الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الوكالة]
صـــــ 163 الى صــــــــ 179
الحلقة (142)
الحادي عشر: لا يجوز لوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها لنفسه أو لمن له عليه ولا ية بسبب الحجر لصغر أو جنون أو سفه أو لمن لا تقبل شهادته كابنه الكبير وأبيه فهؤلاء الأنواع الثلاثة لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لهم كما أن يبيع سلعة موكله لهم كما لا يجوز ان يشتري له سلعة منهم لتهمة المحاباة فضلا عن أن البيع والشراء من نفسه أو ممن له عليه ولاية يستلزم أن يكون البائع والمشتري واحدا والمعروف أن عقد البيع لا يكون إلا بين اثنين. فإذا أذنه الموكل أن يبيع لمن لا تقبل شهادته فإنه يصح أن يبيع لهم أو يشتري منهم بثمن المثل كما لا يجوز له أن يبيع لهم بأزيد ويشتري منهم بأنقص بلا خلاف فإن باع أو اشترى منهم بغبن فاحش فإنه لا يصح قولا واحدا وفي الغبن اليسير خلاف (والغبن الفاحش هو الذي لا يتغابن الناس فيه عادة أي لا يخدع بعضهم فيه بعضا. وقدره بعضهم في عروض التجارة بما زاد على نصف العشر وفي الحيوان بما زاد على العشر وفي العقار بما زاد على الخمس) فذلك هو الغبن الفاحش وما عداه فهو يسير.
أما إذا أذنه الموكل بأن يبيع لنفسه أو لابنه الصغير ففيه رأيان:
أحدهما: أنه لا يجوز لأن العاقد في هذه الحالة يكون واحدا.
ثانيهما: انه يجوز (ويظهر أن الذي يقول بعدم الجواز لعلة كون العقد واحدا لا يمنع أن يبيع الوكيل السلعة لأجنبي ثم يشتريها منه ثانبا لأنه في هذه الحالة يكون البائع غير المشتري)
الثاني عشر: يجوز للوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها بيعا مطلقا والكثير فلا يسأل عن الغبن سواء كان فاحشا أو يسيرا عند أبي حنيفة. اما صاحباه فيقولان انه يجوز أن يبيع بغير ثمن. المثل وقد رجح بعضهم قول الإمام وبعضهم رجح قول صاحبيه وعليه الفتوى.
أما إذا وكله على أن تشتري له سلعة فإنه لا يجوز لوكيل أن يشتريها بأكثر من ثمن المثل بحسب العرف والعادة بالإجماع فإذا أشترى على خلاف العادة والمعروف أو اشترى بغير النقود نفذ شراؤه على نفسه وكان ملزما بالثمن الذي أخذه من مال موكله.
واعلم أنهم قسموا الذين ينصرفون في البيع والشراء إلى أقسام.
الأول: الأب والجد والوصي إذا باعوا أو اشتروا مال القاصر أو المحجور عليه وهؤلاء ليس لهم أن يبعوا أو يشتروا بحسب العرف والعادة ويغتفر لهم الغبن اليسير.
الثاني: الوكيل بالبيع المطلق والمضارب وشريكا العنان وهؤلاء يجوز لهم أن يبعوا كما يحبون ونفذ تصرفهم ولو غبنوا غبنا فاحشا عند أبي حنيفة أما صاحباه فقد عرفت رأيهم في ذلك آنفا وقد عرفت أن شراء هؤلاء لا ينفذ إذا كان بحسب العرف والعادة باتفاق.
الثالث: المريض مرض الموت إذا كان عليه دين يستغرق جميع ماله وهذا إذا باع منه شيئا فإنه يجن أن يكون بحسب العرف والعادة ولا ينفذ تصرفه إذا غبن فيه سواء كان الغبن فاحشاء أو يسيرا، والمشتري بالخيارإما أن يرد السلعة لأو يكمل مانقص من ثمنها، فإن مات وترك وصيا وباع وصيه بالمال لسداد دينه فإنه يعفى في بيع الوصي عن الغبن اليسير في هذه الحالة.
أما إذا باع الوصي لمن لاتقبل له شهادته وحاباه ولو يسيرا فإنه لا يصح.
