قصيدة ( كتمت سر الهوى )

يَا لَهْفَ نَفْسِي! أَحِبَّائِي لَقَدْ هَجَرُوا
فَغَابَ عَنْ مُقْلَتَيَّ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ
وَخَلَّفُونِي وَحِيدًا أَمْتَطِي سُفُنًا
مِنَ الدُّمُوعِ عَلَى الْخَدَّيْنِ تَنْهَمِرُ
أَبْكِي دِمَاءً وَدَمْعُ العَيْنِ يُغْرِقُنِي
أُسَاهِرُ اللَّيْلَ حَتَّى مَلَّنِي السَّهَرُ
فِي كُلِّ لَيْلٍ أُنَاجِي طَيْفَهُمْ فَأَرَى
وَجْهَ الأَحِبَّاءِ نُورًا زَانَهَ الْخَفَرُ
كَمْ جَرَّعُونِي كُؤُوسَ الوَجْدِ مُتْرَعَةً
بِالْحُزْنِ, لَكِنَّهُمْ يَا صَاحِ مَا شَعَرُوا!
وَأَشْعَلُوا قَلْبِيَ الْمُضْنَى بِلاَ سَبَبٍ
وَنَارُ شَوْقِيَ فِي الأَحْشَاءِ تَسْتَعِرُ
بَدْرٌ تَوَارَى لَهُمْ مُذْ فَارَقُوا نَظَرِي
وَبِتُّ طَلْعَةَ ذَاكَ البَدْرِ أَنْتَظِرُ
إِنْ لَمْ أُشَاهِدْ عَيَانًا نُورَ طَلْعَتِهِمْ
فَفِي فُؤَادِيَ, إِنْ غَابُوا وَإِنْ حَضَرُوا

يَا لَيْتَ شِعْرِي! هَلِ الأَقْدَارُ تَجْمَعُنَا؟
فَيُورِقَ القَلْبُ وَالأَيَّامُ تَزْدَهِرُ
آهٍ مَتَى الدَّهْرُ يُدْنِينِي لِسَاحَتِهِمْ؟
وَهَلْ أَرَاهُمْ بِعَيْنِي أَيُّهَا القَدَرُ؟
أُكَحِّلُ الْجَفْنَ فِي أَنْوَارِ طَلْعَتِهِمْ
فَنُورُ طَلْعَتِهِمْ يُجْلَى بِهِ البَصَرُ

تَبَعْثَرَتْ كَلِمَاتِي, هَلْ أُلَمْلِمُهَا؟
كَعِقْدِ دُرٍّ عَلَى الأَوْرَاقِ يَنْتَثِرُ
عَصَرْتُ قَلْبِي مِدَادًا فَوْقَ مِحْبَرَتِي
لاَ تَعْجَبُوا مِنْ فُؤَادٍ بَاتَ يَعْتَصِرُ
مَهْمَا نَظَمْتُ فَشِعْرِي لَنْ يُوَفِّيَكُمْ
حَقًّا, فَقَافِيَتِي خَجْلَى وَتَعْتَذِرُ
أَبُثُّ لِلرِّيحِ شَكْوَى كَيْ يُبَلِّغَهَا
عَنِّي, فَقَدْ هَدَّنِي التَّرْحَالُ وَالسَّفَرُ
يَا رِيحُ إِنْ جِئْتَهُمْ فَاشْرَحْ لَهُمْ أَرَقِي
وَصِفْ شُجُونِي وَأَطْنِبْ لَيْسَ تَخْتَصِرُ
وَقُلْ: مُحِبٌّ لَكُمْ ذُو مُقْلَةٍ ثُكِلَتْ
مِنَ الفِرَاقِ, وَيبْكِي حَالَهُ الْحَجَرُ
رَآهُ عُذَّالُهُ فَانْهَلَّ دَمْعُهُمُ
صَارُوا سُكَارَى, وَلاَ وَاللهِ مَا سَكِرُوا

أَنَا الْمُعَذَّبُ يَا دُنْيَا أَلاَ أَمَلٌ
يُعِيدُ سَعْدِيَ وَالأَحْزَانُ تَنْدَثِرُ
أَنَا الَّذِي ذَاقَ طَعْمَ الْهَجْرِ فِي غُصَصٍ
جُودُوا بِوَصْلِيَ حَتَّى يَنْجَلِي الْكَدَرُ
أَنَا الْمَشُوقُ لَكُمْ, فَالعَيْنُ مُجْمِرَةٌ
وَالنَّفْسُ وَلْهَى, وَقَلْبِي وَهْجُهُ سَقَرُ
ظَلَمْتُمُونِي بِهَجْرٍ, مَنْ سَيُنْصِفُنِي؟
أُرِيدُ عَدْلاً يُعِيدُ الْحَقَّ يَا عُمَرُ

إِذَا الْمُحِبُّونَ بَاحُوا فِي مَحَبَّتِهِمْ
فَسِرُّكُمْ فِي ضَمِيرِي مَا هَمَى الْمَطَرُ
صِلُوا مُحِبًّا لَكُمْ يَا سَادَتِي فَأَنَا
أَرْنُو لِمَاضٍ حَلاَ فِي لَيْلِهِ السَّمَرُ
كَتَمْتُ سِرَّ الْهَوَى فِي خَافِقِي زَمَنًا
وَإِذْ بِسِرِّي لِسَحِّ الدَّمْعِ يَنْتَشِرُ
إِنْ ضَنَّ دَهْرٌ بِيَوْمٍ فِيهِ يَجْمَعُنَا
أَوْ عَنْكُمُ لَمْ يَرِدْ فِي مَسْمَعِي خَبَرُ
فَفِي القِيَامَةِ نَلْقَاكُمْ أَحِبَّتَنَا
نَحْيَا مَعًا, وَدُمُوعُ الشَّوْقِ تَنْحَدِرُ
لَكُمْ سَلاَمِيَ مَا شَمْسُ الضُّحَى طَلَعَتْ
وَمَا تَرَنَّمَ شَادٍ, أَوْ بَدَا القَمَرُ
الشاعر : مصطفى قاسم عباس
منقول من الألوكة