تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: معاشرَ الصائمينَ: أشْـركُـوا موتاكُـم في الأجور.

  1. #1

    افتراضي معاشرَ الصائمينَ: أشْـركُـوا موتاكُـم في الأجور.

    الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
    فليس في الناس اليومَ أحدٌ إلا وقد بُلي يوماً من الدهر ببعاد عزيز وفراقه وألحدهُ قبراً لا يُنشر منه حتى يقوم الأشهاد , والغالبُ على الناس أن يتعاظم الأسى والحزنُ والجزعُ والبكاء على الميت عند الصدمة الأولى ثم يتلاشى بفضل الله وفضل المعزين المصبرينَ شيئاً فشيئاً حتى ترى الشجي عما قريب خلياً , والثكلى راقصةً فرحةً مسرورةً , واليتيم ضاحكاً مستجمعاً مرحاً , والأرملة عروساً متزينةً لزوج جديد ... الخ.
    وليس في كل ذلك عيبٌ لأنه من غير المشروع التواصي باستدامة الأحزان وإحياء موات الأكدار حتى يقضي المُبتَلَـونَ كمداً وندامةً وحسرةً.
    لكـن
    :
    كل أمواتنا الذين نفتقدُهم لهم علينا أفضالٌ ومننٌ وأياد بيضاءُ كريمة . فمنهم من ربى ومنهم من علمَ ومنهم من وجهَ ومنهم من نصحَ ومنهم من أحسنَ إحساناً خاصاً لا يعلمه إلا الله , وجميعهمُ اليومَ مرهونون بأعمالهم , ومطويةٌ صحائفهم , لا تزدادُ حسنةٌ لواحد منهم إلا عبر أحيائه الذين خلفهم في الدنيا أو صدقاته الجارية أو علمه المُنتَفع به , ولا تُمحَـى عن واحد منهم خطيئةٌ إلا باستغفار أحيائه الذين خلفهم في الدنيا وإهدائهم الثواب له , والمحبة الخالصةُ لهم تقتضي من الأحيـاء أن يتعاهدُوهم بالحسنات بين الحين والآخَـر.
    وعليه:

    فقد أحببتُ لفت الانتباه إلى أن للميتينَ من آبائنا وأمهاتنا وإخوتنا وأخواتنا وأزواجنا وذوي أرحامنا وصداقاتنا وأشياخنا حقٌ عظيم تقتضيه أواصر المحبة والفداء والقرب التي كانت تجمعنا وإياهم في الحياة الدنيا فكما نفرحُ اليوم بقارورة الطيب والكتاب القيم والثوب الأنيق والكلمة العذبة والعبارة الرائقة إن أهداها لنا من نحبه ونجله ونفتديه , فالأمواتُ أشد فرحاً بالحسنة تفد إليهم من أحبابهم في الدنيا مغلفةً بالتذكر ورعاية العهد ومختومةً بخاتم الرجاء في رفعة الدرجات وزيادة الحسنات وحط الخطيئات , وهذا أقل ما للميتينَ علينا من حقوق , لهم حق في الاستغفار الدائم والدعاء في مظان الإجابة , ولهم حق في إهداء الثواب وأجور القرُبات , وما يُدريك أيها الحي الذي لا يزالُ في فسحة من أمره لعل الله تعالى يرفعُ عن المعذب منهم عذاباً ببركة إهدائك , ويزيد المُنْـعَمَ عليه نعيما بسبب استغفارك , وأنت أيها المُستغفر المهدي للثواب كاملُ الأجر لا ينقصُ من أجرك شيءٌ , ولا تزيدُ على العمل إلا نية الإهداء , والعاجز من أعيته النية فغلبتهُ عليها نفسُه.
    ومعقدُ الإجمَـاع في هذا الباب هو أن الإحسَـانَ للميت بالدعاء الصالح والاستغفَـار من الذنوب أمرٌ جَرى عليه عملُ الأمة من لدن رسولها إلى قيام الساعة ولا يُخالفُ فيه مسلمٌ , لأن الله تعالى يقول ممتَدحاً عبادَهُ المؤمنينَ بهذه الخصلة وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ والمُرادُ بوصف إِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ هم أمواتُ المسلمينَ عامةً.
    ومن تأمل حياة الحبيب المُصطفى وجد فيها هذا الحس الأخوي الصادق وبواعث الشفقة والرحمة والتواصي بنفع موتى المُسلمينَ ظاهرةً جليةً لا يزيغُ عنها إلا أعمى أو مُتعام , ولا عجب فهو من الجميع بأنفسهم وهو بهم رؤوف رحيم , وكان يستغفر ويوصي الأمة بالاستغفار لكل أصناف الميتين من أمته .
    بالنسبة لعموم الأمة فقد جاء في الحديث الصحيح يقول عثمان ررر كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا ؛ لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ , وهذا في عُموم المَوتى من المسلمين لأن تعبير الصحابي بقوله كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُحمَلُ على الاستمرار والتغليب ما لم يمنع من ذلكَ مانعٌ شرعي مثل حديث حمل أمامة وصلاته جالساً وغير ذلك مما لا يسوغُ حمله على المُداومة والاستمرار , أما في حديثنا هذا فــكانَ محمولة على الاستمرار والتغليب على فعله عند دفن الموتى, والله أعلم.
    وبالنسبة لأهل السابقة والفضل والكرامة والتضحية والبذل والنصرة للضعفاء من أموات المُسلمينَ فقد كان يستغفرُ لهم ويأمر الصحابة بذلك وإن بعدت أمصارُهم وملاحدُهم ففي الحديث الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَعَى لصَحَابته النَّجَاشِىَّ فِى الْيَوْمِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ فَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ , وَصَفَّهُمْ فِى الْمُصَلَّى فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا .

    وبالنسبة للشهداء الذين علم النبي بوحي من الله أنهم في الجنة فلم يكن يتركُ الاستغفار لهم وأمر الناس بذلك أيضاً , وهذا نستفيدُ منه أنه ليس أحدٌ من موتى المسلمين أعلى منزلةً من أن تُطلب له المغفرة والصفح والعفو ولو كان في أعين الناس بلغ مبلغاً عظيما من القرب من الله تعالى فهو مُحتاجٌ إلى الاستغفار وأن نطلب من الله مسامحته والصفح عنه حتى ولو كان بمنزلة جعفر بن أبي طالب ررر أو زيد بن حارثة ررر أو عبد الله بن رواحة ررر , والذين قال فيهم رسول الله في الحديث الصحيح أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا الْغَازِى؟ إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا حَتَّى لَقُوا الْعَدُوَّ فَأُصِيبَ زَيْدٌ شَهِيدًا فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِى طَالِبٍ فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا أَشْهَدُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى أُصِيبَ شَهِيدًا فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ فإن كان هؤلاء الشهداء الثلاثة رضي الله عنهم من أهل الجنة بوحي من الله يُشرع الاستغفار لهم فإن ذلك آكد في حق من دونهم من الأموات وهو في جناب من بعدَهم آكدُ.
    وبالنسبة لمن تُقام عليهم الحدود والتعزيرات , أو يموتون وقد عمل أحدهم في كثير من حياته بعمل أهل السوء فهؤلاء أيضاً ينبغي أن يُستغفرَ لهم ويحرُم على أحد أن يرى لنفسه فضلاً عليهم فالعبرة بالخواتيم ولا يعلم أحد ما الذي يُطوى عليه كتابُه.؟
    جاء في الحديث الصحيح وقصة مَجيئ مَاعِز بْن مَالِكٍ ررر إِلَى النَّبِىِّ واعترافه بالزنى حتى رُجِمَ فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ لَقَدْ هَلَكَ لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ وَقَائِلٌ يَقُولُ مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ ... الشاهدُ ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ والصحابةُ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالُوا غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ .
    ولو تأملنا هذه الأحوال الأربع لوجدنا كل المسلمين غيرَ خارجين عن أحد منها إطلاقاً , فنستفيد من ذلك التأكيد على أن الاستغفار لكل ميت قربةٌ جليلةٌ وسنةٌ حسنةٌ جميلةٌ , ودليلٌ على الإحساس بالغير , وصاحبُها القائمُ بها حري بأن يقيض الله له في قبره من يصله بالاستغفار والدعاء الصالح , والاستغفارُ لعموم المسلمين والأموات منهم خصوصاً سنةٌ نبويةٌ كما في الحديث الحسن عن النبي قال من استغفر للمؤمنين والمؤمنات، كتب الله له بكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ حسنة , ومعنى ذلك أن من استغفر الله لكل المؤمنين فقد ثقلت موازينه وهو بإذن الله من المفلحين .
    ومن فَضل الله تعَالى على الناس وعلى عباده المؤمنين خُصوصاً أنه وكل بعضَ ملائكته بهذه المهمة النبيلة وهي الاستغفار للمؤمنين , وهذا يبعث المؤمنَ على أن يستشعر أن أقربيه إن تناسوه بعد موته وغفلوا عنه فلن تغفل عنه ملائكة الله.

    المحور الثاني: إشراك أمواتنا في الأجور بإهداء الثواب

    هذا المحور الثاني لا يمكن للملائكة الكرام أن يُشاركوا فيه , وهو عملٌ لا يصلحُ من غير المُكلفين بعضهم لبعض , والأمواتُ منتفعُـونَ به لا محالةَ , وهو متشعبٌ وذو صور عديدة تتردد بين الإجماع على بعضها كسقيا الماء عن الميت والخلاف في بعضها كإهداء ثواب القرآن وبدعية بعضها كالحج عن رسول الله .
    ولن نتجاوز تذكير بعضنا بما يصلُ ثوابه للميت من غير خلاف حتى لا يتحول الموضوع من موعظة وذكرى إلى جَدَل وخصام.
    فمن المشاريع النافعة التي يُمكن أن نحتسب عند الله أجر انتفاع الأموات بها سقيا الماء بحفر الآبار ووضع البرادات وشراء الماء للصائمين والقائمين والعاكفين والعمالة والمسافرين وإلحق ثواب كل ذلك لمن نشاءُ من أمواتنا المقربينَ , ولو لم يكن في التصدق عن الميت بالماء وإلحاق الثواب له إلا أنه وصية رسول الله وإشارتُـهُ على صاحبه البار بأمه سعد بن عبادة ررر لكَـفَـى ذلكَ حباً إلى الله وقربةً إليه.
    ذلك أنه صح عن النبي أنْ جاءهُ سعدُ بن عبادة فقال يا رسول الله إن أم سعد كانت تحب الصدقة ، أفينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال نعم ، وعليك بالماء .
    وسقايةُ الماء اليومَ مع عظم ثوابها ومحبة الله لها لا تكلف شيئاً أبداً , ونحنُ نرى في الحرمين وعلى الطرقات وفي كثير من المساجد أقواما أراد بهمُ الله خيراً فوفقهم لسقاية الماء ومن المناسب جداً أن يكون ثواب هذه الجهود هدية للأموات فينوي العاملون الصدقةَ عن أهليهم بذلك تحقيقاً لهذه السنة وعملاً بإشارة رسول الله , وقد وقفتُ مع بعض الأحبة على آبار حفرها بعضهم قبل خمس وعشرين عاماً لا يزالُ الناس والدواب والأنعامُ يشربون منها حتى الساعة , ولنا أن نتساءل عن غبطة الميت وسروره بهذه البئر لو كانت في صحيفته , وقس على ذلك برادات الماء وغيرَها , والله لايُضيعُ أجر من أحسنَ عملاً.
    ويلتحقُ بالماء إهداء ثواب الطعام كإفطار الصائمين ودعوة المُحتاجين وإطعام الطعام عُموماً لأنه صدقةٌ , والصدقة تصل الميت وينتفعُ بها إجماعاً كما يقول شيخا الإسلام النووي وابن تيمية رحمهما الله.
    ويلتحق بذلك عتق الرقاب وإلحاق ثوابها للميت والحج عنه أيضاً لما ثبت من مقولة النبي لابن العاص بن وائل إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ , وعتق الرقاب وإن عُدم اليوم فلا يزالُ العفوُ عن القتَلة وعتق رقابهم يسد مسدهُ , ولا تزال الشفاعة في المحكومين بالقصاص لدى أولياء الدم مجالاً لا يقل أجراً عنهُ وحظوةً عند الله تعالى.

    وفائدةُ الإشارة والحض والتنبيه على هذه القضية تتلخص في أمرين:
    أن الميت إن كان محسناً زاد الإهداء والاستغفارُ في إحسانه وارتفعت به درجاته كما ثبت في الحديث عن النبي إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِى هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ والولدُ هنا خرجض مخرجَ الغالب وإلا فاستغفار غير الولد موصلٌ إلى نفس النتيجة , كما أن تخصيص الاستغفار هنا محمول على الغالب وعلى تفضيله على غيره وإلا فالصدقات من الماء والطعام والحج والعتق توصل لنفس النتيجة بحول الله.

    أن الميت إن كان مُسيئاً ومستحقاً للعقوبة على كبائر اقترفَـها في حياته ولم يتب منها كان الاستغفارُ له والتصدق عنه وإلحاق الثواب له سببا في زيادة حسناته وعفو الله عنه وسقوط استحقاقه للعقوبة على الكبائر كما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة , قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِلَا عَذَابٍ إمَّا لِحَسَنَاتِ تَمْحُو كَبِيرَتَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ .

    والأمواتُ -أَحْسَنَ اللَّهُ ثَوَابَهُمْ وَأَكْرَمَ نُزُلَهُمْ وَمَآبَهُمْ- في القسمة العقلية لا يخرجونَ عن هذين الصنفين , فلنتواصَ أيها الأحبة بالإحسان إليهم وتذكرهم والصدقة عنهم , ولي عودة إلى الموضوع أرتبه فيها بشكل أوضح وأكمل نواقصه إن شاء الله ذلك ويسره , لأنه خاطرةٌ كتبتُها غير مرتبة ولا مُمنهجة , والحمد لله رب العالمين.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,967

    افتراضي رد: معاشرَ الصائمينَ: أشْـركُـوا موتاكُـم في الأجور.