الرابع (الوصي) وهو لا يجوز له أن يبيع مال اليتيم، أو يشتريه لنفسه إلا إذا كان فيه خير لليتيم، وتقدر الخيرية بزيادة الثلث، فيجوز له إن يشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر، ويبيع له ما يساري خمسة عشر بعشر وإلا فلا.
الخامس: (الكاتب) و (العبد) المأذون بالتجارة؛ وهذان لهما أن يبيعا وأن يشتريا على خلاف العرف والعادة عند أبي حنيفة، فلو باعا ما يساوي عشرة بواحد فإنه يصح، أما صاحباه فيقولان أنه لا يجوز أن يبيعا على خلاف المعروف.
الثالث عشر: إذا وكله أن يبيع له سلعة يتجر فيها فباعها بثمن مؤجل فإنه يصح، أما إذا وكله على أن يبيع له إردبا من القمح ليدفعه في الخراج المطلوب منه فورا فإنه لا يصح أن يبيعه بثمن مؤجل، وكذا في كل سلعة قامت القرينة على الاحتياج إلى ثمنها على أنه يشترط في البيع بثمن مؤجل ألا تطول مدة الأجل طولا يخالف العادة في مثل ذلك، وإلا لم ينفذ بيعه.
الشافعية - قالوا: ينعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور:
أولا: إذا وكله على أن يشتري له شيئا فعليه أن يبين صنفه. فإذا قال وكلتك على شراء دار فيجب أن يبين جهتها كأن يقول في بلد كذا في حارة كذا أو شارع كذا ما لم يكن الغرض من الشراء التجارة فإنه لا يشترط بيان النوع لأن المقصود للموكل أن يشتري له ما فيه ربح في أي جهة كان وعلى أي صفة وجد فيطفي أن يقول له اشتر ما فيه ربح.
ثانيا: إذا وكله على شراء معين فيجب على الوكيل أن يتبع ما أمره موكله فإذا قال له اشتر لي فلان ناقة بثمن كذا فإنه يتعين ولا يجوز للوكيل الخروج عنه وإذا وكله على أن يبيع له سلعة بثمن مؤجل إلى أجل معين كشهر أو شهرين فإنه يصح، وعلى الوكيل أن يتبع ما أمره به موكله فإن خالف ذلك بأن باع بثمن حال، أو بأجل انقض من الأجل الذي عينه له موكله فإنه يصح بشرطين:
الأول: ألا ينهاه الموكل عن البيع الحال، أو يكون فيه ضرر على الموكل كنقص في الثمن.
الثاني: ألا يعين له المشتري فإن عينه كأن قال له بع لفلان بثمن مؤجل فإنه لا يصح أن يخالفه أما إذا قال له بع بثمن مؤجل ولم يحدد الأجل فإنه على الأجل المتعارف في بيع هذه السلعة فإن لم يكن فيه عرف بين الناس فعلى الوكيل أن يتبع ما فيه مصلحة موكله.
خامسا: لا يصح لوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه أو لابنه الصغير أو السقيه أو المجنون وذلك لأن عقد البيع يجب أن يكون بين اصنين أحدهما موجب كأن يقول بعت كذا والآخر قابل وهو الذي يقول قبلت (وهنا الشخص واحد) لأنه إما أن يبيع لنفسه أو يبيع لمن هو ولي عنه، وهذا لا يصح. نعم إذا حدد الموكل الثمن، ووكل عن ابنه الصغير، أو المجنون أو السفيه من يقبل عنه البيع ورضي موكله الأصلي بذلك فإن البيع يصح.
أما البيع لولده الكبير (البالغ الرشيد) ولأبيه وإن علا فإنه يصح في الأصل، وبعضهم يقول: يصح لوجود التهمة، فإن صرح الموكل بالبيع لهما فإنه يصح بلا خلاف.
ثالثا: إذا قال له وكلتك على أن تبيع هذه السلعة بما شئت أو بما تراه فإن له أن يبيعها بغير نقد البلد (بالعملة المستعملة في البلاد الجنبية) وليس له أن يبيع بغبن فاحش أو بثمن مؤجل.
