خيّبت الأماني ياعادل الكلباني!!
قد تضايقك الأفكار السطحية غير الناضجة، والأحكام المتسرعة التي تفتقد المنطق والاتزان، خاصةً فيما لو أتت ممن يفترض فيهم الحكمة والتأني، وممن يمثلون قدوةً، أو يحظون بمكانة دينية أو اجتماعية..!
كنا قد اعتدنا من البعض الإسراف في النقد السلبي المجحف لمجتمعنا. وألفنا مشاهد جلد الذات بسياط الهزيمة والإحباط، ممن يعتنقون توجهات مخالفة لما عليه أهل هذه البلاد، ولكن أن تأتي هذه السقطات المتتالية من الشيخ عادل الكلباني وأمثاله فذاك مما يحزّ في النفس كثيرا.
يقول الكلباني: «مجتمعنا غريب، يجعل بينك وبين الجنس الآخر حجبا وأستارا، وجدرا وأسوارا، ثم يريدك أن تبادله المودة والرحمة والحب والحنان في ليلة واحدة!».
وبدايةً أقول: مسكينٌ هذا المجتمع كم أنهكتموه بالهجوم والاتهام والتجريح دون أن تقدّموا يوما ما ينفع من علاج أو إصلاح .
الشيخ هنا ينتقد المجتمع السعودي، إذ يلتزم بعض الضوابط الشرعية التي تنظم العلاقة بين الرجال والنساء في الحياة العامة .
وأكثر ما يضايقني الصورة المضللة التي يحاول البعض نقلها عنا كشعب متشدد رجعي، تعيش نساؤه في قفص كبير مغلق أو عالم منعزل تماما عن الرجال!! مع أن الواقع يثبت أن الفصل إنما يكون في أماكن تقضي فيها المرأة الساعات الطوال فتحتاج فيها إلى الخصوصية والأجواء الآمنة المريحة كمواقع التعليم والعمل، أما فيما عدا ذلك فحياتنا تسير بشكلها الطبيعي في طرقاتنا منتزهاتنا وأسواقنا ومستشفياتنا ومطاراتنا.
لو أن الكلباني اكتفى بالاعتراض على الفصل وطالب بالاختلاط بين الجنسين لاحترمنا حقه في طرح رأيه، ولكن أن يجعل من الضوابط الموجودة وخاصة الفصل بين الجنسين سببا يحول دون نشوء الألفة والرحمة بين الزوجين! فهذا كلامٌ غاية في الغرابة ولا يمكن لعاقل أن يقبله فضلا عن أن يصدقه أو يقتنع به!!
يا أبا عبدالإله: إن كنت مهتما بأن تسود الرحمة، فالإسلام حض عليها ورغب فيها، وهي من قيمه العليا، فالمسلم مطالب بأن يكون عطوفا مشفقا على جميع الخلق وليس على زوجته أو النساء وحسب! يقول صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله» متفق عليه.
أما إن كنت قصدت، وهذا ما يبدو: المودة والرحمة التي بين الزوجين، فعجبا ألا تستوقفك هذه الآية وأنت الحافظ لكتاب الله بل من أشهر القراء ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة)) .
قال «أزواجا» ولم يقل نساءً!، ثم قدّم السكن أولا وأتبعه بالمودة والرحمة. والسكن قيمة معنوية تعني الحماية والظل والارتواء وسكينة الروح ولن يتأتى السكن بلا زواج. ثم لن تحلّ المودة والرحمة بحقيقتهما وعمقهما إلا بين جنبات هذا السكن بالتواصل واستمرار هذه العلاقة الزوجية.
فهل يلزم أن يخالط الشاب آلاف الفتيات ليتعلم يوما كيف يحب ويرحم زوجته؟!! ألا يكفيه ما قضاه من سنوات عمره في أحضان والدته وبين شقيقاته وعماته وخالاته وغيرهن ليستقي من العواطف واللين ما يمكنه من منحهما لشريكة المستقبل؟!
ها هي المجتمعات عن يميننا ويسارنا وفي كل أرجاء المعمورة أزالوا الحجب والأستار، وأسقطوا الجدر والأسوار بين الذكور والإناث... فماذا كانت النتيجة؟ هل توطدت وشائج الألفة بين الأزواج؟!! هل صار ذلك الزوج أكثر حبا وإخلاصا واحتراما لزوجته لأنه تعرّف إلى العشرات غيرها قبل الارتباط بها واحتكّ وتعامل مع المئات؟! أم إن العلاقات المحرمة والخيانة والانصراف عن الزوجة هو النهاية المتوقعة؟!.
يا شيخنا الفاضل: النبيلُ من الرجال كريمُ الخصال، إذا لم تجد عنده الزوجة حبا ومودة فلن تعدم أن تنعم منه برحمة ورفق، وأمثال هؤلاء الرجال تخرّجوا في مدرسة القرآن والسنة والتربية الصالحة والحياة المجتمعية السوية، وليس ساحات الاختلاط والتقارب.
فيا من نُحسن الظن بكم ونكنُّ لكم الكثير من الإجلال، نرجو أن تكونوا أهلا للمؤمّل فيكم فلا تخيبوا الأماني ولا تقولوا إلا حقا.
http://www.alarab.qa/details.php?iss...1&artid=1579 26