    جزاك الله كل خير يا ابا زيد وبارك فيك
    ونسأل الله ان يرحم امواتنا واموات المسلمين
    الليبرالية: هي ان تتخذ من نفسك إلهاً ومن شهوتك معبوداً
    اللهم أنصر عبادك في سوريا وأغفر لنا خذلاننا لهم

  3. #3

    افتراضي رد: معاشرَ الصائمينَ: أشْـركُـوا موتاكُـم في الأجور.

    جزى الله الأحبة على التنبيه سواء من راسل على الخاص أو حدد موضع استشكاله , وأعود لإكمال الموضوع فأقول:
    إنَّ رسولَ الله صصص أظهَر في الشِّرعَـةِ التي بُعثَ بها جوانبَ الشفقة والاهتمَـامِ بالمَـوتَى أجمعينَ من أوَّل ساعةٍ يلقونَ فيها اللهَ تَعالى , فحثَّ الأمَّـةَ - في الصحيح عنهُ - على إخلاصِ الدُّعَـاء للميِّـتِ حين الصَّلاة عليهِ فقال إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ , ثم زارَ القُبورَ وحثَّ على زيارتِـها لسببين:
    عظة الزائر وادِّكَـارُه.
    نفعُ الميت بالاستغفَـار لهُ والدعاء له.
    ويدل على الأخير فعلهُ صصص كما في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها في وصف ليلتِـها من مبيته معها قالت كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ ، فَيَقُولُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ .
    وللشيطَـانِ مدخلُ تلبيسٍ يشغبُ به على بعضِنا فإن كان ميتهُ على خير وصَلاح قال له اعمل لنفسك فمثلُ هذا لا يُخاف عليه , فقد كـانَ ... وكانَ .... وكانَ .... وكانَ.... الخ.
    وإن كانَ ميتُهُ على سوءٍ في الظاهر للناس قال وما يُغني عنهُ الماء والاستغفارث فهذا كانَ يقترفُ ويجني وكان يفعلُ ويفعلُ و كـانَ ... وكانَ .... وكانَ .... وكانَ.... الخ.
    وإلجامُ الشيطان الرجيم في هذه الحالة يتحقَّقُ بما سبقَ التنبيه إليهِ من:
    أن الميت إن كان محسناً زاد الإهداء والاستغفارُ في إحسانه وارتفعت به درجاته, و إن كان مُسيئاً ومستحقاً للعقوبة على كبائر اقترفَـها في حياته ولم يتب منها كان الاستغفارُ له والتصدق عنه وإلحاق الثواب له سببا في زيادة حسناته وعفو الله عنه وسقوط استحقاقه للعقوبة.
    ومسألةُ تكفير ذنوب المَـوتى بسبب فعل الأحياء عنهم وإهدائهم للثواب ثابتةٌ في السنَّـة عن النبي كما في الصحيح من حديث أبي هريرة ررر أنَّ رجلاً سألَ النَّبيَّ فقال إِنﱠ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَاﻻ وَلَمْ. يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّر عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّق عَنْهُ .؟ قَالَ صصص نَعَمْ .
    فقول الرجل للنبي فَهَلْ يُكَفِّر عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّق عَنْهُ متوجهٌ إلى الذنوب والآثام صغيرها وكبيرها فهو عام في كل خطيئة خَـلا الشرك , وكذلك حذفُ المفعول (المُتصَدَّق بهِ) يدل على العموم كما هو مستقرٌّ عند أهل اللسان العربي , وهذا يعني حصول تكفير السيئاتِ بسبب الصدقة عن الميت بكل شيء تجوز الصدقة به من سقاية الماء وطباعة الكتب وحمل المنقطعين ووضع المغارم وإطعام الطعام وإشادة المساجد وتوزيع المصاحف وفرش المساجد إلى غير ذلك مما لا ينحصرُ من مجالات الصدقة , والله تعالى أعلمُ.
    ومن الجميل جداً أن تتفكر الأخواتُ في زوائد الأطعمة لديهنَّ فيقُمنَ بتحسينها وإعدادها وجبةً طيبة للجيران والعمالة والأقربين وينوون بذلك الصدقة عمَّـن يُردن من الأمواتِ , وأجملُ منهُ أن ينوي قيومُ الأسرة إن كَسَى بنيهِ وزوجَـهُ للعيد شراءَ كسوةٍ ليتامى أو مساكين أو فقراء ويكسوهم بها للعيد ويلحق ثوابها لمن يريد من الأمواتِ , وجميلٌ بمن يسألهُ الأطفالُ يوم العيد أن يعطيهم ما يفرحون به أن ينوي من الآن جعلَ تلك المبالغ البسيطة صدقةً عمَّـن يُريد من الأمواتِ , وما تفعلوا من خير يعلمْـهُ الله , ومن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يرهُ.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •