ومطهرة له فيتوب الله عليه..
والثاني للزجر ، فيحصل في البلد المتمكن منه شيوع العقوبة فينزجر العصاة ويرعوون..
وخُص من الشهود المؤمنين لدلالات عميقة وهي والله من حكمة الله عز وجل العجيبة...
لأن شهود الحد من قبل المسلمين العاديين الذين لم يدخلوا بخصوص اللفظ الإيماني قد يُحدث في نفوس بعضهم نفرة عن الدين ، إلا أن تكون حضرتهم تبعاً لأهل الإيمان فيعُمَّ الحضور وصفيْ ما يتحقق بهم المقصود الشرعي ،، فالمؤمنون للدعاء والمسلمون للزجر .
ألا تجد ونحن في أعين قومنا من خاصتهم وجدنا في أنفسنا ما وجدنا فكيف بالعامة؟!
لذلك قال القرطبي رحمه الله : الحد الذي أوجب الله في الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن يُقام بين أيدي الحكام ، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم ، يختارهم الإمام لذلك ، وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك ، وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية ، تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها ، بحيث لا يُتعدى شيء من شروطها وأحكامها ، فإن دم المسلم وحرمته عظيمة ، فتجب مراعاته بكل ما أمكن....أ.هـ 2/2153 طبعة دار ابن حزم.
فأين مراعاة الكرامات والحرمات في كل ما رأينا؟!
وعليه فإن هذا التصوير من عمل الجهال الذين لا يفقهون من الدين مقاصده وأمره ونهيه وحكمته ورحمته ،،،
وعليه فإنا ننكر الطريقة ولا ننكر الأصل فمن أنكر الرجم فقد كفر ،
وقد نقل شيخي الشيخ محمود موسى الآتي :
عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال :(من كفر بالرجم ، فقد كفر بالرحمن ، وذلك قول الله تعالى ؛ {يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كُنْتُمْ تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير } ، فكان مما أخفوا الرجم)
وأخرجه النسائي كما في التحفة ٥/ ١٧٨ايضا الحاكم ٤/ ٣٥٩ وقال : صحيح الاسناد ولم يخرجاه ،
وأخرجه الطبري في تفسيره في موضعين ١١٦٠٩ و ١١٦١٠ كلهم - عدا ابن حبان - بلفظ (من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب...)
وصححه شامة الشام وريحانتها وحسنة الايام الشيخ الالباني رحمه الله في صحيح موارد الظمآن (حديث رقم ١٥١١ باب حد الزنا ) أ.هـ
ومن آفات شيوع هذه الأفلام ظهور أصحاب القلوب المريضة وأهل الردة لينفوا هذا الحد وينسبوه للجاهلية وفشروا وخسئوا وخابوا وضلوا فإنه حد ثبت بالقرآن والسنة ولم ينكره من أئمة الإسلام عالم واحد!!!
ومن أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة كفر .
ولكنه الخوارج الدواعش وأفعالهم التي تعنى برسم الأشياء لا بجوهرها ، والذين جعلوا الحدود غاية يستميلوا بها الشباب المتحمس ، فأقاموها ولم يسألوا عن التبعات ، وما سيحدث عقب التصوير من شيوع مظاهر الاستهزاء بالشعائر الدينية والتعبدية ، حتى صارت المُسلمات على لسان كل لقيط يريد النيل من جناب الدين ، ولو التزم الدواعش بشهود بعض المؤمنين في قطر الفاحشة لحصل المقصود ولكنهم يريدون أمرا آخر .
ومن راجع السيرة ومحاربة الكفار لم يجد أن الكفار استهزؤوا بحد من حدود الله إلا ماندر ، وذلك راجع لأسباب : منها أن مسألة الحدود والأحكام السلطانية كان نفاذه في مرحلة التمكين من حياة النبوة ، حيث أن شوكة المنافقين مكسورة ، وأي مستهزئٍ منهم بحكم شرعي أو بحد نص عليه الشرع فلا يخرج عن قبضة السلطات الإسلامية فينال عقابه على الفور .
وحتى من الكفرة لم نجد استهزاءا بالحدود لأن الحدود كانت محصورة ضمن قطر الدولة المسلمة ولم يكن أمراً للشيوع خارج حدوده ، لأن المراد من الحد زجر المجتمع المسلم ، ولأن الحد يُعتبر في مخاطبة الكفار من فروع الشريعة وإن كان عندنا فيما بيننا أصلاً ولو أنكر المنكرون وهرتق المهرتقون ، فهم -أي الكفار-غير مخاطبين به ما لم يقروا بأصل التوحيد والشهادة كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من علماء الإسلام ، ولأن الخطاب كان معهم في أصل شركهم وكفرهم وهذا ما يجهله الدواعش الذين جعلوا الحد غاية ليستميلوا به قلوب الشباب الذين يتشوفون لمشهادة حدود الإسلام تطبق .
والذي ينبغي أن يعلمُه شبابنا أن المسميات والأحكام ما لم تتحقق بحقائها فهي أوهام سرعان ما تزول .
ألا والله إن هذه الدولة المزعومة المسماة بدولة العراق والشام بكل ما تملكه من قدرات إعلامية ، ومن كل ترويج للأعداء بمكرهم لها ، وكل حديث الناس عنها ، إنما هي فقاعات صابون ، سرعان ما ستزول وتتلاشى ، لأن أساسهم ليس مبنياً على السنة في شيء والله عز وجل يقول :
َ ۚ(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [سورة الرعد : 17]
وخلاصة القول أن إشهارهم بجهل لهذا الحد ، وتصويرهم له أمام الكفار ، ومن ليسوا مخاطبين بالحدود هو من جملة الحرب على الإسلام وتشويه الدين ، وإشغال دعاته عن الأصل الذي لم يقم به داعشي واحد من كبار كلابهم (العدناني والبغدادي) -فضلاً عن صغيرهم وكلهم أصاغر- اللذيْن لم يُسمعوا الكفار إلا ما وافق طبيعتهم الخارجية والغدرية ، واختزلوا الإسلام بجزء توهموا أنهم وصلوا إلى حقيقته ، وهم من حقيقته في غثاء ، فجعلوا الدين عرضة للاستهزاء ، فانظر أثر الفتح المحمدي كيف كانت عاقبته أن الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، وانظر الفتح الخارجي المزعوم كيف يخرج المسلمين من دين الله أفواجاً!!!
فكم نحن اليوم بحاجة لجهد في الدعوة لنثبت الحقائق ونوضح الواضحات ، ونبين حكم المستهزئين والمستمع لهم !!!
فيا لله ما أغبى الدواعش الخوارج الذين انصرفوا وصرفوا الناس عن حقيقة لا إله إلا الله!!
هذا وبالله التوفيق
والحمد لله رب العالمين..
كتبه مصباح بن نزيه الحنون
طرابلس الشام
29ذو الحجة/1435