تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 7 الأولىالأولى 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 123

الموضوع: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة الإنسان

    و تسمى سورة الدهر و الأمشاج و " هل أتى " , و هي مكية و آيها إحدى و ثلاثون .

    ( هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يَكن شيئا مذكورا ) يقول الله تعالى مُخبِرا عن الإنسان أنه مر عليه دهرٌ طويل , و هو الذي قبل وجوده , و هو معدوم بل ليس مذكور , ثم أوجده بعد ذلك .
    قال الشهاب : و قد علم – أي الله تعالى – أنهم يقولون – أي منكري البعث - : نعم , قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه . فيقال لهم : فالذي أوجدهم بعد أن لم يكونوا , كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم ؟

    ( إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) لما أراد الله تعالى خلق الإنسان , خلق أباه آدم من طين , ثم جعل نسله متسلسلا " من نطفة أمشاج " قال ابن عباس : يعني ماء الرجل و ماء المرأة إذا اجتمعا و اختلطا , ثم ينتقل بعدُ من طور إلى طور , و حال إلى حال .

    ( نبتليه ) أي نختبره بالتكاليف بالأمر و النهي و ذلك عند تأهله لذلك بالبلوغ و العقل .

    ( فجعلناه سميعا بصيرا ) أي : جعلنا له سمعا و بصرا يتمكن بهما من الطاعة و المعصية .

    ( إنّا هديناه السبيل ) أي بيّنا له طريق الخير و النجاة , و طريق الشر و الهلاك , و ذلك ببعثة الرسل و إنزال الكتب .

    ( إمّا شاكرا و إمّا كفورا ) و الإنسان إمّا أن يسلك سبيل الهدى فيكون شكورا , و إما أن يسلك سبيل الغيّ و الضلال فيكون كفورا , قال صلى الله عليه و سلم : " كل الناس يغدو , فبائع نفسه فموبقها أو معتقها " رواه مسلم .
    و الشكور المؤمن الصادق في إيمانه المطيع لربه , و الكفور المكذب بآيات الله و لقائه .

    ( إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا ) إنّا هيأنا و أرصدنا لمن كفر بالله , و كذب رسله , و تجرأ على المعاصي , سلاسل ليقادوا بها و يستوثق بها منهم شدّا في الجحيم . ( و أغلالا ) لتشد فيها أيديهم إلى أعناقهم . ( و سعيرا ) أي : نارا تستعر بها أجسامهم , و تحرق بها أبدانهم , " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها , ليذوقوا العذاب " و هذا العذاب دائم لهم أبدا , مخلدون فيه سرمدا .

    ( إن الأبرار ) أي المؤمنين المطيعين في صدق لله و الرسول .

    ( يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) أي : شراب لذيذ من خمر قد مُزج بكافور لبرودته و بياض لونه و طيب رائحته . و هذا الكافور في غاية اللذة , قد سلم من كل مكدر و منغص , موجود في كافور الدنيا .

    ( عينا يشرب بها عباد الله ) هذا الذي مُزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا خالصا بلا مزج و يَرْوَوْنَ بها . قال بعضهم : هذا الشراب في طيبه كالكافور . و قال بعضهم : هو من عين كافور .

    ( يفجرونها تفجيرا ) أي يتصرفون فيها و يجرونها و يسيلونها حيث شاؤوا و أين شاؤوا , من قصورهم و دورهم و مجالسهم و محالهم . و التفجير هو الإنباع , كما قال تعالى : " و قالوا لن نؤمن لك حتى تُفجر لنا من الأرض ينبوعا " . و قال : " و فجَّرنا خلالهما نهرا " .

    ( يوفون بالنّذر ) أي كانوا في دار الدنيا يوفون بالنّذر و هو ما يلتزمونه من طاعات لربهم كالصلاة و الصيام و الحج و الصدقات تقربا إلى ربهم و تزلفا إليه . و إذا كانوا يوفون بالنذر , و هو لم يجب عليهم , إلا بإيجابهم على أنفسهم , كان فعلهم و قيامهم بالفروض الأصلية , من باب أولى و أحرى .

    ( و يخافون يوما كان شره مستطيرا ) أي يتركون المحرمات التي نهاهم الله تعالى عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد , و هو اليوم الذي شره منتشر عام على الناس إلا من رَحِم الله .

    ( و يطعمون الطّعام على حبّه ) و يطعمون الطعام في حال محبتهم و شهوتهم له كقوله تعالى " و آتى المال على حُبّه " , و كقوله تعالى : " لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبون " . و في صحيح مسلم : " أفضل الصدقة أن تصدّق و أنت صحيح , شحيح , تأمل الغنى , و تخشى الفقر " . فهم يقدمون محبة الله على محبة نفوسهم .

    ( مسكينا و يتيما و أسيرا ) و إنما اقتصر على الثلاثة لأنهم من أهم من تجدر الصدقة عليهم . فإن المسكين عاجز عن الإكتساب لما يكفيه . و اليتيم مات من يعوله و يكتسب له , مع نهاية عجزه بصغره . و الأسير لا يملك لنفسه نصرا و لا حيلة .

    ( إنما نطعمكم لوجه الله ) أي لا نقصد بإطعامكم إلا ثوابه تعالى و القربة إليه و الزلفى عنده .

    ( لا نريد منكم جزاءً و لا شكورا ) لا نطلب منكم مجازاة تكافئونا بها في يوم ما من الأيام , و لا أن تشكرونا عند الناس . قال مجاهد و سعيد بن جبير : أما و الله ما قالوه بألسنتهم , و لكن علم الله به من قلوبهم , فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب .

    ( إنّا نخاف من ربّنا يوما عبوسا قمطريرا ) إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا و يتلقانا بلطفه , في يوم ضيق شدي الجهمة و الشر , ثقيلا طويلا لا يطاق .

    ( فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ) أي : آمنهم مما خافوا منه , فلا يحزنهم الفزع الأكبر , و تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون .

    ( و لقّاهم نضرة و سرورا ) أي : أكرمهم و أعطاهم نضرة في وجوههم , و سرورا في قلوبهم , فجمع لهم بين نعيم الظاهر و الباطن . و هذه كقوله تعالى : " وجوه يومئذ مّسفرة . ضاحكة مستبشرة " .

    ( و جزاهم بما صبروا ) بسبب صبرهم على فعل الصالحات و عن ترك المحرمات , أعطاهم و توَّلهم و بوَّأهم ( جنّة و حريرا ) منزلا رحبا , و عيشا رَغَدًا , و لباسا حسنا .

    ( متّكئين فيها على الأرائك ) الإتكاء : التمكن من الجلوس , في حال الرفاهية و الطمأنينة , و الأرائك و هي السرر التي عليها اللباس المزين .

    ( لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا ) أي : ليس عندهم حرّ مزعج , و لا برد مؤلم , بل جميع أوقاتهم في ظل ظليل , لا حر و لا برد , بحيث تلتذ الأجساد , و لا تتألم من حر و لا برد .

    ( و دانية عليهم ظلالها ) أي قريبة منهم أشجارها , فهي تظللهم و يجدون فيها لذة التظليل و راحته و متعته و إن لم يكن هناك شمس تستلزم الظل .

    ( و ذلّلت قُطُوفها تذليلا ) أي قربت ثمراتها من مريدها تقريبا ينالها , و هو قائم , أو قاعد , أو مضطجع , فلا شوك به و لا بُعد فيه , سهل التناول لأن الدار دار نعيم و سعادة و راحة و روح و ريحان .

    ( و يطاف عليهم بآنية من فضة و أكواب كانت قواريرا , قواريرا من فضة ) أي : يطوف عليهم الخَدَم بأواني الطعام , و هي من فضة , و أكواب الشراب و هي الكيزان التي لا أذن فيها , يرى باطنها من ظاهرها لصفائها . مادتها فضة و صفاؤها صفاء الزجاج . و هذا مما لا نظير له في الدنيا , عن ابن عباس : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتهم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة .

    ( قدّروها تقديرا ) أي : قدروا الأواني المذكورة على قدر ريّهم , لا تزيد و لا تنقص , بل هي معدَّة لذلك , مقدرة بحسب ريّ صاحبها . و هي كذلك مقدرة على قدر الكف .

    ( و يسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) أي : و يسقون – يعني الأبرار أيضا – في هذه الأكواب خمرا , تارة يُمزج لهم بالكافور و هو بارد , و تارة بالزنجبيل و هو حار , ليعتدل الأمر , و هؤلاء يمزج لهم من هذا تارة و من هذا تارة . و أما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صِرْفًا .

    ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) أي : الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلا , و ذلك لسلاسة سيلها و حدّة جَريها , و لسلاستها في الحلق أيضا .

    ( و يطوف عليهم ولدان مخلّدون ) و يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنّة , لا يتغيرون و لا يكبرون و لا يموتون , و هم في غاية الحسن .

    ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة , و كثرتهم , و صباحة وجوههم , و حُسن ألوانهم و ثيابهم و حليهم , حسبتهم لؤلؤا منثورا . و لا يكون في التشبيه أحسن من هذا , و لا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن .

    ( و إذا رأيت ثَمَّ ) و إذا رأيت يا محمد هناك , يعني في الجنة و نعيمها و سعَتَها و ارتفاعها و ما فيها من الحَبْرَة و السرور .

    ( رأيت نعيما و مُلكا كبيرا ) أي : مملكة لله هناك عظيمة و سلطانا باهرا . و ثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها , و آخر أهل الجنة دخولا إليها : " إنّ لك مثل الدنيا و عشرة أمثالها " . فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة , فماظنك بما هو أعلى منزلة , و أحظى عنده تعالى .

    ( عاليهم ثياب سندس خضر و إستبرق ) أي : لباس أهل الجنة فيها الحرير , و منه سندس , و هو رفيع الحرير كالقمصان و نحوهما مما يلي أبدانهم , و الإستبرق و هو ما غلظ من الديباج و فيه بريق و لمعان , و هو مما يلي الظاهر , كما هو المعهود في اللباس .

    ( و حلّو أساور من فضّة ) حلّوا في أيديهم أساور الفضة , ذكورهم و إناثهم . و هذه صفة الأبرار , و أما المقربون فكما قال : " يُحَلّون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤا و لباسهم فيها حرير " .

    ( و سقاهم ربهم شرابا طهورا ) لا كدر فيه بوجه من الوجوه , مطهرا لما في بطونهم من كل أذى و قذى .

    ( إنّ هذا ) الجزاء الجزيل و العطاء الجميل ( كان لكم جزاءً ) على ما قدمتم من الصالحات ( و كان سعيكم مشكورا ) أي مجازًى عليه غير مضيَّع , بل جزاكم الله على القليل بالكثير .