وإذا قال له بعها بكم شئت فإن له أن يبيع بغبن فاحش وليس له أن يبيع بثمن مؤجل أو بغير نقد البلد، وذلك لأن (كم) للعدد فيشمل القليل والكثير فهو أذنه في أن يبيع بأي ثمن، وليس فيه تصريح له بالبيع إلى أجل أو بغير البلد.
وإذا قال له بعها كيف شئت فله بيعتها بثمن مؤجل وليس له بيعها نغبن فاحش أو نقد البلد وذلك لأن (كيف) للحال فيشمل الثمن الحال والمؤجل فهو المصرح لا بالغبن ولا بمخالفة نقد البلد.
رابعا: إذا وكله وكالة مطلقة فليس له أن يبيع أو يشتري إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: ألا يتعاقد إلا بثمن فيه مصلحة الموكل فلا يبيع السلعة إلا بثمن المثل أو أكثر ولا يشتري إلا بثمن المثل أو أقل، فإذا غبن في بيعه غبنا فاحشا فإنه لا يصح.
والغبن الفاحش هو ما لا يغتفر بحسب العرف، أما الغبن اليسير وهو كثيرا بين الناس فإنه لا يضر، وإذا باع السلعة بثمن المثل ووجد لها راغب بثمن أزيد فإذا كان فرق الثمن كثيرا بحيث يقع الغبن الفاحش فإنه يجب أن يبيع السلعة للراغب إذا كان زمن الخيار فإن لم يفعل انفسخ العقد الأول.
الشرط الثاني: أن يبيع بثمن حال لا مؤجل، فإذا باع مؤجل فإن البيع لا يصح.
الشرط الثالث: أن يبيع بالنقود المستعملة في بلد البيع، فلا يصح البيع بالنقود المستعملة في الممالك الأجنبية عنها مالم يأذن به الموكل.
الحنابلة - قالوا: يتعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور:
أولا: لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه لأن العرف في البيع أن يبيع الشخص لغيره والوكالة على العرف، وكذا لا يصح أن يبيع لولده أو زوجه وكذا سائر من لا تقبل شهادته له لأن في ذلك تهمة كالتهمة التي تلحقه إذا باع لنفسه.
ثانيا: لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله بعرض تجارة ولا بثمن مؤجل ولا بنقود غير مستعملة في بلد البيع إلا أذن له موكله، وإذا اختلفا في الإذن فالقول للوكيل، أما إذا اختلفا في التصرف كما إذا قال له أمرتني ببيع السلعة والموكل قال: بل امرتك برهنها فالول للموكل.
ثالثا: إذا حدد ثمن السلعة لوكيله، فإن عليه أن يتبع أمره، فإذا باع مما عينه له صح البيع، ولكن الوكيل ملزما بدفع الثمن الذي عينه له الموكل. وكذا إذا لم يحدد له ثمنا ولكنه باع بأقل من ثمن المثل فإنه يلزم بدفع ثمن المثل.
ومثل ذلك ما إذا اشترى بأزيد من الثمن الذي عينه له، أما بأزيد من ثمن المثل، فإن البيع والشراء يصح، ولكنه يكون ملزما بدفع الثمن. فإذا باع بأكثر مما عينه له الموكل صح ويعفى في البيع والشراء عن الغبن اليسير.
أما الغبن الفاحش، وهو ما لا يقع مثله ويقدر بعشرين في المائة، فإنه لا يعفى عنه وبلزم به الوكيل.
رابعا: إذ قال له الموكل اشتر لي سلعة بثمن حال فاشتراها بثمن مؤجل فإنه يصح، أو بع هذه السلعة بثمن مؤجل فباعها بثمن حال فإنه يصح إذا لم يترتب على ذلك ضرر للموكل لأنه في هذه الحالة قد فعل ما فيه زيادة خير لموكله.
أما إذا ترتب على ذلك ضرر، كما إذا قال له: بع هذه السلعة بثمن مؤجل فباعها بثمن حال فحجز عليه ظالم، أو لم يستطع حفظه في ذلك الوقت فعرضه للضياع فإن الوكيل لا ينفذ تصرفه، وبعضهم يقول: وعليه ضمان الضرر، ومثل ذلك ما إذا قال: اشتر لي سلعة بعشرة فاشتراها بأكثر من ذلك لأجل.
