* النص القرآني الذي ورد فيه الدعاء :
قال الله تعالى { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا } ( طه : 25 -35 )
* محاور الدعاء الوارد :
يرتكز هذا الدعاء على عدة محاور ، هي :
1- أسباب انشراح الصدر .
2- مقومات الدعوة إلى الله .
* المحور الأول : أسباب انشراح الصدر .
قال ابن القيم رحمه الله :
( وأعظم أسباب شرح الصدر التوحيد ، وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه ، قال تعالى { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } ( الزمر : 22 ) .
- ومنها النور الذي يقذفه الله في القلب ، وهو نور الإيمان ، وفي الترمذي مرفوعا « إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح » الحديث .
- ومنها العلم ، فإنه يشرح الصدر ، ويوسعه ، وليس هذا لكل علم ، بل للموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
- ومنها الإنابة إلى الله ، ومحبته بكل القلب ، والمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر ، وطيب النفس ، وكلما كانت المحبة أقوى ، كان الصدر أشرح ، ولا يضيق إلا عند روية البطالين .
- ومنها دوام الذكر ، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر .
- ومنها الإحسان إلى الخلق ، ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه ، والنفع بالبدن ، وأنواع الإحسان .
- ومنها الشجاعة ، فإن الشجاع منشرح الصدر ) ( مختصر زاد المعاد 1 / 93 ) .
* المحور الثاني : الدعوة إلى الله .
- مراتب الدعوة إلى الله تعالى :
قد دل كتاب الله على أن مراتب الدعوة بحسب مراتب البشر قال الله تعالى { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ( النحل : 125 ) .
وقوله { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } ( العنكبوت : 46 ) . فاتضح بذلك أن مراتب الدعوة إلى الله أربع مراتب كالتالي:
المرتبة الأولى : الحكمة .
المرتبة الثانية : الموعظة الحسنة .
المرتبة الثالثة : الجدال بالتي هي أحسن .
المرتبة الرابعة : استخدام القوة .
ولا بد أن تكون مرتبة الحكمة ملازمة لجميع المراتب التي بعدها ، فالموعظة لا بد أن توضع في موضعها ، والجدال في موضعه ، واستخدام القوة في موضعه مع بيان الحق بدليله والإصابة في الأقوال والأفعال ، وكل ذلك بإحكام وإتقان .
وبهذا تكون مراتب المدعوين بحسب هذه المراتب كالتالي:
1 - المستجيب الذكي ، القابل للحق ، الذي لا يعاند ولا يأباه .
وهذا يبين له الحق علما وعملا واعتقادا، فيقبله ويعمل به.
2 - القابل للحق المعترف به ؛ لكن عنده نوع غفلة وتأخر، وله أهواء وشهوات تصده عن إتباع الحق .
فهذا يدعى بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترغيب من الباطل .
3 - المعاند الجاحد .
فهذا يجادل بالتي هي أحسن.
4 - فإن ظلم المعاند ولم يرجع إلى الحق انتقل معه إلى مرتبة استخدام القوة إن أمكن .
فهؤلاء من الحكمة في دعوتهم إلى الله تعالى استخدام القوة الفعلية معهم .
واستخدام القوة يكون بالكلام ، وبالتأديب لمن له سلطة وقوة ، وبالجهاد في سبيل الله تعالى تحت لواء ولي أمر المسلمين بالشروط التي دل عليها الكتاب والسنة ، وهذا ما يقتضيه مفهوم الحكمة الصحيح ؛ لأنها وضع الشيء في موضعه اللائق به بإحكام وإتقان وإصابة .
( الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى 2 / 145 ) .