    ( إنّا نحن نزّلنا عليك القرآن تنزيلا ) إن هذا القرآن ما افتريته و لا جئت به من عندك و لا من تلقاء نفسك كما يقول المشركون , بل هو وحي منزل من عندنا , نزلناه عليك شيئا فشيئا لحكمة بالغة .
    و القصد من هذا تثبيت قلبه صلوات الله عليه , و شرح صدره و تحقيق أن المنزّل وحي . و عدم المبالاة برميهم له بالسح و الكهانة .

    ( فاصبر لحكم ربك ) أي : كما أكرمك بما أنزل عليك , فاصبر على قضائه و قدره , و اعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره .

    ( و لا تطع منهم آثما أو كفورا ) لا تطع الكافرين و المنافقين إن أرادوا صدّك عما أنزل إليك , بل بلّغ ما أنزل إليك من ربك , و توكل على الله , فإن الله يعصمك من الناس . و الآثم هو الفاجر في أفعاله , و الكفور هو الكافر قلبه .

    ( واذكر اسم ربك بكرة و أصيلا ) لما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة الله , و الإكثار من ذكره , أمره الله بدعائه و تسبيحه و الصلاة له في أول النهار و آخره , فدخل في ذلك , الصلوات المكتوبات و ما يتبعها من النوافل , و الذكر , و التسبيح , و التهليل , و التكبير في هذه الأوقات .

    ( و من الليل فاسجد له و سبحه ليلا طويلا ) كقوله : " و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا " , و كقوله : " يا أيّها المزّمل . قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه و رتّل القرآن ترتيلا " – و في هذه الأوامر ما يدل على العناية بقيام الليل و الحرص عليه – و القصد من هذا حثه صلى الله عليه و سلم أن يستعين في دعوة قومه و الصدع بما أمر به , بالصبر على أذاهم و الصلاة و التسبيح . و قد كثر ذلك في مواضع من التنزيل كقوله : " و استعينوا بالصّبر و الصلاة " و قوله : " فاصبر على ما يقولون و سبّح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب , و من الليل فسبّحه و أدبار السّجود " .

    ( إنّ هؤلاء يحبّون العاجلة و يذرون وراءهم يوما ثقيلا ) إنّ الكفار و من أشبههم من المكذبين لك أيها الرسول – بعدما بيّنت لهم الآيات , و رغبوا و رهبوا , و مع ذلك , لم يفد فيهم ذلك شيئا – لا يزالون يؤثرون حبّ الدنيا و الإقبال عليها و الإنصباب إليها , فيسعون لها جهدهم , و إن أهلكوا الحرث و النسل , تاركين للعمل الصالح مهملين له , غير آبهين بما ينتظرهم من يوم شديد مقداره خمسين ألف سنة . فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا و الإقامة فيها .

    ( نحن خلقناهم و شددنا أسرهم ) أي : أوجدناهم من العدم , و أحكمنا خلقهم بالأعصاب , و العروق , و الأوتار , و القوى الظاهرة و الباطنة , حتى تمّ الجسم و استكمل , و تمكن من كل ما يريده .

    ( و إذا شئنا بدّلنا أمثالهم ) و إذا شئنا بعثناهم يوم القيامة , و بدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا . و هذا استدلال بالبداءة على الرجعة . و قال ابن زيد و ابن جرير في معنى الآية : و إذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم , كقوله : " إن يشأ يُذهبكم أيّها النّاس و يأت بآخرين و كان الله على ذلك قديرا " , و كقوله : " إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد , و ما ذلك على الله بعزيز " .

    ( إنّ هذه تذكرة ) إن هذه السورة عظة يتذكر بها المؤمن , فينتفع بما فيها من التخويف و الترغيب .

    ( فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ) أي : طريقا موصلا إليه , فالله يبين الحق و الهدى , ثم يخير الناس بين الإهتداء بها أو النفور عنها , مع قيام الحجة عليهم .

    ( و ما تشاءون إلاّ أن يشاء الله ) قال ابن جرير : أي و ما تشاءون اتخاذ السبيل إلى ربكم إلا أن يشاء الله ذلك لكم , لأن الأمر إليه لا إليكم , أي لأن مالم يشأ الله و قوعه من العبد , لا يقع من العبد و ما شاء منه و قوعه , و قع . و هو رديف { ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن } .

    ( إن الله كان عليما حكيما ) أي : عليم بمن يستحق الهداية فيُيسّرها له , و يقيض له أسبابها , و من يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى , و له الحكمة البالغة , و الحجة الدامغة .

    ( يُدخل من يشاء في رحمته ) أي : يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها , و هو الذي يصرف مشيئته نحو اتخاذ السبيل إليه تعالى , حيث يوفّقه لما يؤدي إلى دخول الجنة من الإيمان و الطاعة .

    ( و الظالمين أعدّ لهم عذابا أليما ) أي : الذين اختاروا الشقاء على الهدى , أهانهم و أعدّ لهم عذابا مؤلما موجعا .

  2. #62

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    رائع رائع رائع ... نسأل الله لك الإعانة ... فيما توخيت منه الإبانة

    واصل بارك الله فيك ..
    معك بإذن الله تعالى..
    قلَّتْ ذنوبهم فعرفوا من أين يُؤْتَون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى!!

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    جزاكم الله تعالى كل خير و أحسن إليكم

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة القيامة

    و هي مكية و آياتها أربعون آية

    قال المهايميّ : سميت به – أي بالقيامة – لتضمنها غاية تعظيم ذلك اليوم , من لا يتناهى ثوابه و عقابه , بحيث تتحسّر فيه كل نفس من تقصيرها , و إن عملت ما عملت .

    ( لا أقسم بيوم القيامة ) " لا " أي : ليس الأمر كما يدعي المشركون من أنه لا بعث و لا جزاء . " أقسم بيوم القيامة " الذي كذب به المكذبون , و هو البعث بعد الموت , و قيام الناس من قبورهم , ثم وقوفهم ينتظرون ما يحكم به الرب عليهم .

    ( و لا أقسم بالنفس اللّوامة ) أي أقسم بالنّفس اللّوامة التي تلوم صاحبها على الخير و الشر , و تندم على ما فات . أنكم لتبعثن و لتحاسبن و لتعاقبن أيها المكذبون الضالون .

    قال القاشاني : جمع بين القيامة و النفس اللوامة , في القسم بهما , تعظيما لشأنهما , و تناسبا بينهما , إذ النفس اللوامة , هي المصدقة بها , المقرة بوقوعها , المهيئة لأسبابها , لأنها تلوم نفسها أبدا في التقصير , و التقاعد عن الخيرات , و إن أحسنت , لحرصها على الزيادة في الخير , و أعمال البر , تيقنا بالجزاء , فكيف بها إن أخطأت و فرطت و بدرت منها بادرة غفلة و نسيانا .

    ( أيحسب الإنسان ألّن نّجمع عظامه ) أيظن الإنسان – و المقصود به الكافر – أنا لا نقدر على إعادة عظامه و جمعها من أماكنها المتفرقة ؟ و طبعا ذلك بعد الموت , كما قال في الآية الأخرى " قال من يحيي العظام و هي رميم " .

    ( بلى قادرين على أن نُسوِّي بنانه ) بلى نجمعها – أي عظامه – حال كوننا قادرين على ذلك و على ما هو أعظم و هو تسوية أصابعه بأن نجعلها كخف البعير أو حوافر الحمير , فلا يقدر على العمل الذي يقدر عليه الآن مع تفرقة أصابعه .

    ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) بل يريد الإنسان أن يستمر على فجوره , و لا يتوب , فلذا أنكر البعث .

    ( يسأل أيَّان يوم القيامة ) أي : يقول متى يكون يوم القيامة ؟ و إنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه , و تكذيب لوجوده , كما قال تعالى " و يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين , قل لكم مّيعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة و لا تستقدمون " .

    ( فإذا برق البصر ) أي : أن الأبصار تنبهر يوم القيامة و تخشع و تحار و تذل من شدة الأهوال , و من عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور , كما قال تعالى " إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار , مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء " .

    ( و خسف القمر ) أي : ذهب نوره و سلطانه .

    ( و جمع الشمس و القمر ) و هما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى , فيجمع الله بينهما يوم القيامة , و يخسف القمر , و تكور الشمس , ثم يقذفان في النار , ليرى العباد أنهما عبدان مسخران , و ليرى من عبدهما أنهم كانوا كاذبين .

    ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر ) إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة , حينئذ يريد أن يفر و يقول : هل من ملجأ أو مهرب ؟

    ( كلاّ لا وزر , إلى ربك يومئذ المستقر ) أي لا فرار اليوم و لا ملجأ و لا نجاة – كقوله تعالى " مالكم من ملجأ يومئذ و مالكم من نكير " – لأحد دون الله , فليس في إمكان أحد أن يستتر أو يهرب عن ذلك الموضع , بل لابد من إيقافه ليجزى بعمله فإما إلى الجنة و إما إلى النار .

    ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم و أخّر ) أي : يخبر بجميع أعماله قديمها و حديثها , أولها و آخرها , صغيرها و كبيرها , كما قال تعالى " ووجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربك أحدا " .

    ( بل الإنسان على نفسه بصيرة , و لو ألقى معاذيره ) أي : عندما يتقدم الإنسان للإستنطاق فيخبر بما قدم و أخّر هناك يحاول أن يتنصل من بعض ذنوبه فتنطق جوارحه و يختم على لسانه فيتخذ من جوارحه شهود عليه , و لو اعتذر و أنكر لا يقبل ذلك لكونه شاهدا على نفسه بجوارحه و لأن استعتابه قد ذهب وقته و زال نفعه " فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون " .

    ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) هذا تعليم من الله عز و جل لرسوله صلى الله عليه و سلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك , فإنه كان يبادر إلى أخذه , و يُسابق الملك في قراءته مخافة أن يتفلت منه , فأمره الله عز و جل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له , و تكفل له أن يجمعه في صدره , و أن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه , و أن يبينه له و يفسره و يوضحه . و هذه الآية مثل قوله تعالى " و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " .

    ( إنّ علينا جمعه ) إنّ نتكفل بجمع القرآن في صدرك , و إثبات حفظه في قلبك , بحيث لا يذهب عليك منه شيء .

    ( و قرءانه ) أي : أن تقرأه بعدُ فلا تنسى .

    ( فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ) إذا تلاه عليك جبريل عليه السلام عن الله عز و جل , إستمع له , ثم اقرأه كما أقرأك , و اعمل بشرائعه و أحكامه .

    ( ثمّ إنّ علينا بيانه ) أي : إنّا نبيّن لك ما يشكل عليك من معانيه حتى تعمل بكل ما طلب منك أن تعمل به .

