بسم الله الرحمان الرحيم
القاعدة:"الأمور العادية إنما يعتبر في صحتها أن لا تكون مناقضة لقصد الشارع"

* اولا:مامعنى العادة ؟
جاء في لسان العرب :العادَةُ الدَّيْدَنُ يُعادُ إِليه معروفة وجمعها عادٌ وعاداتٌ ...وتَعَوَّدَ الشيءَ وعادَه وعاوَدَه مُعاوَدَةً وعِواداً واعتادَه واستعاده وأَعادَه أَي صار عادَةً له.
وفي الاصطلاح قال الجرجاني :العادة ما استمر الناس عليه على حكم المعقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى.
* شرح القاعدة:
قال الإمام الشاطبي :" الأمور العادية إنما يعتبر في صحتها أن لا تكون مناقضة لقصد الشارع ".
هذه القاعدة من القواعد الصغرى المندرجة تحت قواعد كبرى :
• "كل قصد ناقض قصد الشارع فباطل"
• "القصد المناقض لقصد الشارع مبطل للعمل"
•"كل تكليف قد خالف القصد فيه قصد الشارع فباطل"
لقد صاغ الله هذه الشريعة لتحقيق مصالح العباد بما في ذلك من جلب المصالح ودرء المفاسد في الدنيا وفي الآخرة ودليل ذلك مستقرأ من الأدلة الشرعية والنصوص المحكمة فقصد الشارع من المكلف ان يكون قصده في العمل موافقا لقصده في التشريع ,بمعنى أن تكون أفعاله وأقواله وجميع تصرفاته موافقة لقصد الشارع وأحكامه.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله "قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصده في التشريع، والدليل على ذلك ظاهر من وضع الشريعة؛ إذ قد مر أنها موضوعة لمصالح العباد على الإطلاق والعموم، والمطلوب من المكلف أن يجري على ذلك في أفعاله، وأن لا يقصد خلاف ما قصد الشارع، ولأن المكلف خلق لعبادة الله، وذلك راجع إلى العمل على وفق القصد في وضع الشريعة -هذا محصول العبادة-؛ فينال بذلك الجزاء في الدنيا والآخرة.
و... قصد الشارع المحافظة على الضروريات وما رجع إليها من الحاجيات والتحسينات، وهو عين ما كلف به العبد؛ فلا بد أن يكون مطلوبا بالقصد إلى ذلك، وإلا لم يكن عاملا على المحافظة؛ لأن الأعمال بالنيات، وحقيقة ذلك أن يكون خليفة الله في إقامة هذه المصالح بحسب طاقته.
فقاعدتنا هذه تنطوي تحت هذا الأصل ,فقوله :" الأمور العادية إنما يعتبر في صحتها أن لا تكون مناقضة لقصد الشارع " فالإمام الشاطبي رحمه قد خصص مخالفة القصد هنا بالأمور العادية أي ما يجري مجرى العادات وليس العبادات ,فكما أن أمور العبادة لا يجوز فيها مخالفة المكلف لقصد الشارع واتباع الهوى فكذلك أمور العادة يجب فيها مراعات قصد الشارع.
يقول الإمام الشاطبي في سياق هذه القاعدة:" بالنسبة إلى الفعل العادي؛ لا يخلو الفعل العادي -إذا خلا عن قصد التعبد- أن يفعل بقصد أو بغير قصد، والمفعول بقصد إما أن يكون القصد مجرد الهوى والشهوة من غير نظر في موافقة قصد الشارع أو مخالفته، وإما أن ينظر مع ذلك في الموافقة فيفعل، أو في المخالفة فيترك؛ إما اختيارا، وإما اضطرار؛ فهذه أربعة أقسام:
 أحدها:
أن يفعل من غير قصد؛ كالغافل والنائم؛ فقد تقدم أن هذا الفعل لا يتعلق به خطاب اقتضاء ولا تخيير، فليس فيه ثواب ولا عقاب؛ لأن الجزاء في الآخرة إنما يترتب على الأعمال الداخلة تحت التكليف، فما لا يتعلق به خطاب تكليف؛ لا يترتب عليه ثمرته.
 الثاني:
أن يفعل لقصد نيل غرضه مجردا؛ فهذا أيضا لا ثواب له على ذلك, كالأول، وإن تعلق به خطاب التكليف أو وقع واجبا؛ كأداء الديون، ورد الودائع والأمانات، والإنفاق على الأولاد، وأشباه ذلك، ويدخل تحت هذا ترك المنهيات بحكم الطبع؛ لأن الأعمال بالنيات، وقد قال في الحديث: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه" ، ومعنى الحديث متفق عليه ومقطوع به في الشريعة.
تكلم الإمام الشاطبي رحمه الله في هذه الفقرات على قصد المكلف في الفعل العادي وانه لايخلوا فعله إما بقصد,فيكون هذا القصد مجرد الهوى والشهوة مخالفا للشرع او بغير قصد كالغافل والنائم و من نال غرضه مجردا فكلا الحالتين لا ثواب ولا عقاب عليها,وهناك قسم ثالث تكلم عليه الامام وهو قصد الفعل مع مناقضة قصد الشارع وهذا باطل بدون نزاع لان الاصل في النية باطل ولان الاعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في التصرفات :
يقول الامام الشاطبي: فلا يصلح منها إلا ما وافق قصد الشارع، فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة، فقد خالف قصد الشارع من حيث أن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل، فالقصد إلى المشقة باطل، فهو إذن من قبيل ما ينهى عنه، وما ينهى عنه لا ثواب فيه، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض. وأما إذا قصد مخالفة أمر الشارع، فسواء في العبادات وافق أو خالف فإنه لا اعتبار بموافقته كما لا اعتبار بما يخالف فيه لأنه مخالف للقصد بإطلاق، وفي العادات الأصل اعتبار ما وافق دون ما خالف؛ لأن ما لا تشترط النية في صحته من الأعمال لا اعتبار بموافقته في القصد الشرعي ولا مخالفته، كمن عقد عقدا يقصد أنه فاسد فكان صحيحا، أو شرب جلابا يظنه خمرا، إلا أن عليه في قصد المخالفة درك الإثم.
وأما إذا لم يقصد موافقة ولا مخالفة، فهو العمل على مجرد الحظ أو الغفلة، كالعامل ولا يدري ما الذي يعمل ولكنه إنما قصد مجرد العاجلة، معرضا عن كونه مشروعا أو غير مشروع، وحكمه في العبادات عدم الصحة، لعدم نية الامتثال، ولذلك لم يكلف الناسي ولا الغافل ولا غير العاقل، وفي العادات الصحة إن وافق قصد الشارع، وإلا، فعدم الصحة.
فالعادات الجارية بين العباد، كالنكاح، والبيع، والإجارة، وما أشبه ذلك من الأمور التي علم قصد الشارع إلى القيام بها لمصالح العباد في العاجلة، وراعاه في الأوامر والنواهي انما يعتبر في صحتها ان لاتكون مناقصة لقصد الشارع .

ع. يعكوبي