خامسا: إذا اشارى الوكيل سلعة بها عيب معلوم له فإن الشراء يلزم الوكيل فليس له رد السلعة وإذا رضي بها موكله مع عيبها فإنه يصح لأنه مقصود بالشراء.
أما إذا كان العيب غير معلوم للوكيل فإن رد السلعة ما لم يحضر الموكل قبل ردها فإن حضر فليس للوكيل الرد وذلك لأن حق السلعة المعيبة للموكل والوكيل قائم مقامه فقط، فإذا حضر الموكل كان صاحب الشأن وكذلك حق تسليم الثمن وقبض المبيع فإنه للموكل لا لوكيل فإذا حضر الموكل كان هو صاحبه.
سادسا: إذا وكله على أن يبيع له سلعة فإن عليه أن يسلمها لمن اشتراها وليس له قبض الثمن فإن لم يأذنه صريحا ولكنه أذنه ضمنا بأن قامت قرينة على إذنه بقبض الثمن فإنه يصح، وذلك كما وكله أن يبيع جملا في سوق عامة بعيدة عنه ولم يعين له المشتري فلا معنى لهذا إلا أنه قد أذنه بقبض الثمن فإن باع الوكيل السلعة وسلمها ولم يقبض ثمنها كان ملزما به لأنه في هذه الحالة يكون مفرطا.
سابعا: إذا وكله على أن يشتري له سلعة فإن على الوكيل أن يسلم ثمن السلعة لو أخر تسليم الثمن بلا عذر ثم فقد كان الوكيل ضامنا له.
ثامنا: إذا وكله أن يشتري شيئا فلا بد من بيان نوعه وثمنه، فإذا قال له: وكلتك على أن تشتري لي ما تشاء أو تشتري لي عينا بما تشاء فإنه لا يصح.
تاسعا: إذا وكله على بيع ماله أو بيع ما شاء منه فإنه يصح على أنه إذا قال: بع من مالي ما شئت فله بيع ماله كله.
(2) (المالكية - قالوا: التوكيل في الخصومة جائز بشروط:
أحدهما: أن يمون وكيل الخصومة واحدا لا أكثر فلا يصح له أن يوكل أكثر من واحد إلا برضا الخصم.
ثانيهما: ألا يكون الوكيل عدو للخصم فإن ثبتت عدواته فإنه يصح ضده، أما إذا لم تثبت عدواته له فإنه توكيله بدونة رضا الخصم.
ثالثهما: لا بد من تعيين في الخصومة فلا يصح أن يقول: وكلتك كل من يخاصم عني حتى لو كان شخصان شريكين في حق عند واحد وقالا: من يحضر منا يخاصم ضده فإنه لا ينتفع لأنه يكون بمنزلة توكيل متعددة بدون تعيين الوكيل فلا بد تعيين من يخاصم منهما.
رابعها: ألا يباشر الموكل نفسه الخصومة أمام الحاكم فإذا باشرها بنفسه وحضر ثلاث جلسات إنه لا يصح له أن يوكل بعد ذلك لما في ذلك من تفاقم الشر واتساع الخصومة وذلك منهي عنه في نظر الشريعة السمحة، نعم يصح له أن يوكل عنه لعذر من مرض أو سفر أو اعتكاف وفي هذه الحالة عليه أن يحلف بأنه ما وكل عنه إلا لسبب من هذه الأسباب فإن امانتع عن الحلف فلا يصح له أن يوكل إلا برضا خصمه. ومن العذر أن يتشاتما أو يضيق الخصم عن احتمال خصمه فيحلف بالله ألا يقف إلى جانبه في الخصومة.
أما إذا حلف لغير سب فإنه لا ينفع حلفه وليس لوكيل الخصومة نفسه بعد أن يحضر ثلاث جلسات إلا لعذر بعد أن يحلف اليمين أنه ما عزل نفسه إلا لهذا العذر وكذلك للموكل عزله. أما قبل حضوره ثلاث جلسات فإن عزل نفسه وللموكل عزل موكله قبل ذلك فلخصمه أن يوكله إلا إذا أصبح عدوا للموكل الأول فإنه لا يصح.