    و في هذه الآيات أدب لأخذ العلم , أن لا يبادر المتعلم المعلم قبل أن يفرغ من المسألة التي شرع فيها , فإذا فرغ منها سأله عما أشكل عليه , و كذلك إذا كان في أول الكلام أن لا يبادر برده أو قبوله , حتى يفرغ من ذلك الكلام , ليتبين ما فيه من حق أو باطل , و ليفهمه فهما يتمكن به من الكلام عليه .
    و فيها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كما بيّن للأمة ألفاظ الوحي , فإنه قد بين لهم معانيه .

    ( كلا بل تحبون العاجلة ) أي : إنما يحملهم على التكذيب بيوم القيامة و مخالفة ما أنزل الله عز و جل على رسوله صلى الله عليه و سلم من الوحي الحق و القرآن العظيم : أنهم إنما همّتهم و حبهم متوجه إلى دار الدنيا العاجلة , و ذلك بإيثار لذاتها و شهواتها .

    ( و تذرون الآخرة ) أي : بالإعراض عن الأعمال التي تورث منازلها , أو تنسون الآخرة ووعيدها , و هول حسابها و جزائها .

    ( وجوه يومئذ ناضرة ) أي حسنة بهيَّة مشرقة مسرورة .

    ( إلى ربها ناظرة ) أي تنظر إلى ربها على حسب مراتبهم , منهم من ينظره كل يوم بكرة و عشيا , و منهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة , فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم , و جماله الباهر , الذي ليس كمثله شيء , فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم , و حصل لهم من اللذة و السرور ما لا يمكن التعبير عنه .
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة " قال " يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة و تنجنا من النار ؟ " قال : " فيكشف الحجاب , فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم , و هي الزيادة " . ثم تلا هذه الآية : " للذين أحسنوا الحسنى و زيادة " رواه مسلم . و في الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال : نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى القمر ليلة البدر فقال : " إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر , فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و لا قبل غروبها فافعلوا " .

    ( ووجوه يومئذ باسرة ) هذه وجوه الفجار تكون يوم القيامة كالحة مسودة عابسة لجهامة هيآتها , و هول ما تراه هناك من الأهوال , و أنواع العذاب و الخسران .

    ( تظُنُّ أن يفعل بها فاقرة ) أي تستيقن أنها هالكة و أنه ينتظرها عقوبة شديدة , و عذاب أليم .

    ( كلاّ إذا بلغت التراقي ) أي بلغت النفس أعالي الصدر . قال الرازي : يكنى ببلوغ النفس التراقي , عن القرب من الموت . و نظيره قوله تعالى " حتى إذا بلغت الحلقوم " .

    ( و قيل من راق ) قال ابن جرير : أي وقال أهله : منْ ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به , و طلبوا له الأطباء و المداوين , فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا .

    ( و ظنّ أنّه الفراق ) أي أيقن أنه الفراق لدنياه و أهله و ذويه .

    ( و التفّت السّاق بالسّاق ) أي : اجتمعت الشدائد و التفت , و عظم الأمر و صعب الكرب , و أريد أن تخرج الروح التي ألفت البدن , فتساق إلى الله تعالى , حتى يجازيها بأعمالها , و يقررها بفعالها . أو إلتقت إحدى ساقيه بالأخرى و التفتا في الكفن .

    ( إلى ربك يومئذ المساق ) أي : المرجع و المآب , و ذلك أن الروح ترفع إلى السموات , فيقول الله عز وجل : ردوا عبدي إلى الأرض , فإني منها خلقتهم , و فيها أعيدهم , و منها أخرجهم تارة أخرى , و قد قال الله تعالى : " و هو القاهر فوق عباده و يرسل عليكم حفظة حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا و هم لا يفرِّطون , ثم ردُّوا إلى الله مولاهم الحقّ ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين ".

    ( فلاصدّق و لا صلى , و لكن كذّب و تولّى ) هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذبا للحق بقلبه , متوليا عن العمل بقالبه , فلا خير فيه باطنا و لا ظاهرا .
    و قد دلّت الآية على أن الكافر يستحق الذم و العقاب بترك الصلاة كما يستحقهما بترك الإيمان .

    ( ثمّ ) أي مع هذه التقصيرات في جنب الله تعالى ( ذهب إلى أهله يتمطّى ) أي : يتبختر في مشيته استكبارا و كسلانا لا همة له و لا عمل , كما قال تعالى " و إذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين " .

    ( أولى لك فأولى , ثم أولى لك فأولى ) أي : ويل لك مرة بعد مرة . فهذا تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للكافر به المتبختر في مشيته .

    ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) أيظن الإنسان أنه سوف يترك في هذه الدنيا مهملا لا يؤمر و لا ينهى , و أنه يترك في القبر سدى لا يبعث , كلا , بل هو مأمور منهي في الدنيا , محشور إلى الله في الدار الآخرة . و المقصود هنا إثبات المعاد , و الرد على من أنكره من أهل الزيغ و الجهل و العناد , و لهذا قال مستدلا على الإعادة بالبداءة فقال " ألم يك نطفة من منيّ يمنى , ثم كان علقى فخلق فسوى " .

    ( ألم يك نطفة من منيّ يمنى ) أي : أما كان الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين , يراق من الأصلاب في الأرحام .

    ( ثم كان علقة فخلق فسوّى ) ثم صار دما ثم مضغة , ثم شُكِّل و نفخ فيه الروح , فصار خلقا آخر سويا سليم الأعضاء , ذكرا أو أنثى بإذن الله و تقديره , و لهذا قال ( فجعل منه الزوجين الذّكر و الأنثى ) .

    ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) أي : أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه ؟ .

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة المدثر

    و هي مكية و آياتها ست و خمسون آية

    لما أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه و سلم في غار حراء و قرأ عليه أوائل سورة العلق , فتر الوحي عنه صلى الله عليه و سلم مدة , ثم بعدها أنزلت سورة المدثر , فكانت أول شيء نزل عليه الصلاة و السلام بعد فترة الوحي .

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم و هو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : " فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء , فرفعت بصري قِبَل السماء , فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء و الأرض , فجُئِثْت منه حتى هويت إلى الأرض , فجئت أهلي , فقلت : زملوني زملوني , فزملوني , فأنزل الله " يأيها المدّثر , قم فأنذر " إلى " فاهجر " . رواه البخاري و مسلم

    جُئِثْت : أي ذُعرت و خفت .

    ( يأيها المدّثر ) أي : المتلفف في ثيابه – و هو النبي صلى الله عليه و سلم – لأنه كان على تلك الحالة وقت نزول الوحي .
    و في هذا النداء ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذْ ناداه بحاله , و عبر عنه بصفته , ليستشعر اللين و العطف من ربه سبحانه و تعالى .

    ( قم فأنذر ) قم من مضجعك و دثارك و شمر عن ساق العزم و أنذر قومك في مكة و كل الثقلين – الإنس و الجن – من وراء مكة , أنذرهم عذاب النار على الكفر و الشرك بالواحد القهار . و بهذا حصل الإرسال , كما حصل بأوائل سورة العلق النبوة .

    ( و ربّك فكبر ) أي : وربّك فعظمه تعظيما يليق بجلاله و كماله فإنه الأكبر الذي لا أكبر منه و العظيم الذي لا أعظم منه , فلا تذل إلا له و لا ترغب إلا فيه و كبره بأعمالك فلا تأت منها إلاّ ما أذن لك فيه أو أمرك به .

    ( و ثيابك فطهّر ) أي طهر ثيابك من النجاسات مخالفا بذلك ما عليه قومك . قال ابن زيد : كان المشركون لا يتطهرون , فأمره الله أن يتطهر , و أن يطهر ثيابه .

    ( و الرّجز فاهجر ) أي و الأصنام التي يعبدها قومك فاهجرها و اتركها و لا تقربها .

    ( و لا تمنن تستكثر ) لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها , بمعنى : لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه .

    ( و لربّك فاصبر ) إجعل صبرك على أذى المشركين لوجه الله عز و جل .

    ( فإذا نُقر في الناقور ) فإذا نفخ في الصور – قال مجاهد : و هو كهيئة القرن – للقيام من القبور , و جمع الخلق للبعث و النشور .

    ( فذلك يومئذ يوم عسير ) أي صعب لا يحتمل و لا يطاق لكثرة أهواله و شدائده .

    ( على الكافرين غير يسير ) أي : غير سهل عليهم , كما قال تعالى " يقول الكافرون هذا يوم عسر " . و في هذه الآية دليل على أن حال المؤمنين في عرصات القيامة غير حال الكافرين في الشدة و البلاء .

    يقول الله تعالى متوعدا لهذا الخبيث – و هو الوليد بن المغيرة حيث نزلت فيه هذه الآيات الآتية – الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا فكفر بأنعم الله , و بدلها كفرا , و قابلها بالجحود بآيات الله و الإفتراء عليها , و جعلها من قول البشر .
    وقد عدد الله عليه نعمه حيث قال :

    ( ذرني و من خلقت وحيدا ) أي دعني و الذي خلقته منفردا , بلا مال و لا أهل , و لا غيره , فلم أزل أنميه و أعطيه . عن ابن عباس : كان الوليد يقول أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لي في العرب نظير و لا لأبي المغيرة نظير .

    ( و جعلت له مالا ممدودا ) أي واسعا كثيرا .

    ( و بنين شهودا ) قال مجاهد : " لا يغيبون , أي : حضورا عنده لا يسافرون بالتجارات , بل مواليهم و أجراؤهم يتولون ذلك عنهم و هم قعود عند أبيهم يتمتع بهم و يتملّى بهم " . و هذا أبلغ في النعمة .

    ( و مهّدت له تمهيدا ) أي بسطت له في العيش و العمر و الولد و الجاه العريض في ديار قومه حتى كان يلقب بريحانة قريش .

    ( ثم يطمع أن أزيد ) يطمع أن ينال نعيم الآخرة كما نال نعيم الدنيا .

    ( كلا ) أي لا يكون ما يأمل و يرجو .

    ( إنّه كان لآياتنا عنيدا ) أي : معاندا , عرفها ثم أنكرها , و دعته إلى الحق فلم ينقد لها .

    ( سأرهقه صعودا ) أي : سأكلفه عذابا شاقا لا قِبل له به , و لا راحة فيه .

    ( إنّه فكّر ) أي ماذا يقول في هذه الآيات الكريمات و الذكر الحكيم .

    ( و قدّر ) أي في نفسه ما يقوله و هيّأه

    ( فقتل كيف قدّر ) أي لعن , كيف قدّر ذلك الإفتراء الباطل , و اختلق ما يكذبه وجدانه فيه .

