الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، واتَّبَعَ هداهُ، إلى يوم الدين، وبعد:بسم الله الرحمن الرحيم
بادئَ ذِي بدءٍ؛ أحيي كلَّ قارئةٍ لكلماتي في هذا المنتدى الشامخ؛ الذي طوَّفْتُ في أرجاءه ما طوَّفْتُ، ورأيتُ مِنْ خيرهِ ما رأيْتُ؛ ثم آليْتُ ألا آوي إلا لمجلس طالبات العلم، وألا أخرجَ عنه بإذن الله؛ وقد – والله – رأيْتُ مِنَ حديثِ الأخواتِ فيهِ ما يَسُرُّ القلبَ، ويَشْرَحُ الصدر؛ فحمدتُ المولى – جَلَّ وعلا – على أنْ يَسَّرَ وجودَ مثلكنَّ في هذا العصرِ والزمانِ الذي طغتْ فيه الشرور والبلايا؛ فلهُ سبْحَانَهُ الحمدُ والمِنَّةُ.
وقد بحثتُ عنْ كلمَةٍ أعبِّرُ بها عمَّا أجدُ نحوكنَّ؛ فلم أجد أبلغَ ولا أجملَ ولا أروعَ مِنْ قولِ النبي – صلى الله عليه وسلم – لِجَوارٍ مِنْ بني النجارِ: «اللهُ يَعْلَمُ أنَّ قلبي يحبكُنَّ» وبقول المصطفى أقول. وأسألُ الله – سبحانه – أنْ ينفعني بهذا المنتدى، وقد فعَلْ.
أما موضوعي الذي نويتُ الكتابةَ فيهِ؛ فهو لفتةٌ للأمهاتِ حولَ خِطْئٍ كبيرٍ، وبلاءٍ عظيمٍ، يقع فيهِ الكثيرُ مِنْهُنَّ – وليسَ فيكنَّ مَنْ تقَعُ فيهِ إن شاء الله – وهوَ الدعاءُ على أولادهنَّ الصغار بالهلاك والويْلِ والثبور، وعدم التوفيق، وألا يبارك الله فيهم، وأنْ يُخَلِّصَهَا منهم، إلى غيرِ ذلكَ مِنْ أصناف الدعاءِ الذي ينبغي ألا يُذْكَرَ إلا في معرضِ الدعاء على أعداء الدين، وأذنابهم من الظالمين المعتدين!
لستُ فقيهةً لأتحدث عن الأمر من ناحيةٍ شرعيةٍ، ولا أظنُّ أنَّ هناكَ مَنْ تجهلُ الحكم الشرعي، وكلام أهل العلم حول هذا الأمر.
كما أنني لستُ خبيرةً تربويةً لأنقل كلام أهل التربية وعلمائها حول الآثار السلبية على نفوس الأطفال لهذا الأمر.
بل سأنقلُ ما حَدَّثَ به أحدُ مَحارِمي – وفقه الله تعالى – فقال: قدْ كنتُ فِي صِغَرِي وأخوتي كأكثر الأطفال مشاغبينَ، ومزعجين، وكانتْ أمي أكثر ما تتلقى إزعاجنا بضيقِ صدرٍ، وتأديبٍ لنا صارمٍ، وليتَ الأمر كان يقف عند ذلك؛ إذن لهان الخطبُ، ولكن أكثرَ ما كان يؤلمنا رغم صغرِ أسناننا هو دعاؤها علينا؛ فقد كانت تدعو علينا بكل ما يخطرُ على البال مِنْ أدعيةِ الهلاك، وأنها تتمنى الخلاص منا في أقرب فرصة، ولو وجدتْ من يبتاعنا منها لباعتنا بأرخصِ الأسعار وتخلصتْ منا!
لا تحسبوا أنَّ أمي كانت قاسيةَ القلب؛ كلا بل كانَ فيها حنانٌ دفاقٌ؛ إلا أننا لم نكن نلمسهُ ونحن صغارٌ بسبب شدةِ دعائها علينا، وعندما كنا نراها تُهْرَعُ لإسعافِ مريضٍ، أو تخفيفِ آلامِ متألمٍ؛ لم يكن يخطرُ لنا أنها تفعلُ ذلكَ بسبب الحبِّ والعطفِ والحنانِ!!
