الزجاج المتكسِّر..
حكى صاحبنا قال:
أنا رجل من الريف، سافرتُ إلى القاهرة لاستِكمال تعليمي بالجامعة، وبعد التخرج آثرتُ أن أبقى بالقاهرة للعمل والمعيشة.
بعد سنوات من العمل تعرَّفتُ على رجُل في المسجد ...
الرجل فيه خير كثير، ومجتهد في العبادة والدعوة.
وهو مع هذا قليل العلم.
أعجبه فيَّ التزامي الظاهر، وحسن تلاوة القرآن.
عرض عليَّ ابنته، وتم الزواج، ثم الإنجاب.
الرجُل لا يفتُرُ عن العبادة، والدَّعوة لكل مَن حولَه ممن يُحسن أن يفهم عنه.
ما إنْ أدرك ابنايَ حدَّ الفهم والتلقّي حتّى اجتهد معهما في : أذكار الصباح والمساء - الذكر عند الصعود والهبوط للسُلَّم - ... - ..... - وتعليم الصلاة.
وكان لا بد من الوعد والوعيد، فجاء ذِكرُ الجنّة والنّار.
وجاء وصف الجنّة بما فيها من كل شيء حلو محبّب للأطفال.
وجاء وصف النار بما فيها من كل شيء قبيح ومخيف للأطفال.
يقول صاحبنا:
فكنتُ أسمع حماي يقول للأولاد عن النار: فيها حاجات قبيحة مؤذية، و .. و .. وزجاج متكسّر.
كنت أسمع كلمة (زجاج متكسر) هذه باستغراب؛ فلم يمر عليَّ في وصف النار أن بها زجاجًا متكسّرًا من قبل.
وكنتُ أجعل من هذا الوصف مادّة للدُّعابة بيني وبين زوجتي، وأقول لها: كيف عرفتم أن النار بها زجاجٌ متكسّر؟!!
- - -
يقول صاحبنا:
وكنتُ أزور بلدتي في الريف على أوقات متباعدة...
وسافرتُ مؤخّرًا بزوجتي وأولادي إلى البلدة.
وآثرتُ أن أوسّع دائرةَ الزيارات في البلدة، لأُناس ربّما لم أرَهم من عشر سنوات.
وكان من الطبيعي أن يدور الكلام في تلك الزيارات عن الزمان الماضي، والأقارب القدامى الذين توفّي أكثرهم.
وفي حضور زوجتي قالتْ لي إحدى القريبات:
رحم الله جَدتك فلانة، والله كان فيها خير كثير.
كانت طيّبة القلْب، مُحسِنة.
لقد رأيتُها ونحن صغار، تخاف علينا من الزجاج المتكسّر.
كانت الحارات والشوارع ترابيّة، ولم يكن أحدٌ يهتم بأماكن للقمامة، بل تُلقى أكثرها في الطريق.
كانت جَدّتك تأخذ الزجاج المتكسّر، فتجعله في الهاوُن فتطحنه حتى لا يصيب أحدًا...
- - -
يقول:
وما أن ذكرت قريبتي "الزجاج المتكسّر" حتى نظرتْ إليَّ زوجتي ونظرتُ إليْها...
ولم نملِك إلاَّ أن ندعو لقريبتي بالرَّحْمة والمغفرة على رحْمتها وشفقتها ..