    ( ثم قتل كيف قدّر ) تكرير للمبالغة في التعجب منه , و قد اعتيد فيمن عجب غاية العجب أنه يكثر من التعجب و يكرره . و " ثم " للدلالة على الثانية أبلغ في التعجب من الأولى للعطف ب " ثم " الدالة على تفاوت الرتبة . فكأنه قيل : قتل بنوع ما من القتل , لا بل قتل بأشده و أشده . و لذا ساغ العطف فيه , مع أنه تأكيد .

    ( ثمّ نظر ) أي : أعاد النظرة و التروي في ذلك المقدّر . قال الرازي : و هذه المرتبة الثالثة من أحوال قلبه . فالنظر الأول للإستخراج , و اللاحق للتقدير , و هذا هو الإحتياط .

    ( ثم عبس ) أي قبض ما بين عينيه , و قطب وجهه كِبرا و تهيؤا لقذف تلك الكبيرة .

    ( و بسر ) أي كلح وجهه فاسودّ . شأن اللئيم في مراوغته و مخاتلته , و الحسود في آثار حقده على صفحات وجهه .

    ( ثم أدبر و استكبر ) أي : صُرف عن الحق , و رجع القهقري مستكبرا عن الإنقياد للقرآن .

    ( فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ) أي : هذا سحر ينقله محمد عن غيره ممن قبله و يحكيه عنهم , و لهذا قال ( إن هذا إلاّ قول البشر ) .

    ( سأصليه سقر ) سأغمره في نار جهنم من جميع جهاته

    ( و ما أدراك ما سقر ) هذا تهويل لأمرها و إظهار لعظمتها .

    ( لا تبقي و لا تذر ) أي : تأكل لحومهم و عروقهم و عَصبهم و جلودهم , ثم تُبدل غير ذلك , و هم في ذلك لا يموتون و لا يحيون .

    ( لوَّاحة للبشر ) أي : تحرق الجلود و تسوّدها .

    ( عليها تسعة عشر ) أي على سقر ملائكة عظيم خَلقهم , غليظ خُلقهم , يقال لهم الخزنة وعدتهم تسعة عشر ملكا .

    ( و ما جعلنا أصحاب النّار ) أي خزنتها .

    ( إلاّ ملائكة ) و هم أقوى الخلق بأسا , و أشدهم غضبا لله , لا يقاومون و لا يغالبون .

    ( و ما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا ) إنما ذكرنا عدّتهم أنهم تسعة عشر اختبارا منّا للناس و فتنة يفتتن بها الكافرون , فيجعلوها موضع البحث و الهزء .

    ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) أي : يعلمون أن هذا الرسول حق , فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله .

    ( و يزداد الذين آمنوا إيمانا ) أي : يزداد الذين آمنوا إيمانا فوق إيمانهم بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد صلى الله عليه و سلم .

    ( و لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب و المؤمنون ) أي : حتى لا يقعوا في ريب و شك في يوم من الأيام لما اكتسبوا من المناعة بتضافر الكتابين على حقيقة واحدة .

    ( و ليقول الذين في قلوبهم مرض ) أي : شك و شبهة و نفاق .

    ( و الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) أي : أي شيء أراده الله بهذا الخبر الغريب , خبر عدَّة خزنة جهنّم , قالوا هذا استنكارا و تكذيبا .

    ( كذلك يضل الله من يشاء و يهدي من يشاء ) أي : مثل إضلال مُنكر هذا العدد و هُدى مصدقه , يضل الله من يشاء إضلاله , فيجعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه و حيرة , و يهدي من يشاء هدايته , فيجعل ما أنزله الله على رسوله رحمة في حقه , و زيادة في إيمانه و دينه .

    يتبع.....

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    تتمة تفسير سورة المدثر

    ( و ما يعلم جنود ربك إلا هو ) أي : ما يعلم عددهم و كثرتهم إلا هو تعالى , لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط . و قد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين و غيرهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة : " فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك , لا يعودون إليه آخر ما عليهم " .

    ( و ما هي إلاّ ذكرى للبشر ) أي جهنم إلا تذكرة يذّكرون بها عظمة الله , و يخافون بها عقابه .

    ( كلاّ ) ردع لمن أنكر العدة أو سقر أو الآيات . أو إنكار لأن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون .

    ( و القمر و الليل إذا أدبر ) أقسم الله تعالى بالقمر و بالليل إذا ولّى ذاهبا بطلوع الفجر .

    ( و الصبح إذا أسفر ) أي أضاء و أقبل .

    ( إنها لإحدى الكُبر ) أي إن النار لإحدى الأمور العظام .

    ( نذيرا للبشر ) أي إنذارا لبني آدم . و قال نذيرا و لم يقل نذيرة و هي جهنم لأنها بمعنى العذاب أي عذابها نذير للبشر .

    ( لمن شاء منكم أن يتقدم ) في طاعة الله و رسوله حتى يبلغ الدرجات العلا ( أو يتأخر ) و من شاء أن يتأخر في معصية الله و رسوله حتى ينزل الدركات . قال تعالى " و قل الحق من ربكم , فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر " .

    ( كلّ نفس بما كسبت رهينة ) كلُّ نفس موثقة بسعيها و عملها يوم القيامة .

    ( إلاّ أصحاب اليمين ) فإنهم فكوا رقابهم بما أطابوه من كسبهم , كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق .

    ( في جنّات ) في جنات لا يدرك وصفها قد حصل لهم بها جميع مطلوباتهم , و تمت لهم الراحة و الطمأنينة .

    ( يتساءلون , عن المجرمين ) أي : يسألون المجرمين و هم في الغرفات و أولئك في الدركات .

    ( ما سلككم في سقر ) أي : أي شيء أدخلكم جهنم ؟ و بأي ذنب استحققتموها ؟

    ( قالوا لم نك من المصلين و لم نك نطعم المسكين , و كُنّا نخوض مع الخائضين و كُنّا نكذّب بيوم الدين حتّى أتانا اليقين ) فذكروا لهم أعظم الجرائم و هي ترك الصلاة و منع الزكاة و التخوض مع أهل الباطل في كل شر و فساد و التكذيب بيوم القيامة و أنه لا حساب و لا ثواب و لا عقاب , و أنهم مع هذه الجرائم الموجبة للسلوك في سقر لم يتوبوا منها حتى أتاهم اليقين الذي هو الموت فرأوا ما كانوا ينكروه عيانا .

    ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) أي : من كان متصفا بمثل هذه الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع , لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا , فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة , خالدا فيها . قال ابن جرير : فما يشفع لهم الذين شفّعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد , فتنفعهم شفاعتهم .
    و في هذه الآية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره , مشفّع بعض خلقه في بعض .

    ( فمالهم عن التذكرة معرضين ) فمالهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث و الجزاء عن تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين , لا يستمعون لها , فيتعظوا و يعتبروا .

    ( كأنّهم حُمُر مستنفرة , فرّت من قسورة ) كأنّهم في نفارهم عن الحق , و إعراضهم عنه حُمُر من حمر الوحش إذا فرّت ممن يريد صيدها من أسد أو عصبة قنص من الرماة .

    ( بل يريد كلُّ امرئٍ منهم أن يؤتى صُحُفا منشَّرة ) بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتابا كما أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم – كقوله تعالى " و إذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نُؤتى مثل ما أوتي رسل الله " و قوله " و لن نُؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " – بزعم أنهم لن ينقادوا للحق إلا بذلك , و قد كذبوا , فإنهم لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم , فإنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحق و توضحه , فلو كان فيهم خيرا لآمنوا .

    ( كلاّ ) أي لا يكون مرادهم , و لا يتبع الحق أهواءهم و هم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز .

    ( بل لا يخافون الآخرة ) أي لا يؤمنون بالبعث و الجزاء , و لا يخشون العقاب , لإيتارهم العاجلة , فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله , و الإباء عن الإيمان بتنزيله .

    ( كلا إنه تذكرة , فمن شاء ذكره ) أي ألا إن هذا القرآن تذكرة فمن شاء قرأه فاتعظ به فآمن بالله و اتقاه فإنه ينجو و يسعد في جوار مولاه , و من لم يشأ فحسبه سقر و ما أدراك ما سقر .

    ( و ما يذكرون إلآّ أن يشاء الله ) أي ذكرهم و اتعاظهم لا يكون إلا بمشيئة الله فلابد من الإفتقار إلى الله و طلب توفيقه في ذلك إذ لا استقلال لأحد عن الله و لا غنى بأحد عن الله .
    و هذا فيه ترويح لقلبه صلوات الله عليه , مما كان يخامره من إعراضهم , و يحرص عليه من إيمانهم .

    ( هو أهل التقوى و أهل المغفرة ) هو أهل أن يُخاف منه و يتقى عقابه , و يؤمن به و يطاع , و أهل أن يغفر ذنب من تاب إليه و أناب .

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة المزّمل

    و هي مكية و آياتها عشرون آية

    ( يأيها المزّمل ) أي المتزمل . أي المتلفف في ثيابه . و هنا خوطب صلى الله عليه و سلم بحكاية حاله وقت نزول الوحي , ملاطفة و تأنيسا و تنشيطا للتشمر لقيام الليل .

    ( قم الليل إلا قليلا ) أي صلِّ في الليل إلا قليلا و ذلك بحكم الضرورة للإستراحة , و مصالح البدن و مهماته التي لا يمكن بقاؤه بدونها .

    ( نصفه أو انقص منه قليلا أو زِد عليه ) أي : أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل , لا حرج عليك في ذلك .

    فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربِّه , فقام مع أصحابه حتى تورمت أقدامهم . ثم خفف الله تعالى عنهم و نزل آخر هذه السورة بالرخصة في ترك القيام الواجب و بقي الندب و الإستحباب .
    فقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها لما سألت عن قيام رسول الله صلى الله عليه و سلم , فقالت لسّائل : ألست تقرأ " يأيها المزّمل " ؟ قال : بلى . قالت : " فإن الله عزّ و جلّ افترض قيام الليل في أوّل هذه السورة , فقام نبيُّ الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه حولا , و أمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السّماء حتّى أنزل الله في آخر هذه السّورة التّخفيف , فصار قيام الليل تطوّعا بعد فريضة " .