وإذا خاصم الوكيل في قضية، ثم انتهت وأراد الدخول في قضية أخرى فإنه يصح بشرط أن يكون الوكالة غير معينة، ولم تطل مدة انقطاع الخصومة بين القضيتين، فإذا طالت إلى ستة أشهر فإنه لا يصح.
أما إذا كانت متصلة، ولم تنقطع فللوكيل أن يتكلم عن موكله وإن طال المدى كثيرا.
ولا يملك وكيل الخصومة الخاصة الإقرار عن موكله إلا إذا نص عليه في عقد التوكيل فإن أقر بشيء لم يلزم الموكل ويكون الوكيل في هذه الحالة كشاهد.
أما الوكيل وكالة مفوضة فإنه يملك الإقرار ويشترط لنفاذ الإقرار على الموكل في الحالتين شروط بحيث لا ينفذ من وكيل الخصومة الخاصة المنصوص فيها عن أن له الإقرار ولا من الوكيل المفوض إلا إذا تحققت هذه الشروط:
الأول: أن يقر بشيء معقول يناسب الدعوى فلا يقر بشيء زائد عن المناسب.
الثاني: أن يقر بما هو من نوع الخصومة كأن يوكله في دين فيقر بأنه قبض بعض أو أبرأه عن بعضه. أما إذا وكله بدين له عند خصمه فأقر له اتلف له وديعة عنده ونحو ذلك فإن الإقرار لا ينفذ.
الثالث: ألا يقرلشخص بينه وبينه ما يوجب التهمة كصديقة أو قريبة أو نحو ذلك.
وإذا قال الموكل لوكيله: أقر عني بألف يكون ذلك إقرار من الموكل، فلا يحتاج لإنشاء الوكيل إقرار وليس للموكل الرجوع بعد، ولا عزل الوكيل عن الإقرار ويكون شاهدا عليه بها.
الحنفية - قالوا: الوكالة في الخصومة جائزة لا فرق بين أن يوكل واحدا أو أكثر ولكن هل تصح بدون رضا الخصم أو لا؟ فبعضهم رجح قول الإمام وهو أن التوكيل في الخصومة لا يجوز إلا برضا الخصم وبعضهم رجح قول صاحبيه وهو أنه يجوز رضا الخصم سواء كان المدعي أو مدعى عليه.
وبعضهم فوض الأمر للقاضي وهو أنه إذا علم من الموكل التعنت والإضرار بالخصم بدون حق فلا يقبل التوكل وإذا علم من أحد الخصمين التعنت في عدم قبول التوكيل الذي يقصد منه بيان الحقيقة لا يصغي له. وهذا حسن في وماننا لأن كثيرا من الناس يعلم حق العلم أنه مبطل وأن قضيته خاسرة ولكن يحمله العناد والإغراق في الخصومة على توكيل محام لا عمل له الإضرار بالخصم بأن يحاول تأخير حقه على نفقات ضائعة نكاية به أو غير ذلك فلو أن الموكل الذي يظهر منه ذلك للقاضي لا يقبل منه لإلا برضا خصومة يكون حسنا.
ومحل ذلك كله ما إذا كان القاضي غير محل التهمة وإلا فالعمل برأي الصالحين أولى وأنفع, وعلى أن الإمام أجاز التوكيل بالخصومة وإن لم يرض الخصم للضرورة كما كان الموكل مريضا لا يمكنه حضور مجلس القضاء بقدميه فإذا أمكنه الحضور على ظهور دابة فإنه يلزمه الحضور إن لم يترتب على ذلك زيادة مرضه وإلا فلا.
وكذا إذا عزم على سفر مدة بحيث تقوم القرينة على أنه مسافر حقا خصمه يحلفه القاضي بالله وكذا المحذرة التي تخالط الرجال عادة فإن لها أن توكل بدون رضا الخصم وكذلك إذا كان لا يحسن الدعوى فإن له أن يوكل عنه رضي الخصم أو لم يرض. وهذه الطريقة قد تجعل لمعظم العامة الحق في التوكيل. ولوكيل الخصومة أن يعزل نفسه متى شاء إذا كان متبرعا ومثله وكيل القبض ووكيل البيع والشراء وغير ذلك إلا في أمور ثلاثة: فليس للوكيل نفسه أو يعزله موكله.
