من كتاب مقرر الاعلام الاسلامي

للدكتور جمعه شعبان وافي
أستاذ الإعلام الإسلامي
جامعـة الأمـة _ غزة
قسم الصحافة والإعلام


المقدمه
قليل من الناس من يعرف معنى السعادة وطريقها ! وقليل من الناس من يعرف معنى التواصل ودوره في حياتنا، وقليل من الناس يعرف وُسْعَ الحياة ودورنا فيها، وقليل من الناس من يعرف دور الكلمة تقال أو تسمع! ، وقليل من الناس من يعرف ماذا يمكن أن يؤدي إليه قوة الانفعال أو عمق التأثر!!
قليل من الناس من يعرف موقعه كفرد أو كمجموعة من الناس في هذا الكون!،
قليل من الناس من يعي جيدا إلى أي مدى استطاعت كلمةٌ أن تنقل إنسانا من المسار الخاطئ إلى المسار الصحيح!، أو تنتشل إنساناً من شقاء التهميش أو التطنيش الثقافي ، أو مَن انهَمكَ في خدمة الجسد وغفل عن قيمته الاجتماعية وعن علاقاته بالكون والحياة والنفس!.
ظن كثير من الناس أن المال هو الساحر القادر على جلب السعادة، فتسابقوا في جمع المال وجمعوا منه الكثير، وعبدوه وكنزوه وحرّزوه وصنفوه وعددوا، لكنه زادهم قلقا وأحضر إلى نفوسهم هلعا حين ألقى بهم في دوامة التنافس المزعج على فرص الربح العريض، أو في دوامة الخوف من تصور سرقته أو الغدر فيه أو له، ولم يجلب لهم السعادة وكثيرا ما جلب لبعضهم الانتحار لفقده أو لخسارته!.
وظن بعض منهم أن السعادة تكمن في القوة واعتبروها الساحر الذي يجلب السعادة فعبدوا القوة فحشدوا لها أشداء الرجال وجياد الخيل والجيوش بدباباتها وأساطيلها وطائراتها ومخابراتها وتجبروا في الأرض واحتلوا بلاد الناس فاستنزفوا خيراتها وعاثوا في أعراض الناس ما أشبع نزواتهم وكل رغباتهم، لكن ذلك لم يجلب لهم السعادة بل زادهم شغلا عنها بفنون الإدارة وأعباء التخطيط والتوجيه والتنظيم والمراقبة ، وعندما أرادوا أن يتمتعوا بثمار أعمالهم ومنجزاتهم انتبهوا إلى أن المادية المفرطة التي عاشوها حياتهم أنستهم اجتماعية الحياة فلم يبحثوا لأنفسهم عن صديق يأمنونه في أُنسهم! طاردتهم في منامهم سيئات أعمالهم من صرخات المظلومين والثكالى والأسرى، وحاصرتهم ذكرياتهم البئيسة من خدمة قوم ذئاب صعدوا على ظهورهم ثم خذلوهم وما اعترفوا لهم بفضل، فما هنأ لهم عيش ولا استراح لهم بال، فأصيب أكثرهم بالصرع وبأمراض نفسية أشد فتكا بسعادة الإنسان من الفقر والمرض والجهل! أو أنه فاتهم قطار الشباب فلم يجدوا في أنفسهم قدرة على التمتع بمالٍ أو هوايةٍ أو متعة! ولم يجدوا بينهم وبين الناس مودة تراعَى أو رحِمٍ يُوصَل أو رحمةٍ أو معروف، فعاشوا حياة العزلة والكآبة ، فأوصى بعضهم بأموالهم بعد موتهم للقطط الضالة أو الكلاب!!
وظن كثير من الناس أن السعادة تكمن في الانهماك في مشروع خاص يملأ الوقت يجلب السعادة والرفاه، ولا شأن له بمودة عشيرة ولا رحم، وأن أمثاله في المجتمع قليلون ممن يتمرَّكون بخدمة المصلحة الشخصية لأخلاقياتهم وعنوانا لتصرفاتهم، لكنه وجد أن ذلك لم يجلب له السعادة بل شعر معه بالصغار والعزلة والهامشية ، وليس له من صاحب إلا كبار الموردين أو المسوقين الربحيين الماديين يلتقي معهم في المكتب أو في الفندق أو نحوه، ولم يفطن الواحد منهم إلى حاجته وحاجة أسرته إلى أسرةٍ صديقةٍ أو مجتمعٍ صديقٍ يتعاون معه على تبديد وحشة الوحدة عند تقدم السن، ولم يتمكن الواحد منهم من أن يكون قدوةً لولده يثير إعجابه ويتشرف بالانتساب إليه!
هرب الإنسان إلى فلاسفة عصره وإلى قادة الرأي في وسائل الإعلام يبحث عن سبيل رشد لديهم فوجد الكلَّ مشغولٌ بنفسه كيف يستزيد، وكل منهم ورطانُ في واد موحل ليس منه إلا زيادة الانشغال وزيادة الهمّ، وظل الإنسان منهم يبحث عن مُغيث بين أعمدة هذا النُّصُب الاجتماعي المادي بقياداته المتقدمة فوجدهم في حقيقة أمرهم يغوصون فيما يغوص فيه وصرفهم العمل في منهج الأهواء الشخصية والنظريات الفلسفية والمصالح الخاصة الحابسة للأفكار والآراء عن موارد الحكمة والسعادة،، ولا مغيث.
فمن أجل كل من يريد أن يتحسس نفسه ومسار حياته أو أن يضع لحياته هدفا أرقى، أو من يريد أن يعاير أهدافه بالأهداف الراقية، أو من يريد أن يعلم ماذا من كلام الناس يستمع له وماذا لا يستمع له، وماذا من أعمال الناس ينظر إليه وماذا لا ينظر إليه،، أقدم هذا الكتاب!!.

الاستناد النظري للإعلام الإسلامي:

قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، وهي تمثل خطاباً للإنسان، سواء كان في موقع المصدر المرسل أو في موقع المتلقي، وأن النجاة من الخسران إنما هي ـ فقط ـ للذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، والتواصي بالحق يشمل الإعلام بالحق وتهيئة أمر الناس في حالتي السلم والحرب، والتواصي بالصبر يشمل تحصين الأمة بالعلم والأخلاق، وتفنيد قول الخصم والمناظرة، ومقاومة المعتدين والظالمين ونحوه.
وقوله تعالى: "(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ) (محمد: 19)" ،، "وما أثبته البخاري في صحيحه : باب العلم قبل القول والعمل: بدأ بالأمر بالعلم بالله قبل الاستغفار وهو عبادة، وفي فضل العلم وفضل العلماء من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أكاد أحصي، جمعَتْها كتب الصحاح في أوائل أبوابها، وصنف فيها كثير من العلماء كثير من الكتب، ويكفي لغرض بحثنا بما رواه أنس بن مالك، قوله صلى الله عليه وسلم : "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، متفق عليه، ومن البديهي الذي لا مراء فيه أن غاية العلم العمل، لما روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم: الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون،.. ثم لا نحن نعلم ـ ولا غيرنا يعلم ـ كيف يمكن أن يُعبُدَ اللهُ بغير علم؟! ولا كيف يمكن أن يصلي من يريد أن يصلي بغير علم ([1])، ومن أين يحصل الإنسان على العلم النافع إن لم يحصل عليه من وسائل نظيفة طاهرة للإعلام بالحق الخالي من الشهوة والهوى!.

اتباع الرسول مفروض من الله تكليفا:

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ( البقرة: 21) تكليف بالتعلم، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} تكليف بالتعليم، ولقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (الحشر: 7) تكليف بمصدر العلم، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} طه124. فيه وعيد لمن أعرض؛ قال في تفسيرها في الجلالين: ومن تولَّى عن ذكري الذي أُذَكِّرُهُ به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة ، وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار، ويُضيَّق قبره عليه ويعذَّب فيه، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة ([2]). وقوله تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(آل عمران: 103) ، فيه وعد لمن أقبل، قال في تفسيرها الطبري"{لَعَلّكم تهتدون} يعنـي: لتهتدوا إلـى سبـيـل الرشاد, وتسلكوها فلا تضلوا عنها، أ.هـ من الطبري،فالاتباع مطلوب لكل مكلف على أنه عبادة، وهو حاجة، وفيه متعة، تتطلبها حياته الشخصية أو معاملاته الاجتماعية أو في مجال الاقتصاد والتربية والسلوك أو علاقاته بالنظام السياسي الذي يعيش فيه. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97 ، قال في التفسير الميسر: " فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة, ولو كان قليل المال, ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا". وقال تعالى: (،، وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ،،، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ* (لقمان:12)، قال في التفسير الميسر : ومن جحد نِعَمَه فإن الله غني عن شكره, غير محتاج إليه، فبقدر حاجة الإنسان إلى السعادة والأمن يكون بحاجة إلى الاتباع (اتباع الكتاب والرسول) دون الابتداع، ولولا سُنَّة الاتباع للزم كل مسلم أن يبدأ من الأول تعلم جميع المسائل من أصولها وفي ذلك مشقة عظيمة وحرج.
فالعبرة من التَّبَصُّر في الآيات ومن قراءة تاريخ الأولين ممن آمن بالله ومن لم يؤمن به إنما هي الوصول إلى الغاية المقصودة من علوم الوحي! ، فالله أثبت التكريم لابن آدم من قبل أن بُعْلَمَ إيمانه من كفره، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70)، ويعطي الرزق للمؤمن والكافر كرامة لآدم وذريته ،، ويأمر الذين آمنوا بالعبادة بمقابلٍ عظيم من الشعور بالأمن النفسي في الدنيا والآخرة! كقوله تعالى :(مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ( الشورى: 20)..العلماني لا يرضيه إلا أن يكون طالبا للمزيد، وهذه الخصلة من فحيح يهود؛فكم من كافر مُحادٌّ لله ورسوله موسع له في رزقه، فهذا قارون كما قص الله عنه: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ*وَ بْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (سورة القصص: 76،77)قال في التفسير الميسر: هو من بني إسرائيل، انحرف عن سبيل قومه، " فبغى عليهم" وطغى ، بما أوتيه من الأمور العظيمة المطغية ، حتى إن مفاتح خزائن أمواله ، تثقل الجماعة القوية عن حمل هذه المفاتيح ، فما ظنك بالخزائن؟ قال تعالى فيما يروي على لسان قارون: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي .. (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ"،، فرِِحاً بما أوتي،، "قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، لقد فُتِن به خلْق عظيم من الماديين العلمانيين أهل الحياة لأجل الدنيا فقط، لكن أهل العلم ما فتنوا،، قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) القصص /76ـ80 وكم من مؤمن رضي بالكفاف من العيش وقال: لو علم الملوك وأصحاب الإمارات ما نحن في من لذة العيش والهناء به لجالدونا عليه بالسيف!! فالدنيا دار عمل ولا حساب!! والآخرة لا عمل فيها وهي دار الحساب!!


ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1] )ومتى يصوم من لم يستعلم عن هلال رمضان؟؟ وأين يستثمر أمواله من تزود بمعلومات كاذبة من وسائل الإعلام المرتشية، لا بد من العلم الصحيح قبل العمل!.
[2] ) وجدت السائد بين بعض أهل العلم أن المعنى المقصود بهذه هو الإعراض عن الإيمان كلية، لكن النص يحتمل في تقديري دلالة تفصيلية ، فمن ترك السواك، أو من ترك قص الأظافر، أو من ترك قيام الليل أو تأخر عن صلاة الجماعة ، أو قطع الرحم،، فإنه يجد من الكدر في عيشه بقدره، قل أو كثر!، فافطن!