الموضوع: صفحة مشرقة: الحافظ ابن كثير ينقذ نصارى الشام من الذل والهوان !!

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في أحداث سنة سبع وستين وسبعمائة:
"وردت الأخبار بما وقع من الأمر الفظيع بمدينة الإسكندرية من الفرنج لعنهم الله، وذلك أنهم وصلوا إليها في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر الله المحرم، فلم يجدوا بها نائبا ولا جيشا، ولا حافظا للبحر ولا ناصرا، فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار بعد ما حرقوا أبوابا كثيرة منها، وعاثوا في أهلها فسادا، يقتلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال، فالحكم لله العلي الكبير المتعال.
وأقاموا بها يوم الجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء، فلما كان صبيحة يوم الأربعاء قدم الشاليش المصري (قوة من صفوة المماليك)، فأقلعت الفرنج لعنهم الله عنها، وقد أسروا خلقا كثيرا يقاومون الأربعة آلاف، وأخذوا من الأموال ذهبا وحريرا وبهارا وغير ذلك ما لا يحد ولا يوصف، وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ ، وقد تفارط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر، فسمع للأسارى من العويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين، ما قطع الاكباد، وذرفت له العيون وأصم الاسماع، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما بلغت الأخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدا، وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيرا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى نائب السلطنة بمسك النصارى من الشام جملة واحدة، وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الإسكندرية، ولعمارة مراكب تغزو الفرنج، فأهانوا النصارى وطُلبوا من بيوتهم بعنف وخافوا أن يقتلوا، ولم يفهموا ما يراد بهم، فهربوا كل مهرب، ولم تكن هذه الحركة شرعية، ولا يجوز اعتمادها شرعا، وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من صفر إلى الميدان الأخضر للاجتماع بنائب السلطنة، وكان اجتماعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة، فرأيت منه أنسا كثيرا، ورأيته كامل الرأي والفهم، حسن العبارة كريم المجالسة، فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى، فقال: إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك، فقلت له: هذا مما لا يسوغ شرعا، ولا يجوز لأحد أن يفتي بهذا، ومتى كانوا باقين على الذمة يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة والصغار، وأحكام الملة قائمة، لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد - الفرد - فوق ما يبذلونه من الجزية، ومثل هذا لا يخفى على الأمير. فقال: كيف أصنع وقد ورد المرسوم بذلك ولا يمكنني أن أخالفه؟ وذكرت له أشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص من الإرهاب ووعيد العقاب، وأنه يجوز ذلك وإن لم يفعل ما يتوعدهم به، كما قال سليمان بن داود عليهما السلام: " ائتوني بالسكين أشقه نصفين " كما هو الحديث مبسوط في الصحيحين، فجعل يعجبه هذا جدا..." انتهى من البداية والنهاية

وفي هذه الواقعة كثير من الفوائد والعبر, أستعين الله في ذكرها عليكم راجيا منكم النصح والتوجيه إن رأيتم زللا, أو وجدتم خللا, وبعض هذه الفوائد قد ترجع إلى فقه ابن كثير رحمه الله تعالى, ومنها:
أن العلماء وحملة العلم الشرعي هم أقرب الناس رحمة ورأفة بغير المسلمين, فلا يحملنهم بغض القوم ولعنهم على ظلمهم أو تحميلهم أوزار غيرهم
فيه رد على من يستخدمون (الإسلاميين) فزاعة لتنفير الناس منهم
أن الواجب على المسلمين تحصين ديارهم في الحرب والسلم مخافة أن يطمع الأعداء بهم, وبخاصة إذا كانت المدينة ساحلية أو قريبة لحدود غير المسلمين
أهمية وجود قوات بحرية في المدن الساحلية
فيه رد على من يزعمون أن الإسلاميين لا يحترمون أهل الذمة, وأنهم يتربصون بهم للخلاص منهم بالحق أو بالباطل
فيه دليل على أن دفع الجزية قد يحمي غير المسلمين من العدوان على أعراضهم وممتلكاتهم وأنفسهم
فيه دليل على حرمة الاعتداء على غير المسلمين ماداموا يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون
فيه تأكيد على سماحة الإسلام ورحمته مع غير المؤمنين به وإن لم يحترم جمعهم حرمة المسلمين
أن فوران العاطفة وطلب الثأر لا يعني ظلم المعاهدين والمستأمنين ممن لم يرتكبوا جرما في حق المسلمين
جواز الدخول على السلطان والذهاب إليه, ونصحه ونشر ذلك إذا اقتضت الحاجة
جواز التلطف في الحوار مع أولي الأمر والاعتراف بفضلهم والثناء عليهم
اطلاع العالم على أحوال المسلمين وغيرهم وتنزيل ذلك على أحكام الشرع
استماع الحاكم لنصيحة أهل العلم وطلب المشورة في نوازل المسلمين
جواز التعريض بفعل الضرر والهم به وإن لم يفعل ذلك
جواز التحدث بالأعمال الصالحة وإن كانت سرية
جواز لعن الكافرين الأحياء
أهمية اتخاذ قوة من الجيش للتدخل السريع في أنحاء البلاد
أهمية نقل الأخبار الخاصة بالمسلمين وبخاصة في النوازل ليفزع إليهم إخوانهم الأقربون
استغلال الأعداء لأيام الأعياد وانشغال المسلمين بأمورهم لمباغتتهم والهجوم عليهم
وجود أعداء للمسلين من بينهم ينقلون الأخبار لأعدائهم
أنه لو مكن للكافر من رقبة المسلم مع غياب الرقيب والمحاسب فلن يرقب فيه إلا ولا ذمة
قدوم الأمير أو السلطان إلى مكان الأحداث ليقف بنفسه عليها
عدم ملاحقة العدو الصائل إذا ترجح أن في متابعته الهلكة
إعلام المسلمين بما يقع لإخوانهم في مشارق الأرض ومغاربها وأهمية أجهزة الإعلام في ذلك
أن المسلمين أمة واحدة وإن فرقت بينهم مراسم الأرض وحدود المستعمر
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة الناس
قد يحمل العالم عظم المصيبة وهول الأمر على الغفلة عن بعض الجوانب في فتواه
جواز أن يفتي العالم البعيد عن الحدث في النوازل وإن لم يكن حاضرا في أرض الواقعة
جواز أن توصف الفتوى بأنها لا تسوغ شرعا
جواز إعطاء الحلول والخطط لأولي الأمر في إدارة شئؤن البلاد والعباد
جواز تخريج الأحاديث وذكر الأدلة عند السلطان, وأن هذا مما لا يتعارض مع واجب الوقت
هذا ما تيسر لي في هذه الساعة, أسأل الله أن يتقبل منا ويتوب علينا

جزاك الله خيراً شيخ أبا حاتم
على القصة المهمة وفوائدها القيمة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيراً أخي على القصة وفوائدها
ثبتنا الله على دينه

وهذه أول مشاركة لي في هذا المجلس المبارك

جزاك الله خيرا على ما ذكرت وبينت ...فهل من معتبر ؟؟؟