حقيقة الافتقار إلى الله بالدعاء وفضل العشر
للشيخ وليد الشعبان
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه ُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
فإن من أجل وأنفع وأهم العبادات "عبادة الدعاء" نعم الدعاءَ هو العبادةُ وهو لبُّها وروحُها، والعبادةُ هي الغايةُ التي خُلق الخلقُ لأجلها وأُوجدوا لتحقيقها، وأكرم هذه العبادات عند الله هو الدعاء.
وقد تواترت الأدلة من الكتاب والسنة على فضله وأهميته والحث عليه وكلامنا هنا عن حاجة العبد وافتقاره على مولاه جل وعلا القائل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...) ، والقائل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) وأما في السنة فمنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم بإسناد جيِّد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن لَم يدعُ الله سبحانه غَضِبَ عليه " ، وهذا فيه دليلٌ على حبِّ الله للدعاء، وحبِّه سبحانه لعبده الذي يدعوه، ولذا فإنَّه سبحانه يغضب من عبده إذا ترك دعاءَه، ولا ريب أنَّ هذا فيه دليل على أنَّ الدعاءَ من العبد لربِّه من أهمِّ الواجبات وأعظمِ المفروضات وأشرف القربات.
ومِمَّا ورد أيضاً في فضل الدعاء ما رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً، والطبراني في الأوسط عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً قال: " أعجزُ الناس مَن عجز عن الدعاء، وأبْخلُ الناس مَن بخل بالسلام "، فالدعاءُ أمرُه يسيرٌ جدًّا على كلِّ أحدٍ، فهو لا يتطلَّب جهداً عند القيام به، ولا يلحق الداعي بسببه تعبٌ ولا مشقَّةٌ، ولهذا فإنَّ العجزَ عنه والتواني في أدائه هو أشدُّ العَجز، وحَرِيٌّ بِمَن عجز عنه مع يُسرِه وسهولته أن يعجز عن غيره، ولا يَعجزُ عن الدعاء إلاَّ دنيُّ الهمَّةِ ضعيفُ الإيمان.
ومِمَّا جاء في فضل الدعاء ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما عن ثوبان رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يردُّ القدرَ إلاَّ الدعاءُ ". فهذا فيه دليل على أنَّ الله سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد .
عباد الله : إنَّ من فضائل الدعاء ودلائل عِظم شأنه أنَّ الله تبارك وتعالى يُحبُّه من عباده مع كمالِ غِناه عنهم، ووعدَ الدَّاعين له من عباده بالإجابة، وذلك في قوله سبحانه كما تقدم -: (وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). وهذا من لُطف الله بعباده وعظيم إكرامه لهم وإحسانه بهم، فهو سبحانه لا يُخيِّب عبداً دعاه، ولا يرُدُّ مؤمناً ناجاه، يقول الله تعالى كما في الحديث القدسي: وفيه: " يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم قاموا على صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلَّ واحد مسألتَه ما نقصَ ذلك مِمَّا عندي إلاَّ كما ينقص المِخيَطُ إذا أُدخل البحر "، رواه مسلم في سياق طويل من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ اللهَ يحبُّ أن يسأله العبادُ جميعَ مصالح دينهم ودنياهم من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك كما يسألونه الهدايةَ والمغفرةَ والتوفيقَ والإعانةَ على الطاعةِ ونحوَ ذلك، ووعدَهم سبحانه على ذلك كلِّه بالإجابة. وفي ذلك حثٌّ على الإكثار من سؤاله وإنزال جميع الحوائجِ به.
وفيه أيضاً دلالةٌ على كمال قدرةِ الله سبحانه وكمال ملكِه، وأنَّ ملكَه وخزائنَه لا تنفدُ ولا تنقصُ بالعطاء، ولو أعطى الأوَّلين والآخرين من الجنِّ والإنس جميعَ ما سألوه في مقام واحد، ثبت الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدُ الله ملأى لا تغيضُها نفقة، سَحَّاءُ الليل والنهار، أفرأيتم ما أنفق ربُّكم منذ خلق السموات والأرض، فإنَّه لَم يَغِضْ ما في يمينه "، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعا أحدُكم فلا يقُلْ اللَّهمَّ اغفر لي إن شئتَ، ولكن ليعزم المسألةَ وليُعظم الرغبةَ، فإنَّ الله لا يتعاظمه شيء".
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: " إذا دعوتم اللهَ فارفعوا في المسألة، فإنَّ ما عنده لا ينفد منه شيء، وإذا دعوتم فاعزموا فإنَّ الله لا مستكره له ".
إنَّ العبدَ محتاجٌ إلى الله في كلِّ شؤونِه، ومفتقرٌ إليه في جميعِ حاجاتِه، لا يستغني عن ربِّه ومولاه طرفة عين ولا أقلَّ من ذلك، وأما الربُّ سبحانه فإنَّه غنيٌّ حميدٌ، لا حاجة له بطاعات العباد ودعواتهم، ولا يعود نفعُها إليه، وإنَّما هم الذين ينتفعون بها، ولا يتضرَّرُ بمعاصيهم وإنَّما هم الذين يتضرَّرون بها، ولهذا قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبُكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَاذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ)، وقال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) .
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين ، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:
عباد الله: إنَّ الله تبارك وتعالى مع كمال غِناه عن عباده، وعن طاعاتهم ودعواتهم، وتوباتهم، فإنَّه يُحبُّ سماعَ دعاءِ الدَّاعينَ المخبتين، ورؤيةَ عبادةِ العابدين المطيعين، ويفرحُ بتوبة التائبين المُنيبين، هذا مع غِناه سبحانه الكامل عن طاعات عباده وتوباتهم إليه، وذلك كلُّه إنَّما يعود نفعُه إليهم دونَه، وهذا من كمال جُودِه وإحسانِه إلى عباده ومحبَّته لنفعهم ودفع الضر عنهم، فهو يُحبُّ من عباده أن يعرفوه ويُحبُّوه ويتَّقوه ويخافوه ويُطيعوه ويتقرَّبوا إليه، ويُحبُّ أن يعلموا أنَّه يغفر الخطيئات ويجيب الدعوات ويُقيلَ العَثَرات ويُكفِّر السيِّئات ويرزق من يشاء بغير حساب.فحريٌّ بعبد الله المؤمن إذا عرف كمالَ ربِّه وجلالَه، وكرمه وإحسانه، وفضلَه وجُودَه أن ينزل به جميع حاجاته، وأن يُكثر من دعائه ومناجاته، وأن لا يَقْنَط مِن رحمة ربِّه ولا ييأس من رَوْحِه فإنَّه لا يَيْأَسُ مِن رَوْحِ الله إلاَّ القومُ الكافرون.
واعلموا عبادالله أننا في شهر مبارك وموسم من مواسم الخيرات وإجابة الدعوات، الموفق حقا من استغل كل دقيقة في هذا الشهر بل واستغل كل لحظة فحاجة العباد تتنوع ولا تنتهي ويزداد الفرح فرحا والبهجة بهجة والأنس أنساً أننا على عتبات عشر مباركة كان يجتهد فيها من هو أفضل منا وأتقى لله منا - نبينا محمد عليه الصلاة والسلام- فكان يشد المئزر ويوقظ أهله ويحيي ليله طلباً لليلة القدر فأكثروا من الدعاء لاغتنام هذه الليالي بأنواع العبادات والتي من أجلّها إدراك ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وفيها السلامة والبركة والخير العميم ومنها الاعتكاف فهو سنة نبوية ينبغي لنا أن نحييها وهي لزوم المسجد لطاعة الله ليست للسوالف والجوالات وإنما انقطاع عن الناس رجاء ليلة القدر.
فاللَّهمَّ وفِّقنا لِهُداك، وأعِنَّا على طاعتك، ولا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك. فاللهم رحمتك نرجو، فلا تكلننا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت.. اللهم واصلح قلوبَنا ونياتِنا وأعمالَنا.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، وارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونسائنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا، اللهم اربط على قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وثبت أقدامهم يا قوي يا عزيز، اللهم اقبل منا ومن المسلمين الصيام والقيام وتجاوز عن التقصير والآثام، وأعتقنا من النار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين