شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
المواضع التي نهي عن البول فيها
صــ 1إلى صــ13
الحلقة (41)
شرح سنن أبي داود [020]
لقد بين لنا الصحابة رضوان الله عليهم صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى كل مسلم ومسلمة أن يعرفها حتى تكون طهارته صحيحة كاملة، ومن أجمع من روى صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه في حديثه المعروف.
صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم
[شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان أنه قال: (رأيت عثمان بن عفان توضأ فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)].
أورد أبو داود رحمه الله بابا في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اعتنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بضبط كيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم وبينوها للناس بالأقوال وبالأفعال، وقد جاء عن عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما روايات متعددة في وصفهم لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل،
وأنهم توضئوا والناس يرونهم وقالوا: إن هذه صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان السنن بالقول والفعل.أورد أبو داود رحمه الله روايات عديدة عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفة تتعلق ببيان الكيفية من أول الوضوء إلى آخره،
وحاصل ما ورد في ذلك: المضمضة والاستنشاق ثلاثا أولا، ثم غسل الوجه ثلاثا، ثم غسل اليدين إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح الرأس مرة واحدة، ثم غسل الرجلين إلى الكعبين ثلاثا، هذا هو الحد الأعلى الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي لا يجوز الزيادة عليه وهو التثليث، وجاء عنه ما يدل على الاكتفاء بأقل من ذلك، فجاء الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وسيعقد أبو داود رحمه الله أبوابا لهذه الأعداد، وقد جاءت في حديث عثمان وحديث علي وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله: [(رأيت عثمان بن عفان توضأ)].
يعني: حصل منه الوضوء وهو يراه ثم فصل ذلك الوضوء الذي رآه يفعله.
قوله: [(فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما)].
يعني: لم يغمس يده في الإناء، وهذا يدلنا على استحباب غسل اليدين قبل غمسهما في الإناء عندما يريد الإنسان أن يتوضأ في أي وقت، إلا ما تقدم عند القيام من الليل فإنه يتعين الغسل وفي غير ذلك يستحب، وهذا الذي جاء في حديث عثمان رضي الله عنه يدل على أنه مستحب وليس بواجب.والذي جاء في القرآن كما هو معلوم هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين، هذه هي الفروض التي جاءت في القرآن، وليس فيه ذكر غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، ولكن جاء ذلك في السنة.إذا: هو من قبيل المستحبات وليس أمرا متحتما وليس أمرا لازما إلا عند القيام من نوم الليل.
قوله: [(ثم تمضمض واستنثر)].
يعني: استنشق؛ لأن الاستنثار هو إخراج الماء بعد إدخاله في الأنف، وإدخاله في الأنف استنشاق،
يعني: أنه وجد منه الاستنثار بعد أن وجد الاستنشاق، وفي بعض الروايات ذكر الاستنشاق ولم يذكر الاستنثار، ومن المعلوم أن واحدا منهما يكفي عن الآخر.فيأتي ذكر الاستنشاق وحده ويأتي ذكر الاستنثار وحده والمقصود به إدخال الماء إلى الأنف وجذبه بقوة النفس ثم إخراجه بعد أن دخل في الأنف.
فقوله: (ثم تمضمض واستنثر) يعني: أدخل الماء في فمه وأداره فيه ثم مجه وأخرجه، وكذلك أدخل الماء في أنفه وجذبه بالاستنشاق ثم استنثره،
أي: أخرجه،
وقد جاء في الحديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) لأن الإنسان إذا كان صائما وبالغ في الاستنشاق فقد يدخل الماء إلى جوفه عن طريق أنفه.جاء في بعض الأحاديث وبعض الروايات ذكر العدد وأنه تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا.
قوله: [(ثم غسل وجهه ثلاثا)].وهذا ظاهر.
قوله: [(وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا)].(إلى) هي بمعنى (مع) يعني: أن الغاية داخلة في المغيا،
ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (حتى شرع في العضد) يعني: غسل ذراعه حتى تجاوز المرفقين، فالغاية داخلة في المغيا وليست خارجة عنه، فالمرفقان مغسولان تبعا لليدين.قوله: [(ثم اليسرى مثل ذلك)].
يعني: غسلها ثلاثا.
قوله: [(ثم مسح رأسه)].
يعني: لم يذكر عددا بل أطلق،
وقد جاء في بعض الروايات: (مرة واحدة) وهذا هو الذي يناسب بالنسبة للرأس،
أي: المسح وليس الغسل بدون تكرار؛ لأن تكرار المسح هو بمثابة الغسل؛ فإذا كرر المسح فكأنه غسله، والرأس حكمه المسح وليس الغسل، والمسح يبدأ من مقدمة رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهذه تكون مسحة واحدة.
قوله: [(ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا، ثم اليسرى مثل ذلك)].
يعني: إلى الكعبين ثم اليسرى فعل فيها مثل ما فعل في اليمنى.
قوله: [(ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا)].توضأ والناس يرون،
ثم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئه، وهو إنما فعل ذلك ليبين لهم كيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم.قوله: [(ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)].
يعني: ركعتين بعد الوضوء،
يعني: أنه إذا توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه فإن الله تعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه، والمقصود من ذلك الصغائر، أما الكبائر فإنه لابد فيها من التوبة؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن التكفير بالأعمال الصالحة إنما يكون للصغائر وأما الكبائر فإنه لابد فيها من التوبة حتى تغفر، فإذا توضأ وضوءا على هذه الهيئة وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه وهو مصر على كبيرة من الكبائر فإن ذلك لا يكفرها وإنما تكفرها التوبة، ولهذا جاء في بعض الأحاديث ما يدل على التقييد،
حيث قال صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر) ويقول الله عز وجل: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء:31].
وقوله: (لا يحدث فيهما نفسه) المقصود بحديث النفس هو أن يحدث نفسه بأمور الدنيا، يكون شغله وتفكيره في أمور الدنيا، أما لو حصل هجوم خاطر على الإنسان ثم دفعه وانصرف عنه وأقبل على صلاته، فإن ذلك يكون معفوا عنه إن شاء الله ويحصل ذلك الأجر.
[تراجم رجال إسناد حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم]
قوله: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني].
الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يزيد الليثي].
عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حمران بن أبان].
حمران بن أبان مولى عثمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان].
عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين ذو النورين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق ثانية]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال: (رأيت عثمان بن عفان توضأ فذكر نحوه ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، ومسح رأسه ثلاثا، ثم غسل رجليه ثلاثا ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه، ولم يذكر الصلاة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه قال: (فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق) يعني: نحو ما تقدم من حديث عطاء بن يزيد الليثي عن حمران، لكن عطاء بن يزيد ذكر المضمضة والاستنشاق ولم يذكر عددا، وهنا في الرواية الثانية التي هي رواية عبد الرحمن بن وردان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن حمران ولم يذكر المضمضة والاستنشاق التي ذكرها في الإسناد الأول.
قوله: (ومسح رأسه ثلاثا).في الرواية الأولى ذكر أنه مسح رأسه ولم يذكر عددا، وهذه زيادة فيها ذكر العدد، ولكن أكثر الرواة الذين رووا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكروا العدد، وكما هو معلوم هذا الحديث في إسناده من تكلم فيه وهو عبد الرحمن بن وردان.قوله: (ثم غسل رجليه ثلاثا،
ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه) يعني: دون الثلاث،
وهذا معناه: أن الثلاث هي حد الكمال ونهاية الكمال، ولكن لو أن إنسانا توضأ دون ذلك، بمعنى أنه توضأ مرتين أو مرة واحدة، فإن ذلك يكفي، لكن المرة الواحدة لا بد فيها من استيعاب الأعضاء كلها، بحيث تكون كافية لا بد من مرور الماء على جميع أعضاء الوضوء.فإذا: من توضأ دون الثلاث بأن غسل مرتين أو غسل مرة واحدة أو بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين، فإن كل ذلك سائغ، فله أن يغسل ثلاثا وله أن يغسل اثنتين وله أن يغسل واحدة، وله أن يخالف أيضا في العدد بين أعضاء الوضوء، بأن يغسل بعضها اثنتين وبعضها ثلاثا وبعضها مرة واحدة، كل ذلك لا بأس به.
قوله: (ولم يذكر الصلاة) يعني: لم يقل: (ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه) فهذا اللفظ لم يأت في رواية عبد الرحمن بن وردان عن أبي سلمة.
[تراجم رجال إسناد حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق ثانية]
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي البصري أبو موسى الملقب ب الزمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فإنهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا الضحاك بن مخلد].
الضحاك بن مخلد هو أبو عاصم النبيل مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه ونسبه كما هنا؛
لأنه قال هنا: الضحاك بن مخلد، ويأتي في بعض الروايات أبو عاصم، فيذكر بكنيته أحيانا ويذكر باسمه أحيانا، وقد ذكرت فيما مضى أن معرفة الكنى من الأمور المهمة في علم مصطلح الحديث، وفائدة ذلك ألا يظن الشخص الواحد شخصين، بحيث لو ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته فإن الذي لا يعرف أن صاحب الكنية هو صاحب هذا الاسم يظن أن هذا شخص وهذا شخص، لكن من عرف لا يلتبس عليه الأمر، فإن جاءه أبو عاصم عرف أنه الضحاك بن مخلد، وإن جاء الضحاك بن مخلد عرف أنه أبو عاصم.
[حدثنا عبد الرحمن بن وردان].
عبد الرحمن بن وردان مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان].
حمران وعثمان قد مر ذكرهما.
يتبع