هذه الحرب هل هي مجرد انتقام؟
لقد ذكرنا فيما سبق تصريح وزير الخارجية الباكستاني والذي أثبت فيه اطلاعه على خطة مسبقة لشن حرب على أفغانستان من قبل أمريكا قبل وقوع أحداث سبتمبر، وكذلك نشرت بعض الصحف الفرنسية وغيرها تفاصيل مثل تلك الخطة والتي كانت معدة قبل ثلاث سنوات.
لذا قد يخطئ البعض ويظن أن حرب أمريكا على أفغانستان وملاحقتها للمجاهدين هو انتقام لما حدث لها من ضربات وليس حرباً على الإسلام والمسلمين، وبغض النظر عن الإجابة التي أوردناها في بداية الكلام وذكرنا فيها الاستعداد المسبق لهذه الحرب من قبل أمريكا، فإننا سنجيب على هؤلاء بجواب آخر أيضاً.
وهنا لا بد من معرفة ثلاثة أمور هي - بعد التسليم جدلاً بأن ما حدث هو من فعل المجاهدين وأن أمريكا أثبتت ذلك بالدليل القطعي -:
أولها: أن ما فعله المجاهدون بأمريكا في هجوم الحادي عشر على الافتراض السابق لم يفعلوه انتصاراً لأنفسهم وانتقاماً لها وإنما هو انتصار للدين وللمستضعفين من المسلمين الذين لم يسلموا من تسلط أمريكا وظلمها وقتلها إياهم بنفسها أو بوكلائها وسرقة ثرواتهم بشتى أنواع السرقات الصريحة والمغلفة.
وهو انتقام بأيديهم من هذا العدو المتغطرس الذي أسرف في طغيانه وجبروته وإذاقته بعض ما يذوقه المظلومون على يديه ممالا يحصيه العد ولا يحيط به الوصف،فهو من باب الدفع لا أكثر..
ثانيها: أننا نسأل: هل الجهاد من الإسلام أو ليس من الإسلام؟ فإذا كان الجهاد من الإسلام بل هو ذروة سنامه ولا يتم إسلام العبد إلا باعتقاد أن الجهاد من الدين فسيأتي السؤال الآخر: هل أمريكا إذا كانت لا تحارب الإسلام فهل هي لا تحارب الجهاد أيضاً؟! بمعنى: هل يمكن لأمريكا أن ترضى بالجهاد أو ترضى بعملية واحدة جهادية فضلاً عن قيام جهاد في أي مكان حتى لو لم يمسها منه أذى كما في فلسطين والفلبين والشيشان وكوسوفا وغيرها.
إنها والله لا ترضى ولا باسم الجهاد ولا بروح الجهاد ولا برائحة الجهاد من وراء حجاب.
وليس أدل على ذلك من حربها الضروس على المجاهدين في فلسطين ولم ترض بهم بحال وهي المقاومة الوحيدة التي يعترف بدعمها العرب والمسلمون على استحياء، بل إنها قد وقعت على وثيقة دولية لتعريف الإرهاب قبل أكثر من خمسين سنة تستثني هذه الوثيقة مقاومة المحتل من مسمى الإرهاب.
فإذا كانت أمريكا تحارب الجهاد فأي إسلام هذا الذي لا تحاربه وهي تنال من ذروة سنامه ليل نهار؟! نعم إنها لا تحارب الإسلام الأمريكي (الإسلام المودرن) الإسلام الذي تفصله كما تشاء.
وحسبنا والله كتاب الله إذ يقول فيه جل شأنه: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم( وهذه المناقشة التي ذكرناها في هذا الوجه ينبغي التأمل فيها سواء اعتبر المخالف ما مضى من أعمال المجاهدين (أحداث الحادي عشر على فرض صحة النسبة) أو اعتبرها جهاداً صحيحاً أولم يعتبرها فلسنا نعني محاربة أمريكا في شيء معين وإنما محاربتها للجهاد كعقيدة ومبدأ وما يتعلق به من الولاء والبراء وإظهار عداوتهم ونحو ذلك.
ثالثها: أن أمريكا إما أن يكون لها الحق في معاقبة من تلقبهم بالإرهابيين في أفغانستان، وإما أن لا يكون لها ذلك.
فمن اعتقد أن لها الحق فقد اعتقد ما لا يليق بعاقل فضلاً عن مسلم، ذلك أن أمريكا لم تتخذ الخطوات لا نقول الشرعية لأنها لا تعترف بشرعنا المطهر وذلك أشرف له، ولكنها لم تتخذ الخطوات القانونية في العرف الدولي فمثلاً – بإيجاز - ونكرر على فرض أنها أثبتت ادعاءها بدليل قطعي:
أ) لم ترفع القضية إلى محكمة العدل الدولية لإصدار حكم قضائي.
ب) لم تقبل محاكمة أولئك على أراضي أفغانستان مع أن القانون الدولي يقتضي ذلك.
ج) لم تقبل محاكمتهم في دولة إسلامية.
د) لم تقبل محاكمتهم في دولة محايدة ولو غير إسلامية بمشاركة دولة إسلامية.
هـ) بعد ذلك استعملت القوة لاقتحام دولة مستقلة وانتهاك سيادتها مع أن لها وسائل قبل ذلك كالحصار وتكرار المطالبة وليست مطالبة صورية فقط قبل الغارات الجوية بيومين لا أكثر، ونظاماً كان ينبغي عليها ألا تتخذ أي خطوة عملية إلا من خلال قرار من مجلس الأمن والعمل تحت مظلته.
و) لم تقبل المفاوضات بعد ذلك.
كل هذه الخطوات لا تعني المسلم في كثير منها لأنها تحاكم إلى الطاغوت ومع ذلك نوردها لا ثبات ما هو أبعد من مجرد اعتقاد المسلم وحده وأن فعل أمريكا لا يقره حتى غير المسلمين ممن رزق عقلاً وتحرر من القيود على التفكير.
فإذاً كيف يخطر على بال مسلم أحقية أمريكا بما تفعل ولا والله بمقدار ذرة.
وإذا لم يكن لأمريكا حق فما موقف المسلم من إخوان له يحاربهم رأس الكفر بنفسه هذه المرة وليس عبر وكلائه؟!
إن مجرد السكوت عنهم والكف عن النيل منهم وإن لم يقم به كثيرون فليس والله مع ذلك بنصرة، فإن النصرة واجبة، فإن لم تتحقق بالنفس فلا أقل من المال والكلمة والدعاء والتأييد ونشر أخبارهم الصحيحة ورفع الهمم والمعنويات وتقوية الإيمان واليقين وترسيخ الولاء للمؤمنين مهما كانوا والبراء من الكافرين مهما كانوا، واستغلال كل وسيلة لنصرة الدين والجهاد والمجاهدي،ن ومنها الوسائل الحديثة كالاتصالات والقنوات والحاسبات والإنترنت وغير ذلك.
إن من لم ينصر إخوانه المجاهدين لا عذر له مهما خالفهم في الاجتهاد إن كان من أهل الاجتهاد، لأنه إن كان يعتقد صواب ما فعلوا، سواء الهجوم على أمريكا - على فرض كونهم هم الذين قاموا به - أو ما يقومون به بعد ذلك من أي تصرف أو اجتهاد فإنه قد حكم على نفسه حينئذ بالتقصير، إذ كيف يقعد عن نصرة إخوانه مع موافقته لهم؟!
وإن كان يرى خطأ ما فعلوا كله أو بعضه فإن خطأهم خطأ مجتهد، وقد ثبت استناد المجاهدين إلى بحوث علمية واجتهادات فقهية مع من بحضرتهم من طلبة علم تقوم بفتواهم الحجة.
وهل يجوز لمن كانت هذه حاله أن يُسْلّم إلى الكفار ويخذل ويقعد عن نصرته؟!
ولئن فرضنا أننا لاعلم عندنا ولسنا أهلاً للاجتهاد في مثل تلك القضايا وقد أخطأنا في تصرفاتنا أفيكون اعتقاد ذلك عذراً في ترك المجاهدين تحت وطأة الكافر الغاشم؟!
إن غاية خطأنا أن يكون كبيرة من الكبائر وما عهدنا أصحاب الكبائر لا ينصرون على أصحاب الشرك والكفر والتثليث وكل بلية وإلحاد ونقضٍ حتى لشرائعهم المحرفة من إباحية متعفنة وإسفافٍ ما بعده إسفاف.
ثم إذا كان المجاهدون على شئ من الجهل فأين من يعتب عليهم من أهل العلم من المشاركة معهم لتعليمهم وتفقيههم وتصحيح سلوكهم والوقوف على حقيقة ما يواجهون لتنزيل الأحكام الشرعية عليها.
ولئن فرضنا على أسوء احتمال وأبعد تقدير افتراضاً لا يقبله من له أدنى سمع وبصر أن هؤلاء الكفار قد وقع عليهم ظلم من المجاهدين - على فرض ثبوت ما نسب إليهم كما تقدم - وافترضنا أن هؤلاء الكفار لم يظلموا المسلمين قيد شعرة، فما الموقف الشرعي لنصرة المظلوم الكافر؟
تجرّد أيها القاري المسلم ودع عنك الخطاب غير الشرعي فإنه ليس بعلم.