كنَّا كأطفالٍ نتأثر بالأقوال ما لا نتأثرُ بالأفعال، ونشأَ مِنْ ذلكَ لدينا - وأنا بالذاتِ بحكمِ أنني الأكبرُ بين أخوتي – شعور عميقٌ بأنَّ أمي تكرهنا ولا تحبنا، ولا ترغب فينا، وهو مِنْ أصعبِ ما يمكنُ أن يلاقيه الطفلُ مِنْ شعور!!
يقول: والعجيب أن والدي – حفظه الله – قد كان أشدَّ صرامةً، وأقوى هيبةً، وأشدَّ تأديباً لنا، ورغم ذلك لا أذكرُ أبداً أنه دعا علينا في يومٍ من الأيام؛ فلهذا كنا نأنس به، ونشعرُ بحبه وحنانه رغم هيبته بما لا نشعره من أمنا – حفط الله الجميع –.
ثم يقول: وبقي هذا الشعور ملازماً لي إلى أنْ دخلتُ المرحلة الثانوية؛ وحصل لي في تلك الفترةِ أمرُ غريبٌ؛ فقد عرضَ عمِّي المقيم في بريطانيا على أبي أنْ أنتقِلَ عندهُ وأكملَ دراستي في بريطانيا؛ فيحصل لي بذلك فوائد عدة، منها: إتقان اللغة الانجليزية، واختصار سنوات الدراسة، والحصول على الجنسية، وغير ذلك مِنَ المميزات!
فَسُررْتُ بهذا العرض الرائع، ورغبتُ فيه رغبةً شديدةً، وقد تقبله والدي في البداية، ولكن كانت المفاجأةُ لي هي اعتراضُ أمي الشديد على سفري، وعدم رغبتها فيه، ودعاؤها بألا يتيسر الأمر؛ وأنا لا يكاد ينقضي عجبي من ذلك؛ فسألتها: ألستِ تكرهينني وتتمنينَ لي الهلاك والوفاة؟! فلماذا لا تتركيني أسافرُ إلى تلك البلاد؛ لعلَّ الله يخلصُكِ مني؟!
فأجابتني: أيها الأحمق! أتظنُّ أنَّ في الدنيا أمًّا تكرهُ ابنها، وتتمنى له الهلاك؟! المرأةٌ إن وقعتْ في شيءٍ مِنَ الدعاءِ على ابنها فإنما يكون ذلك لسوء صنيعهِ وشدةِ إزعاجه وتخريبهِ، المرأةُ تحبُ ابنها ولا تستطيعُ الاستغناء عنه، و.... الخ.
فيقول: فلا أستطيعُ أن أصفَ سروري يومها، يوم أن عرفتُ أنَّ أمي تحبني، وأنها إنما تمانع في سفري حباً لي، وخوفاً منها عليَّ!
ولكني أتساءل: لو لم يقدر الله – جل وعلا – أمر طرح السفر إلى بريطانيا؛ فكيف كان يمكن أن أتعرَّفَ شعور أمي نحوي؟!!
ثم يقول: أنا لم أحدثكم بهذا لتأخذوا فكرةً سيئةً عن أمي؛ فوالله إنها لمن خير أمهات العصر، وفيها من الحنان والحب والخير وحب الدين ونصرته وغير ذلك من الصفات ما لا يوجد في الكثيرين من أهل هذا الزمان – أسأل الله أن يطيل عمرها على طاعته -.
وإنما الذي قصدتُهُ هو التنبيه على عدم الدعاء على الأبناء، احْتَمِلْنَ أبناءكنَّ، ولا بأس بتأديبهم بكل ما يمكنُ أن يردعهم عن الخطأ؛ ولكن إياكنَّ والدعاء عليهم...
هذا ما حَدَّثَ به، قد نقلته إليكنَّ، ليس لي فيه إلا صياغةٌ لا أدري هل أوصلت لكنَّ ما شعرتُ به من حديثه أم لا؟! أرجو أنْ نعم.
وأخيراً أرجو العذر إنْ حصل خطأٌ غير مقصودٍ؛ فما أنا إلا متطفلةٌ على موائدكنَّ أيتها الشامخات – حفظكنَّ ربي مِنْ كل سوءٍ (آمين) –.
أختكنَّ/ بارقةُ الأمل