أخواتي الفاضلات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية :
وَلِهَذَا كَانَ أَنْفَعُ الدُّعَاءِ وَأَعْظَمُه وَأَحْكَمُه دُعَاءَ الْفَاتِحَة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} . فإنه إِذَا هَدَاه هَذَا الصِّرَاطَ أَعَانَه على طَاعَتِه وَتَرْكِ مَعْصِيَتِه، فَلَمْ يُصِبْه شَرٌّ، لَا في الدُّنْيَا وَلَا في الْآخِرَة.
لَكِنَّ الذُّنُوبَ هي لَوَازِمُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلى الْهُدَى كُلَّ لَحْظَة،
وَهُوَ إلى الْهُدَى أَحْوَجُ منه إلى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
لَيْسَ كَمَا يَقُولُه بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : أنه قَدْ هَدَاه! فَلِمَاذَا يَسْأَلُ الْهُدَى؟! وَأنَّ الْمُرَادَ التَّثْبِيتُ، أَوْ مَزِيدُ الْهِدَايَة! بَلِ الْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلى أَنْ يُعَلِّمَه الله مَا يَفْعَلُه مِنْ تَفَاصِيلِ أَحْوَالِه، وإلى مَا يَتْرُكُه مِنْ تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ، في كُلِّ يَوْمٍ، وإلى أَنْ يُلْهِمَه أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ. فإنه لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ عِلْمِه إِنْ لَمْ يَجْعَلْه مُرِيدًا لِلْعَمَلِ بِمَا يَعْلَمُه، وَإِلَّا كَانَ الْعِلْمُ حُجَّة عليه، وَلَمْ يَكُنْ مُهْتَدِيًا.
وَ الْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلى أَنْ يَجْعَلَه الله قَادِرًا على الْعَمَلِ بِتِلْكَ الْإِرَادَة الصَّالِحَة، فَإِنَّ الْمَجْهُولَ لَنَا مِنَ الْحَقِّ أَضْعَافُ الْمَعْلُومِ، وَمَا لَا نُرِيدُ فِعْلَه تَهَاوُنًا وَكَسَلًا مِثْلُ مَا نُرِيدُه أَوْ أَكْثَرُ منه أَوْ دُونَه، وَمَا لَا نَقْدِرُ عليه مِمَّا نُرِيدُه كَذَلِكَ،
وَمَا نَعْرِفُ جُمْلَتَه وَلَا نَهْتَدِي لِتَفَاصِيلِه فَأَمْرٌ يَفُوتُ الْحَصْرَ.
وَنَحْنُ مُحْتَاجُونَ إلى الْهِدَايَة التَّامَّة، فَمَنْ كَمُلَتْ له هذه الْأُمُورُ كَانَ سُؤَالُه سُؤَالَ تَثْبِيتٍ، وهي آخِرُ الرُّتَبِ.
وَبَعْدَ ذَلِكَ كله هِدَايَة أخرى، وهي الْهِدَايَة إلى طَرِيقِ الْجَنَّة في الْآخِرَة. وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ مَأْمُورِينَ بِهَذَا الدُّعَاءِ في كُلِّ صلاة، لِفَرْطِ حَاجَتِهِمْ إليه، فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلى هَذَا الدُّعَاءِ. فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الله بِفَضْلِ رَحْمَتِه جَعَلَ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَة لِلْخَيْرِ، الْمَانِعَة مِنَ الشَّرِّ.اه
وقد وجدت هذا المعنى بلفظ مقارب لشيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ,فلعل ابن أبي العز أخذه عنهما .والله أعلم
اللهم اهدنا الصراط المستقيم واجعلنا هداة مهتدين .