الأمر الأول: إذا وكله في أن يسلم عينا لشخص كأن قال له: أعط هذه الثياب أو الكتب أو الحيوانات لفلان، ثم غاب الموكل عن البلدة فإنه يجب على الوكيل في هذه الحالة أن يسلمها ولا يصح له أن يعزل نفسه.
الأمر الثاني: أن يوكله على بيع الرهن كما إذا رهن عينا في نطير دين ووكل شخصا على أن يبيع هذه العين لسداد الدين فإنه يجبر على بيعها ولا يصح له أن يعزل نفسه.
الأمر الثالث: أن يوكل شخصا بالخصومة وهو غائب ليجيب الدعوى بناء الدعوى على طلب المدعي فإنه يجب على الوكيل أن يباشر عمله حيث لا يجد أمامه من يقاضيه.
أما إذا كان المدعي عليه حاضرا فللموكل عزله لأنه يمكنه أن يطلب منه حقه وهو حاضر وكذا 'ذا لم يكن التوكيل بطلب المدعي لأنه لا حق له في الوكالة وسيأتي لذلك مزيد في عزل الوكيل.
والوكيل بالخصومة والمطالبة بالحقوق والمطالبة لا يملك القبض على المفتي به بل لا بد لقبض الدين ونحوه من الحقوق المالية من نص عليه في التوكيل فإذا وكله على قبض الدين ولم يوكله على الخصومة فإن له أن يخاصم عنه الخصومة طريق لأخذ ضد الصلح الموكل عليه ووكيل الخصومة يملك الإقرار بخلاف غيره من الوكلاء فلا يملك الإقرار لا فرق بين وكيل القبض أو وكيل الصلح أو غيرهما وإنما يملك وكيل الخصومة الإقرار بشروط:
الشرط الأول: أن يقر مجلس القضاء فلو أقر خارجه الموكل.
الشرط الثالث: ألا ينص في توكيل الخصومة على ألا يكون للوكيل حق فإذا نص على ذلك الوكيل لا يملك الإقرار. وحاصل هذه المسألة أنه إذا قال له: وكلتك بالخصومة على ألا يكون لك حق الإقرار عني فإنه يصح فلو أقر عليه في مجلس القضاء بعد ذلك فإنه يخرج من الوكالة فلا تسمع خصومته ويكون للوكيل في هذه الحالة حق الإنكار فقط فإذا استثني الإنكار كان له حق الإقرار فإذا وكله بالخصومة على ألا يكون له حق الإقرار ولا حق الإنكار ففي صحة هذا التوكيل خلاف.
الحنابلة - قالوا: التوكيل يالخصومة جائز، وليس الخصومة أن يقبض الحقوق المالية إلا إذا نص عليها في عهد التوكيل. أما إذا لم ينص فغن الخصومة لا تشمل القبض لا لغة ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض. أما الوكيل في القبض فإن له الخصومة لأنه قد لا يتوصل إليه إلا بها ففي التوكيل بالقبض إذن بالخصومة.
الشافعية - قالوا: الوكالة بالخصومة تصح ولكن الخصومة لا يملك الإقرار ولا الصلح ولا الإبراء من الدين. على أن الوكالة بالإقرار لا تصح حتى ولو صرح بها الموكل في توكيله على الأصح فإذا قال شخص لآخر: وكلتك على أن تقر لفلان فقال بكذا فقال الوكيل: أقررت لفلان بكذا فإنه لا يصح لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة وهل الموكل يكون مقرا بذلك أو لا؟
والجواب أن هذا يختلف لاختلاف العبارة. فإذا قال له: وكلتك لتقر عني لفلان بألف له علي، فإنه بذلك يكون مقرا قطعا. وإذا قال له: وكلتك لتقر عني ولم يقبل علي فقبل يكون مقرا وقيل: لا والأصح أنه يكون مقرا.
أما إذا قال: وكلتك لتقر لفلان بألف علي ولم يذكر عني فإنه لا يكون مقرا على الأصح لأنه لم يصرح بأن الأقرار عنه. أما إذا قال: وكلتك لفلان بألف ولم يقل عني ولا علي فإنه لا يكون مقرا قطعا) .