لقد أولى القرآن الكريم المستوى الصوتي من اللغة اهتماما بالغا ،حتى تتم العملية التواصلية بين الخالق عز و جل وبين عباده . لذلك نجد القرآن الكريم يدقق في اختيار حروف الألفاظ تدقيقا متناهيا ، و ويحيط المستوى الصوتي ـ كأحد المستويات اللغوية ـ بكتاب الله من جميع جوانبه :
أ ــــ فقد كان نزوله نزولا صوتيا حيث كان جبريل عليه السلام يتلو الآية أو الآيات على الرسول تلاوة صوتية مسموعة ،أي أن تلقيه كان صوتيا .
ب ــــ وقد قام الرسول بتبليغه إلى الناس تبليغا صوتيا كذلك .
ج ـــــ ولا زال القرآن الكريم إلى يومنا هذا يُتناقل جيلا بعد جيل بطريقة شفوية صوتية .مما يدل دلالة واضحة أن الجانب الصوتي كأحد جوانب اللغة يحف بكتاب الله من كل جانب: في تنزله و تلقيه ، و تبليغه ، و تناقله في الأمة .
ولعل ما يزيد من تأكيد أن القرآن الكريم أولى اهتماما بالغا للجانب الصوتي من اللغة ما أورده الإمام الزمخشري في تفسيره "الكشاف " من أن الحروف المقطعة التي افتُتحت بها بعض سور القرآن الكريم تجمع كل الظواهر الصوتية العربية . بمعنى أن جميع صفات الحروف المعروفة قد تمثلت في الحروف المقطعة .
وإذا رجعنا عمليا إلى المصحف سنلاحظ ما يلي :
ــــــ إذا كانت الحروف المهموسة في العربية 10هي ما جمع في قولهم : "فحثه شخص سكت " فإنه ورد منها في الحروف المقطعة بكتاب الله نصفها أي 5 حروف وهي : ( ص ك هـ س ح ). وجاءت في فواتح السور التالية :مريم ،يس ،فصلت .
ـــــ وإذا كانت الحروف المجهورة ( وهي ما سوى المهموسة ) 18حرفا ، فإن القرآن الكريم استعمل كذلك نصفها تقريبا فـي الحروف المقطعة وهي 9 حروف : (أ ،ل ،م ،ر ،ع ،ط ،ق ،ي ، ن ). وذكرت في فواتح الرعد ،طه،يس،الشورى ،القلم.
ـــــ وإذا كانت الحروف الشديدة 8 هي المجموعة في قولهم :"أجد قط بكت " فقد استعمل القرآن الكريم نصفَها أيضا في الحروف المقـطعة وهي: (أ،ك،ط،ق ) أي 4 أحرف . و قد وردت في فواتح العنكبوت ،الشعراء ،مريم ،طه ،ق .
ـــــــ وإذا كانت الحروف الرخوة 20 حرفا (و هي ما سوى الشديدة ) ، فقد ورد منها في الحروف المقطعة 10 حروف ( ح، ر، س ، ص ،ع ،ل ،م ، ن، هـ ، ي )، و قد جاءت في فواتح السور التالية :الحجر ، مريم ،النمل ، الزخرف ، القلم .
ـــــ وإذا كانت الحروف المطبقة 4 وهي : (ص، ض ،ط ،ظ ) فقد ورد منها في الحروف المقطعة نصفها كذلك ، أي حرفان : (ص، ط ) ، و قد ذكرت في فواتح ص وطه .
ـــــ وإذا كانت الحروف المنفتحة ( وهي ما سوى المطبقة ) 24حرفا فقد استخدم القرآن الكريم نصفها في الحروف المقطعة وهي الحروف التالية : (أ ،ح ،ر،س،ع ، ق ، ك ، ل ،م ، ن ، هـ ، ي ) أي 12 حرفا . و نجدها في فواتح كل من : البقرة ،مريم ،الشورى ،الدخان ، القلم .
ــــــ وإذا كانت حروف الاستعلاء 7 جمعت في قولهم "خص ضغط قظ " فقد ورد منها في الحروف المقطعة 3 أحرف هي (ص ، ط ،ق ) وذكرت في فواتح السور التالية : ص ،النمل ، ق .
ــــــ وإذا كانت الحروف المنخفضة ( وهي ما سوى المستعلية ) 21 فإن القرآن الكريم استعمل كذلك نصفها كذلك تقريبا في الحروف المقطعة أي 11 حرفا هي ( أ ، ل ، م ، ر ، ك ، هـ ،ي ، ع ،س ،ح ، ن ) ، وجاءت هذه الحروف في فواتح :الرعد ،ومريم ، وغافر ، و القلم .
ــــــ و إذا عرفنا أن حروف القلقلة 5 هي التي جمعت في قولهم : "قطب جد " فإن كتاب الله استعمل منها النصف كذلك تقريبا وهما : ق، ط . اللتان نجدهما في فواتح سورتي طه ، ق .
هذه بعض أمثلة الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم ، و سنتناول ـ إن شاء الله ـ أمورا أخرى متعلقة بهذا النوع من الإعجاز الذي يزخر به كتاب الله تعالى .