    ( و رتّل القرآن ترتيلا ) أي : اقرأه على تمهل , فإنه يكون عونا على فهم القرآن و تدبره . قال الزمخشري : تريل القرآن قراءته على ترسل و تُؤدة , بتبيين الحرف , و إشباع الحركات ... و أن لا يهذّه هذّا , و لا يسرده سردا . قال ابن مسعود : لا تهذّوا القرآن هذّ الشعر , و لا تنثروه نثر الدقل . قفوا عند عجائبه , و حرّكوا به القلوب , و لا يكن همَّ أحدكم آخر السورة .
    قالت حفصة رضي الله عنها : " و كان يقرأ – أي النبي صلى الله عليه و سلم – بالسُّورة فيرتِّلها حتَّى تكون أطول من أطول منها " رواه مسلم .
    و عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " كانت مدًا , ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم , يمد بسم الله , و يمد الرحمن , و يمد الرحيم " رواه البخاري .
    و عن أم سلمة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطِّع قراءته , يقرأ : الحمد لله ربّ العالمين , ثم يقف , الرحمن الرحيم , ثم يقف " رواه الترمذي و صححه الألباني . و قد استدل بالآية على أن الترتيل و التدبُّر , مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها , لأن المقصود من القرآن فهمه و تدبُّره , و الفقه فيه , و العمل به .

    ( إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) أي نوحي إليك هذا القرآن الثقيل . فإنه ثقيل مهيب ذو تكاليف العمل بها ثقيل , إنها فرائض وواجبات , أعلمه ليوطن نفسه على العمل و يهيئها لحمل الشريعة علما و عملا و دعوة .

    ( إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطئا و أقوم قيلا ) إن قيام الليل أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن من جعل السمع يواطئ القلب على فهم معاني القرآن و تدبُّرها , بخلاف النهار , فإنه لا يحصل به هذا المقصود , لأنه وقت انتشار الناس و لغط الأصوات و أوقات المعاش .

    ( إنّ لك في النّهار سبحا طويلا ) يخبر تعالى رسوله بأن له في النهار أعمالا تشغله عن قراءة القرآن فلذا أرشده إلى قيام الليل و ترتيل القرآن لتفرغه من عمل النهار .

    ( و اذكر اسم ربّك ) أي دم على ذكره ليلا نهارا . قال الزمخشري : و ذكر الله يتناول كل ما كان من ذكر طيب : تسبيح و تهليل و تكبير و تمجيد و توحيد و صلاة و تلاوة قرآن , و دراسة علم , و غير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستغرق به ساعات ليله و نهاره .

    ( و تبتّل إليه تبتيلا ) أخلص له العبادة , و اصرف له طلبك لكل حاجة من أمر دينك أو دنياك .

    ( ربُّ المشرق و المغرب لا إله إلاّ هو فاتخذه وكيلا ) أي : هو المالك المتصرف في المشارق و المغارب و ما يكون فيها , الذي لا تنبغي العبادة إلا له و لا تصح الألوهية إلا له . و كما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل في كل ما يهمك فإنه يكفيك و هو على كل شيء قدير .

    ( و اصبر على ما يقولون و اهجرهم هجرا جميلا ) يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه و سلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه – كقولهم هو ساحر و شاعر و كاهن و مجنون و ما إلى ذلك – و أن يهجرهم هجرا لا عِتاب معه و لا أذية فيه و بالإعراض عن مكافأتهم بالمثل , كما قال تعالى " و دَعْ أذاهم و توكّل على الله " .

    ( و ذرني و المكذّبين ) أي : دعني و إيّاهم , و كِلْ أمرهم إليّ , فإن بي غنية عنك في الإنتقام منهم .

    ( أولي النّعمة ) أي : أصحاب النعمة و الغنى , الذين طغوا حين وسّع الله عليهم من رزقه , و أمدهم من فضله كما قال تعالى " كلاّ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى " .

    ( و مهّلهم قليلا ) أي : تمهل عليهم زمانا و لا تستعجل فإني كافيكهم , قال تعالى " نُمتّعهم قليلا ثمّ نضطّرهم إلى عذاب غليظ " .

    ( إنّ لدينا أنكالا و جحيما و طعاما ذا غصّة و عذابا أليما ) أي : عندنا للمكذبين بك في الآخرة قيودا من حديد و نارا مستعرة محرقة , و طعاما ذا غصّة لمرارته و بشاعته , و كراهة طعمه و ريحه الخبيث المنتن , فلا يستسيغه آكله و هو مع كل هذا ينشب في الحلق فلا يدخل و لا يخرج . و عذابا موجعا مفظعا .

    ( يوم ترجف الأرض و الجبال ) أي : تضطرب و ترتجّ بالزلزال .

    ( و كانت الجبال كثيبا مهيلا ) أي : تصير ككثبان الرمل بعدما كانت حجارة صماء , ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب , حتى تصير الأرض مستوية لاشيء فيها منخفض و لاشيء فيها مرتفع .

    يتبع ...

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليم و رحمة الله و بركاته

    تتمة تفسير سورة المزمل

    ( إنّا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ) بما تعملون في الدنيا لتجزوا بها في الآخرة .

    ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ) و هو موسى بن عمران عليه السلام .

    ( فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا و بيلا ) فلما كذّب فرعون موسى و طغى و استكبر أخذناه أخذا ثقيلا شديدا غليظا . لهذا احذروا – قريش خاصة و الناس عامة – أنتم أن تكذبوا هذا الرسول – و هو محمد صلى الله عليه و سلم – فيصيبكم ما أصاب فرعون , حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر , كما قال تعالى " فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى " , و أنتم أولى بالهلاك و الدمار إن كذبتم , لأن رسولكم أشرف و أعظم من موسى بن عمران .

    ( فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ) أي : فكيف يحصل لكم الفكاك و النجاة من يوم القيامة , اليوم المهيل أمره , العظيم قدره , الذي يشيب الولدان , و تذوب له الجمادات العظام .

    ( السماء منفطر به ) أي : منشقة بسبب أهوال يوم القيامة .

    ( كان وعده مفعولا ) أي يوم القيامة واقعا لا محالة , و كائنا لا محيد عنه , لأن وعده تعالى متحقق و لابد .

    ( إن هذه تذكرة ) إن هذه الآيات المشتملة على ذكر القيامة و أهوالها موعظة لمن اعتبر بها و اتّعظ .

    ( فمن شاء اتّخذ إلى ربه سبيلا ) أي : طريقا موصلا إليه , و ذلك باتباع شرعه , فإنه قد أبانه كل البيان , و أوضحه غاية الإيضاح , و في هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم , و مكَّنهم منها , لا كما يقوله الجبرية : إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم , فإن هذا خلاف النقل و العقل .

    ( إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل و نصفه و ثلثه و طائفة من الذين معك ) يخبر تعالى رسوله بأنه يعلم ما يقومه من الليل هو و طائفة من أصحابه و أنهم يقومون أحيانا أقل من ثلثي الليل و يقومون أحيانا النصف و الثلث .

    ( و الله يقدّر الّيل و النهار ) أي يجعلهما على مقادير يجريان عليها , فتارة يعتدلان , و تارة يزيد أحدهما في الآخر , و بالعكس مما يشق لأجله المواظبة على قيامه بما علمه منكم .

    ( علم أن لن تحصوه ) أي : لن تطيقوا ضبط ساعاته فيشق عليكم قيام أكثره تحريا منكم لما هو المطلوب .

    ( فتاب عليكم ) أي : عاد عليكم باليسر و رفع الحجر , فنسخ قيام الليل الواجب , و بقي المستحب يؤدى و لو بركعتين في أي جزء من الليل و كونهما بعد صلاة العشاء أفضل .

    ( فاقرءوا ما تيسّر من القرآن ) أي : صلوا من الليل ما تيسر . و عبر عن الصلاة بالقراءة , كما قال تعالى " و لا تجهر بصلاتك " أي بقراءتك .

    ( علم أن سيكون منكم مرضى و آخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله و آخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيّسر منه ) أي : علم أن سيكون من هذه الأمة ذووا أعذار في ترك قيام الليل , من مرضى لا يستطيعون ذلك , و مسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب و المتاجر , و آخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله , فقوموا بما تيسر عليكم منه .
    هذه الآية – بل السورة كلها – مكية و لم يكن القتال شُرع بعد , فهي من أكبر دلائل النبوة , لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلية .

    ( و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة ) أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم , و آتوا الزكاة المفروضة . و هذا يدل لمن قال : إن فرض الزكاة نزل بمكة , لكن مقادير النّصب و المخرج لم تُبين إلا بالمدينة , و الله أعلم .

    ( و أقرضوا الله قرضا حسنا ) أنفقوا في سبيل الله أموالكم طيبة بها نفوسكم فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء و أوفره , كما قال " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة " . و يدخل في هذا الصدقة الواجبة و المستحبة , ثم حث على عموم الخير و أفعاله .

    ( و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا و أعظم أجرا ) و ما تقدموا لأنفسكم من سائر العبادات فرضها و نفلها , و سائر أفعال الخير تجدوه عن الله يوم القيامة هو خيرا و أعظم أجرا , فالحسنة بعشر أمثالها , إلى سبعمائة ضعف , إلى أضعاف كثيرة , و أن مثقال ذرة من الخير في هذه الدار , يقابله أضعاف أضعاف الدنيا , و ما عليها في دار النعيم المقيم , من اللذات و الشهوات , و أن الخير و البر في هذه الدنيا , مادة الخير و البر في دار القرار , و بذره و أصله و أساسه .

    ( و استغفروا الله إنّ الله غفور رحيم ) أي سلوه غفران ذنوبكم فإنه غفور رحيم لمن استغفره و تاب إليه و أناب .
    و في الأمر بالإستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة و الخير , فائدة كبيرة , و ذلك أن العبد ما يخلو من التقصير فيما أمر به , إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله على وجه ناقص , فأمر بترقيع ذلك بالإستغفار , فإن العبد يذنب آناء الليل و النهار , فمتى لم يتغمده الله برحمته و مغفرته , فإنه هالك .

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة الجنّ

    و هي مكية و عدد آياتها ثمان و عشرون آية

    قال المهايميّ : سميت بها لاشتمالها على تفاصيل أقوالهم في تحسين الإيمان , و تقبيح الكفر , مع كون أقوالهم أشد تأثيرا في قلوب العامة , لتعظيمهم إياهم .

    عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : " ما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم على الجنّ و ما رآهم , انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ , و قد حيل بين الشيّاطين و بين خبر السّماء , و أُرسلت عليهم الشُّهب , فرجعت الشياطين إلى قومهم , فقالوا : مالكم ؟ قالوا : حيل بيننا و بين خبر السّماء , و أُرسلت علينا الشهب , قالوا : ما ذاك إلاّ من شيء حدث , فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء ؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض و مغاربها , فمرّ النفر الذي أخذوا نحو تُِهامة , و هو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ , و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر , فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له , و قالوا : هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء , فرجعوا إلى قومهم , فقالوا : يا قومنا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنّا به و لن نشرك بربّنا أحدا , فأنزل الله عزّ وجل على نبيّه محمد صلى الله عليه و سلم ( قل أوحي إليّ أنّه استمع نفر من الجنّ ) " رواه مسلم .

    ( قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ ) أي : أعلن للناس يا رسولنا أن الله قد أوحى إليك خبرا مفاده أن عددا من الجن ما بين الثلاثة و العشرة قد استمعوا إلى قراءتك للقرآن الكريم .

    ( فقالوا إنّا سمعنا قرءانا عجبا ) أي : لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم أنهم سمعوا كتابا جامعا للحائق الإلهية و الكونية و الأحكام و المواعظ , و جميع ما يحتاج إليه في أمر الدارين , و أن هذا الكتاب عباراته فصيحة غزيرة لا تناسبه عبارة الخلق , و لا تدخل تحت قدرتهم .

    ( يهدي إلى الرشد ) يهدي إلى الحق و الصواب .

    ( فآمنّا به و لن نشرك بربّنا أحدا ) و في هذا تعريض بسخف البشر الذين عاش الرسول بينهم إحدى عشر سنة يقرأ عليهم القرآن بمكة و هم به كارهون له مصرون على الشرك , و الجن بمجرد أن سمعوه آمنوا به و حملوا رسالته إلى قومهم .

    ( و أنّه تعالى جد ربنّا ما اتخذ صاحبة و لا ولدا ) أي تعالى ملك ربنا و سلطانه و قدرته و عظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه , الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ زوجة , أو وقاع شيء يكون منه الولد . و إنما نسب إليه ذلك المفترون .

    ( و أنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) و أنه كان يقول جاهلنا على الله قولا جائرا عن الصواب , متعديا للحد – و هو نسبة الصاحبة و الولد إليه – و ما حمله على ذلك إلا سفهه و ضعف عقله .

    ( و أنّا ظننا أن لن تقول الإنس و الجن على الله كذبا ) و إنّا كنّا نظن أن الإنس و الجن لا يكذبون على الله و لا يقولون عليه إلا الصدق , و قد علمنا الآن أنهم يكذبون على الله و يقولون عليه ما لم يقله و ينسبون إليه ما هو منه براء .

    ( و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجنّ فزادوهم رهقا ) أنه كان رجال من الناس إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري , يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان , أن يصيبهم بشيء يسوؤهم , فلما رأت الجن أن الإنس يستعيذون بهم من خوفهم منهم , زادتهم ذعرا و تخويفا حتى تبقوا أشد منهم مخافة و أكثر تعوذا بهم .
    قال مقاتل : أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن من بني حنيفة ثم فشا في العرب فلما جاء الإسلام عاذوا بالله و تركوهم .
    قالت خولة بنت حكيم : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " من نزل منزلا , ثم قال : أعوذ بكلمات الله التَّامَّات من شرّ ما خلق , لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " رواه مسلم .

    ( و أنّهم ظنُّوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ) قال ذلك النفر من الجن لقومهم إن الإنس ظنوا كما ظننتم أيها الجن أن لن يبعث الله رسولا إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده و ما فيه سعادتهم .

    ( و أنّا لمسنا السماء ) أي تطلبنا بلوغ السماء و استماع كلام أهلها .

    ( فوجدناها مُلئت حرسا شديدا و شُهبا ) أي : وجدنا السماء حفظت من سائر أرجائها بملائكة أقوياء يحرسونها و شهبا نارية يرمى بها كل مسترق للسمع منا .

    ( و أنا كنا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) أي : كنا نقعد من السماء أماكن معينة لنسترق السمع و نتلقف من أخبار السماء ما شاء الله , أما الآن فمن يريد أن يفعل ذلك يجد له شهاب نار قد رصد له , لا يتخطاه و لا يتعداه , بل يمحقه و يهلكه .
    و قد كانت الكواكب يُرمى بها قبل ذلك , و لكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان , كما في حديث ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في نفر من أصحابه إذ رُمي بنجم فاستنار , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهليَّة إذا رأيتموه ؟ " قالوا : كنّا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " فإنَّه لا يُرمى به لموت أحد و لا لحياته و لكنّ ربَّنا عزَّ و جل إذا قضى أمرا سبَّح له حملة العرش ثمّ سبَّح أهل السّماء الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى هذه السماء , ثم سأل أهل السّماء السادسة أهل السماء السابعة : ماذا قال ربُّكم ؟ قال : فيُخبرونهم ثم يستخبر أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السّماء الدنيا و تختطف الشياطين السمع فيُرمون فيقذفونه إل أوليائهم فما جاؤوا به على وجهه فهو حق , و لكنَّهم يُحرِّفونه و يزيدون " رواه الترمذي و صححه الألباني .

    ( و أنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربُّهم رشدا ) الأمر الذي قد حدث في السماء , لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم خير ؟ و هذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل , و الخير أضافوه إلى الله عز و جل , و قد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم : " و الشر ليس إليك " لكن لما استمعوا إلى القرآن علموا أنه أريد بهم الخير و الصلاح , و ذلك ببعثة نبيّ كريم يرشد إلى الحق .

    يتبع...

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تتمة تفسير سورة الجن


    ( و أنّا منا الصالحون و منّا دون ذلك ) أي منّا المسلمون العاملون بطاعة الله , و منّا فساق و فجار و كفار .

    ( كُنّا طرائق قداد ) أي : طرائق متعددة مختلفة و آراء مختلفة , فكان منهم اليهودي و النصراني و المجوسي , و لما جاء الإسلام أصبح منهم المسلم و أصبح من المسلمين قدرية و مرجئة و خوارج و رافضة و شيعة , لأنهم تابعون للناس في معتقداتهم و أقوالهم و أعمالهم .

    ( و أنّا ظننّا أن لن نعجز الله في الأرض و لن نعجزه هربا ) أي : نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا , و أن نواصينا بيده , فلن نعجزه في الأرض , و لن نعجزه إن هربنا و سعينا بأسباب الفرار و الخروج عن قدرته , لا ملجأ منه إلا إليه .

    ( و أنّا لما سمعنا الهدى آمنّا به ) لما سمعنا القرآن الكريم الذي يهدي إلى الطريق المستقيم , و عرفنا هدايته و إرشاده , أثّر في قلوبنا فآمنّا به و صدّقنا بأنه حق من عند الله .

    ( فمن يؤمن بربّه , فلا يخاف بخسا و لا رهقا ) فمن يؤمن بربّه إيمانا صادقا لا يخاف أن يُنقص من حسناته أو إثما يضاف إلى سيئاته و يعاقب به و هو لم يرتكبه في الدنيا , كما قال تعالى " فلا يخاف ظُلما و لا هضما " .

    ( و أنّا منّا المسلمون و منّا القاسطون ) منّا المسلمون , و منّا الكافرون الجائرون عن طريق الحق .

    ( فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) فمن انقاد لله تعالى بطاعته و خلص من الشرك به , فقد أصابوا طريق الحق , الموصل لهم إلى الجنة و نعيمها .

    ( و أمّا القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) أي : توقد بهم و تستعر عليهم و على الكافرين الجائرين أمثالهم من الإنس .

    ( و ألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا ) و أن لو استقام المشركون على الإيمان و التوحيد و الطاعة لله و لرسوله , لوسعنا عليهم أرزاقهم , و كثرنا لهم أموالهم . قال تعالى " و لو أنهم أقاموا التّوراة و الإنجيل و ما أُنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم " . و قال " و لو أن أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء و الأرض " .
    و تجوز بالماء الغدق , و هو الكثير , عما ذكر , لأنه أصل المعاش و سعة الرزق , و لعزة وجوده بين العرب . أو لأن غيره يعلم منه بالأولى .

    ( لنفتنهم فيه ) أي : لنختبرهم و نمتحنهم في ذلك الخير الكثير , أيشكرون أو يكفرون ؟ ثم إن شكروا زادهم , و إن كفروا سلبهم و عذبهم .

    ( و من يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابا صعدا ) أي : من أعرض عن ذكر الله , الذي هو كتابه , فلم يتبعه و ينقذ له , بل غفل عنه و لهي , فإنه سوف يعذب عذابا شاقا شديدا موجعا مؤلما .

    ( و أنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) أي : إن المساجد التي هي أعظم محال العبادة لم تبنى إلا ليذكر فيها الله تعالى وحده , فلا يعبد فيها غيره , أو يشرك معه في العبادة , و لا يسأل فيها غيره أو يشرك معه في المسألة .

    ( و أنّه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) لما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو الناس إلى ربّهم اجتمعت الإنس و الجن عليه ليطفئو دعوته , فأبى الله تعالى إلا أن ينصره و يُمضي دعوته و يظهره على من عاداه .

    ( قل إنما أدعوا ربي و لا أشرك به أحدا ) أي : قال لهم الرسول صلى الله عليه و سلم لما آذوه و خالفوه و كذبوه و تظاهروا عليه , ليبطلوا ما جاء به من الحق و اجتمعوا على عداوته , إنما أعبد ربي وحده لا شريك له , و أستجير به و أتوكل عليه .

    ( قل إنّي لا أملك لكم ضرّا و لا رشدا ) أي : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ , و عبد من عباد الله ليس إليّ من الأمر شيء في هدايتكم و لا ضلالكم , بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز و جل , يضل من يشاء و يهدي من يشاء .

    ( قل إنّي لن يجيرني من الله أحد ) أي : لو عصيت الله تعالى فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه .

    ( و لن أجد من دونه ملتحدا ) و لن أجد من غيره ملتجأ ألتجأ إليه .

    ( إلاّ بلاغا من الله و رسالاته ) أي : لا أملك لكم ضرّا و لا رشدا إلا بلاغا من الله و رسالته , فإني أبلغكم عنه ما أمرني به و أرشدكم إلى ما أرسلني به من الهدى و الخير و الفوز .

    ( و من يعصي الله و رسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبدا ) و من يعصي الله بالشرك به , و برسوله بتكذيبه و عدم اتباعه فيما جاء به فإن له جزاء شركه و تكذيبه و جحده نار جهنم خالدين فيها أبدا , لا محيد لهم عنها , و لا خروج لهم منها .

    ( حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا و أقلّ عددا ) حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن و الإنس ما يوعدون من عذاب يوم القيامة , فسيعلمون يومئذ أنه لا ناصر لهم بالكلية , و أنهم هم أقل عددا من جنود الله عز و جل .

    ( قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ) أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم أن يقول للمشركين المطالبين بالعذاب استخفافا و عنادا و تكذيبا , أن يقول لهم ما أدري أقريب ما و عدكم ربكم من العذاب حيث يحل بكم عاجلا أم يجعل له ربي غاية و أجلا بعيدا يعلمه هو و لا يعلمه غيره .

    ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا , إلا من ارتضى من رسول ) و هذه كقوله تعالى " و لا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء " . فإن الله تعالى وحده يعلم الغيب و الشهادة , و إنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا من ارتضى من رسول فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به , و هذا يعم الرسول الملكي و البشري .

