الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :-
لقد بين الله تعالى في القرآن العظيم أن سبب إرسال الرسل هي من أجل غاية عظيمة اجتمعت عليها جميع أهداف ومقاصد جميع الرسالات السماوية ألا وهي هداية الناس كلما انحرفوا عن عبادة خالقهم وانصرفوا لعبادة الأوثان والمخلوقات وضلوا عن طريق الحق والصواب قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }الأنبياء(25).
فكلما ابتعد الناس عن زمن النبي المرسل كلما زاد عدد الذين ضلوا عن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فعندما بعث الله تعالى خاتم الرسل والأنبياء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لم يبق على وجه الأرض رجل يوحد الله في عبادته وقد ذكر هذا في قصة إسلام الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه.
لذلك فنحن على خير عظيم فبعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً عن آخر الرسالات فلا زال مئات الملايين من أمتنا من يوحد الله تعالى وهذه نعمة كبيرة نحمد الله تعالى عليها, ولعل الهجرة التي تعرض لها أهلنا من فلسطينيي العراق إلى بلدان العالم جعلتهم يتعرفون عن قرب على أصحاب العقائد والأفكار الضالة كالنصارى الذين يعتقدون أن عيسى ابن الله ويؤمنون بعقيدة التثليث وكذلك من ذهب للهند فشاهد بأم عينه الذين يعبدون البقر والفأر وغيره ومن ذهب لبلاد البرازيل والصين والذين يعتقدون ( بعدم وجود الله والحياة مادة) فلمسوا بأيديهم الفرق بين نور الإيمان وبين أصحاب الضلال والبهتان فنحمد الله على ما نحن فيه من نعمة التوحيد والتي بدونها يكون الإنسان في تيه وظلمات لا يعلمها إلا من رأى نور التوحيد والإيمان لذلك قد بين الله تعالى في أكثر من مثال وصف فيه ضلال عقول هؤلاء الناس عن نور الإيمان فلا هم اهتدوا إلى آيات الله الشرعية فآمنوا بكتاب الله وسنة رسوله ولا اهتدت عقولهم إلى آيات الله الكونية والتي ملئت الآفاق وسنذكر ونبين هنا مثالين وصف الله بها ضلال هؤلاء الناس عن الصراط المستقيم0
المثال الأول :- مثال السراب قال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }النور (39) فهذا النوع من الناس وصفهم الله تعالى أن لديهم أفكارا ومناهج وتشريعات وعبادات عكفوا عليها طيلة حياتهم وجدوا واجتهدوا وصرفوا الأموال وحرموا على أنفسهم أشياء ولكن كل هذه الأعمال لا تعود عليهم بالنفع بالآخرة وهذه غاية الحسرة والندامة فشبههم الله تعالى كالذي يكون في الصحراء وهو في شدة العطش في وقت الظهيرة ويبحث عن قطرة ماء يروى عطشه فيرى(صورة ماء) من بعيد فيسعى إليه ويجد ويجتهد في سعيه فعندما وصل إليه وجده سراباً ليس ماءً حقيقيا فكذلك الكفار الذين يعتقدون أن عيسى ابن الله أو الذين يعبدون البقر أو البشر أو النار فإن أفكارهم وعباداتهم التي كانوا عاكفين عليها طوال حياتهم لن تعود عليهم بالنفع يوم القيامة وكل أعمالهم وسعيهم كان كسراب ليس له قيمة عند الله وذلك بسبب أنهم لم يلقوا بالاً لرسل الله إليهم ودعاته بل أصروا على ما هم عليه من ضلال فقال تعالى عنهم {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }الكهف(104) فنحمد الله تعالى على هذه النعمة العظيمة في أن نكون ممن آمن بالله ووحده 0
المثال الثاني :- وهو( ظلمات البحر) قال تعالى{ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}النور (40) فشبه الله تعالى صنف ونوع آخر من الناس وهم الذين يكذبون ويجحدون وجود الله تعالى الذين يقولون ( لا إله والحياة مادة) فوصفهم الله وصفاً دقيقاً في منتهى الإعجاز البياني والبلاغي والعلمي , ففي البحر أمواج داخلية أشد وأعتى من الأمواج الخارجية وهذا كناية عن أن الظلمات الداخلية في عقول وقلوب هؤلاء الناس أشد مما يظهر من كلامهم وتصرفاتهم وكذلك ذكر الله عن هذا أنه لا يستطيع أن يرى يده وهي أمامه وكذلك الذي يجحد وينكر وجود الله فان كل الدلائل في الكون وفي نفسه تدل على وجود الخالق العظيم ولكنه بسبب ظلمات الشبهات الداخلية التي يعيشها وظلمات المعاصي التي تظهر منه فإنه لا يرى نور الله.
فسبحان الله ما أروع كلام الله فيا ليتنا نتمعن ونتفكر فيه عند قراءته وهذا المثال ظلمات وأمواج البحر الداخلية أيضاً فيه حقيقة وإعجاز دامغ لهؤلاء الماديين يعجز عقولهم فقد ذكر الله حقيقة علمية اكتشفت في السنوات الأخيرة وهي كما ان للبحر أمواج خارجية فله أيضا أمواج داخلية قال تعالى { أو كظلمات في بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ}سورة النور ولا يستطيع احد أن يقول أن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت كانت له أدوات غوص وكذلك فقد عاش طيلة حياته في الصحراء فمن الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأمواج البحر الداخلية التي لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية لذلك الله تعالى دائما يخاطب هؤلاء الناس أين عقولكم التي منحتكم إياها ألا تنظرون فيما حولكم من آيات وبراهين كلها تدل على وجود الله تعالى , ويبين الله تعالى عدة آيات في القرآن الكريم يخاطب هذه العقول المادية التي لا تؤمن بالغيب وتؤمن بالعقل و بالمحسوس فقط لعلهم يرجعون أو يتذكرون.
فان من أهم نعم الله علينا هو القرآن الكريم وما حوى من إعجاز فقد تنوع إعجازه في مجالات كثيرة بحيث لا يستطيع عاقل منصف أن يكذب ويجحد أن هذا القران من لدن الخالق العظيم فهو معجز في بلاغته وبيانه والذي تحدى الله تعالى به بلغاء وفصحاء العرب أن يأتوا ولو بأقصر سورة منه قال تعالى{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }يونس(38) ومعجز في تشريعاته والتي تميزت بطرح قانوني متميز ومتكامل ويلبي حاجات جميع الناس على مختلف أزمنتهم وأمكنتهم حتى انحنى أمام قوة تشريعاته كبار أساتذة القانون , ومعجز في تاريخه كما أخبر عن نجاة فرعون في جسده والذي أكدته الدراسات الغربية الحديثة ومعجز في إخباره عن الأحداث قبل وقوعها كما أخبر ان أبو لهب وزوجه سيموتون على الكفر وهم كانوا على قيد الحياة وحصل ذلك وكما أخبر عن المعركة الثانية بين فارس والروم وحصلت بالزمن الذي حدد القرآن{ الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}( الروم) ومعجز بالسبق العلمي للاكتشافات الحديثة فبأي حديث به يكذبون.
ومن هذه الآيات يقول الله تعالى في سورة القيامة (39){ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } فبعد أن اكتشف علماء الطب أن جينات الرجل هي التي تحدد جنس الجنين ذكراً كان أم أنثى وأن ليس للأنثى دور في تحديد جنس الجنين فمن الذي أخبر النبي الأمي عن هذا الحقيقة العلمية التي ذكرها الله تعالى {فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } أي من الرجل وهذا لا يمكن اكتشافه إلا بوجود أدق الأجهزة العلمية , ومن الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عندما أكتشف علماء الحشرات أن الذباب عندما يسلب حبة الطعام يتحول بأقل من الثانية إلى مادة أخرى لا يمكن استردادها واسترجاعها والله تعالى يقول { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَالطالب والمطلوب} والآية تنص في غاية الوضوح أن الذباب عندما يسرق حبة الطعام لا يمكن استردادها لأنها تتحول إلا مادة ثانية بأقل من الثانية .
وكذلك فقد أكتشف العلماء أن الإنسان إذا صعد إلى السماء يضيق صدره بسبب قلة الأوكسجين في الجو فكيف لمحمد عليه الصلاة والسلام ان يأتي بهذا الكلام قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة إذا لم يخبره الخلاق العليم يقول تعالى{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ }الأنعام(125) فالله تعالى يشبه صدر الكافر به بالذي يضيق صدره عندما يصعد للسماء وهذا في إ شارة واضحة على أن من يصعد للسماء يضيق صدره بسبب قلة الهواء في وهذه فقط بعض الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى وأن القران كله معجز وهو حق ونبينا حق وأن الكافرين هم في ظلمات وضلال عظيم نسأله الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا وندعوه تعالى أن يثبت قلوبنا على هذا الدين الحق وأن يهدي شبابنا لإتباع هذا القران العظيم وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ياسر الماضي