بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا جلب لنا علمهم؟!!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, أما بعد...
في الحقيقة لا أدري لمَ يتعلم العرب والمسلمون؟!! فيما سبق كان أعز الناس في الدنا العلماء, واليوم تعرف الذلة بهم.. صرنا نتهرب من الفتاوى خشية أن تفرض علينا ذلا من قصور فهم أصحابها, كيف للمنعزل عن العالم بتقليب الكتب أن يفقه أحوالهم؟!! كيف للأعمى أن يحكم على الألوان؟!! الإنسان بطبعه يعشق العزة, ويرفض فطريا كل أسباب الذل أيا كانت, ومهما تقدست.. والعلم الذي فيه ريح ذل لغير الله لا يتركب فطريا مع بنية الإنسان السوي.. وللأسف الذي يتكلم بالعلم المذل هم علماء الدين, فكدنا لا نثق في قولهم لاعتقادنا أنهم لا يعطوننا الصورة الصحيحة للشريعة الحنيفة, حقيقة هم فقهاء إلا في قضايا الأمة, ولو أن الأحوال الشخصية فقه المعاملات يضر بالسلطان لربما اختلفت الموازين.. أصلا هم مهرة لأنهم لم يأتوا بالجديد, بل هم مجرد حفظة لعلم موضوع من قبل, امتهره السابقون.. وكأنني أشعر أن الألسن تلك عجزت عن إدراك واقعها بسبب العزلة التي يفرضها طلب العلم من جهة والتي يهيئها السلطان من جهة أخرى, بل وصرنا نقدم على بعض الأفعال فنصم آذاننا لئلا نسمع حكما محدثا يوجب علينا الذل بحجة الالتزام بالشرع, وكأني أجزم أن الرسول لو كان بيننا لما كان فعله كفعلهم, هذا مجرد إحساس, وتصوري هذا ليس غريبا فإني مسبوق بهذا المعنى, يُنسب لعلي بن أبي طالب وقيل لصالح بن جناح اللخمي وقيل لغيره القول المشهور:
لئن كنتُ محتاجاً إلى الحلم إنني*** إلى الجهل في بعض الأحايين أحوجُ
ولي فرسٌ بالخير للخير ملجمٌ***ولي فرسٌ بالشر للشر مسرجُ
فمن رام تقويمي فإني مقوَّمٌ***ومن رام تعويجي فإني معوَّجُ
وإن قال بعض الناس فيَّ سماجة***فقد صدقوا والذل بالحر أسمجُ
إي قد صدق بقوله, فجهل فيه عز خير من علم يجلب ذلا, أخبروني ماذا أطعمنا علمهم؟ بل ماذا جلبت عمائمهم؟ وأين هي الحضارة التي بنوها من كتبهم؟ كم أسيرا حرروا؟ كم عدوا دفعوا؟ كم معركة خاضوا؟ والكمات أكثر من الكلمات.. قد قُتلت مرات في غزة فأين كانوا؟ باعوني وقتها فبأي حق يطالبونني بأن أخضع لقولهم؟ وبأي وجه يوجبون احترامهم عليّ؟ وهل حفظ الكتب يعجز عنه البشر؟!! لو بلادي محررة لكنت أسبق من أسبقهم.. بالله ماذا تنفعني فتاواهم وأنا أصرخ تحت القصف وأنا أهذي فوق النسف, كم مرة يا عقلاء هزت أصواتهم عروش الكفر؟ وهل يدفع الكلام ولو اجتمع دبابة واحدة؟!! بل وهل يمكن أن تغرق دموعهم أساطيل العدا.. لا أتمنى في الحقيقة أن أكون مثلهم, أن أكون مجرد كتاب, يا سادة الورق إن عجزتم عن نصرتي فكفوا أصواتكم فكم هي وقتئذ نشاز؟ حفظتم نصوص الدين ونسيتم مقاصده, أليس الحفاظ على النفس والنسل والمال والعقل مطلوب؟!! في أمتنا ضاع كل ذلك, لا لأن الأمة ضيعت الدين, بل لأن الأمة ابتليت بحكام كاذبين وعلماء مغيَّبين:
قالوا سنرجع طفلا كنت حينئذ***واليوم قاربت الخمسين أعوامي
ما كنت أحسب يوما أنهم كذبوا***وأنهم ملأوا رأسي بأوهام
وأنهم مع أعدائي علي ولا***يستهدفون سوى قتلي وإعدامي
لا يعقل أن يغرس عدوى خنجره في صدري وأجد من يقول لي الدم نجس فلتغتسل.. بل أريد من ينزع الخنجر من صدري ويقطع به أوصال عدوي.. حينها سأسمع كلامه, وسآخذ بقوله..
ولا يعقل أن أرى من لا يجد كساء ثم أقول له: استر عورتك.. لا يصح يا سادة الورق أن تلطمني ثم تنهاني أن أستغيبك بحجة أن الغيبة حرام, واللطم يا سيد أليس محسوبا؟!! والموت من الجوع يا سيد.. والتعري من القلة يا سيد.. والقتل من العدو يا سيد.. لا تعذلني إن أعطيتك ظهري, فإنك لست مؤتمنا على أمري..
ماتت عزة العلماء يوم خضع العلم للسلطان مذ انقلاب أتاتورك. لذا أسمعُ كلام المحدثين ولا آخذ به.. فلتعذروني.. لا يمكنني أن آخذ بقول من يضحك على آهاتي, أو من يهزأ بجراحاتي.. هذا طبعي..
كيف أجعل قلبي يصدق من تركني وقت حاجتي له حتى لو كان العابد الزاهد؟!! فزهده لربه وخذلانه يضرني, فليكفَّ عني وليبق على زهده خير له.. وإني في غنى عن أقواله, مشكلة الأمة ليست في أشباه الكتب فهم كثرة, إنما في الرجال.. فالناس كإبل مائة بالكاد تجد فيها راحلة, يا جماعة نحن غثاء كغثاء السيل ومعنا العلماء لأنهم في الحقيقة غاب دورهم ولم يظهروا بناة قادة يوقفون هذا السيل.. لماذا تُترك السيادة للخونة ويتنحى أهل العلم؟!! هل القيادة حرام؟ أو أنها مقصورة على الخائنين؟! العلم ليس أفضل من السيادة إن أحسن السيد سيادته وخدم العلماء, فالقائد في الحقيقة يبني المجتمع علميا وسياسيا واقتصاديا ويحافظ على الجيل, والعالم خاضع لإرادة القائد فعليا.. والإسلام دعا إلى العلم ونفَّر من القيادة ليس لأن الأخيرة جريمة, بل لأن العكس لا يصح أن يكون, فتصوَّر لو دعا الإسلام إلى المنافسة على القيادة كم من الصراعات التي ستحدث, فالدعوة إلى العلم والتنفير من الإمارة فيه مصلحة المجتمع, فليبادر العلماء إلى ميادين الحكم.. فإن تركوها أخذها الجهلاء, وإن أخذها الجهلاء ضيعونا وضيعوها.
أسأل الله السداد والرشاد.. والحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم المرسلين..
والسلام
يوسف بن حسن حجازي
الأربعاء 16شوال 1432/ 14سبتمبر 2011
10:40 مساء.