    ( فإنه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا ) أي : حرسا من الملائكة يحفظونه من تخاليط الشياطين و وساوسهم , حتى يبلغ ما أمر به من غيبه و وحيه .

    ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) ليعلم الرسول صلى الله عليه و سلم أن الرسل من قبله قد بلغت رسالات ربها لما أحاطها تعالى به من العناية حتى إنه إذا جاءه الوحي كان معه ملائكة يحمونه من الشياطين حتى لا يسمعوا خبر السماء فيبلغوه أولياءهم من الإنس , فتكون فتنة في الناس .

    ( و أحاط بما لديهم ) أي : و أحاط الله بما لدى الملائكة و الرسل علما .

    ( و أحصى كل شيء عددا ) أي : و أحصى عدد كل شيء لسعة علمه سبحانه و تعالى , فلا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم .

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة نوح

    و هي مكية و عدد آياتها ثمان و عشرون آية

    قال المهايميّ : سميت به لاشتمالها على تفاصيل دعوته و أدعيته .

    ( إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ) يقول تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام أنه أرسله إلى قومه , رحمة لهم و إنذارا لهم من عذاب الله الأليم , خوفا من استمرارهم على كفرهم , فيهلكهم الله هلاكا أبديا , و يعذبهم عذابا سرمديا .

    ( قال يا قوم إنّي لكم نذير مبين ) أي : أخوفكم من عواقب كفركم بالله و شرككم به .

    ( أن اعبدوا الله و اتّقوه و أطيعون ) أي : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به شيئا و اتقوه فلاتعصوه بترك عبادته و لا بالشرك به , و أطيعون فيما آمركم به و أنهاكم عنه لأني مبلغ عن الله ربي و ربكم , و لا آمركم إلا بما يكملكم و يسعدكم و لا أنهاكم إلا عما يضركم و لا يسركم .

    ( يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجل مسمّى ) إذا فعلتم ما أمرتكم به و صدقتم ما أرسلت به إليكم , غفر الله لكم ذنوبكم – و بالتالي يحصل لهم النجاة من العذاب , و الفوز بالثواب – و يمد في أعماركم و يدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تنزجروا عما أنهاكم عنه , أوقعه بكم .

    ( إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون ) إن العذاب الذي كتبه على من كذب و تولى محقق غير مؤخر فلو كنتم من أهل العلم و النظر لأنبتم إلى ربكم فتبتم إليه و استغفرتموه .

    ( قال ربّ إني دعوت قومي ليلا و نهارا ) قال نوح عليه السلام - بعد أن بذل غاية الجهد في دعوة قومه , و ضاقت عليه الحيل , في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاما - و هو يشكو إلى ربّه إني دعوة قومي إلى عبادتك و توحيدك ليل نهار , و ذلك امتثالا لأمرك و ابتغاءً لطاعتك .

    ( فلم يزدهم دعائي إلاّ فرارا ) أي : كلما دعوتهم إلى الإيمان بك و عبادتك وحدك , فرُّوا مني و من الحق الذي أرسلتني به .

    ( و إني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم ) و إنما كلما دعوتهم ليؤمنوا بك و يتوبوا إليك لتغفر لهم سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه – كما أخبر تعالى عن كفار قريش " و قال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن و الغوا فيه لعلكم تغلبون " – و تغطوا بثيابهم من كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في الدين , و بُعدا عن الحق و بغضا له .

    ( و أصروا و استكبروا استكبارا ) أي : استمروا على ما هم فيه من الشرك و الكفر العظيم الفظيع , و تعاظموا عن الإذعان للحق و قبول ما دعوتهم إليه من النصيحة .

    ( ثم إني دعوتهم جهارا ثم إنّي أعلنت لهم و أسررت لهم إسرارا ) ثم إني دعوتهم إلى توحيدك في عبادتك و إلى ترك الشرك فيها مرة بعد مرة , على وجوه متنوعة , ما بين مجاهرة و إظهار بلا خفاء , و ما بين إعلان و صياح بهم , و ما بين إسرار فيما بيني و بينهم في خفاء , و هذه المراتب أقصى ما يمكن للآمر بالمعروف , و الناهي عن المنكر أن يقوم بها .

    ( فقلت استغفروا ربكم إنّه كان غفّارا ) أي : ارجعوا إليه و ارجعوا عما أنتم فيه و توبوا إليه من قريب , فإنه من تاب إليه تاب عليه , و لو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر و الشرك .

    ( يرسل السماء عليكم مدرارا ) أي نزل عليكم المطر متتابعا , يروي الشعاب و الوهاد , و يحيي البلاد و العباد .

    ( و يمددكم بأموال و بنين ) أي : يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا و أولادكم .

    ( و يجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا ) أي : و جعل لكم بساتين فيها أنواع الثمار , و خللها بالأنهار الجارية بينها .

    ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) أي : أي شيء جعلكم لا ترون لله عظمة إذ تشركون معه ما لا يسمع و لا يبصر , فلا تخافون من بأسه و نقمته .

    ( و قد خلقكم أطوارا ) أي خلقكم حالا بعد حال , فطورا نطفة , و طورا علقة , و طورا مضغة .. و هكذا طورا بعد طور . و مقتضى علم ذلك شدة الرهبة من بطشه و أخذه , لعظيم قدرته .

    ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ) أي : كل سماء فوق الأخرى .

    ( و جعل القمر فيهنّ نورا و جعل الشّمس سراجا ) ففاوت بينهما في الإستنارة , فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة , ليعرف الليل و النهار بمطلع الشمس و مغيبها , و قدر القمر منازل و بروجا , و فاوت نوره , فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستسر , ليدل على مضي الشهور و الأعوام , كما قال تعالى " هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا و قدّره منازل لتعلموا عدد السّنين و الحساب ما خلق الله ذلك إلاّ بالحقّ يفصّل الآيات لقوم يعلمون " .

    ( و الله أنبتكم من الأرض نباتا ) إذ أصلكم من تراب , و النطف أيضا من الغذاء المكون من التراب , ثم خلقتكم تشبه النبات و هي على نظامه في الحياة و النماء .

    ( ثم يعيدكم فيها ) أي : في الأرض بعد الموت فتدفنون فيها .

    ( و يخرجكم إخراجا ) أي : يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة .

    ( و الله جعل لكم الأرض بساطا ) أي : مفروشة مبسوطة صالحة للعيش فيها و الحياة عليها .

    ( لتسلكوا منها سُبلا فجاجا ) أي : خلقها لكم لتستقروا عليها و تسلكوا فيها أين شئتم , من نواحيها و أرجائها و أقطارها .

    و كل هذا مما ينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله و عظمته في خلق السماوات و الأرض , و نعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية و الأرضية , فهو الخالق الرازق , جعل السماء بناءً , و الأرض مهادا , و أوسع على خلقه من رزقه , فهو الذي يجب أن يعبد و يوحد و لا يشرك به أحد , لأنه لا نظير له و لا عديل له , و لا ندّ و لا كفء , و لا صاحبة و لا ولد , و لا وزير و لا مشير , بل هو العلي الكبير .

    يتبع ...

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    443

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
    جزاك الله عنا خير الجزاء .... جعله ربي في ميزان حسناتك
    واصل بارك الله فيك
    قياس الحياة ليس في طول بقائها و لكن في قوة عطائه

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

    أحسن الله إليكم و بارك فيكم

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تتمة تفسير سورة نوح ...

    ( قال نوح ربّ إنهم عصوني ) أي : قال عليه السلام شاكيا لربه : إن هذا الكلام و الوعظ ما نجع فيهم و لا أفاد , فقد خالفوا أمري و ردُّوا عليّ ما دعوتهم إليه من الهدى و الرشاد .

    ( و اتّبعوا من لم يزده ماله و ولده إلاّ خسارا ) و اتّبعوا كبراءهم و أغنياءهم و أهل الترف فيهم , أهل المال و الجاه , المعرضين عن الحق , الذين غرَّتهم أموالهم و أولادهم , فهلكوا بسببهما , و خسروا سعادة الدارين .

    ( و مكروا مكرا كُبّارا ) أي : مكروا مكرا كبيرا بليغا بأتباعهم في تسويلهم لهم بأنهم على الحق و الهدى , كما يقولون لهم يوم القيام " بل مكر اللّيل و النّهار إذ تأمروننا أن نّكفر بالله و نجعل له أنداد " .

    ( و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرنّ ودًّا و لا سُوَاعا و لا يغوث و يعوق و نسرا ) أي : قالوا لبعضهم البعض متواصين بالباطل , ألاّ تَدعوا عبادة آلهتكم , ثم سموا منها رؤساءها و هم خمسة : ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر . قال ابن عباس : " و هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح , فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا , و سمُّوها بأسمائهم . ففعلوا , فلم تُعبد , حتّى إذا هلك أولئك , و تنسَّخ العلم عُبدت " رواه البخاري .
    و قال ابن جرير : " كان من خبرهم - فيما بلغنا - من محمد بن قيس قال : كانوا قوما صالحين من بني آدم , و كان لهم أتباع يقتدون بهم , فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم . فصورهم . فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم , و بهم يسقون المطر , فعبدوهم " .
    قال قتادة : كانت آلهة تعبدها قوم نوح , ثم عبدتها العرب بعد ذلك .

    ( و قد أضلّوا كثيرا ) يعني : الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقا كثيرا , فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب و العجم و سائر صنوف بني آدم . و قد قال إبراهيم عليه السلام في دعائه " و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام , ربّ إنّهن أضللن كثيرا من الناس " .

    ( و لا تزد الظالمين إلا ضلالا ) هذا دعاء من نوح عليه السلام على قومه بعد أن أيس من إيمانهم و عدم هدايتهم لطول ما مكث بينهم يدعوهم و هم لا يزدادون إلا كفرا و ضلالا .

    ( ممّا خطيئاتهم أغرقوا ) من كثرة ذنوبهم و عتوهم و إصرارهم على كفرهم و مخالفتهم رسولهم أغرقوا بالطوفان فلم يبق منهم أحد .

    ( فأدخلوا نارا ) أي : بمجرد ما يغرق الشخص و تخرج روحه يدخل النار في البرزخ .

    ( فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) أي : لم يكن لهم معين و لا مُغيث و لا مُجير ينقذهم من عذاب الله كقوله " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " .

    ( و قال نوح ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا ) أي : لا تترك على وجه الأرض منهم أحدا . قال ابن جرير : " يعنى ب " الديّار " من يدور في الأرض فيذهب و يجيء فيها " . فاستجاب الله له , فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه , و قال " سآوي إلى جبل يعصمني من الماء , قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم , و حال بينهما الموج فكان من المغرقين " .

    ( إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ) إنك إن أبقيت منهم أحدا أضلوا عبادك , أي : الذين تخلقهم بعدهم .

    ( و لا يلدوا إلاّ فاجرا كفّارا ) أي : لا يلدون إلا من يفجر عن دينك و يكفر بك و برسولك . و إنما قال نوح عليه السلام ذلك , لأنه مع كثرة مخالطتهم , و مزاولته لأخلاقهم , و طول المدة التي مكثها بينهم - ألف سنة إلا خمسين عاما - علم بذلك نتيجة أعمالهم , لا جرم أن الله استجاب دعوته , فأغرقهم أجمعين , و نجى نوحا و من معه من المؤمنين .

    ( ربّ اغفر لي و لوالديّ ) قال ابن جرير : أي رب اعف عني , و استر عليّ ذنوبي و على والديّ .

    ( و لمن دخل بيتي مؤمنا ) قال ابن جرير : أي و لمن دخل مسجدي و مصلاي , مصليا مؤمنا بواجب فرضك عليه . قال ابن كثير : و لا مانع من حمل الآية على ظاهرها , و هو أنه دعا لكل من دخل منزله و هو مؤمن .

    ( و للمؤمنين و المؤمنات ) دعاء لجميع المؤمنين و المؤمنات , و ذلك يعم الأحياء منهم و الأموات , و لهذا يستحب مثل هذا الدعاء , اقتداء بنوح عليه السلام , و بما جاء في الآثار , و الأدعية المشروعة .

    ( و لا تزد الظالمين إلا تَبارا ) أي : و لا يزد الظالمين إلا خسارا و هلاكا في الدنيا و الآخرة .

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    الدولة
    سياتل..ولاية واشنطن ..
    المشاركات
    977

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بارك الله فيك..جزاك الله خيرا..
    أنا الشمس في جو العلوم منيرة**ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
    إمام الأندلس المصمودي الظاهري

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    شكرا لكم أخي الكريم

  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة المعارج

    و تسمى سورة " سأل سائل " . و هي مكية و آيها أربع و أربعون .

    ( سأل سائل بعذاب واقع ) أي دعا داعٍ من الكفار و هو النضر بن الحارث و من وافقه من المشركين أن يصيبهم العذاب – على وجه التعجيز و الإمتحان - , فقالوا : " اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " . فبشرهم الله تعالى بأن ذلك العذاب واقع لا محالة .

    ( واقع , للكافرين ) مُرصد مُعَدّ للكافرين .

    ( ليس له دافع ) أي : ليس لهذا العذاب الذي استعجل به من استعجل , من متمردي المشركين , أحد يدفعه قبل نزوله , أو يرفعه بعد نزوله .

    ( من الله ذي المعارج ) أي : صاحب العلو و الدرجات و مصاعد الملائكة و هي السماوات .

    ( تعرج الملائكة و الروح إليه ) أي : تصعد الملائكة و جبريل إلى الله تعالى .

    ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) أي يصعدون من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السماوات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق .

    ( فاصبر صبرا جميلا ) أي : اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك , و استعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه , و استمر على أمر الله , و ادع عباده إلى توحيده , فإن الصبر على ذلك خيرا كثيرا .

    ( إنهم يرونه بعيدا ) وقوع العذاب و قيام الساعة يراه الكفرة مستحيل الوقوع , لأنهم أصلا يكذبونا بالبعث و النشور .

    ( و نراه قريبا ) أي : المؤمنون يعتقدون كونه قريبا , و إن كان له أمد لا يعلمه إلا الله , عز و جل , لكن كل ما هو آت فهو قريب و واقع لا محالة .

    يقول تعالى : العذاب واقع بالكافرين ( يوم تكون السماء كالمهل ) أي : تذوب كذائب النحاس , و الرصاص المذاب , من تشققها , و بلوغ الهول منها كل مبلغ .

    ( و تكون الجبال كالعهن ) أي : كالصوف المنفوش – في الخفة و الطيران بالريح – ثم تكون بعد ذلك هباء منثورا , فتضمحل . فإذا كان هذا القلق و الإنزعاج لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة , فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد أثقل ظهره بالذنوب و الأوزار ؟ أليس حقيقا , أن ينخلع قلبه و ينزعج لبه , و يذهل عن كل أحد ؟ و لهذا قال :
    ( و لا يسأل حميم حميما ) أي : لا يسأل قريب قريبا عن شأنه – مع أنه يراه في أسوأ الأحوال – لشغله بشأن نفسه .

    ( يبصرونهم ) أي : يعرّفون أقرباءهم , و مع ذلك يفر بعضهم من بعض .

    ( يودُّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه , و صاحبته و أخيه , و فصيلته التي تُؤويه , و من في الأرض جميعا ثمّ يُنجيه , كلا ) لما يرى المجرم الذي حق عليه العذاب هول يوم القيامة و هول ما ينتظره من عذاب أليه , يتمنى أن لو يفتدي نفسه – من ذلك العذاب – ببنيه الذين هم حُشاشة كبده , و محل شفقته , و زوجته التي هي أحب إليه , و أخيه الذي يستعين به في النوائب , و عشيرته التي تضمه إليها في الشدائد , بل و يفتدي بأهل الأرض جميعا لينجي نفسه من سوء المصير . لكن لا ينفع ذلك و لا يقبل , فقد حقّت كلمة ربك على الذين فسقوا أن لهم عذاب عظيم .

    ( إنّها لظى ) إنّ النار التي وُعد بها المجرمون من لهب خالص , شديد الحرارة .

    ( نزّاعة للشّوَى ) أي : تنزع جلدة رأس المجرمين بشدة و قوة فيظل الرأس عظم بلا جلد , ثم " و إن يستغيثوا يُغاثُ بماء كالمهل يشوي الوجوه " فيسقط لحم الوجه , فيبقى هيكلا عظميا لا لحم و لا جلد عليه كما قال تعالى " كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " . * قاله الشيخ عبد العظيم بدوي * .

    ( تدعو من أدبر و تولّى , و جمع فأوعى ) أي : تدعو النار إليها – بلسان طلق ذلق – من أدبر عن طاعة الله و رسوله , فكذبه بقلبه , و ترك العمل بجوارحه . و من جمع المال بعضه على بعض فأوعاه , و منع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات و من إخراج الزكاة . ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب .

    يتبع ...

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    سبتة
    المشاركات
    142

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بارك الله فيك ......ورزقك الفردوس الاعلي قرب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    في ميزان حسناتك ان شاء الله
    اللهم إشفي تسنيم ومحمد وجميع مرضى المسلمين
    اللهم لا شفاء إلا شفاءك

  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

    جزاكم الله تعالى كل خير و أحسن إليكم

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تتمة تفسير سورة المعارج

    ( إن الإنسان خُلق هلوعا ) أي قليل الصبر , شديد الحرص , كما بيّنه بقوله ( إذا مسّه الشّر جزوعا ) إذا أصابه الضر , من فقر أو مرض , أو ذهاب محبوب له , من مال أو أهل أو ولد , فزع و جزع و انخلع قلبه من شدة الرعب , و أيس أن يحصل له بعد ذلك خير .

    ( و إذا مسّه الخير منوعا ) و إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره , و منع حق الله فيها .

    ( إلاّ المصلين , الذين هم عن صلاتهم دائمون ) أي : الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم إلا من عصمه الله و وفقه , و هداه إلى الخير و يسر له أسبابه , و هم المصلون , المداومون عليها في أوقاته بشروطها و مكملاتها .

    ( و الذين في أموالهم حقٌّ معلوم , للسائل و المحروم ) أي : في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات , من زكاة و صدقة . فتُبدَل تلك الأموال للسّائل الذي يطلب الصدقة و للذي لا يطلبها حياءً و تعفّفا .

    ( و الذين يصدِّقون بيوم الدين ) أي : يوقنون بالمعاد و الحساب و الجزاء , فهم يعملون عمل من يرجو الثواب و يخاف العقاب . و التصديق بيوم الدين , يلزم منه التصديق بالرسل , و بما جاؤوا به من الكتب .

    ( و الذين هم مّن عذاب ربّهم مُّشفقون ) قال ابن جرير : أي وَجِلون أن يعذبهم في الآخرة , فهم من خشية ذلك لا يضيّعون له فرضا , و لا يتعدّون له حدّا .

    ( إنّ عذاب ربّهم غير مأمون ) أي : لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك و تعالى .

    ( و الذين هم لفروجهم حافظون ) أي : يكفونها عن الحرام و يمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه , فلا يطؤون بها وطأً محرما , من زنى , أو لواط , أو وطءٍ في دبر , أو حيض , و نحو ذلك , و يحفظونها أيضا من النظر إليها و مسها , ممن لا يجوز له ذلك , و يتركون أيضا , وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة .

    ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) من الجواري و الإماء .

    ( فإنهم غير ملومين ) في إتيان أزواجهم و جواريهم اللاائي ملكوهنّ بالجهاد أو الشراء الشرعي .

    ( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) فمن إلتمس لفرجه منكحا غير زوجته , أو ملك يمينه , فأولئك هم الظالمون الذين تجاوزوا الحلال إلى الحرام فكانوا بذلك معتدين ظالمين . فدلت بذلك هذه الآية على تحريم نكاح المتعة , لكونها غير زوجة مقصودة , أو ملك يمين .

    ( و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون ) أي : مراعون لها , حافظون مجتهدون على أدائها و الوفاء بها , و هذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد و بين ربه , كالتكاليف السرية , التي لا يطلع عليها إلا الله , و الأمانات التي بين العبد و بين الخلق , في الأموال و الأسرار , و كذلك العهد , شامل للعهد الذي عاهد عليه الله , و العهد الذي عاهد عليه الخلق , فإن العهد يسأل عنه العبد , هل قام به و وفاه , أو رفضه و خانه فلم يقم به ؟

    ( و الذين هم بشهاداتهم قائمون ) أي لا يكتمون ما استشهدوا عليه , قال تعالى " و من يكتمها فإنّه آثم قلبه " , و لكنهم يقومون بأدائها حيث يلزمهم أداؤها , غير مغيّرة و لا مبدّلة .

    ( و الذين هم على صلاتهم يُحافظون ) على مواقيتها و أركانها و واجباتها و مستحبّاتها , فافتتح الكلام بذكر الصلاة و اختتمه بذكرها , فدل على الإعتناء بها و التنويه بشرفها .

    ( أولئك في جنّات مكرمون ) أولئك المطبقون لهذه الصفات – السابق ذكرها – الناجحون فيها , في جنّات مكرمون بأنواع الملاذ و المسار , التي تشتهيها الأنفس و تلذ بها الأعين , و هم فيها خالدون .

    يتبع ...

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •