الماضي: ذلك الزمن الفائت، كثيراًً ما نسترجعُه ونستعيده. فنقف عند حدوده وخطوط سواحله، ونستشرف بأعيننا ساعات كثيرةً راحلة، أخذها الوقت وفوات الزمن؛ فنتساءلُ عن الصيغة الفائتة بشغف مميز. فنتذكر – ونحن مع الزمن الراحل – الحدث المنصرم بصور متعددة، تبتدئ بالحزن الصامت، وتكتمل بالابتسامة الرضية، وتنتهي بشعور اللامبالاة، أو الصمت الحيادي غير الأليف.
فتختلف الصور في كل مرة باختلاف حالة الحدث؛ لكنها في جميعها يغلفها شعور عميق بالراحة أو الأمان. ربما لأننا نتذكر ساعتها- حتى في لحظات تذكر ساعات الحزن- أن الحوادث انتهت بصورة ما، وبانتهائها اكتملت تجربتنا تجاه الحدث الماضي ومثيلهِ المستقبلي.
أو ربما لأننا نرى طفولتنا بكل معانيها المتجددة، و شعورنا أنها كانت خيراً خالصاً ذات يوم.
لكننا مع ذلك- ساعة التذكر- لا نسترجع سوى الحوادث المميزة، ذات البصمات الخاصة الملفتة للانتباه. وتبقى الأشياء العادية طيّ الزمن وأرقام التاريخ، فنكتسب- دونما قصد- دفعة قوة وحماساً غير منظور.
فالماضي مخزن كبير، وبواسطة القدرة على استرجاعه نربح حكمة السنين وذوب تجاربها.
هذا أمر. والأمر الآخر قيامنا باستعادة الحدث الخاطئ باستمرار، وبإصرار ملحوظ: فهل نكون لحظتها قد فقدنا القدرة على التصالح مع الخطأ؛ أم أننا لم نتكيّف معه بعد؟ أو أن عدم تخطيه دلالة على عدم نضوجه؟
مهما يكن، فالخطأ الماضي حدثٌ متجددٌ يهدّد ثقتنا بالنفس، بل هو نوعٌ من الأذى غير المنظور. وكي نلغيه يجب كسرَ روتينه ليصبح غير آلي. وهذا يتطلب، بالطبع، عدم الخوف من المستقبل، وعدم الهروب من التكيّف مع الحاضر بإلغاء عنصر الكسل من النفس.