مقتبسة من كتاب سنن يومية للشيخ عبد الله بن حمود الفريح

يسنُّ في وقت الضحى أن يصلي العبد صلاة الضحى قال أبو هريرةَ رضى الله عنه قال: «أوصاني خَليلي صلى الله عليه وسلام بثَلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، ورَكعتَيِ الضُّحى، وأنْ أُوتِرَ قبل أنْ أنام» متفق عليه .
- واختلف العلماء في سنيَّة صلاة الضحى على أقوال :
القول الأول : أن صلاة الضحى تسن غِبَّاً أي تفعل في بعض الأحيان .
واستدلوا: بحديث أبي سعيدرضى الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلام يصلي الضحى حتى نقول: لا يدعها ويدعها حتى نقول: لا يصليها " والحديث رواه أحمد والترمذي وهو ضعيف لأن فيه عطية بن سعيد العوفي.
القول الثاني : أنها ليست بمشروعة بل بدعة.
واستدلوا: بحديث عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها قالت «ما رأيتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلام سَبَّحَ سُبحةَ الضُّحى ، وإنِّي لأُسبِّحُها». رواه البخاري، وجاء عند البخاري أيضاً عن مُوَرِّق العُجلي قال: «قلتُ لابنِ عمرَ رضيَ اللَّهُ عنهما: أتُصلِّي الضُّحى؟ قال: لا. قلتُ: فعمرُ؟ قال: لا. قلتُ: فأبو بكرٍ؟ قال: لا. قلتُ: فالنبيُّ صلى الله عليه وسلام ؟ قال: لا إخاله». أي لا أظنه.
والقول الثالث : أنه يسن أن يصلي الضحى إذا لم يقم من الليل أما إن قام الليل فإنه لا يصلي الضحى، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
والقول الرابع : أنها تفعل لسبب من الأسباب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلام فعلها لسبب من الأسباب كقدومه من سفر، وفتحه مكة، وزيارته لقوم كما في حديث عتبان المتفق عليه، وإتيانه مسجد قباء، ونحو ذلك، واختاره ابن القيم.
والأظهر والله أعلم: أن صلاة الضحى سنة مطلقاً، وهو قول أكثر أهل العلم.
ويدل على ذلك:
1. حديث أبي هريرة قال: أبي هريرةَ رضى الله عنه قال: «أوصاني خَليلي صلى الله عليه وسلام بثَلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، ورَكعتَيِ الضُّحى، وأنْ أُوتِرَ قبل أنْ أنام». متفق عليه , وأيضاً أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلام أبا الدرداء كما عند مسلم , وأوصى بها أبا ذر كما في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي .
2. أَبِي ذَرَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلام ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ . فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ. وَيُجَزِىءُ، مِنْ ذلِكَ، رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». رواه مسلم.
والسلامى: هي العظام المنفصل بعضها عن بعض.
وجاء في صحيح مسلم من حديث عائشة بيان أن كل إنسان خلق على ثلاثمائة وستين مفصل , وأن من جاء بهذا العدد من الصدقات فإنه يمشي يومئذٍ وقد زحزح نفسه عن نار جهنم , فعن عَائِشَةَ قالت : إِنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلام قَالَ: «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاَثِمِائَة ِ مَفْصِلٍ. فَمَنْ كَبَّرَ اللّهَ، وَحَمِدَ اللّهَ، وَهَلَّلَ اللّهَ، وَسَبَّحَ اللّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللّهَ، وَعَزَلَ حَجَراً عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْماً عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِمِا ئَةِ السُّلاَمَى. فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ».
- وقتها: يبدأ وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح (أي بعد خروج وقت النهي ) وينتهي قبيل الزوال ( أي قبل دخول وقت الظهر بعشر دقائق تقريباً ).
ويدل على ذلك: حديث عمرو بن عبسة رضى الله عنه «صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حِيْنَ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حتى تَرْتَفِعِ......ثُ مَّ صَلِّ. فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. حتى يَسْتَقِلَّ الظِّلَّ بِالرُّمْحِ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ. فإنَّه حِينَئِذٍ، تُسْجَرُ جَهَنَّمُ...». رواه مسلم.
- وأفضل وقتها: في آخر وقتها وذلك حين ترمض الفصال.
ويدل على ذلك: حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلام قال: « صَلاَةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمضُ الْفِصَالُ». رواه مسلم.
قال ابن باز "معنى ترمض : أي يشتد عليها حر الشمس , والفصال: هي أولاد الإبل, وهي من الصلوات التي فعلها آخر الوقت أفضل ".
وقال ابن عثيمين في الممتع 4/88: " ومعنى " ترمض " أي: تقوم من شدة حرِّ الرمضاء، وهذا يكون قبيل الزوال بنحو عشر دقائق ".
- فضلها:
1. أنها وصية النبي صلى الله عليه وسلام لبعض الصحابة كأبي هريرة رضى الله عنه , وأبي الدرداء رضى الله عنه , وأبي ذررضى الله عنه كما سبق , والنبي صلى الله عليه وسلام إذا أوصى أحداً بشيء فهي وصية لجميع الأمة , كما أن أمره لشيء , ونهيه عن شيء هو موجَّهٌ لجميع الأمة حتى يأتي دليل يدل على الخصوصية , ولا دليل هنا فهي وصية لجميع الأمة والله أعلم .
2. أنها تعدل ثلاثمائة وستين صدقة كما في حديث أبي ذر رضى الله عنه السابق عند مسلم .
3. أنها علامة على أن العبد أوَّاب أي رجَّاع إلى ربه لاسيما إذا صلاها في وقتها الفاضل وهو آخر الوقت كما في حديث زيد بن أرقم السابق عند مسلم.
4. أنها صلاة محضورة مشهودة تشهدها الملائكة كما في حديث عمرو بن عبسة رضى الله عنه السابق عند مسلم.
قال النووي : " قوله صلى الله عليه وسلام : قوله: «فإن الصلاة مشهودة محضورة» أي تحضرها الملائكة فهي أقرب إلى القبول وحصول الرحمة. " ( انظر شرحه لمسلم , حديث (832) , باب إسلام عمرو بن عبسة )
- عدد ركعاتها:
أقلُّ صلاة الضحى ركعتان لحديث أبي هريرةرضى الله عنه في الصحيحين " أوْصَانِيْ خَلِيْلِيْ بِثَلاث - وذكر منها - ورَكعتَيِ الضُّحى".
- وأما أكثر صلاة الضحى فالصحيح : أنه لا حدَّ لأكثرها خلافاً لمن حدَّها بثمان ركعات , فله أن يزيد على ثمان إلى ما يفتح الله به عليه لحديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلام يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَاً. وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللّهُ. رواه مسلم.
********